الدولة العثمانية : الحلقة الخامسة (عهد بايزيد الأول)
مدونة ورود الحق ـ ويكبيديا
عهد با يزيد الأول
-------------
بايزيد الأول، ولد حوالي عام 1345 وتوفي عام 1403، كان سلطان عثماني حكم بين عام 1389 و 1402. تولى العرش بعد مقتل أباه مراد الأول، ومباشرة قضى على أخيه يعقوب خنقا ليمنعه من القيام بانقلاب عليه. لقب باسم "يلدرم" أى الصاعقة نظرًا لحركته السريعة بجيوشه وتنقله بين عدة جهات بمنتهى السرعة.
كان في غاية الشجاعة والحماسة للجهاد في سبيل الله غير أنه امتاز عمن سبقوه بسرعة الحركة وقوة الإنقضاض على أعدائه حتى لقب بالصاعقة أو يلدرم باللغة التركية، وكان مجرد ذكر اسم 'يلدرم' يوقع الرعب في نفوس الأوروبين عموماً وأهل القسطنطينية خصوصاً.
تولى بايزيد الحكم بعد استشهاد أبيه مراد الأول في معركة كوسوفو سنة 791 هـ.
فتوحاته
كانت منطقة الأناضول أو آسيا الصغرى دائماً هي منطقة الإنطلاق لأى سلطان جديد، ذلك لأن هذه المنطقة منقسمة على نفسها لعدة إمارات صغيرة يحكمها أمراء متغلبون على رقاب المسلمين فيها، وقد سعى السلطان مراد الأول لتوحيد الأناضول بعدة وسائل، ولم يكد ينجح في ذلك حتى انفرط العقد مرة أخرى، ثار هؤلاء الأمراء على العثمانيين وسببوا لهم الكثير من المتاعب، وكانت ثوراتهم المتكررة سبباً لصرف جهود العثمانيين عن حرب أوروبا، مما جعل الأوروبيين يلتقطون أنفسهم ويشكلوا تحالفات صليبية متكررة لمحاربة العثمانيين، وفي سنة 793 هجرية استطاع بايزيد أن يضم إمارات منتشا، آيدين وصاروخان دون قتال بناءاً على رغبة سكان هذه الإمارات، وقد لجأ حكام هذه الإمارات إلى إمارة اصفنديار، كما تنازل له أمير القرمان علاء الدين عن جزء من أملاكه بدلاً من ضياعها كلها، وقد أشتهر علاء الدين هذا بالغدر والخيانة وأخبار جرائمه أيام السلطان مراد الأول مشهورة، لذلك فلم يكن مستغرباً على هذا الرجل أن يثور مرة أخرى أيام بايزيد مستغلاً انشغاله بالجهاد في أوروبا حيث قام علاء الدين بالهجوم على الحاميات العثمانية وأسر كبار قادة العثمانيين واسترد بعض الأراضى، فعاد بايزيد بسرعته المعهودة وانقض كالصاعقة على علاء الدين وفرق شمله وضم إمارة القرمان كلها للدولة العثمانية وتبعتها إمارة سيواس وتوقات، ثم شق بايزيد طريقه إلى إمارة اصفنديار التي تحولت لملجأ للأمراء الفارين، وطلب بايزيد من أمير اصفنديار تسليم هؤلاء الثوار فأبى فانقض عليه بايزيد وضم بلاده إليه، والتجأ الأمير ومن معه إلى تيمورلنك.
غزوه لأوربا
1- موقفه من الصرب
1- موقفه من الصرب
بعدما فرغ بايزيد من ترتيب الشأن الداخلى والقضاء على ثورات الأناضول، اتجه إلى ناحية أوروبا وبدأ أولى خطواته هناك بإقامة حلف ودي مع الصرب، وربما يستغرب القارىء من هذه المحالفة ذلك لأن الصرب كانوا من أشد الناس عداوة للمسلمين وحتى الآن كذلك، ولأنهم كانوا السبب في قيام تحالف بلقانى صليبى ضد المسلمين، بل إن السلطان مراد الأول والد بايزيد قد قتل في حربه ضدهم، وكل هذه الأسباب كافية لمنع التحالف معهم، ولكن بايزيد (الصاعقة) كان له وجهة نظر ذكية، وهي أن الحلف مع الصرب يجعلهم بمنزلة الحاجز القوى بين الدولة العثمانية وإمبراطورية المجر التي كانت وقتها أقوى الممالك الأوروبية وتلعب بحامية الصليب، وكانت علاقة المجر والصرب متوترة، فاستغل بايزيد ذلك للتفرغ إلى الغرب والوسط الأوروبى وفتح القسطنطينية، وهذا من فقه الموازنة بين المصالح والمفاسد الذى يحتاجه الحاكم المسلم على الدوام، ولايفهم من هذا الفقه إباحة ماحرمه الله عز وجل أو الإخلال بعقيدة الولاء والبراء، إنما هو من جنس المعاهدات المؤقتة التي تخدم هدفاً معيناً لفترة معينة، أى أنها لاتبطل شريعة الجهاد في سبيل الله أبداً وهي تشبه جنس معاهدة الحديبية وغيرها.
عين بايزيد "إصطفان بن لازار" ملكًا على الصرب عام 792 هـ مقابل دفع جزية سنوية وتقديم عدد من المقاتلين ينضمون للجيوش العثمانية وقت الحرب. تزوج "أوليفير" أخت أصطفان لكى لايبقى مشغولاً بموضوع الصرب.
كان بايزيد يهدف من محالفته للصرب غاية هامة إلا وهي التفرغ للوسط الأوروبي والقسطنطينية لذلك فقد قام بتوجيه ضربة خاطفة إلى بلغاريا وفتحها سنة 797 هـ، وأصبحت بلغاريا من وقتها إمارة تابعة للدولة العثمانية، مما جعل أوروبا ترتجف رعباً تحت (الصاعقة الإسلامية) التي فتحت البلاد الواحدة تلو الأخرى، وفرض بايزيد على إمبراطور بيزنطة مانويل عدة شروط منها :
1.إنشاء محكمة إسلامية وتعيين قضاه مسلمين بها للفصل في شئون الرعية المسلمة بها.
2.بناء مسجد كبير بها والدعاء فيه للخليفة العباسي بمصر ثم السلطان بايزيد وذلك يوم الجمعة.
3.تخصيص 700 منزل داخل المدينة للجالية المسلمة بها.
4.زيادة الجزية المفروضة على الدولة البيزنطية.
معركة نيقوبولس
مقال تفصيلي :معركة نيقوبولسكان سقوط بلغاريا وقبول مانويل للشروط السابقة بمثابة جرس الإنذار القوى لكل الأوروبيين خاصة ملك المجر سيجسموند والبابا بونيفاس التاسع، فاتفق عزم الرجلين على تكوين حلف صليبى جديد لمواجهة الصواعق العثمانية المرسلة، واجتهد سيجسموند في تضخيم حجم هذا الحلف وتدويله، باشتراك أكبر قدر ممكن من الجنسيات المختلفة، وبالفعل جاء الحلف ضخماً يضم مائة وعشرين ألف مقاتل من مختلف الجنسيات مثل: ألمانيا، فرنسا، إنجلترا، إسكتلندا، سويسرا وإيطاليا، ويقود الحلف سيجسموند ملك المجر. تحركت الحملة الصليبية الجرارة سنة 800 هجرية، ولكن بوادر الوهن والفشل قد ظهرت على الحملة مبكراً، ذلك لأن سيجسموند قائد الحملة كان مغروراً أحمقاً لايستمع لنصيحة أحد من باقى قواد الحملة، وحدث خلاف شديد على استراتيجية القتال، فسيجسموند يؤثر الإنتظار حتى تأتى القوات العثمانية، وباقى القواد يرون المبادرة بالهجوم، وبالفعل لم يستمعوا لرأى سيجسموند وانحدروا مع نهر الدانوب حتى وصلوا إلى مدينة نيكوبولس في شمال البلقان.
لم يكد الصليبيون يدخلون المدينة حتى ظهر بايزيد ومعه مائة ألف مقاتل كأنما الأرض قد انشقت عنهم، وكان ظهوره كفيلاً بإدخال الرعب والهول في قلوب الصليبيين فوقعت عليهم هزيمة مدوية حتى أن سيجسموند الذى وقف قبل المعركة يقول في تيه وغرور "لو انقضت علينا السماء من عليائها لأمسكناها بحرابنا" يهرب مثل الفأر المذعور ويلقى بنفسه في مركب صغير ويترك خلفه حملته الفاشلة تذوق ويلات هزيمة مروعة.
أسفرت معركة نيكوبولي عن نصر عظيم للمسلمين كان له أعظم الأثر في العالم الإسلامى بأسره، ووقعت بشارة الفتح في كل مكان مسلم، وأرسل بايزيد إلى كبار حكام العالم الإسلامى يبشرهم بالفتح وبالعديد من أسرى النصارى كهدايا وسبايا لهؤلاء الحكام باعتبارهم دليلاً مادياً على روعة النصر، وأرسل بايزيد إلى الخليفة العباسى بالقاهرة يطلب منه الإقرار على لقب سلطان الروم الذى اتخذه بايزيد دليلاً على مواصلة الجهاد ضد أوروبا حتى يفتحها كلها، ووافق الخليفة على ذلك، وانساح كثير من المسلمين إلى بلاد الأناضول حيث الدولة العثمانية القوية المظفرة.
وانتقل إلى الأناضول عام 793 هـ، فضم إمارة "منتشا" وإمارة "آيدين" وإمارة "صاروخان" دون قتال. تنازل له أمير دولة القرمان عن جزء من أملاكه كى يبقى له الجزء الباقى كما فتح مدينة الأشهر وهي آخر مدينة كانت باقية للروم في غرب بلاد الأناضول. حاصر القسطنطينية عام 794 هـ وتركها محاصرة واتجه بجيش إلى الأفلاق (جنوب رومانيا) وعقد معاهدة مع حاكمها تقضى بسيادة العثمانيين وبدفع جزية سنوية إلى السلطان. تمرد عليه أمير دولة القرمان علاء الدين فواجهه وهزمه وأخذه وولديه أسرى.
معركة أنقرة
مقال تفصيلي :معركة أنقرةهزم بايزيد الأول أمام جيش تيمورلنك في معركة أنقرة يوم 19 ذى الحجة 804هـ وأسر هو وولده موسى وحاول الفرار من الأسر ثلاث مرات وفشل فيها كلها، وتوفى في الأسر في 15 شعبان عام 805هـ وسمح تيمورلنك بنقل جثمانه ليدفن في بورصة.
----------------------------------
كتبت تحت قسم
الدولة العثمانية الجزء الأول
,
تاريخ أمة
مواضيع متشابهة:
إذا أعجبتك مدونتى قم بنشرها واشترك بها ليصلك كل جديدها.
الأكثر مشاهدة
المشاركات الشائعة
-
موقع الإخوان المسلميبن ـ ورود الحق بقلم: د. عماد عجوة القيروان.. مدينة تونسية تقع على بُعد 156 كم من العاصمة تونس، وعلى بُعد 57 كم من مدين...
-
أولا: مفهوم الثبات والمرونة : تنقسم أحكام الشريعة الإسلامية على قسمين : ا لأول : أحكام ثابتة : وهذه لا سبيل إلى البحث فيها ، ولا تقبل الت...
-
موقع قصة الإسلام ـ مدونة ورود الحق أما النصف الأوَّل من القرن الرابع الهجري والنصف الأوَّل من القرن العاشر الميلادي فيمثِّله أبو الحسن عل...
-
مدونة ورود الحق ـ الإسلام اليوم هانئ رسلان تعيشُ الخُرطوم هذه الأيام أجواءًا من الترقُّب المشوب بالقلق؛ بسبب...
-
مدونة ورود الحق ـ موقع إخوان أون لاين بقلم: د. كامل عبد الفتاح باحث في تاريخ مصر الحديث والمعاصر في التاسع والعشرين من أغسطس من كل عام تحل...
-
حذر الدكتور محمود حمدي زقزوق، وزير الأوقاف، أئمة الوزارة من التطرق إلى الموضوعات السياسية في الدروس الرمضانية التي سيلقونها بمساجد الجمهور...
-
د: منير جمعة عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين :- دول الغرب المسيحي تحتفي بكل الخارجين عن الإسلام وتلبسهم ألقابا رنانة . الرئيس بوش استقبل...
-
موقع قصة الإسلام ـ ورود الحق فلسطين أرض الرسل والأنبياء الذين حملوا راية التوحيد، ودعوا أقوامهم إلى الالتزام بها. وقد شهدت فلسطين ف...
-
مدونة ورود الحق هؤلاء هم القادة الذين نريدهم هؤلاءالله سيرفع درجاتهم إن شاء الله ويسكنهم جنات النعيم ذلك بما يعملون الآن لأمتهم من تضحيات و...
-
ورود الحق ـ قصة الإسلام : روجر بواس يلقي روجر بواس[1] في مقاله هذا نظرة على النموذج الإسباني للتطهير العرقي والديني. لكل شيء إذا ما تم نقصان...
يتم التشغيل بواسطة Blogger.
أرشيف المدونة الإلكترونية
-
▼
2009
(54)
-
▼
نوفمبر
(42)
- الحلقة التاسعة والعشرون
- الحلقة الثامنة والعشرون
- الحلقة السابعة والعشرون
- الحلقة السادسة والعشرون
- الحلقة الخامسة والعشرون
- الحلقة الرابعة والعشرون
- الحلقة الثالثة والعشرون
- الحلقة الثانية والعشرون
- الحلقة الحادية والعشرون
- الحلقة العشرون
- الحلقة التاسعة عشر
- الحلقة الثامنة عشر
- الحلقة السابعة عشر
- الحلقة السادسة عشر
- الحلقة الخامسة عشر
- الحلقة الرابعة عشر
- الحلقة الثالثة عشر
- الحلقة الثانية عشر
- الحلقة الحادية عشر (سليمان المشرع (القانونى ))
- الحلقة العاشرة (عهد سليم الأول)
- الدولة العثمانية : الحلقة التاسعة (عهد بايزيد الثا...
- الدولة العثمانية : الحلقة الثامنة ( القائد العظيم ...
- الدولة العثمانية : الحلقة السابعة ( القائد العظيم ...
- الدولة العثمانية : الحلقة السادسة ( عهد محمد الأول...
- الدولة العثمانية : الحلقة الخامسة (عهد بايزيد الأول)
- الدولة العثمانية : الحلقة الرابعة ( عهد مراد الأول)
- الدولة العثمانية : الحلقة الثالثة ( عهد أورخان غازى)
- الدولة العثمانية : الحلقة الثانية ( بداية الدولة و...
- الدولة العثمانية : الحلقة الأولى ( الأصول والنشأة ...
- سؤال وجواب عن الحج
- فتاوى الدكتور منير جمعة
- سؤال وجواب عن الحج
- سؤال وجواب عن الحج
- سؤال وجواب عن الحج
- تاريخ الخلافة العثمانية العظيمة
- حوار مع الدكتور منير جمعة بقلم أ/ أحمد سعد
- برنامج إلى صلاتى
- حينما يشتد الظلم
- عن الموت وعذاب القبر
- ماذا عن عمر بن الخطاب
- وفاة الرسول
- العبادة الصامتة
-
▼
نوفمبر
(42)
أحدث موضوع
المدونة على الفيس بوك
أقسام مهمة
التسميات
- أزمات الأمة (38)
- الخلافة الأموية (1)
- الدولة العثمانية الجزء الثانى (12)
- الدولة العثمانية الجزء الرابع (3)
- الدولة العثمانية الجزء الأول (8)
- الدولة العثمانية الجزء الثالث (10)
- السودان وأزمة الانفصال (10)
- الشيشان جرح ينزف (7)
- النصرانية ما بين التعريف والتحريف الجزء الأول (1)
- تاريخ الأندلس (1)
- تاريخ أمة (42)
- تاريخ حماس والدفاع عنه (1)
- تاريخ فلسطين (2)
- تحليلات هامة (11)
- تربية الأطفال (1)
- تركستان جرح ينزف (8)
- حدث فى مثل هذا (2)
- دروس فى الفقه (1)
- شخصيات إسلامية (2)
- شخصيات أسلموا (2)
- صحابة الرسول (1)
- عجائب التكنولوجيا (1)
- على الصلابى (1)
- عن الإخوان والبنا (4)
- غرائب من الحياة (1)
- غزة بين النار والحصار (7)
- فتاوى اقتصادية (1)
- فتاوى الدكتور منير جمعة (5)
- فتاوى عامة (6)
- فقه السنة (3)
- فلسطين (9)
- فيديو مؤثر (4)
- قالوا عن الإسلام (3)
- قصص من روائع حضارتنا (23)
- كتاب الكبائر للإمام شيخ الإسلام الذهبى (4)
- كشمير جرح ينزف (7)
- كوسوفا جرح ينزف (5)
- مساجد لها تاريخ (1)
- مقالات الأستاذ ثامر عبد الغني سباعنه (1)
- مقالات الدكتور منير جمعة (17)
- مقالات المشرف (13)
- مقالات رمضانية (1)
- مواعظ الإمام ابن الجوزى (16)
- نقاشات (1)
بحث
بحث هذه المدونة الإلكترونية
Categories
المتابعون
فيديو الأسبوع
أحدث التعليقات
أحدث المقالات
0 التعليقات على هذه المقالة شاركهم برأيك
اكتب تعليقك ورأيك