الصفحة الرئيسية » Archives for يناير 2011
عبد المنعم عرفات.. المجاهد الخفي
كتبت تحت قسم
تحليلات هامة
|
الأحد، 16 يناير 2011|
درعمى
نحو 60 عامًا أفناها بين الجهاد والدعوة، فلم يصرفه اعتقال ولا تهديد بالإعدام عن رسالته في تربية الأجيال، ولم يشغله حتى مرض الموت عن الاهتمام بدعوته والنصح لها.
وفي يوم رمضاني جميل، زرت المجاهد الخفي عبد المنعم عرفات (رحمه الله) في بيته، بصحبة الحاج مسعود السبحي والدكتور محمود عزت، بعد إجرائه عملية قلب، وحظر الأطباء حركته إلا في نطاق غرفته، ورغم الداء كان قلبه أكثر حركةً من أنشط الشباب؛ ما بدا في سؤاله عن الدعوة وما تمر به من أحداث، وبما يقدمه من عصارة عمره وتجاربه وخبرته في نصائح غالية، مجددًا عهده، ليؤكد أن هذه الدعوة ستظل شامخةً برجالها وما يقدمونه من تضحيات.
المولد والنشأة
حين كان يقال له: إنه من الرعيل الأول، كان يقول: "أنا من الرعيل المتوسط، أنا من جيل الوسط"، فهو من مواليد 6/1/1934م بمحافظة البحيرة، وأتمَّ دراسته الثانوية بمدرسة طنطا الثانوية الحديثة، ثم انتقل منها إلى الإسكندرية عام 1952م، ليلتحق بكلية الآداب قسم الدراسات النفسية والاجتماعية.
عمل مدرسًا بصعيد مصر ثم مدرسًا بمدرسة المرقسية الثانوية بالإسكندرية، حصل على الماجستير في عام 1974م عقب خروجه من السجن، وانتقل للعمل محاضرًا لمادة الثقافة الإسلامية في كلية العمارة والتخطيط بالسعودية، ثم إلى جامعة محمد بن سعود بالرياض حتى عام 1983م.
وعاد إلى مصر ليعمل بمدرسة "العروة الوثقى" الثانوية، وصاحب زوجته رحمها الله في إعارتها إلى الإمارات حتى عاد إلى مصر عام 1994م، ليتفرغ للعمل في الدعوة حتى مرضه الأخير.
رزقه الله بثلاثة أولاد قبل اعتقاله في محنة 65 (ابنًا وبنتين)، وأربعة بعد خروجه من المعتقل (ابن وثلاث بنات).
ميلاد إخواني
(يقول: علاقتي بالإخوان من الميلاد).. ذلك أنه التحق منذ صغره بشعبة الإخوان التي تربَّى فيها بقريته بالبحيرة، فقد كان عمه مسئول الشعبة، ولم يكن له سوى البيت أو المسجد والشعبة.
وعندما بلغ الرابعة عشرة من عمره، استيقظ على قضية فلسطين في عام 1948م؛ حيث كان عمه وشقيقه من أوائل المتطوعين في حرب فلسطين، فهم أسرة العمدة وعائلته، فعاش البيت والعائلة كلها أحداث فلسطين وجهاد الإخوان عام 1948م.
وبعد عام 1954م واعتقال قيادات الإخوان آنذاك، نظَّم الطلبة لقاءاتٍ في مجموعات غير معلنة، حتى تخرج من الجامعة؛ فكان نصيبه أن يعمل مدرسًا بالصعيد، أما إجازاته فكان كالطائر الذي يهوي إلى عشِّه بعد السعي والكفاح، فكان نصيب الإسكندرية هو هذا العش الدافئ مع إخوانه، يتجمعون على محبة الله، ويلتقون على طاعته، دفعًا لدعوته، ونصرة لشريعته تعالى.
"كان الإخوان في المحاكمات كأنهم في عرس" هذه العبارات من كلماته النيرات، التي طالما كان يردِّدها على جموع الإخوان، منذ اعتقل من مدرسة المرقسية الثانوية بالإسكندرية في محنة 65؛ حيث كان يعمل مدرسًا بها، وكان اسمه في الادعاء الأول الذي كان يحوي 39 أخًا، على رأسهم الشهيد سيد قطب.
لقاء في الجنة
يروي لنا الأستاذ عبد المنعم قائلاً: وكانت المحاكمات فرصة للحديث مع الأستاذ سيد قطب، الذي كان يجلس في الصف الأول، وكان يبادل الإخوان بنظرات الحب، قائلاً لهم: "لو كنتم تحبونني بمثل ما أحبكم لحرصتم على أن نلتقي في الجنة".
وكان الأستاذ سيد قطب هو المتحدث عنهم في المحاكمات، فإذا قيل له: اتكلم عن الشهداء، اتكلم عن التعذيب، يرد عليهم بهدوء الواثق بأمر ربه: "طوَّل بالك هذه الدعوة لم تقدم بعد ما يكفي من الشهداء"، مقارنة بشهداء غزوة أُحد السبعين.
من الإعدام إلى المؤبد
بعد تخفيف حكم الإعدام عليه إلى السجن المؤبد، قضى سنتين في السجن الحربي من عام 65 إلى 67، كان يستعذب الآلام وقسوة التعذيب الـ"لا آدمي" في سبيل الله تعالى، راضيًا بقدره، واثقًا في نصره لدعوته.
ثم رُحِّل في عام 68 إلى سجن مزرعة طرة، وكانت فرصة للالتقاء بالإخوان القدامى الذين أنهَوا مدَّتهم، ولكن صدرت الأوامر باعتقالهم وفقًا للقاعدة الظالمة: "يرحل إلى الاعتقال بعد انتهاء مدة الحبس".
ويقول الأستاذ عبد المنعم عرفات واصفًا سجن مزرعة طرة بابتسامة خافتة: "ملاكي خالص"، لما رآه في السجن الحربي من أهوال، ومع ذلك بدأت مشكلة التكفير في الظهور، والتي أنهاها فضيلة المرشد حسن الهضيبي بمذكرته التي حدَّدت المفاهيم، كما روى لنا الأستاذ عبد المنعم عرفات.
وبصفته كان معلمًا، شارك الأستاذ عبد المنعم في العمل التعليمي داخل السجن لكل المستويات، محو الأمية- ابتدائي وحتى الجامعة، إلى أن توقف هذا النشاط مع بدء خروج الإخوان المعتقلين والسنوات الخفيفة، ولم يبقَ إلا الأشغال الشاقة المؤبدة، الذين كان مجاهدنا واحدًا منهم.
رفيق المرشدين
ومن الذين تأثر بهم في هذه الفترة اثنان من الإخوان، يقول: "لقد تأثرت بجميع الإخوان، إلا أن أكثرهم تأثيرًا اثنان؛ كان الأول: الأستاذ محمد حامد أبو النصر؛ لأنه شخصية عملية، وتنازل عن غناه وثروته في سبيل دعوته، ولم يستجب لمحاولات عبد الناصر؛ حيث كان يتمتع بشخصية قوية، أما الثاني فكان الأستاذ محمد مهدي عاكف؛ حيث كان المدرِّب الرياضي للإخوان، فحفظ علينا صحتنا طوال فترة الحبس.
"الإخوان في خير وإلى خير وعلى خير".. هكذا دائمًا كان يردِّد هذه الكلمات وهو يزاول نشاطه الإخواني بالإسكندرية؛ حيث كان عضوًا بالمكتب الإداري بالإسكندرية، ومحاضرًا في حديث الثلاثاء بمسجد عصر الإسلام، ورغم التضييق الشديد على دعوة الإخوان كانت تأتي كلماته هذه بمثابة القوة الدافعة للإخوان، في الاستمرار والعمل المتواصل.
وكان حريصًا على تربية الجيل الجديد من الإخوان، فمن وصاياه للإخوان: "أوصي إخواني بالصبر والثبات والتقوى وحسن الخلق"، وكان يقول: "الداعية بحسن الخلق أعظم تأثيرًا من خطبة رنانة، فقد انتشر الإسلام بحسن الخلق وليس بالدعاية والإعلان"، و"بتقوى الله وحسن الخلق والصبر والثبات تتقدم دعوتنا"، وكذلك قوله: "من نافلة القول أن نقول الآن: إن المحن ما هي إلا منح، فالمجاهدون ذاقوا حلاوة المحن، ولا بد للدعاة اليوم من التربية في مثل هذا الجو".
وطالما كان يخاطب المتسرعين من الإخوان والدعاة بهذه الكلمات التي هي عصارة سنوات حياته من الدعوة والسجن والسفر والتضحيات والجهاد، قائلاً:
1- صاحب الدعوة لا بد أن يعلم أن هذا الطريق مرسومة خطواته ولن يستبق هذه الخطوات ولن يقطف الثمرة قبل نضجها.
2- التدرج مطلوب في طريق الدعوة، والصبر هو زادنا في هذه الخطوات، كان يمكن للنبي صلى الله عليه وسلم أن ينتصر بمعجزة، ولكنه انتصر بجهده وجهود من معه حتى انتصرت الدعوة.
3- يقول تعالى: (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِيْ أُوْحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيْمٍ) (الزخرف: 43)، فكن عضوًا على هذا الطريق، مهما تكن عقباته وعراقيله، فنحن مسئولون عن العمل وليس النتائج.
وفي يوم رمضاني جميل، زرت المجاهد الخفي عبد المنعم عرفات (رحمه الله) في بيته، بصحبة الحاج مسعود السبحي والدكتور محمود عزت، بعد إجرائه عملية قلب، وحظر الأطباء حركته إلا في نطاق غرفته، ورغم الداء كان قلبه أكثر حركةً من أنشط الشباب؛ ما بدا في سؤاله عن الدعوة وما تمر به من أحداث، وبما يقدمه من عصارة عمره وتجاربه وخبرته في نصائح غالية، مجددًا عهده، ليؤكد أن هذه الدعوة ستظل شامخةً برجالها وما يقدمونه من تضحيات.
المولد والنشأة
حين كان يقال له: إنه من الرعيل الأول، كان يقول: "أنا من الرعيل المتوسط، أنا من جيل الوسط"، فهو من مواليد 6/1/1934م بمحافظة البحيرة، وأتمَّ دراسته الثانوية بمدرسة طنطا الثانوية الحديثة، ثم انتقل منها إلى الإسكندرية عام 1952م، ليلتحق بكلية الآداب قسم الدراسات النفسية والاجتماعية.
عمل مدرسًا بصعيد مصر ثم مدرسًا بمدرسة المرقسية الثانوية بالإسكندرية، حصل على الماجستير في عام 1974م عقب خروجه من السجن، وانتقل للعمل محاضرًا لمادة الثقافة الإسلامية في كلية العمارة والتخطيط بالسعودية، ثم إلى جامعة محمد بن سعود بالرياض حتى عام 1983م.
وعاد إلى مصر ليعمل بمدرسة "العروة الوثقى" الثانوية، وصاحب زوجته رحمها الله في إعارتها إلى الإمارات حتى عاد إلى مصر عام 1994م، ليتفرغ للعمل في الدعوة حتى مرضه الأخير.
رزقه الله بثلاثة أولاد قبل اعتقاله في محنة 65 (ابنًا وبنتين)، وأربعة بعد خروجه من المعتقل (ابن وثلاث بنات).
ميلاد إخواني
(يقول: علاقتي بالإخوان من الميلاد).. ذلك أنه التحق منذ صغره بشعبة الإخوان التي تربَّى فيها بقريته بالبحيرة، فقد كان عمه مسئول الشعبة، ولم يكن له سوى البيت أو المسجد والشعبة.
وعندما بلغ الرابعة عشرة من عمره، استيقظ على قضية فلسطين في عام 1948م؛ حيث كان عمه وشقيقه من أوائل المتطوعين في حرب فلسطين، فهم أسرة العمدة وعائلته، فعاش البيت والعائلة كلها أحداث فلسطين وجهاد الإخوان عام 1948م.
وبعد عام 1954م واعتقال قيادات الإخوان آنذاك، نظَّم الطلبة لقاءاتٍ في مجموعات غير معلنة، حتى تخرج من الجامعة؛ فكان نصيبه أن يعمل مدرسًا بالصعيد، أما إجازاته فكان كالطائر الذي يهوي إلى عشِّه بعد السعي والكفاح، فكان نصيب الإسكندرية هو هذا العش الدافئ مع إخوانه، يتجمعون على محبة الله، ويلتقون على طاعته، دفعًا لدعوته، ونصرة لشريعته تعالى.
"كان الإخوان في المحاكمات كأنهم في عرس" هذه العبارات من كلماته النيرات، التي طالما كان يردِّدها على جموع الإخوان، منذ اعتقل من مدرسة المرقسية الثانوية بالإسكندرية في محنة 65؛ حيث كان يعمل مدرسًا بها، وكان اسمه في الادعاء الأول الذي كان يحوي 39 أخًا، على رأسهم الشهيد سيد قطب.
لقاء في الجنة
يروي لنا الأستاذ عبد المنعم قائلاً: وكانت المحاكمات فرصة للحديث مع الأستاذ سيد قطب، الذي كان يجلس في الصف الأول، وكان يبادل الإخوان بنظرات الحب، قائلاً لهم: "لو كنتم تحبونني بمثل ما أحبكم لحرصتم على أن نلتقي في الجنة".
وكان الأستاذ سيد قطب هو المتحدث عنهم في المحاكمات، فإذا قيل له: اتكلم عن الشهداء، اتكلم عن التعذيب، يرد عليهم بهدوء الواثق بأمر ربه: "طوَّل بالك هذه الدعوة لم تقدم بعد ما يكفي من الشهداء"، مقارنة بشهداء غزوة أُحد السبعين.
من الإعدام إلى المؤبد
بعد تخفيف حكم الإعدام عليه إلى السجن المؤبد، قضى سنتين في السجن الحربي من عام 65 إلى 67، كان يستعذب الآلام وقسوة التعذيب الـ"لا آدمي" في سبيل الله تعالى، راضيًا بقدره، واثقًا في نصره لدعوته.
ثم رُحِّل في عام 68 إلى سجن مزرعة طرة، وكانت فرصة للالتقاء بالإخوان القدامى الذين أنهَوا مدَّتهم، ولكن صدرت الأوامر باعتقالهم وفقًا للقاعدة الظالمة: "يرحل إلى الاعتقال بعد انتهاء مدة الحبس".
ويقول الأستاذ عبد المنعم عرفات واصفًا سجن مزرعة طرة بابتسامة خافتة: "ملاكي خالص"، لما رآه في السجن الحربي من أهوال، ومع ذلك بدأت مشكلة التكفير في الظهور، والتي أنهاها فضيلة المرشد حسن الهضيبي بمذكرته التي حدَّدت المفاهيم، كما روى لنا الأستاذ عبد المنعم عرفات.
وبصفته كان معلمًا، شارك الأستاذ عبد المنعم في العمل التعليمي داخل السجن لكل المستويات، محو الأمية- ابتدائي وحتى الجامعة، إلى أن توقف هذا النشاط مع بدء خروج الإخوان المعتقلين والسنوات الخفيفة، ولم يبقَ إلا الأشغال الشاقة المؤبدة، الذين كان مجاهدنا واحدًا منهم.
رفيق المرشدين
ومن الذين تأثر بهم في هذه الفترة اثنان من الإخوان، يقول: "لقد تأثرت بجميع الإخوان، إلا أن أكثرهم تأثيرًا اثنان؛ كان الأول: الأستاذ محمد حامد أبو النصر؛ لأنه شخصية عملية، وتنازل عن غناه وثروته في سبيل دعوته، ولم يستجب لمحاولات عبد الناصر؛ حيث كان يتمتع بشخصية قوية، أما الثاني فكان الأستاذ محمد مهدي عاكف؛ حيث كان المدرِّب الرياضي للإخوان، فحفظ علينا صحتنا طوال فترة الحبس.
"الإخوان في خير وإلى خير وعلى خير".. هكذا دائمًا كان يردِّد هذه الكلمات وهو يزاول نشاطه الإخواني بالإسكندرية؛ حيث كان عضوًا بالمكتب الإداري بالإسكندرية، ومحاضرًا في حديث الثلاثاء بمسجد عصر الإسلام، ورغم التضييق الشديد على دعوة الإخوان كانت تأتي كلماته هذه بمثابة القوة الدافعة للإخوان، في الاستمرار والعمل المتواصل.
وكان حريصًا على تربية الجيل الجديد من الإخوان، فمن وصاياه للإخوان: "أوصي إخواني بالصبر والثبات والتقوى وحسن الخلق"، وكان يقول: "الداعية بحسن الخلق أعظم تأثيرًا من خطبة رنانة، فقد انتشر الإسلام بحسن الخلق وليس بالدعاية والإعلان"، و"بتقوى الله وحسن الخلق والصبر والثبات تتقدم دعوتنا"، وكذلك قوله: "من نافلة القول أن نقول الآن: إن المحن ما هي إلا منح، فالمجاهدون ذاقوا حلاوة المحن، ولا بد للدعاة اليوم من التربية في مثل هذا الجو".
وطالما كان يخاطب المتسرعين من الإخوان والدعاة بهذه الكلمات التي هي عصارة سنوات حياته من الدعوة والسجن والسفر والتضحيات والجهاد، قائلاً:
1- صاحب الدعوة لا بد أن يعلم أن هذا الطريق مرسومة خطواته ولن يستبق هذه الخطوات ولن يقطف الثمرة قبل نضجها.
2- التدرج مطلوب في طريق الدعوة، والصبر هو زادنا في هذه الخطوات، كان يمكن للنبي صلى الله عليه وسلم أن ينتصر بمعجزة، ولكنه انتصر بجهده وجهود من معه حتى انتصرت الدعوة.
3- يقول تعالى: (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِيْ أُوْحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيْمٍ) (الزخرف: 43)، فكن عضوًا على هذا الطريق، مهما تكن عقباته وعراقيله، فنحن مسئولون عن العمل وليس النتائج.
الترويج لتقسيم السودان.. جريمة الإعلام!
كتبت تحت قسم
تحليلات هامة
|
السبت، 15 يناير 2011|
درعمى
- جابر القرموطي: الإعلام المصري وقع بين كماشة الغرب والحكومة
- د. هشام عطية: الكسل والإهمال المتعمَّد وراء التناول المتحيز للتقسيم
- صلاح عبد المقصود: تواطؤ وسائل الإعلام يرجع إلى سياسة الحكومة
- محمد الشافعي: سلبية النظام المصري أثرت في تناول الإعلام للقضية
تحقيق: الزهراء عامر، مي جابر، يارا نجاتي
أسهم الإعلام المصري بشكل كبير في جريمة الترويج لمؤامرة تقسيم السودان؛ وذلك في إقناع الرأي العام بتجميل صورة مؤامرة حق تقرير المصير بانفصال الجنوب عن الشمال، المقرر حسمها خلال الساعات القليلة القادمة.
وانقسمت وسائل الإعلام إلى اتجاهين الأول بالاشتراك الفعلي في المؤامرة، والثاني عبر الغياب المتعمد، عن طريق التغطية الفاترة للحدث، وكأن الحدث طبيعي ليس له ما بعده.
وعلى مدى الأسابيع الماضية التي سبقت موعد الاستفتاء، تنافست معظم الصحف ووسائل الإعلام المختلفة في الترويج للمؤامرة، ورصد مستجداتها من خلال عشرات التقارير واللقاءات مع المسئولين في جنوب السودان من حكومة ومعارضة، وغاصت معظم هذه التقارير في عمق الجنوب السوداني وتفاصيل الحياة اليومية لأهله، كما لجأت بعض الصحف لعدد من الأقلام المأجورة لتبارك أيضًا مؤامرة التقسيم.
واحتلت أكبر صحيفة عربية المرتبة الأولى في تدعيم مؤامرة التقسيم، وذلك عن طريق إجرائها العديد من الأحاديث مع بعض مسئولي الجنوب؛ الذين أكدوا أن السلام والوحدة بين الشمال والجنوب لن يحدث إلا بعد عملية الانفصال، كما قدمت الصحيفة خيارات حول الاسم المتوقع لدولة جنوب السودان المنفصلة، هذا إلى جانب الترويج لعملية الانفصال من خلال بعض "المانشيتات" أبرزها "يدان تتصافحان" و"كف واحدة"؛ رمزًا لاستفتاء جنوب السودان، وقامت ببعض الدعاية الانتخابية لبعض الشخصيات في الجنوب، مثل الجنرال "أطور" في أول ظهور علني له، وأبرزت تصريحات مسئولي الجنوب، هذا بخلاف المقالات مدفوعة الأجر المؤيدة لعملية التقسيم.
كما تَبَنَّى برنامج 48 ساعة على قناة (المحور) أيضًا هذا الموقف غير المحايد، والذي أكد أن مصر تريد دولة مستقرة على حدودها، فلديها مشروع مهم لاستقبال المياه من الجنوب، كما أعدت العدة لوجود دولتين، وتم إنشاء قنصلية لمصر في الجنوب، فضلاً عن الاستثمارات بملايين الدولارات في التعليم، والصحة، والتعدين.
وفي برنامج "العاشرة مساء" اعتذرت منى الشاذلي مذيعة البرنامج ضمنيًّا عن استخدام مصطلح تقسيم السودان أثناء الحديث عن موعد الاستفتاء، وقالت: "بلاش تقسيم السودان ممكن نقول استقلال السودان كما يحلو للبعض" وهو ما يعطي صورة سلبية للمشاهد عن التقليل من شأن مؤامرة تقسيم السودان، ووصف التقسيم بأنه استقلال، وكأن جنوب السودان يقع تحت احتلال الشمال وليسا دولة واحدة.
وأدت مجلة (روز اليوسف) دورها على أكمل وجه في تهيئة الرأي العام للاستسلام لمؤامرة التقسيم عن طريق إجرائها بعض الحوار مع كلٍّ من وزير التجارة والصناعة بحكومة جنوب السودان، الذي أكد من خلال الحوار أن قضية الانفصال منتهية، زاعمًا أنه لا يوجد ما يشجع المواطن الجنوبي على التصويت للوحدة.
بينما قابلت جريدة (الجمهورية)، و(أخبار اليوم)، و(الأهرام المسائي) هذه الكارثة التي سيقع فيها الوطن العربي بالصمت الشديد، أو التجاهل.
ونشرت جريدة (الشروق) منذ بضعة أشهر أقوى مؤشرات الاعتراف المصري بانفصال جنوب السودان في بيان لوزارة الخارجية، وكذلك تصريح للمتحدث عن الخارجية المصرية حسام زكي "لسنا المنوطين وحدنا بالحفاظ على وحدة السودان".
ولمعت الأقلام المأجورة في المساهمة في تنفيذ مؤامرة تقسيم السودان، وكان من أبرز هؤلاء كاتب كبير يحتل منصبًا صحفيًّا أدبيًّا كبيرًا في مقاله تحديات ضخمة تواجه جنوب السودان بعد انفصاله جاء فيه "استقرار دولة الجنوب بعد إعلان نتائج الاستفتاء تبدو عاليةً قياسًا على فرص استقرار الشمال"، وحمدي رزق في مقاله استفتاء أبيض لا يراق على جوانبه الدم الذي نشر في جريدة (المصري اليوم) وجاء فيه:
هذا إلى جانب أن نقابة الصحفيين وخاصة لجنة الشئون الخارجية بالنقابة لم تحرك ساكنًا، والتزمت الصمت تجاه المؤامرة، رغم أنها في أحداث مماثلة تنظم الندوات والمؤتمرات وتتبنى مواقف بعينها.
والسؤال: لماذا شارك الإعلام المصري في هذه الجريمة؟ وما المقابل؟
يقول الدكتور هشام عطية عبد المقصود، أستاذ الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة: إن الإعلام المصري يتبع مراكز الاهتمام العالمية في تغطيته للشئون الخارجية، كتغطية ومتابعة الأخبار من دول ككندا والولايات المتحدة وبريطانيا، موضحًا أن تلك المتابعات نجدها أضعاف متابعة الصحف المصرية لأخبار دول الجوار.
ويتابع: "لذلك يظهر التقصير الكبير من الإعلام المصري في تناول الشئون الخارجية الأكثر تأثيرًا في مصر، كما حدث في أزمة دول حوض النيل التي لم ينشغل بها الإعلام إلا متأخرًا جدًّا"، مبينًا أن ذلك نفسه ما تكرر في متابعة الإعلام المصري لمؤامرة تقسيم السودان؛ حيث اكتفى بتناقل ما يبثه الإعلام الغربي ووكالات الأنباء، فقصَّر وأهمل وغاب عن المتابعة الحقيقية للأحداث والتحليلات، وتقريب الحدث من المواطن المصري البسيط، ووقف الإعلام المصري موقف المشاهد لمسرحية بعيدة عنه".
ويرى أن الإعلاميين المصريين تعمدوا التكاسل في تغطيتهم لانقسام السودان، فبدلاً من الدخول في العمق السوداني، وعرض تقارير، وأخبار من داخله على لسان أهالي الجنوب، اكتفى بنقل توقعات الإعلام الغربي بالانفصال الحتمي، مشيرًا إلى أن قضية تقسيم السودان ظهرت في الإعلام المصري في صورة كلام مختزل، ومختصر يحمل لآراء شخصية، وخلا من التحليلات.
ويضيف: "إن الكسل الصحفي دفع الصحفيين إلى تفضيل الذهاب إلى الدول الأوروبية حيث الجو المعتدل، لمشاهدة مباريات كرة القدم، وعروض الأزياء، وانتظار تلقي دعوات من جهات أجنبية، عن الذهاب إلى جنوب السودان ومعايشة معاناة الشعب المنقسم، في الحر ووسط المآسي"، مشيرًا إلى أن الصحافة المصرية كاملة الرسمية منها، وغير الرسمية إلى جانب الفضائيات جاءت تغطيته غير متوازنة وغير موضوعية.
"كماشة"!
ويؤكد الإعلامي جابر القرموطي مقدم برنامج "مانشيت" أن تناول الإعلام المصري والعربي لقضية تقسيم السودان سارت على نفس الخطوات التطمينية التي يتبعها الإعلام الحكومي مع الشعب؛ حيث بدأ الإعلام المصري معالجة القضية متأخرًا، وتبنى خلالها الترتيبات الغربية المسبقة بتقسيم السودان، وروّج للأمر وكأنه لن يلحق أي أضرار بأمن مصر المائي أو أمنها القومي.
ويوضح أن كلَّ وسائل الإعلام المصري بما فيها البرنامج الذي يقدمه على قناة فضائية، وقعت في فخ الإعلام الغربي، ولم تول اهتمامًا خاصًّا أو كافيًا بقضية انقسام السودان الشقيق، على الرغم من تخصيصه حلقتين عن التغطية الصحفية المصرية لقضية جنوب السودان، إلا أنه يرى أن الإعلام لم يعالج المشاكل والأزمات الحقيقية التي ستظهر جراء التقسيم، بل لازم موجة الخطاب الحكومي الرسمي، الذي تبنى وجهة النظر المكتفية بانتظار نتيجة الاستفتاء دون التدخل لحلِّ الأمر.
ويضيف أن الإعلام المصري لم ينجح حتى في إيصال المفهوم والمخاطر الحقيقية للقضية إلى المواطن المصري، الذي يجهل أغلبه حتى الآن مخاطر تقسيم السودان وتأثيرها عليه، مرجعًا ظهور أقلام وكتابات صحفية تتبنى وجهة النظر الرسمية وتؤيد الانفصال، إلى التماشي مع سياسات الصحف القومية، فكل وسيلة إعلامية لا تنشر سوى الأفكار التي تتناسب معها.
ويشير إلى أن بعض الآراء التي خالفت الخط الرسمي ظهرت في النهاية بعد حسم القضية، ولم تشكل جبهة قوية إعلاميًّا، قائلاً: "بعد ما الفاس وقعت في الراس".
متابعة فقط
ويؤكد صلاح عبد المقصود، وكيل نقابة الصحفيين، أن النقابة وقفت عاجزة أمام تناول الصحافة المصرية لتقسيم السودان؛ حيث حاولت التغطية على الفشل الحكومي في الاهتمام بأمر دولة السودان والمؤامرة التي جرت ضدها، قائلاً: إن النقابة لا يمكن أن تلعب دور المُوَجِّه للصحف، بل لا تتعدى دور المتابع من بعيد، لذلك لم تتمكن من المشاركة في دعم وحدة السودان، وإسكات التواطؤ الذي تم ضدها.
ويشير إلى أن الصحف وخاصة القومية في محاولة منها لإخفاء غياب الدور المصري عن مؤامرة التقسيم، قامت بإبراز مطالب الانفصاليين وكأنها مطالب شرعية، لا تشكل خطرًا على وحدة السودان أو على الدول العربية ومصر بشكل عام، مؤكدًا أن توجيهات رسمية صدرت إلى الإعلام الحكومي وشبه الحكومي لتكريس خيار الانفصال، وحق الجنوبيين في تقرير المصير.
ويقول إن تلك الصحف أفسحت المجال للكتابات المؤيدة والمشجعة للتقسيم، التي تتفق مع الرؤية والسياسة الرسمية للدولة، لذلك ظهرت مقالات ضد وحدة السودان في الصحف المصرية.
تغطية فاترة
وبأسف شديد يقول الكاتب الصحفي محمد الشافعي: إن البعض أصبح لديه قناعة أن تقسيم السودان أمر واقع بلا محالة، موضحًا أن النظام المصري بدأ يتعامل منذ 4 سنوات مع جنوب السودان على أنه دولة منفصلة بالفعل، فقام بإنشاء المشروعات الصحية والاستثمارية والتنموية، فضلاً عن إنشائه لقنصلية مصرية هناك.
ويضيف أن هذه القناعة انعكست على تناول الإعلام المصري لقضية التقسيم، فظهرت تغطيته للحدث فاترةً وبلا روح، مؤكدًا قصور وسائل الإعلام المصرية وخاصة الحكومية في توعية الرأي العام المصري والعربي بخطورة تقسيم السودان على الوطن العربي؛ حيث يسمح بمحاصرة الكيان الصهيوني لمصر، واستنزاف ثروات وخيرات السودان الشقيق.
ويوضح أنه ساعد في نشر عملية توعية الجماهير العربية من خلال برنامج "ملفات" الذي يبث على قناة (المجد) الفضائية؛ حيث قدَّم حلقة مطولة ومفصلة عن خطورة عملية تقسيم السودان، وكيف وصل السودان إلى هذه المرحلة؟ ومَن المستفيد الأول والأخير من هذه المؤامرة؟.
آراء "الوطني"!
ويعلق الدكتور صفوت العالم، أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة، على التناول الإعلامي المصري لمؤامرة التقسيم بأنها خرجت من إطار الاهتمام الإعلامي، مرجعًا ذلك إلى فتور تعامل النظام المصري مع القضية، بالإضافة إلى تضخيم الأحداث الداخلية وسيطرتها على الصحف المصرية.
ويستنكر تناول جريدة (روز اليوسف) التي شاركت في حملة دعائية لانفصال الجنوب من خلال إجراء العديد من الحوارات مع قادة الحركة الشعبية لتحرير السودان، وكأنها أصبحت جريدة ناطقة بلسانها، مبينًا أن (روز اليوسف) تعكس في الكثير من الأحيان وجهات نظر رجال أمانة السياسات بالحزب الوطني ذوي المرجعية الليبرالية الأمريكية.
- د. هشام عطية: الكسل والإهمال المتعمَّد وراء التناول المتحيز للتقسيم
- صلاح عبد المقصود: تواطؤ وسائل الإعلام يرجع إلى سياسة الحكومة
- محمد الشافعي: سلبية النظام المصري أثرت في تناول الإعلام للقضية
تحقيق: الزهراء عامر، مي جابر، يارا نجاتي
أسهم الإعلام المصري بشكل كبير في جريمة الترويج لمؤامرة تقسيم السودان؛ وذلك في إقناع الرأي العام بتجميل صورة مؤامرة حق تقرير المصير بانفصال الجنوب عن الشمال، المقرر حسمها خلال الساعات القليلة القادمة.
وانقسمت وسائل الإعلام إلى اتجاهين الأول بالاشتراك الفعلي في المؤامرة، والثاني عبر الغياب المتعمد، عن طريق التغطية الفاترة للحدث، وكأن الحدث طبيعي ليس له ما بعده.
وعلى مدى الأسابيع الماضية التي سبقت موعد الاستفتاء، تنافست معظم الصحف ووسائل الإعلام المختلفة في الترويج للمؤامرة، ورصد مستجداتها من خلال عشرات التقارير واللقاءات مع المسئولين في جنوب السودان من حكومة ومعارضة، وغاصت معظم هذه التقارير في عمق الجنوب السوداني وتفاصيل الحياة اليومية لأهله، كما لجأت بعض الصحف لعدد من الأقلام المأجورة لتبارك أيضًا مؤامرة التقسيم.
واحتلت أكبر صحيفة عربية المرتبة الأولى في تدعيم مؤامرة التقسيم، وذلك عن طريق إجرائها العديد من الأحاديث مع بعض مسئولي الجنوب؛ الذين أكدوا أن السلام والوحدة بين الشمال والجنوب لن يحدث إلا بعد عملية الانفصال، كما قدمت الصحيفة خيارات حول الاسم المتوقع لدولة جنوب السودان المنفصلة، هذا إلى جانب الترويج لعملية الانفصال من خلال بعض "المانشيتات" أبرزها "يدان تتصافحان" و"كف واحدة"؛ رمزًا لاستفتاء جنوب السودان، وقامت ببعض الدعاية الانتخابية لبعض الشخصيات في الجنوب، مثل الجنرال "أطور" في أول ظهور علني له، وأبرزت تصريحات مسئولي الجنوب، هذا بخلاف المقالات مدفوعة الأجر المؤيدة لعملية التقسيم.
كما تَبَنَّى برنامج 48 ساعة على قناة (المحور) أيضًا هذا الموقف غير المحايد، والذي أكد أن مصر تريد دولة مستقرة على حدودها، فلديها مشروع مهم لاستقبال المياه من الجنوب، كما أعدت العدة لوجود دولتين، وتم إنشاء قنصلية لمصر في الجنوب، فضلاً عن الاستثمارات بملايين الدولارات في التعليم، والصحة، والتعدين.
وفي برنامج "العاشرة مساء" اعتذرت منى الشاذلي مذيعة البرنامج ضمنيًّا عن استخدام مصطلح تقسيم السودان أثناء الحديث عن موعد الاستفتاء، وقالت: "بلاش تقسيم السودان ممكن نقول استقلال السودان كما يحلو للبعض" وهو ما يعطي صورة سلبية للمشاهد عن التقليل من شأن مؤامرة تقسيم السودان، ووصف التقسيم بأنه استقلال، وكأن جنوب السودان يقع تحت احتلال الشمال وليسا دولة واحدة.
وأدت مجلة (روز اليوسف) دورها على أكمل وجه في تهيئة الرأي العام للاستسلام لمؤامرة التقسيم عن طريق إجرائها بعض الحوار مع كلٍّ من وزير التجارة والصناعة بحكومة جنوب السودان، الذي أكد من خلال الحوار أن قضية الانفصال منتهية، زاعمًا أنه لا يوجد ما يشجع المواطن الجنوبي على التصويت للوحدة.
بينما قابلت جريدة (الجمهورية)، و(أخبار اليوم)، و(الأهرام المسائي) هذه الكارثة التي سيقع فيها الوطن العربي بالصمت الشديد، أو التجاهل.
ونشرت جريدة (الشروق) منذ بضعة أشهر أقوى مؤشرات الاعتراف المصري بانفصال جنوب السودان في بيان لوزارة الخارجية، وكذلك تصريح للمتحدث عن الخارجية المصرية حسام زكي "لسنا المنوطين وحدنا بالحفاظ على وحدة السودان".
ولمعت الأقلام المأجورة في المساهمة في تنفيذ مؤامرة تقسيم السودان، وكان من أبرز هؤلاء كاتب كبير يحتل منصبًا صحفيًّا أدبيًّا كبيرًا في مقاله تحديات ضخمة تواجه جنوب السودان بعد انفصاله جاء فيه "استقرار دولة الجنوب بعد إعلان نتائج الاستفتاء تبدو عاليةً قياسًا على فرص استقرار الشمال"، وحمدي رزق في مقاله استفتاء أبيض لا يراق على جوانبه الدم الذي نشر في جريدة (المصري اليوم) وجاء فيه:
هذا إلى جانب أن نقابة الصحفيين وخاصة لجنة الشئون الخارجية بالنقابة لم تحرك ساكنًا، والتزمت الصمت تجاه المؤامرة، رغم أنها في أحداث مماثلة تنظم الندوات والمؤتمرات وتتبنى مواقف بعينها.
والسؤال: لماذا شارك الإعلام المصري في هذه الجريمة؟ وما المقابل؟
يقول الدكتور هشام عطية عبد المقصود، أستاذ الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة: إن الإعلام المصري يتبع مراكز الاهتمام العالمية في تغطيته للشئون الخارجية، كتغطية ومتابعة الأخبار من دول ككندا والولايات المتحدة وبريطانيا، موضحًا أن تلك المتابعات نجدها أضعاف متابعة الصحف المصرية لأخبار دول الجوار.
ويتابع: "لذلك يظهر التقصير الكبير من الإعلام المصري في تناول الشئون الخارجية الأكثر تأثيرًا في مصر، كما حدث في أزمة دول حوض النيل التي لم ينشغل بها الإعلام إلا متأخرًا جدًّا"، مبينًا أن ذلك نفسه ما تكرر في متابعة الإعلام المصري لمؤامرة تقسيم السودان؛ حيث اكتفى بتناقل ما يبثه الإعلام الغربي ووكالات الأنباء، فقصَّر وأهمل وغاب عن المتابعة الحقيقية للأحداث والتحليلات، وتقريب الحدث من المواطن المصري البسيط، ووقف الإعلام المصري موقف المشاهد لمسرحية بعيدة عنه".
ويرى أن الإعلاميين المصريين تعمدوا التكاسل في تغطيتهم لانقسام السودان، فبدلاً من الدخول في العمق السوداني، وعرض تقارير، وأخبار من داخله على لسان أهالي الجنوب، اكتفى بنقل توقعات الإعلام الغربي بالانفصال الحتمي، مشيرًا إلى أن قضية تقسيم السودان ظهرت في الإعلام المصري في صورة كلام مختزل، ومختصر يحمل لآراء شخصية، وخلا من التحليلات.
ويضيف: "إن الكسل الصحفي دفع الصحفيين إلى تفضيل الذهاب إلى الدول الأوروبية حيث الجو المعتدل، لمشاهدة مباريات كرة القدم، وعروض الأزياء، وانتظار تلقي دعوات من جهات أجنبية، عن الذهاب إلى جنوب السودان ومعايشة معاناة الشعب المنقسم، في الحر ووسط المآسي"، مشيرًا إلى أن الصحافة المصرية كاملة الرسمية منها، وغير الرسمية إلى جانب الفضائيات جاءت تغطيته غير متوازنة وغير موضوعية.
"كماشة"!
ويؤكد الإعلامي جابر القرموطي مقدم برنامج "مانشيت" أن تناول الإعلام المصري والعربي لقضية تقسيم السودان سارت على نفس الخطوات التطمينية التي يتبعها الإعلام الحكومي مع الشعب؛ حيث بدأ الإعلام المصري معالجة القضية متأخرًا، وتبنى خلالها الترتيبات الغربية المسبقة بتقسيم السودان، وروّج للأمر وكأنه لن يلحق أي أضرار بأمن مصر المائي أو أمنها القومي.
ويوضح أن كلَّ وسائل الإعلام المصري بما فيها البرنامج الذي يقدمه على قناة فضائية، وقعت في فخ الإعلام الغربي، ولم تول اهتمامًا خاصًّا أو كافيًا بقضية انقسام السودان الشقيق، على الرغم من تخصيصه حلقتين عن التغطية الصحفية المصرية لقضية جنوب السودان، إلا أنه يرى أن الإعلام لم يعالج المشاكل والأزمات الحقيقية التي ستظهر جراء التقسيم، بل لازم موجة الخطاب الحكومي الرسمي، الذي تبنى وجهة النظر المكتفية بانتظار نتيجة الاستفتاء دون التدخل لحلِّ الأمر.
ويضيف أن الإعلام المصري لم ينجح حتى في إيصال المفهوم والمخاطر الحقيقية للقضية إلى المواطن المصري، الذي يجهل أغلبه حتى الآن مخاطر تقسيم السودان وتأثيرها عليه، مرجعًا ظهور أقلام وكتابات صحفية تتبنى وجهة النظر الرسمية وتؤيد الانفصال، إلى التماشي مع سياسات الصحف القومية، فكل وسيلة إعلامية لا تنشر سوى الأفكار التي تتناسب معها.
ويشير إلى أن بعض الآراء التي خالفت الخط الرسمي ظهرت في النهاية بعد حسم القضية، ولم تشكل جبهة قوية إعلاميًّا، قائلاً: "بعد ما الفاس وقعت في الراس".
متابعة فقط
ويؤكد صلاح عبد المقصود، وكيل نقابة الصحفيين، أن النقابة وقفت عاجزة أمام تناول الصحافة المصرية لتقسيم السودان؛ حيث حاولت التغطية على الفشل الحكومي في الاهتمام بأمر دولة السودان والمؤامرة التي جرت ضدها، قائلاً: إن النقابة لا يمكن أن تلعب دور المُوَجِّه للصحف، بل لا تتعدى دور المتابع من بعيد، لذلك لم تتمكن من المشاركة في دعم وحدة السودان، وإسكات التواطؤ الذي تم ضدها.
ويشير إلى أن الصحف وخاصة القومية في محاولة منها لإخفاء غياب الدور المصري عن مؤامرة التقسيم، قامت بإبراز مطالب الانفصاليين وكأنها مطالب شرعية، لا تشكل خطرًا على وحدة السودان أو على الدول العربية ومصر بشكل عام، مؤكدًا أن توجيهات رسمية صدرت إلى الإعلام الحكومي وشبه الحكومي لتكريس خيار الانفصال، وحق الجنوبيين في تقرير المصير.
ويقول إن تلك الصحف أفسحت المجال للكتابات المؤيدة والمشجعة للتقسيم، التي تتفق مع الرؤية والسياسة الرسمية للدولة، لذلك ظهرت مقالات ضد وحدة السودان في الصحف المصرية.
تغطية فاترة
وبأسف شديد يقول الكاتب الصحفي محمد الشافعي: إن البعض أصبح لديه قناعة أن تقسيم السودان أمر واقع بلا محالة، موضحًا أن النظام المصري بدأ يتعامل منذ 4 سنوات مع جنوب السودان على أنه دولة منفصلة بالفعل، فقام بإنشاء المشروعات الصحية والاستثمارية والتنموية، فضلاً عن إنشائه لقنصلية مصرية هناك.
ويضيف أن هذه القناعة انعكست على تناول الإعلام المصري لقضية التقسيم، فظهرت تغطيته للحدث فاترةً وبلا روح، مؤكدًا قصور وسائل الإعلام المصرية وخاصة الحكومية في توعية الرأي العام المصري والعربي بخطورة تقسيم السودان على الوطن العربي؛ حيث يسمح بمحاصرة الكيان الصهيوني لمصر، واستنزاف ثروات وخيرات السودان الشقيق.
ويوضح أنه ساعد في نشر عملية توعية الجماهير العربية من خلال برنامج "ملفات" الذي يبث على قناة (المجد) الفضائية؛ حيث قدَّم حلقة مطولة ومفصلة عن خطورة عملية تقسيم السودان، وكيف وصل السودان إلى هذه المرحلة؟ ومَن المستفيد الأول والأخير من هذه المؤامرة؟.
آراء "الوطني"!
ويعلق الدكتور صفوت العالم، أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة، على التناول الإعلامي المصري لمؤامرة التقسيم بأنها خرجت من إطار الاهتمام الإعلامي، مرجعًا ذلك إلى فتور تعامل النظام المصري مع القضية، بالإضافة إلى تضخيم الأحداث الداخلية وسيطرتها على الصحف المصرية.
ويستنكر تناول جريدة (روز اليوسف) التي شاركت في حملة دعائية لانفصال الجنوب من خلال إجراء العديد من الحوارات مع قادة الحركة الشعبية لتحرير السودان، وكأنها أصبحت جريدة ناطقة بلسانها، مبينًا أن (روز اليوسف) تعكس في الكثير من الأحيان وجهات نظر رجال أمانة السياسات بالحزب الوطني ذوي المرجعية الليبرالية الأمريكية.
جنوب السودان.. كنوز في قبضة الصهاينة والأمريكان
- ممدوح الولي: الولايات المتحدة تضع عينيها على النفط السوداني
- د. هويدا عبد العظيم: الجنوب لن يستطيع الاستغناء عن الشمال
- فاروق العشري: أمريكا والصهاينة يسيطران على خيرات الجنوب
تحقيق: يارا نجاتي
"700 ألف كيلومتر مربع".. تلك هي المساحة الكلية لجنوب السودان؛ أي ما يعادل نسبة 28% من إجمالي دولة السودان البالغ مساحتها 2.5 مليون كيلومتر مربع تقريبًا.. هذه المساحة تتمتع بالكثير من الموارد والثروات الاقتصادية التي تجعله مطمعًا لدول كثيرة، في السيطرة عليه اقتصاديًّا، وبالتالي تنال التحكم السياسي في قرارات جنوب السودان.والبترول أكبر الموارد في الجنوب؛ حيث ينتج السودان حاليًّا نحو 470 ألف برميل يوميًّا من النفط يأتي معظمها من الجنوب، وتأمل أن يصل الإنتاج إلى ستمائة ألف برميل يوميًّا هذا العام، وتُشكِّل عائدات النفط أكثر من 90% من إيرادات السودان، يأتي قرابة الـ80% من الإنتاج من الجنوب وحده،ولا يزال هناك احتياطات بترولية ضخمة لم يتم استخراجها، كالمربع رقم ثلاثة بمنطقتي فلج وعدال، ومربع سبعة بأعالي النيل؛ حيث توجد احتياطات بحوالي 9 مليارات برميل في فلج وعدال فقط، وتوجد مناطق كاملة تابعة لشركة شل في ولاية (جونغلي) لم يتم استغلالها بعد.
30% من مساحة الجنوب أراضٍ زراعية، لم يُستغل منها سوى 1% فقط، و23 %غابات، و40% مراعٍ للثروة الحيوانية، و7% مسطحات مائية بمثابة كنوز من الثروة السمكية بمختلف أنواع الكائنات البحرية، كما يحتوي جنوب السودان على كميات كبيرة من الذهب ومعادن أخرى كالحديد والكروم والمنجنيز في ولاية شرق الاستوائية، بالإضافة إلى الماس بولاية غرب الاستوائية، غير مستغلة بشكلٍ كامل. وقد يصبح الجنوب مصدرًا للأخشاب وخاصةً (المهوقي والتيك)، وهي أشجار غابية يعتبر خشبها الأجود في العالم، وقد كانت (الحركة الشعبية) تقايض بها السلاح أثناء الحرب.
الأطماع
وشرعت الكثير من الدول منذ اتفاقية الحكم الذاتي للجنوب عام 2005م، في زرع وجود لها داخل الجنوب عن طريق بعض المشروعات الاقتصادية؛ حيث كشف ممثل الحركة الشعبية في واشنطن (إزيكيل لول) في تصريحٍ له لصحيفة (واشنطن تايمز) منذ حوالي عام تقريبًا، أن أمريكا تدعم انفصال الجنوب، وتضخ مليار دولار سنويًّا لمشاريع البنية التحتية وتدريب الجيش.
بينما بدأت الأطماع الصهيونية في الثروات الطبيعية للسودان في الظهور مع بروز الدور الصيني في القارة الإفريقية عمومًا، وفي السودان على وجه الخصوص، لا سيما بعد توقيع الصين لعددٍ من الصفقات، والاتفاقيات الاقتصادية والاستثمارية مع حكومة الخرطوم تُقدَّر بمليارات الدولارات، خاصةً أن منطقة جنوب السودان تتمتع بثروات نفطية ضخمة واعدة، ويقف الكيان الصهيوني خلف عددٍ من المشاريع في جنوب السودان تحت مسميات جنسيات أخرى، فمثلاً يسيطر الصهاينة على الفندقة في جنوب السودان، ويعمل الصهاينة في شراء وبناء مؤسسات ومزارع أيضًا تحت اسم جنسيات أخرى.
وتتم إدارة الفنادق عبر فروع تعمل من دول الجوار الإفريقي (أوغندا- كينيا- إثيوبيا)، ويتملكها صهاينة، فكل مدنها تحتوي قرابة 45 فندقًا و9 نُزلاً صغيرة، و13 مخيمًا، يسيطرون على أغلبها بشكلٍ غير مباشر، ولكنهم لا يظهرون في الصورة بشكلٍ بارزٍ في الجنوب، على الأقل حاليًّا، حيث إن الجنوب جزءٌ من دولة السودان.
وإفريقيًّا يوجد مصنعان فقط في جنوب السودان إلا أن الواضح أنه تجري محاولات أوغندية لوضع قدم اقتصادية في هذه المنطقة، فحسب الإحصاءات فقد أدخلت أوغندا بضائع بنحو 800 مليون دولار عام 2009م، يسيطر الأوغنديون على سوق "توكو توكو"، وهو أكبر الأسواق التجارية في الجنوب، وتسيطر أوغندا على حركة التجارة والأكل والشرب في الجنوب؛ حيث إن الوصول من جوبا عاصمة الجنوب إلى وسط كامبلا عاصمة أوغندا عن الوصول إلى الخرطوم، ووفقًا لإحصاءات وزارة المالية والتخطيط والتنمية الاقتصادية بأوغندا، تم تصدير أغذية وفواكه ومواد بناء لجنوب السودان خلال العام 2009م ما قيمته 160 مليون دولار.
فيما تسيطر كينيا على التحويلات والتعاملات البنكية والمصرفية، ويعد البنك التجاري الكيني هو البنك الأول الذي حصل على ترخيص للعمل داخل جنوب السودان، والوحيد الذي يتم من خلاله تحويل الأموال من الحكومة المركزية إلى حكومة الجنوب، وكذلك تحويل المعونات الدولية الخاصة بمنظمات الأمم المتحدة والمنظمات التطوعية، ويتم من خلاله صرف رواتب الموظفين، ولهذا البنك 10 فروع في كل ولايات الجنوب العشر.
وتتعاون كينيا حاليًّا مع حكومة جنوب السودان على إنشاء خطوط لتصدير البترول بمعزل عن (بورسودان) في الشمال المنفذ الوحيد لبترول الجنوب الآن؛ حيث سيتم نقل الخط الخام من جنوب السودان إلى ميناء (لامو) بكينيا على المحيط الهندي بجانب الطرق التي تعتزم كينيا ربطها مع الجنوب.
البترول والمعادن
الخبير الاقتصادي ممدوح الولي ونائب مدير تحرير جريدة (الأهرام) يقسم الموارد الاقتصادية المتاحة في جنوب السودان إلى أربعة أقسام رئيسية، موضحًا أن المورد الأكبر المتوفر في الجنوب هو الاعتماد على الصادرات البترولية؛ حيث يقع في الجنوب 76% من آبار البترول الموجودة في السودان كاملة، وتشكل الصادرات البترولية أكثر من 90% من صادرات السودان.
ويضيف أن أهل الجنوب لن يحصلوا على حصيلة العائد من منتجات البترول وصادراته كاملة، بسبب تقسيمها مع الشركات التي تنقب عن البترول في الجنوب، مؤكدًا اعتماد جنوب السودان على شماله لفترة مقبلة في تصدير البترول من خلال خط الأنابيب الذي يصل إلى ميناء (بور سودان) في الشمال بالطريق البري، حتى ينفذ الجنوب خط الأنابيب المخطط لتصدير البترول عن طريقه من خلال كينيا جنوبًا.
ويقول: إن الجنوب أيضًا مجبر على التعامل مع الشمال للحصول على المنتجات البترولية كالوقود، باستخدام معامل التكرير المتوفرة في الشمال ومعدمة تمامًا في الجنوب، مبينًا أن الثروة المعدنية تأتي في المرتبة الثانية من حيث الدخل الخاص بجنوب السودان؛ حيث تحوي أرض الجنوب على الكثير من المواد الخام لعدد من المعادن كالحديد والزنك والكروم، بجانب خام الذهب، الذي يحتاج إلى شركات للتنقيب عنها، واستخراجها بكميات كبيرة، خاصةً أنه لم يتم اكتشاف سوى كميات ضئيلة جدًّا منها.
ويشير إلى أن أسرع الموارد إدرارًا للدخل على جنوب السودان سيكون زراعة عددٍ من المحاصيل، كالقطن والذرة، والقمح، والصمغ والسمسم، إلى جانب الدور الذي يلعبه القطاع الزراعي في التغذية المحلية، قائلاً: إن دول كأوغندا وكينيا وإثيوبيا بدأت تلعب دورًا بالفعل في الجنوب بعد عقد اتفاقية الحكم الذاتي لجنوب السودان عام 2005م.
ويضيف المورد الآخر للجنوب الذي اعتمدت عليه طوال السنوات الخمس الماضية هو المعونات الغربية التي بلغت 100 مليون دولار في العام الواحد، إلى جانب أن المطامع الأمريكية في التواجد بالقرب من منابع النيل، جعلها تقدم معونات منفصلة للجنوب، لها نفس أهداف المعونات كالتوغل في تفاصيل الدولة ومعرفة أسرارها وأولويات الاستثمار فيها.
ويتابع: لذلك ظلت الولايات المتحدة الأمريكية تعطل استثمارات البترول في السودان، حتى تنهي استثمارات بترول الخليج، إلا أنها اضطرت للبدء في العمل على استثمار بترول السودان بعدما سبقتها الصين إليه، مؤكدًا وجود العديد من الخبراء الصهاينة أرسلوهم إلى الجنوب، في مختلف المجالات كالزراعة والري، معتبرًا تلك التحركات تتم للاستكشاف، وكحجز مكانٍ لهم في الاستثمارات هناك، تحقيقًا للكثير من المصالح الصهيونية في المنطقة، كتهديدٍ لمصر والبلاد العربية من خلال التمركز في جنوب السودان.
عقود واتفاقيات
وتؤكد الدكتورة هويدا عبد العظيم، أستاذ الاقتصاد ومدير مركز البحوث والدراسات الإفريقية، أن النفط يشكل الجزء الأكبر من موارد جنوب السودان، وخاصةً أن هناك مساحة كبيرة في منطقة (قناة جونجلي)، بجانب بعض المعادن كالمنجنيز، والذهب وهناك بعض الأحاديث عن وجود الألماس في باطن الأرض، مشيرةً إلى النقص الشديد في البنية التحتية، الذي سيصعب على جنوب السودان في حالة الانفصال جذب الاستثمارات مباشرة؛ نظرًا لأن المستثمرين يحتاجون إلى جوٍّ من الهدوء والأمان السياسي للمجازفة بأموالهم.
وتوضح أن الكثير من الدول دخلت بالفعل في الاستثمار في جنوب السودان منها الهند والصين وماليزيا، بجانب الولايات المتحدة الأمريكية التي بدأت استثماراتها في بترول الجنوب السوداني من فترة طويلة، وأبرمت العقود على التنقيب عن الذهب والألماس الغنية بهما أراضي الجنوب، مبينةً أن الاستثمارات الصهيونية لم تظهر بشكلٍ كبيرٍ في الجنوب، لكنها تضع يدها على بعض المشاريع.
وتستنكر محاولة الجنوب الاستغناء عن الشمال في تصدير البترول، ونقله إلى خط عبر كينيا لتصديره عن طريق البحر الأحمر، قائلةً: إن دولة السودان غنية بمواردها البشرية والمائية والمعدنية، بجانب المساحات الشاسعة من الأراضي الزراعية، التي لم يستغل سوى أقل من 20% من الأراضي الصالحة للزراعة حتى الآن.
وترى أن الاستثمار الزراعي قد يكون من أهم الاستثمارات التي تتمكن الدول العربية من المشاركة فيها في السودان في المرحلة المقبلة، كفائدةٍ للطرفين العربي والسوداني ومحاولة للتقليل من الوجود الأجنبي للتحكم فيها، مؤكدةً أن السودان شمالاً وجنوبًا غنيًّا بالموارد المختلفة، ولن يتقدم ويرتقي سوى باستغلال تلك الموارد كوحدة واحدة وتعود خيراتها على الجميع.
سيطرة تامة
ويرى فاروق العشري، عضو اللجنة الاقتصادية بالحزب الناصري، أن جنوب السودان، يحتوي على ثروة كبيرة من النفط، وخاصةً منطقة (آبيي)؛ مما سيشكل منطقة تنازع كبير بين قبائلها للحصول عليه، خاصةً مع المساندة الكبيرة من الولايات المتحدة الأمريكية، والكيان الصهيوني لهم، وتعزيز الانفصال والتشجيع عليه، رغبة في الهيمنة على الجنوب، من خلال المشروعات والاستثمارات المائية والزراعية التي أقامتها، بجانب التنقيب عن البترول.
ويوضح أن ثروات جنوب السودان المتمثلة في البترول واليورانيوم والنحاس، وغيرها من المعادن، لا يتحكم فيها الآن أهل الجنوب، بل الولايات المتحدة الأمريكية، والصهاينة، متسابقين مع الدول الأخرى في الحصول عليه، والسيطرة على الدولة الجديدة استغلالاً للضعف في بداياتها.
ويشير إلى السيطرة الكاملة أيضًا على منطقة أعالي النيل، قائلاً: إن السياسة الصهيونية تستهدف تهديد الأمن العربي بصفة عامة والمصري بصفة خاصة؛ بمحاولة زيادة نفوذها في الدول المتحكمة في مياه النيل من منابعه، كما أن سعي أمريكا للسيطرة على اقتصاديات الجنوب، جاء بعد ظهور البترول في مناطق متفرقة منها بكميات كبيرة، مع اقتراب نضوب الاحتياطي الأمريكي، ومؤشرات عن تنامي أزمة الطاقة على مستوى العالم .
إستراتيجي
وتقول الدكتورة عالية المهدي، عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية: إن جنوب السودان يمثل موقعًا إستراتيجيًّا مهمًّا، بجانب الثروات البترولية، والأراضي الزراعية والمياه، مضيفةً أن السودان يمتلك طاقة وموارد بشرية مهمة، إذا تم تدريبها بشكلٍ جيد، وأحسن استغلالها.
وتشير إلى أن تلك الثروات والموارد التي تمتلكها جنوب السودان تجعلها تربةً خصبةً للاستثمارات، خاصةً أنها تفتقر إلى الكثير من مشاريع البنية الأساسية، كالطرق والنقل والمواصلات والخدمات العامة، إلا أنها ترى ذلك حافزًا وعاملاً لجذب المستثمرين، بشكل خاص بعد الانفصال من مختلف دول العالم.
قبل أيام من الاستفتاء السوداني.. لماذا الجميع مستسلم؟
كتبت تحت قسم
أزمات الأمة
,
السودان وأزمة الانفصال
|
الخميس، 6 يناير 2011|
درعمى
حسب المتفق عليه فإنه لم تبق إلا عدة أيام ويدخل السودان والعرب في نفق الانفصال والتفكيك، ولم يعد يفصلنا كثير عن تلك الفاجعة التي ستلمُّ بالسودان والعرب والمسلمين.
القاطرة ماضية والسودانيون من نشأ منهم في ظل السودان الرحيب، مركز الإسلام الرئيسي ببلاد الشرق والوسط الإفريقي، وعنوان الدعوة الإسلامية في القارة السمراء سيحين عليه أجل الانفصال بعد أقل من أسبوع ليجد بلده الممتد قد انكمش، وانكمشت معه أوراقه الإقليمية، ودوره الإفريقي، وسيقابلون الحقيقة القاسية بدموع وأسى، ولربما من بين الجموع العربية والإسلامية الغافلة سيشاطرهم البعض تعاطفًا وحزنًا وألمًا، لكن ما قيمة الأسى حين تجيء ساعة الحقيقة؟! وما الذي عساها تصنع الدموع في عالم السياسة؟!
لقد مر على السودان ساعات عصيبة كان يجابه فيها التمرد بكل قوته -وحده كالعادة- وكانت حكومته تسيِّر الكتائب وقوات الدفاع الشعبي التي وصفت قتالها بالجهاد المقدس، واصفة كل فقيد لها في قتال المتمردين بالشهيد، وقاومت بكل شجاعة جموع المتمردين التي كانت قد اقتربت من الخرطوم أواخر حكم النظام السابق، ولم ترفع أبدًا راية الاستسلام أمام تمرد مدعوم من "إسرائيل" وبريطانيا والولايات المتحدة؛ فما الذي دعاها الآن لتسليم الجنوب لـ"إسرائيل" بكل هذه البساطة؟!
لقد صمد السودان وهو يعاني من مشكلات اقتصادية عويصة، والغرب في أوج قوته وطغيانه، أمام مخططات التقسيم؛ فما الذي جعله يستسلم للتقسيم والحال قد تغير؟ إذ إن معدلات النمو قد أصبحت في أعلى درجاتها بالسودان، والولايات المتحدة و"إسرائيل" وأوربا يمرون بظروف اقتصادية لم تحصل منذ الحرب الباردة، وتراجع استراتيجي واضح في عالم متعدد الأقطاب، تبرز فيه الصين، الحليف الأبرز للحكومة السودانية، كقوة اقتصادية دولية كاسحة وغيرها من الدول، ويخطب الجميع وُدَّها بمن فيهم الولايات المتحدة ذاتها.
والعرب الذين ترهبهم الولايات المتحدة، كان من المفترض أنهم قد أضحوا في حل من كثير من التزامات تقيدهم عن الوفاء للسودان بما يستحق من التأييد والمساندة والدفع باتجاه الوحدة عبر "تشجيع" الجنوب على التمسك بالوحدة، اندفعوا في اتجاه تشجيع الانفصال والتعهد بضمان تسديد فاتورة الانفصال بسخاء، ضاربين عرض الحائط بمخاطر عظمى تدق أبواب وحدة دولهم الهشَّة بعد انفراط حبات الانفصال من السودان، لا يزالون مستسلمين حتى لو انهارت الولايات المتحدة الأمريكية أمامهم من فرط تخاذلهم وارتهانهم لها.
والشقيقة الكبرى التي ستشب نيران التقسيم في ثيابها، وتكتوي بلهيب الانفصال السوداني على كافة الأصعدة ومن أهمها قضية مياه النيل المتفاقمة، ونخبتها المثقفة، "نَأَتْ بنفسها عن التدخل في الشأن السوداني" الذي كان أحد أكبر أولوياتها الاستراتيجية حتى إبان الاحتلال الانجليزي لها، وانشغلت بمشكلاتها الداخلية حتى غدت حادثة الكنيسة أهم من تفتُّت وادي النيل.
الجميع استسلم للانفصال، وتركوا الطريق ممهدًا لحدوثه، والأسباب تتضافر لحصوله؛ فالداخل التزم باتفاقية وقّعها -وجميعنا ملتزم بالقانون الدولي دون العالمين- وليس لديه أي نية للتراجع عنها برغم تلاشي كل "الحوافز" الغربية الوهمية على الانفصال، والخارج العربي يتوارى خلف مسئولية حكومة الخرطوم عن الانفصال، ويتدثر بـ"ديمقراطية" الاستفتاء، وجماهيرنا العربية لم تزل بعيدة عن دائرة التأثير، وربما الانفعال أيضًا.
المسلمون في جنوب السودان في انتظار 2011
كتبت تحت قسم
أزمات الأمة
,
السودان وأزمة الانفصال
|
|
درعمى
أ. أحمد حسين الشيمي
مؤامرات دولية بأيدي صهيونية خبيثة.. رياح التفتيت والتقسيم التي لم يكتب لها الهدوء حتى تهب ثانية، فتارة الجنوب، وتارة أخرى كردفان، وثالثة دارفور.. توقيف الرئيس بزعم ارتكابه جرائم حرب.. دعم صهيوأمريكي للمقاتلين والمتمردين في دارفور؛ لإشاعة الفوضى، وتنفيذ المخططات المشبوهة..
بين كل هذه المتغيرات وغيرها يقف السودان العربي الشقيق على مفترق طرق يهدد حاضره ومستقبله، خاصة بعد الاتفاق بين الحكومة السودانية وحركة تحرير السودان عام 2005م في "نيفاشا بكينيا" على إجراء استفتاء تقرير المصير في الجنوب عام 2011م؛ لتحديد إما البقاء تحت سلطة الحكومة المركزية في الخرطوم، أو الانفصال، وإعلانه دولة مستقلة بذاتها.
مركز للتنصير
إن الخطر الداهم في هذا الاتفاق هو اعتبار "علمنة" نظم الحكم والإدارة والمؤسسات من رئيسيات الحكم في الجنوب الذي يمثل فيه المسلمون ما يقرب من 25% من السكان، إضافة إلى أن الميراث العدائي للمسلمين هو السمة الواضحة لمعتنقي الدين الحنيف في الجنوب، حيث يتعرضون يوميًّا لعمليات سلب ونهب للممتلكات وهدم للمساجد، في الوقت الذي تؤكد فيه المنظمات التبشيرية الغربية على أن المسيحيين في الجنوب يتعرضون للاضطهاد على يد حكومة الشمال الإسلامية.
ومن أبرز تلك المنظمات "سامرتين بيرس" التبشيرية الأمريكية الشهيرة، الكائن مقرها بولاية كارولينا الشمالية، والتي يتزعمها القس جرهام فرانكلين، التي بدأت حملات إعلانية كبيرة حول العالم من أجل جمع التبرعات لحماية المسيحيين في جنوب السودان، وإعادة بناء كنائسهم.
واستطاعت حسب التقارير الصادرة منها بناء 80 كنيسة في عام 2007م وحده, وحذت العديد من المنظمات التبشيرية حذو "سامرتين بيرس" حتى تحول الجنوب السوداني إلى مركز تنصير لا يستهدف الجنوب فحسب، بل هدفه ضرب العمق الإفريقي.
إن ضعف التواجد الإسلامي في الجنوب جعل منه تربه خصبة، وبيئة مناسبة لنمو ونشاط حركات التنصير التي تشهد دعمًا حكوميًّا (الحركة الشعبية لتحرير السودان)؛ والتي تهدف من ورائه إلى خلق "سودان جديد" يرتكز بصورة رئيسية على طمس الهوية العربية والإسلامية في كل مناحي الحياة، سواء سياسية أو اجتماعية.
ويعمل قياديو الجنوب منذ فترة بعيدة على تحقيق الهدف السابق، بل وتعد فكرة الزعيم الجنوبي الراحل "جون قارنق" القائلة بطرد العرب والمسلمين من الجنوب، أحد ثوابت النظام الحاكم الحالي في جنوب السودان، والذي لم يترك فرصة سانحة لتحقيقه؛ لذا فإنه في حال تصويت الجنوبيين على الانفصال عن الشمال في يناير 2011م سيكون الهدف سهل المنال، لا سيما في ظل الأحقاد الصليبية والمسيحية الدفينة تجاه العرب والمسلمين في الجنوب.
وتحظى المخططات الشيطانية التي تنتظر مسلمي الجنوب بدعم أمريكي ملحوظ، فلنا أن نعرف أن الإدارة الأمريكية السابقة برئاسة بوش الابن قد مارست ضغوطًا هائلة على حكومة البشير لإتمام اتفاق نيفاشا بعدما فشل مرات عديدة، كما أن استراتيجية الرئيس الأمريكي الحالي باراك أوباما الجديدة حيال السودان، والتي أعلن عنها أكتوبر الماضي، تضع مسألة تنفيذ الاتفاق السابق كأحد أهم أولويات واشنطن في المنطقة.
ودائمًا ما تعبر الدوائر الإعلامية الغربية والأمريكية على وجه الخصوص (الموجهة صهيونيًّا) عن اضطهاد المسيحيين في الجنوب؛ لكسب تأييد الرأي العام، والضغط على صناع القرار من أجل مساعدتهم، وذلك في إطار التعاون الوثيق بين اليهود والمسيحيين في الجنوب، وفي ذلك بطبيعة الحال تحقيق أهداف الصهاينة الخاصة بحلم إسرائيل الكبرى، والسيطرة على منابع النيل، والتحكم في الظهير الجنوبي للأمن القومي العربي.
أوضاع اقتصادية بائسة
وتستغل المنظمات التبشيرية حالة الفقر المدقع والظروف الاقتصادية الطاحنة التي يعيشها سكان جنوب السودان، إضافة إلى الأوضاع الأمنية غير المستقرة؛ لتقديم العديد من الخدمات ومختلف أنواع الرعاية، ليسهل عليها نشر مبادئها، وتنصير السكان تحت مبادئ مثل العمل الإنساني ومساعدة الفقراء.
إن ملامح الوضع الإنساني المتردي في جنوب السودان، عبرت عنه نائبة منسق الأمم المتحدة المقيم للشئون الإنسانية في جنوب السودان "ليز جراند" مؤخرًا بقولها: "إن مداخيل حكومة الإقليم لا تصرف على التنمية بل بدرجة كبيرة على التسلح؛ ونظرًا لأن هذه الأموال ليست كافية لعمليات تنمية واسعة، فإنه يوجد 1.5 مليون شخص في جنوب السودان يحصلون على تغذية ضئيلة جدًّا تشمل وجبة طعام كل يومين، وذكرت أن الوضع منتشر في خمس من ولايات الجنوب العشر".
وأضافت جراند: "إن برنامج الأمم المتحدة للمساعدة الإنسانية هناك يحتاج إلى 57 مليون دولار؛ لكي يؤمن القوت والغذاء لهؤلاء، وإلا انتشرت المجاعة".
إن الوضع المتردي في الجنوب، واعتماد قادتها على الإعانات من الدول المانحة، جعل المنظمات الإنسانية الدولية (التي تقود التنصير غير المباشر) ذات اليد الطولى هناك، إذ يبلغ عددها130 منظمة، وسبق أن قام الرئيس السوداني عمر البشير بطرد العشرات منهم من منطقة دارفور؛ لنشاطهم التنصيري الملحوظ.
إن الجنوب يعد من أغنى المناطق السودانية بالنفط، إذ يمثل 80% من عائدات النفط السودانية الكلية، كما يتمتع بموارد مائية هائلة، إلا أن الرغبة الداخلية والخارجية في بقاء الأوضاع على ما هي عليه، حتى يتمكن من الانفصال عن الشمال، هي المشكلة الرئيسية, كما أن غياب أي دعم إسلامي لمسلمي الجنوب جعلتهم فرادى في خندق المؤامرات الخبيثة.
رياح الانفصال قادمة
وبالرغم من وجود ما يربو على 60 منظمة إسلامية في الجنوب، تعمل على تسيير أمور المسلمين، وتسليم وإدارة ممتلكاتهم التي كانت تخضع للحركة الشعبية لتحرير السودان، إلا أن قادة الجنوب يريدون بقاء هذه الممتلكات تحت تصرفهم؛ لذا يضعون العديد من العراقيل أمام ممارسة تلك المؤسسات لعملها، بل والتضييق على أنشطتها الخيرية، وأيضًا وضع قيود على ممارسة المسلمين لشعائرهم الدينية.
وفي نفس السياق، يؤكد الباحث السوداني أبو بكر دينق على وجود ممارسات عنصرية تجاه المسلمين في الجنوب، تتجلى هذه النشاطات في اعتقال مسلمين لاستخدامهم مكبر صوت في الأذان، إضافة إلى منع الأذان في عدد من ولايات الجنوب العشرة، وتحويل بعض أماكن تعليم القرآن إلى خمارات، فضلاً عن غلق للجامعات والكليات والمصارف الإسلامية، وسعي لاستبدال المنهج السوداني العربي بالمناهج الكينية والأوغندية، واعتقال شماليين مسلمين بصورة متكررة.
إن المثير للدهشة هنا هو موافقة حكومة الخرطوم على إنشاء مفوضية لرعاية مصالح المسيحيين في شمال السودان، في الوقت الذي رفضت فيه حكومة الجنوب على إنشاء أخرى للمسلمين بدعوى أنها حكومة غير دينية، وأن المسلمين يمارسون شعائرهم وطقوسهم الدينية بحرية كاملة دون تضييق.
إن الوضع المخزي لمسلمي الجنوب سيزداد سوءًا إذا اختار الجنوبيون الانفصال.. الانفصال الذي تريده القوى الاستعمارية الكبرى، ليس انفصال سياسي لتكوين دولة مستقلة في الجنوب فقط، بل دحر وتدمير الهوية العربية والإسلامية لمسلمي الجنوب، في ظل الحرب الشعواء ضد الإسلام في كل مكان.
وها هي رياح الانفصال قادمة لا محالة وسط دعم أمريكي ملحوظ، وهو ما أكده "ايزيكيل لول جاتكوث" رئيس بعثة حكومة جنوب السودان في واشنطن بقوله: "إن الولايات المتحدة تقدم مساعدات في الوقت الراهن لجنوب السودان لإعداده للانفصال عن الشمال"، وتابع بقوله: "إن جانبًا كبيرًا من المساعدات الأمريكية للسودان التي تبلغ نحو مليار دولار سنويًّا توجه إلى بناء الطرق، وتدريب الشرطة، وزيادة الكفاءة الاحترافية لجيش مستقل في الجنوب".
ولم تكن واشنطن هي الدولة الكبرى المؤيدة لانفصال الجنوب فقط، بل نجد أيضًا الصين، فقامت مؤخرًا بفتح قنصلية لها في عاصمة الجنوب "جوبا"، وهناك مشاورات حالية لرسم علاقات الجانبين بعد 2011م.
إن الدعم الأمريكي والصيني أو حتى البريطاني غير المعلن لانفصال الجنوب أمر طبيعي في ظل الاستراتيجيات الغربية الرامية إلى تقسيم الدول العربية واحدة تلو الأخرى، وفي ظل التنافس العالمي على بترول الجنوب، أما أن يظهر زعيم عربي هو معمر القذافي ويؤيد الانفصال، فهذا أمر مختلف تمامًا لا يمكن تبريره.
وأخيرًا يمكن التأكيد على أن السودان يمر بمرحلة خطيرة من تاريخه السياسي، تتشكل على أساسها واقعه الحالي ومستقبله، فقطار التفتيت وتقسيم السودان إلى دويلات صغيرة لن يتوقف عند الجنوب، بل سيشمل أيضًا دارفور التي يلعب فيها التحالف الصهيو أمريكي دورًا بارزًا في إثارة النزاعات والصراعات؛ مما تستدعي الحاجة إلى ضرورة وقفة عربية جادة وفعالة مع السودان في وجه تلك المخططات، التي ستقلب واقع المنطقة رأسًا على عقب، وفي هذه الحالة سيصبح الحديث عن الأمن القومي العربي كلام مرسل لا يسمن ولا يغني من جوع.
الصمت العربي ومؤامرة تقسيم السودان
ورود الحق ـ الإسلام اليوم
بقلم / فاروق جويدة
شيء غريب في عالمنا العربي يتعارض تمامًا مع كل قوانين الطبيعة في البشر والأحداث والحياة أن الزمن عادة لا يرجع للوراء، وأن أحداث التاريخ لا تتكرر، ولكن في العالم العربي ما أشبه الليلة بالبارحة!!
منذ عشرات السنين شهد العالم العربي أكبر مؤامرات التقسيم في التاريخ الحديث في اتفاقية سايكس بيكو، والتي قسمت ما بقي من الإمبراطورية العثمانية الغاربة بين إنجلترا وفرنسا، فكانت بداية مأساة الشعب الفلسطينيوقيام الدولة العبرية وتقسيم العالم العربي بكل كياناته الضخمة إلى دويلات صغيرة تناثرت هنا وهناك، وحملت كل أمراض التشرذم السياسي والثقافي والعرقي.
منذ سنوات قليلة وضعت الحرب أوزارها في جنوب السودان وتم توقيع اتفاقية نيفاشا في عام 2005م في كينيا بين الجيش الشعبي في الجنوب والحكومة السودانية، كان من أهم وأخطر ما جاء في هذه الاتفاقية إجراء استفتاء شامل في جنوب السودان في 9 يناير 2011م؛ لكي يجيب عن هذا السؤال هل يبقى السودان وطنـًا موحدًا أم يعلن استقلال الجنوب في دولة مستقلة؟
في اتفاقية سايكس بيكو تم توزيع العالم العربي لتعلن فرنسا الانتداب على سوريا ولبنان وتعلن إنجلترا الانتداب على فلسطين والعراق، ولم يخل الأمر من إضافة مناطق من شمال سوريا خاصة لواء الإسكندرونة إلى تركيا، أو تسليم فلسطين لليهود بعد ذلك من خلال وعد بلفور.
كان التقسيم دائمًا هدفـًا استعماريًّا في العالم العربي، وبقي حتى الآن أخطر أسباب القلق وعدم الاستقرار في هذه المنطقة وكان السبب الرئيسي في ذلك كله ثروتها من البترول؛ ولهذا سعى الاستعمار دائمًا إلى تفتيت وتقسيم العالم العربي؛ لأن ذلك هو الضمان الوحيد حتى لا يتحول العرب إلى قوة قادرة على مواجهة التحديات.
جاء الدور الآن على السودان حيث تخرج الآن من الجنوب كل يوم أخبار جديدة، بل إن الولايات المتحدة الأمريكية وضعت قضية الجنوب ضمن أولوياتها الأولى، وربما سبقت أحداث الجنوب ما يجري في فلسطين حول مفاوضات السلام.
مؤشرات كثيرة تؤكد اهتمام أمريكا بالشأن السوداني. تصريحات المسئولين هناك ابتداء بالرئيس أوباما ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون مرورًا بـ"جون كيري" السيناتور الشهير والمرشح السابق في مواكب الرئاسة الأمريكية.. إنَّ أمريكا تستخدم كل أساليب الإغراء مع الرئيس عمر البشير, وسوف ترفع العقوبات عن السودان وسوف تتجاهل حكم المحكمة الجنائية، وسوف تقدم دعمًا ماليًّا للسودان، وسوف تحذف اسم السودان من قائمة الدول المشجعة للإرهاب.. إغراءات كثيرة قدمتها واشنطن لحكومة الشمال؛ حتى يتم الاستفتاء وتعلن أمريكا قيام دولة الجنوب المستقلة.
على جانب آخر، فإنَّ الأمر لم يخل من التهديد الواضح الصريح.. هناك مزيد من العقوبات إذا رفضت حكومة السودان إجراء الاستفتاء في موعده، بل إن آخر قرار أصدرته الإدارة الأمريكية هو تجديد العقوبات على السودان.. لا شك أن لدى جنوب السودان الآن إحساسًا بأن الدولة العظمى بكل نفوذها وقوتها تقف وراء استقلال الجنوب.. على امتداد السنوات الماضية قدمت أمريكا صفقات سرية من الأسلحة وقدمت دعمًا لحكومة الجنوب تجاوز 6 مليارات دولار والإدارة الأمريكية لا تفعل ذلك حبًّا في سكان الجنوب، ولكن لأن هناك قوة أخرى تقف بالمرصاد في جنوب السودان وهي الصين، حيث تسيطر على جزء كبير من موارد البترول، وتشارك في عدد كبير من مشروعات الطرق والمياه والمنشآت الإنتاجية.
إنَّ المعركة الآن على دولة الجنوب تدور بين أطراف كثيرة.. أول هذه الأطراف الولايات المتحدة الأمريكية وهي تضع عينها على البترول والخامات، ودولة جديدة في قلب القارة السوداء تدور حولها مجموعة من الدول بينها حسابات وخلافات كثيرة.. نحن أمام إثيوبيا وكينيا وأوغندا ووسط إفريقيا.. ولسنا بعيدين عن الصومال وجيبوتي وإريتريا والقرن الإفريقي.
وعلى مقربة منا تدور المعارك في اليمن بين القاعدة والجيش اليمني، وعلى الوجه الآخر ما تشهده الصومال من حرب أهلية.. هذه الأحداث الدامية تهم أمريكا بدرجة كبيرة؛ أولاً: لاقترابها الشديد من مناطق البترول في الخليج العربي. ثانيًا: لأن هذه المناطق تواجه صراعات دينية وعرقية يمكن أن تشتعل بسببها منطقة الخليج.
وبجانب هذا، فإنَّ إيران بقوتها الصاعدة وأحلامها التوسعية تشاهد ما يجري من بعيد، خاصة أنها حتى وقت قريب كانت تقف في شمال السودان، ولن يكون غريبًا أن تعود إلى مواقعها في أية لحظة.
كل هذه الأحداث لا يمكن أن تكون بعيدة عن إسرائيل التي أكدت وجودها في قلب القارة السوداء منذ سنوات بعيدة؛ ولهذا فإن أهداف أمريكا تصب في النهاية لمصلحة إسرائيل وحتى تضمن لها القوة والحماية في نفس الوقت.
لم تنس دول الخليج العربي أن تشارك في عرس الجنوب وهو يمهد لاستقلاله فدفعت ببعض أموالها في زراعة الأراضي وإقامة الطرق وبعض المشروعات المشتركة، ولكن الشيء المؤكد أن العرب غائبون فيما يحدث في الجنوب.
بدأت دولة الجنوب ترتيب أوضاعها وأعلنت أنها ستكون دولة علمانية تؤمن بتعدد الأديان، وستكون اللغة الإنجليزية هي اللغة الرسمية للدولة وليست العربية رغم وجود قبائل عربية، وسوف يكون النشيد الوطني باللغة الإنجليزية، وهو يتردد الآن في أرجاء جوبا العاصمة.
على جانب آخر بدأت وفود أهل الجنوب الذين يعيشون في الشمال تعود إلى الجنوب، وبدأ الخوف على أهل الشمال الذين يعيشون في مراعي ومزارع الجنوب، كل هذه المؤشرات تحمل صورة المستقبل الذي بقي عليه وقت قصير لا يتجاوز 70 يومًا تفصل بيننا وبين 9 يناير القادم.
هناك تصريحات كثيرة صدرت من الشمال تتحدث عن السودان الموحد، وخرجت المعارضة السودانية تندفع نحو الجنوب وتجمع ما تبقى من شتات النخبة السودانية الحريصة على وحدة الوطن الواحد.. ولم يخل الأمر من تصريحات للزعامات القديمة الصادق المهدي والميرغني في محالة لإنقاذ السودان من كارثة التقسيم.. على الجانب المصري كانت الزيارة التي قام بها وزير الخارجية أحمد أبو الغيط والوزير عمر سليمان في محاولة أخيرة لتقريب وجهات النظر، وشهدت أديس أبابا أكثر من اجتماع وأكثر من زيارة، ولكن كل شيء يشير ويؤكد أن التقسيم قادم.
هناك مخاطر كثيرة تهدد مصالح مصر في جنوب السودان.. لأول مرة في التاريخ القديم والحديث تنفصل مصر عن منابع نيلها جغرافيًّا وسياسيًّا؛ لأن السودان لم يكن في يوم من الأيام أرضًا وسكانـًا ودورًا بعيدًا عن مصر حتى في حالات ساءت فيها العلاقات.. كان السودان الموحد يشعرنا دائمًا أن النيل بين أيدينا وليس بعيدًا عنا.. ومع قيام دولة في الجنوب هي الأقرب إلى دول حوض النيل جغرافيًّا وسكانيًّا وثقافيًّا وعرقيًّا يمكن أن نقول: إن النيل لم يعد كما كان، وأن منابعه لم تعد قريبة منا كما كانت في ظل سودان موحد.
كان لدينا دائمًا إحساس بأن السودان هو العمق الذي يحمي ظهر مصر، ومع تقسيم هذا العمق يمكن أن تشهد المنطقة أحداثـًا أخرى وتوازنات أخرى..
وإذا كان شمال السودان سوف يجد شيئًا من الاستقرار في ظل مصر، فإن الجنوب يمكن أن يكون مطمعًا لقوى أخرى حوله، وربما ترك ذلك آثارًا بعيدة على دول الشمال مصر والسودان.. إن حوض النيل سوف ينقسم الآن أمام هذا الواقع الجغرافي والسكاني الجديد ما بين دول الشمال العربي مصر والسودان، وما بين دول الجنوب الإفريقي حيث دول حوض النيل ومنابعه.. لا أحد يعلم مستقبل الجنوب أمام خلافات كثيرة على الحدود بين الدولة الجديدة وجيرانها، ولا أحد يعلم أسلوب تأمين وحماية دولة بلا شواطئ تحيط بها ثقافات وديانات وأعراق مختلفة، خاصة أن المستقبل قد يحمل لها موارد كثيرة تغري الجيران وتشجع المغامرين..
إن الخوف من تقسيم السودان وإعلان قيام دولة الجنوب ليس خوفًا على الشمال وحده، ولكنه خوف مزدوج على جنوب قد لا يجد الحماية وشمال قد لا يجد الاستقرار، وإذا أضفنا لذلك كله أزمة دارفور ومستقبلها الغامض وما ينتظر كردفان، لأدركنا أن رياح التقسيم لن تتوقف عند جنوب السودان ولكنها ستطيح بأجزاء أخرى داخل هذا الكيان الضخم.
ما يحدث في الجنوب الآن قد يكون بداية مسلسل جديد لتقسيم يشبه ما حدث في عشرينيات القرن الماضي على يد انجلترا وفرنسا وهما يقتسمان معًا ما بقي من الدولة العثمانية.. ما زالت أحلام إسرائيل الكبرى لم تتحقق حتى الآن، وإن بقيت دستورًا في أدبيات الكيان الصهيوني.. إن تقسيم العالم العربي إلى دويلات صغيرة ما زال حلمًا في أجندة الإدارة الأمريكية.
كلنا يعلم أن تقسيم العراق إلى ثلاثة كيانات مستقلة كان وراء تصويت مجلس الشيوخ الأمريكي كشرط لانسحاب القوات الأمريكية من العراق.. إن رهان إسرائيل الآن هو تقسيم العالم العربي حتى تصبح إسرائيل هي الدولة الكبرى، وهذا يتطلب إقامة كيانات صغيرة في معظم الدول العربية.
منذ سنوات قليلة قدم باحث إسرائيلي يدعى عيديد يينون دراسة لوزارة الخارجية الإسرائيلية عن مستقبل تقسيم العالم العربي، مؤكدًا ضرورة استغلال الانقسامات العربية؛ لأنها تصب في مصلحة إسرائيل.. إن تفتيت العالم العربي يجب أن يكون هدفـًا إسرائيليًّا واضحًا وصريحًا، وهناك عوامل كثيرة تساعد على ذلك.
إنَّ دول المغرب العربي تعانى انقسامات كثيرة بين العرب والبربر، ولا توجد دولة عربية لا توجد فيها انقسامات دينية وعرقية وثقافية.. هناك أغلبية عربية سنية إسلامية، وأقليات إفريقية، وأقليات مسيحية، وهناك الأكراد في شمال العراق.. وفي دول الخليج أقليات شيعية نشطة في دول سنية.. وفي الأردن أغلبية فلسطينية، وفي اليمن حرب أهلية، وفي الصومال أيضًا.. وفي لبنان أقليات شيعية وسنية ومسيحية ودروز.
وبجانب هذا، فإن نمو تيارات الإسلام السياسي في العالم العربي أدى إلى وجود تقسيمات أوسع، وهناك تقسيمات متوقعة في دول مثل اليمن والعراق والسودان والمغرب والجزائر.
ولم يكن غريبًا أن بن جوريون رئيس وزراء إسرائيل وضع خريطة تقسيم العراق في عام 1952م، مستندًا إلى نبوءات وأساطير يهودية قديمة على أساس قيام ثلاثة كيانات منفصلة، ولعل هذا هو ما يجري الآن تحت راية الاحتلال الأمريكي ومؤامرات الدولة الصهيونية.
ولو أننا رصدنا ما حدث بين فتح وحماس في فلسطين أو ما يحدث بين الشيعة والسنة في العراق والحرب الأهلية في اليمن والصومال وما يجري في لبنان والحرب الأهلية في الجزائر لاكتشفنا أن مؤامرات التقسيم ما زالت تطارد الشعوب والحكومات العربية.. وقد شجع على ذلك ظهور النزعات العرقية والدينية وعودة العلاقات العربية إلى مربع القرابة والقبلية والدين والمذهب واللغة والأرض، بحيث عادت هذه العلاقات إلى سيرتها الأولى بعيدًا عن مبدأ عريق يسمى المواطنة.
ومع هذا، كان تراجع دور النخبة وسقوط منظومة القومية العربية وما شهده العالم العربي من مظاهر التشرذم السياسي والثقافي والوطني.
في ظل هذا زادت مساحات المد الديني وكان من الغريب أن يسقط النظام السياسي العلماني الوحيد في العالم العربي على يد القوات الأمريكية واحتلال العراق، وتقسيم هذا الكيان الضخم إلى كيانات دينية وعرقية على يد أكبر دولة كانت تتحدث عن شعارات حقوق الإنسان والحريات والديمقراطية.. في ظل هذه التوجهات والمؤامرات يقدم السودان اليوم نموذجًا لعمليات التقسيم التي يمكن أن يشهدها العالم العربي، وفي كل دولة عربية يوجد لغم يشبه جنوب السودان يمكن أن ينفجر في أي وقت، ويبدو أمامنا العالم العربي ممزقًا مقسمًا بلا هوية.
لقد حاربت الشعوب العربية الاستعمار الغربي وحصلت على حريتها واستقلالها وقدمت ملايين الشهداء، ولكن الاستعمار وقبل أن يرحل ترك للشعوب العربية ما يكفي من أسباب الصراع بينها.. ولهذا لم يكن غريبًا أن تدور الحرب في السودان بين أبناء الشعب الواحد عشرين عامًا وينتهي الأمر بالانفصال.. وما حدث في السودان يدور الآن في اليمن منذ سنوات.. وفي فلسطين تتسع دائرة الصراع بين فتح وحماس، وفي الجزائر دارت حرب أهلية سقط فيها آلاف القتلى، وفي لبنان ضيعت الحرب الأهلية أكثر من 16 عامًا من عمر الشعب اللبناني، وما زال يدفع ثمنها حتى الآن.
إنَّ المأساة الحقيقية أن انفصال الجنوب في السودان لن يكون آخر كوارث هذه الأمة، ولكن هناك دولاً أخرى تنتظر دورها في الانفصال والتقسيم وظهور كيانات جديدة، وللأسف الشديد إن بيننا من يسعى لذلك ومن يخدم مخططات مشبوهة تسعى إلى تمزيق هذه الأمة، والشعوب في النهاية هي التي تدفع الثمن.
إن أغرب ما في هذا المشهد الدامي هو الصمت العربي عن كل ما يجري في السودان الآن، رغم أن هذا الذي نراه مجرد مشهد في رواية طويلة تنتظر هذه الأمة، وهي - للأسف الشديد - تحمل الكثير من الأحداث والمخاطر.
الأكثر مشاهدة
المشاركات الشائعة
-
موقع الإخوان المسلميبن ـ ورود الحق بقلم: د. عماد عجوة القيروان.. مدينة تونسية تقع على بُعد 156 كم من العاصمة تونس، وعلى بُعد 57 كم من مدين...
-
أولا: مفهوم الثبات والمرونة : تنقسم أحكام الشريعة الإسلامية على قسمين : ا لأول : أحكام ثابتة : وهذه لا سبيل إلى البحث فيها ، ولا تقبل الت...
-
موقع قصة الإسلام ـ مدونة ورود الحق أما النصف الأوَّل من القرن الرابع الهجري والنصف الأوَّل من القرن العاشر الميلادي فيمثِّله أبو الحسن عل...
-
مدونة ورود الحق ـ الإسلام اليوم هانئ رسلان تعيشُ الخُرطوم هذه الأيام أجواءًا من الترقُّب المشوب بالقلق؛ بسبب...
-
مدونة ورود الحق ـ موقع إخوان أون لاين بقلم: د. كامل عبد الفتاح باحث في تاريخ مصر الحديث والمعاصر في التاسع والعشرين من أغسطس من كل عام تحل...
-
حذر الدكتور محمود حمدي زقزوق، وزير الأوقاف، أئمة الوزارة من التطرق إلى الموضوعات السياسية في الدروس الرمضانية التي سيلقونها بمساجد الجمهور...
-
موقع قصة الإسلام ـ ورود الحق فلسطين أرض الرسل والأنبياء الذين حملوا راية التوحيد، ودعوا أقوامهم إلى الالتزام بها. وقد شهدت فلسطين ف...
-
مدونة ورود الحق هؤلاء هم القادة الذين نريدهم هؤلاءالله سيرفع درجاتهم إن شاء الله ويسكنهم جنات النعيم ذلك بما يعملون الآن لأمتهم من تضحيات و...
-
د: منير جمعة عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين :- دول الغرب المسيحي تحتفي بكل الخارجين عن الإسلام وتلبسهم ألقابا رنانة . الرئيس بوش استقبل...
-
ورود الحق ـ قصة الإسلام : روجر بواس يلقي روجر بواس[1] في مقاله هذا نظرة على النموذج الإسباني للتطهير العرقي والديني. لكل شيء إذا ما تم نقصان...
يتم التشغيل بواسطة Blogger.
أحدث موضوع
المدونة على الفيس بوك
أقسام مهمة
التسميات
- أزمات الأمة (38)
- الخلافة الأموية (1)
- الدولة العثمانية الجزء الثانى (12)
- الدولة العثمانية الجزء الرابع (3)
- الدولة العثمانية الجزء الأول (8)
- الدولة العثمانية الجزء الثالث (10)
- السودان وأزمة الانفصال (10)
- الشيشان جرح ينزف (7)
- النصرانية ما بين التعريف والتحريف الجزء الأول (1)
- تاريخ الأندلس (1)
- تاريخ أمة (42)
- تاريخ حماس والدفاع عنه (1)
- تاريخ فلسطين (2)
- تحليلات هامة (11)
- تربية الأطفال (1)
- تركستان جرح ينزف (8)
- حدث فى مثل هذا (2)
- دروس فى الفقه (1)
- شخصيات إسلامية (2)
- شخصيات أسلموا (2)
- صحابة الرسول (1)
- عجائب التكنولوجيا (1)
- على الصلابى (1)
- عن الإخوان والبنا (4)
- غرائب من الحياة (1)
- غزة بين النار والحصار (7)
- فتاوى اقتصادية (1)
- فتاوى الدكتور منير جمعة (5)
- فتاوى عامة (6)
- فقه السنة (3)
- فلسطين (9)
- فيديو مؤثر (4)
- قالوا عن الإسلام (3)
- قصص من روائع حضارتنا (23)
- كتاب الكبائر للإمام شيخ الإسلام الذهبى (4)
- كشمير جرح ينزف (7)
- كوسوفا جرح ينزف (5)
- مساجد لها تاريخ (1)
- مقالات الأستاذ ثامر عبد الغني سباعنه (1)
- مقالات الدكتور منير جمعة (17)
- مقالات المشرف (13)
- مقالات رمضانية (1)
- مواعظ الإمام ابن الجوزى (16)
- نقاشات (1)
بحث
بحث هذه المدونة الإلكترونية
Categories
المتابعون
فيديو الأسبوع
أحدث التعليقات
أحدث المقالات