الصفحة الرئيسية » Archives for أكتوبر 2010
الإبداع والابتكار
كتبت تحت قسم
تاريخ أمة
,
قصص من روائع حضارتنا
|
السبت، 23 أكتوبر 2010|
درعمى
يعتبر الإبداع والابتكار ميزة رائدة للعسكرية الإسلامية في الحرب والمعارك، وما حدث في معركة القادسية -عندما فوجئ المسلمون في اليوم الأول للمعركة بظهور الفيلة في مقدمة جيش الفرس- يدلُّ دلالة واضحة على الإبداع في التخطيط العسكري الإسلامي؛ حيث كانت الفيلة بحجمها وصراخها المرتفع تُخيف خيول المسلمين، فتتراجع الخيل أمامها، وبسرعة خاطفة تشاور قادة المسلمين، وأعدُّوا خطة للتغلب على الفيلة، أرسل سعد رضى الله عنه إلى عاصم بن عمرو التميمي رضى الله عنه فقال:
يا معشر تميم، ألستم أصحاب الإبل والخيل؟ أما عندكم لهذه الفيلة من حيلة؟ قالوا: بلى والله. ثم نادى في رجال من قومه رماة، وآخرين لهم ثقافة (يعني حذق وحركة)، فقال لهم: يا معشر الرماة، ذُبُّوا ركبان الفيلة عنهم بالنبل. وقال: يا معشر أهل الثقافة، استدبروا الفيلة فقَطِّعوا وُضُنَها (يعني أحزمتها)؛ لتسقط توابيتها التي تحمل المقاتلين، وخرج يحميهم والرحى تدور على أشدِّها، وقد جالت الميمنة والميسرة غير بعيد، وأقبل أصحاب عاصم رضى الله عنه على الفيلة، فأخذوا بأذنابها وذباذب توابيتها (يعني ما يعلق بها)، فقطعوا وُضُنَها، وارتفع عواء الفيلة، فما بقي لهم يومئذ فيل إلا أُعْريَ، وقُتِلَ أصحابها[1].
ومن أشهر الخطط العسكرية المبدعة في التاريخ الإسلامي خطة محمد الفاتح -رحمه الله- في فتح القسطنطينية، فقد وصل بسفنه المحملة بالمدافع الضخمة إلى مضيق الدردنيل، فوجد أن البيزنطيين قد سدُّوا المضيق بمجموعة من السلاسل الضخمة التي تمتد بين الشاطئين؛ تمنع السفن من العبور، ولكن هذا لم يَفُتَّ في عضد هذا القائد العبقري، ولم يُوقف تَقَدُّمه، فقد قرر أن يقوم بأكبر عملية نقل أسطول بحري في التاريخ، وقام الجيش كله بسحب السفن على أعمدة خشبية وضعها على البَرَّ، والتفَّ من خلف السلاسل، ونزل الأسطول في البحر مرَّة أخرى، وفوجئ البيزنطيون بحركة الالتفاف التي لم يسبق لها مثيل في التاريخ كله، فلأول مرَّة في التاريخ العسكري يجرؤ قائد على نقل سفنه البحرية، بما تحمله من مدافع ثقيلة ومؤن وعتاد، ويصعد بها قمة الجبل، ثم يهبط بها إلى البحر ليواجه عدوه، وكانت نتيجة المفاجأة أن سقطت المدينةُ في قبضته بأقل الخسائر[2].
هذه بعض مزايا العسكرية الإسلامية، والتي تدلُّ على سبق العقيدة التي تنطلق منها الحضارة الإسلامية ورقي أبنائها.
البحرية الإسلامية
لم يكن للعرب قبل الإسلام وفي صدره معرفة كبيرة بشئون البحر؛ وذلك لبداوتهم واقتصارهم في تجارتهم على الطرق البريَّة الصحراويَّة، ويُعَدُّ العلاء بن الحضرميرضى الله عنه والي البحرين أوَّل مَنْ ركب البحر في عهد عمر بن الخطاب رضى الله عنه ، فقد أَحَبَّ أن يُؤْثِّرَ في الفرس أَثَرًا يُعِزُّ الله به الإسلام، فندب أهل البحرين في سنة (17هـ) لفتح بلاد فارس، فبادروا، فحملهم في السفن بغير إذن عمر رضى الله عنه ، وعَبَرَ بهم الخليج العربي، ثم عادوا إلى البصرة مُحَمَّلِينَ بالغنائم بعد أن فَقَدُوا سفنهم التي عبروا عليها، وقد شقَّ ذلك على عمررضى الله عنه ، الذي كان يكره ركوب البحر، فعزل العلاء رضى الله عنه [3].
وبعد التوسُّع في حركة الفتوحات الإسلامية، وفتح الشام2 ومصر، أراد المسلمون مجاراة الروم في ركوب البحر، وحماية السواحل والبلاد التي فتحوها، ودَفْعَ أخطار الروم عنها، وكان من ذلك أنَّ معاوية بن أبي سفيان رضى الله عنه كتب وهو بحمص إلى عمر بن الخطاب رضى الله عنه يستأذنه في غزو الروم بحرًا، فأبى عمر، فألحَّ عليه معاوية رضى الله عنه ، وأرسل إليه يقول: "إن قرية من قرى حمص ليسمع أهلها نباح كلابهم وصياح دجاجهم". يريد بذلك أنهم قريبون منهم، وهو ما أَثَّرَ في عمر رضى الله عنه ، الذي كتب إلى عمرو بن العاص رضى الله عنه أن يَصِفَ له البحر وراكبه، فكتب إليه عَمرو رضى الله عنه : "إني رأيتُ خَلْقًا كبيرًا يركبه خَلْقٌ صغير، ليس إلاَّ السماء والماء، إن رَكَدَ خرق القلوب، وإن تحرَّك أزاغ العقول، يزداد فيه اليقين بالنجاة قلَّةً، والشكُّ كثرةً، هم فيه كدود على عود، إن مال غَرِقَ، وإن نجا بَرِقَ"[4].
فكتب عمر رضى الله عنه إلى معاوية رضى الله عنه : "والذي بعث محمدًا بالحقِّ! لا أحمل فيه مسلما أبدًا... وتالله! لمسلم أحبُّ إليَّ ممَّا حَوَتِ الروم، فإيَّاك أن تَعْرِضَ لي وقد تَقَدَّمت إليك، وقد عَلِمْتَ ما لقي العلاء رضى الله عنه مني، ولم أَتَقَدَّمْ إليه في مثل ذلك"[5].
فلم تكن للمسلمين قوَّة بحرية حتى عهد عمر بن الخطاب رضى الله عنه ، والذي انتهج سياسة دفاعية لمواجهة الخطر البيزنطي؛ تتمثَّل في إقامة الحصون والأربطة على السواحل والثغور.
ولما وَلِيَ عثمان بن عفان رضى الله عنه الخلافة "لم يزل به معاوية رضى الله عنه حتى عزم عثمان رضى الله عنه على ذلك بآخرة، وقال: لا تنتخب الناس، ولا تقرع بينهم، خيِّرهم، فمَنِ اختار الغزو طائعًا فاحمله وأَعِنْهُ. ففعل"[6].
ولما استقرَّ الأمر للمسلمين، وشمخ سلطانهم، وخضع لهم غيرهم، وتقرَّب كلُّ ذي صَنْعَةٍ إليهم بمبلغ صناعته، واستخدموا من النواتية[7][8]، وشحنوا الأساطيل بالرجال والسلاح، وأمطوها[9] العساكر والمقاتلة لمن وراء البحر، واختصُّوا بذلك من ممالكهم وثغورهم ما كان أقرب لهذا البحر وعلى حافَّته؛ مثل: الشام، وإفريقية، والمغرب، والأندلس[10]. في حاجاتهم البحرية أُمَمًا تقوم عليها، وتكرَّرَت ممارستهم للبحر وثقافته؛ استحدثوا بُصَرَاء بها، وشرعوا إلى الجهاد فيه، وأنشئوا السفن فيه والشواني
ويذكر التاريخ بكل فخر وإكبار معارك المسلمين البحرية الأولى؛ مثل: غزو قبرص، وموقعة ذات الصواري البحرية سنة (34هـ/654م)، والتي غَيَّرَتْ مسار التاريخ البحري، وحسمت السيادة البحرية في حوض البحر المتوسط لصالح المسلمين، وبرز المسلمون بعدها كقوَّة عسكرية جديدة ومُؤَثِّرَة في عالم البحر، وتحوَّل لقب هذا البحر من (بحر الروم) أو (البحيرة الرومية) إلى بحيرة إسلامية، وقد استحكم نفوذ الأسطول الإسلامي عندما فتح المسلمون الأندلس، وأصبحت سفنهم تَعْبُر في أمان بين سواحل الشام ومصر شرقًا، وإلى الأندلس غربًا.
صناعة السفن
منذ أن أدرك المسلمون قيمة البحرية كسلاح حربي مهمٍّ -وخاصَّة بعد الانتصار الكبير في ذات الصواري- شرعوا في إنشاء العديد من دُورِ صناعة السفن الحربية، وأُنْشِئَتْ لأوَّل مَرَّة دارٌ لصناعتها في جزيرة الروضة بمصر سنة (54هـ/674م)، أُطْلِقَ عليها: (دار الصناعة)[11]، كما أصبح هناك داران لصناعة السفن في بلاد الشام في عكا وصُور، ثم في إفريقيا والأندلس، وقد "انتهى أسطول الأندلس أيام عبد الرحمن الناصر إلى مائتي مَرْكَبٍ أو نحوها، وأسطول إفريقيا كذلك مثله، أو قريبًا منه"[12].
هذا، وأنشأ المسلمون أسطولاً تِجَارِيًّا إلى جانب الأسطول الحربي, وكان الاهتمام بالملاحة التجارية في البحار الشرقية والجنوبية قد ازداد بعد تَحَكُّم المسلمين في التجارة الدولية، وقد تعدَّدَتْ أنواع السفن الإسلامية الحربية والتجارية بما يُنَاسِبُ طبيعة البحار والمحيطات؛ فكان هناك: الشُّونَة، والحَرَّاقة[13]، والبطسة، والغراب، والشلندية، والحمالة، والطريدة، وهي تختلف من حيث الحجم والوظيفة وخفَّة الحركة، وأكبرها الشُّونَة التي تحمل الجنود والأسلحة الثقيلة، وأصغرها الطريدة وهي سفينة صغيرة سريعة الجري؛ أمَّا الأسلحة فمنها الكلاليب التي استعملها المسلمون في ذات الصواري لربط سفنهم بسفن الرومان، ومنها النفاطة وهي مزيج من السوائل الحارقة، تُطْلَقُ من أسطوانة في مقدِّمَة السفينة، وتسمَّى النار اليونانية، هذا علاوة على الأسلحة البرية التقليدية[14].
وليس أدلُّ على العبقرية البحرية من وجود مؤلَّفات إسلامية عن فنون الملاحة، ومن أشهرها: (الفوائد في أصول علم البحر والقواعد)، لابن ماجد (ت بعد 904هـ/1498م) الملقَّب بأسد البحر، وأرجوزته التي بعنوان: (حاوية الاختصار في أصول علم البحار)[15]، وكذلك (المنهاج الفاخر في علم البحر الزاخر)، و(العمدة المهرية في ضبط العلوم البحرية) لسليمان المهري (ت نحو 961هـ/1554م) الملقَّب بمعلم البحر[16].
وكذلك فإن القاموس البحري حافل بالاصطلاحات البحرية الإسلامية التي وَجَدَتْ طريقها إلي اللغات الأوربية، فمن ذلك: (Admiral) وأصلها أمير البحر، و(Cable) أصلها حبل، و(Resif) أصلها رصيف، و(Darsinal) أصلها دار الصناعة.
دستور الأخلاق العسكرية
لا نعجب إذا عرفنا أن المسلمين أول من وثَّقوا العلاقة بين الحرب والأخلاق، فلم يكونوا يتشبهون بقوات الفرس والروم في حروبهم، ولا شكَّ أن هذا من أفضل ما قدمته الحضارة الإسلامية للإنسانية كلها، فقد اهتمت بتربية الضمير، ووضع الوازع الأخلاقي والإنساني في التعامل مع الآخرين: سواء كانوا متحاربين أم مسالمين.
ولم تهدف الحضارة الإسلامية في أثناء نشر الدعوة الإسلامية بين أبناء الأمم الأخرى، إلى إراقة الدماء، وقتل الأبرياء، كما فعل المتصارعون من أبناء الفرس والروم، أو التتار الذين أبادوا من أمامهم كل شيء، فقتلوا الكبير والصغير، والرجل والمرأة، وعقروا الدواب، وأجهضوا الحوامل، وفعلوا ما لا يُستساغ قبوله من بشر!
ولذلك كان الرسول يعلم أصحابه ويوجِّهَهُم فيقول لهم مربيًا: "لاَ تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَسَلُوا اللهَ الْعَافِيَةَ.."[17]. فالمسلم بطبيعة تربيته الأخلاقية التي يتربى عليها من خلال القرآن الكريم وسُنَّة النبي يكره القتل والدماء، ومن ثَمَّ فهو لا يبدأ أحدًا بقتال، بل إنه يسعى بكل الطرق لتجنُّب القتال وسفك الدماء.
لهذا كان من عدله في الحروب أنه كان يقتصر على قتل المحاربين، ولا يقتل المدنيين الذين لا يشاركون في الحرب والقتال، وقد وصَّى رسولُ الله عبدَ الرحمن بن عوف رضى الله عنه بذلك عندما أرسله في شعبان سنة (6 هـ) إلى قبيلة كلب النصرانية الواقعة بدومة الجندل؛ فقال له : "اغْزُوا جَمِيعًا فِي سَبِيلِ اللهِ، فَقَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِالله، لاَ تغُلُّوا، وَلاَ تَغْدِرُوا، وَلاَ تُمَثِّلُوا، وَلاَ تَقْتُلُوا وَلِيدًا"[18].
ولقد كانت هذه الأخلاق دُستورًا ركينًا في حروب الجيوش الإسلامية مع غير المسلمين، وكانت الحروب الإسلامية تتميز بأنها غير دموية، وكان القواد العسكريون المسلمون ينتهزون الفرص لوقف القتال وحماية الأرواح، وكان قدوتهم في ذلك رسول الله ولقد قمتُ بإحصاء عدد الذين ماتوا في كل الحروب النبوية، سواء من شهداء المسلمين، أو من قتلى الأعداء، ثم قمت بتحليل لهذه الأعداد، وربطها بما يحدث في عالمنا المعاصر، فوجدت عجبًا!
لقد بلغ عدد شهداء المسلمين في كل معاركهم أيام رسول الله ، وذلك على مدار عشر سنوات كاملة، 262 شهيدًا تقريبًا، وبلغ عدد قتلى أعدائه حوالي 1022 قتيلاً، وقد حرصت في هذه الإحصائية على جمع كل من قُتِل من الطرفين حتى ما تم في حوادث فردية، وليس في حروب مواجهة، كما أنني حرصت على الجمع من الروايات الموثَّقة بصرف النظر عن الأعداد المذكورة، وذلك كي أتجنب المبالغات التي يقع فيها بعض المحققين بإيراد الروايات الضعيفة التي تحمل أرقامًا أقلَّ[19]، وذلك لتجميل نتائج الحروب النبوية[20].
وبذلك بلغ العدد الإجمالي لقتلى الفريقين 1284 قتيلاً فقط!
ولكي لا يتعلل أحدٌ بأن أعداد الجيوش آنذاك كانت قليلة؛ ولذا جاء عدد القتلى على هذا النحو، فإنني قمت بإحصاء عدد الجنود المشتركين في المعارك، ثم قمت بحساب نسبة القتلى بالنسبة إلى عدد المقاتلين، فوجدت ما أذهلني! إن نسبة الشهداء من المسلمين إلى الجيوش المسلمة تبلغ 1% فقط، بينما تبلغ نسبة القتلى من أعداء المسلمين بالنسبة إلى أعداد جيوشهم 2%! وبذلك تكون النسبة المتوسطة لقتلى الفريقين هي 1.5% فقط!
إن هذه النسب الضئيلة في معارك كثيرة بلغت 25 أو 27 غزوة[21]، و38 سرية[22]، أي أكثر من 63 معركة، لمن أصدق الأدلة على عدم دموية الحروب في عهده .
ولكي تتضح الصورة بشكل أكبر وأظهر فقد قمت بإحصاء عدد القتلى في الحرب العالمية الثانية - كمثال لحروب "الحضارات" الحديثة، وخاصَّة أن الدول التي اشتركت فيها ما زالت تدَّعي أنها رائدة للحضارة ولحقوق الإنسان! ثم قمت بحساب نسبة القتلى بالقياس إلى أعداد الجيوش المشاركة في القتال، فصُدِمْتُ بمفاجأة مذهلة! إن نسبة القتلى في هذه الحرب الحضارية بلغت 351%!
ومن جديد.. إن الأرقام لا تكذب، لقد شارك في الحرب العالمية الثانية 15.600.000 جندي (خمسة عشر مليونًا وستمائة ألف)، ومع ذلك فعدد القتلى بلغ 54.800.000 قتيل (أربعة وخمسين مليونًا وثمانمائة ألف)! أي أكثر من ثلاثة أضعاف الجيوش المشاركة! وتفسير هذه الزيادة هو أن الجيوش المشاركة جميعًا -وبلا استثناء- كانت تقوم بحروب إبادة للمدنيين، وكانت تُسْقِط الآلاف من الأطنان من المتفجرات على المدن والقرى الآمنة، فتبيد البشر، وتُفني النوع الإنساني، فضلاً عن تدمير البنى التحتية، وتخريب الاقتصاد، وتشريد الشعوب!
لقد كانت كارثة إنسانية بكل المقاييس، وليس خافيًّا على أحد أن المشاركين في هذه المجازر كانت الدول التي تُعرف آنذاك - والآن - بالدول المتحضرة الراقية! كبريطانيا وفرنسا وأمريكا والاتحاد السوفيتي والصين وألمانيا وإيطاليا واليابان!
وسار على نهج النبي المسلمون من بعده، وظهر ذلك واضحًا في كلمات أشدِّ الصحابة حرصًا على اتباع سنَّته، وهو الصِّدِّيقُ رضى الله عنه ، وذلك عندما وصَّى جيوشه المتجهة إلى فتح الشام، وكان مما جاء في هذه الوصية: "ولا تفسدوا في الأرض...". فهذا شمول عظيم لكل أمر حميد، فالصديق رضى الله عنه ينهى بوضوح عن كل إفساد في الأرض أيًّا كانت صورته، وجاء أيضًا في وصيته "ولا تغرقنَّ نخلاً ولا تحرقُنَّها، ولا تعقروا بهيمة، ولا شجرة تثمر، ولا تهدموا بيعة..."[23].
فهذه تفصيلات توضح المقصود من وصية عدم الإفساد في الأرض؛ لكيلا يظنُّ قائد الجيش أن عداوة القوم تُبيح بعض صور الفساد، فالفساد بشتى صوره أمر مرفوض في الإسلام.
وكان عمر بن الخطاب رضى الله عنه إذا بعث أمراء الجيوش أوصاهم بتقوى الله، ثم يقول عند عقد الألوية: "باسم الله، وعلى عون الله، وامضوا بتأييد الله بالنصر، وبلزوم الحق والصبر، فقاتلوا في سبيل الله من كفر بالله {وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْـمُعْتَدِينَ} [البقرة: 190]، لا تجبنوا عند اللقاء، ولا تمثِّلوا عند القدرة، ولا تُسرفوا عند الظهور، ولا تقتلوا هرمًا ولا امرأة ولا وليدًا، وتوقَّوْا قتلهم إذا التقى الزحفان، وفي شنِّ الغارات. ولا تغلُّوا عند الغنائم ونزِّهوا الجهاد عن عرض الدنيا، وأبشروا بالرباح في البيع الذي بايعتم به، وذلك هو الفوز العظيم"[24].
إن اهتمام الإسلام وحضارته بالجانب الأخلاقي في جميع الأنشطة: السلمية والحربية، ليُؤَكِّد على أن الحضارة الإسلامية، قاعدتُها الأخلاق، ودُعامتها الرحمة، وأغصانها العفو، وثمرتها المؤاخاة، فمع التقدم العسكري الرائع الذي وصلت إليه الحضارة الإسلامية، فإنها لم تُهن شعوب الأمم الأخرى، فاحترمت عقائدهم، وتَقَبَّلَتْهم كمواطنين أحرار داخل أرجاء الدولة الإسلامية. وليس أدلُّ على ذلك من تعامل صلاح الدين -رحمه الله- مع أسرى الصليبيين وأمرائهم، من العفو والرحمة، حتى إن الأوساط العلمية والشعبية ما زالت تتذكر صلاح الدين -رحمه الله- وأدواره الأخلاقية قبل العسكرية.
د. راغب السرجاني
[1] الطبري: تاريخ الأمم والملوك 2/412.
[2] علي محمد الصلابي: الدولة العثمانية عوامل النهوض وأسباب السقوط ص88.
[3] انظر: ابن كثير: البداية والنهاية 7/96، 97.
[4] ابن خلدون: المقدمة 2/130. وبَرِقَ: يجوز كسر الراء وفتحها، دَهِشَ وتحيَّر. انظر: ابن منظور: لسان العرب، مادَّة برق 10/14.
[5] الطبري: تاريخ الأمم والملوك 3/316.
[6] المصدر السابق 3/317.
[7] النوتي: الملاح الذي يدير السفينة في البحر. انظر: ابن منظور: لسان العرب، مادة نوت 2/101.
[8] الشونة: المركب المعدُّ للجهاد في البحر. انظر: المصدر السابق 13/243.
[9] أمطوها: أي جعلوهم يمتطونها، ويركبونها.
[10] ابن خلدون: المقدمة 1/253.
[11] انظر: أبو زيد شلبي: تاريخ الحضارة الإسلامية والفكر الإسلامي ص166.
[12] ابن خلدون: المقدمة 1/253.
[13] الحَرَّاقة: ضرب من السفن فيها مرامي نيران يُرمى بها العدوِّ في البحر. انظر: ابن منظور: لسان العرب، مادة حرق 10/41.
[14] انظر: أبو زيد شلبي: تاريخ الحضارة الإسلامية والفكر الإسلامي ص169، 170، وكمال عناني إسماعيل: دراسات في تاريخ النظم الإسلامية ص183- 187.
[15] الزركلي: الأعلام 1/201.
[16] المصدر السابق 3/121.
[17] البخاري: كتاب الجهاد والسير، باب كان النبي إذا لم يقاتل أول النهار أخَّر القتال حتى تزول الشمس (2804)، واللفظ له، ومسلم: كتاب الجهاد والسير، باب كراهة تمني لقاء العدو والأمر بالصبر عند اللقاء (1742).
[18] مسلم: كتاب الجهاد والسير، باب تأمير الإمام الأمراء على البعوث... (1731)، وأبو داود (2613)، والترمذي (1408)، وابن ماجه (2857)، والدارمي (2439)، وأحمد (18119)، والحاكم (8623).
[19] اعتمدت في حصر الأرقام على ما ورد أولاً في كتب الصحاح والسنن والمسانيد، ثم على روايات كتب السيرة بعد توثيقها، كسيرة ابن هشام، وعيون الأثر، وزاد المعاد، والسيرة النبوية لابن كثير، والطبري، وغيرهم.
[20] كما يذكر بعضهم أن شهداء حادثة بئر معونة هم سبعة وعشرون شهيدًا، بينما الصواب سبعون شهيدًا، أو كما يُسقط بعضهم قتلى بني قريظة من الحساب، بحجة أنهم لاقوا ما يستحقون نتيجة خيانتهم، بينما الصواب أن نثبتهم لأنها كانت معركة حقيقية، بصرف النظر عن أسبابها، وهكذا.
[21] ابن قيم الجوزية: زاد المعاد 1/125، وابن حزم: جوامع السيرة 1/16.
[22] ابن كثير: السيرة النبوية 4/432.
[23] البيهقي في سننه الكبرى (17904).
[24] ابن قتيبة: عيون الأخبار 1/107.
السودان وأزمة الانفصال : السودان على مفترق الطُّرق
كتبت تحت قسم
أزمات الأمة
,
السودان وأزمة الانفصال
|
الجمعة، 15 أكتوبر 2010|
درعمى
مدونة ورود الحق ـ الإسلام اليوم
تعيشُ الخُرطوم هذه الأيام أجواءًا من الترقُّب المشوب بالقلق؛ بسبب اقتراب الاستحقاق الخاص بالاستفتاء على حقّ تقرير المصير المقرَّر له أن يتمَّ في مطلع يناير 2011، حيث يختار شعب جنوب السودان بين البقاء في السودان الموحَّد طبقًا للنظام الذي أقرَّته اتفاقية نيفاشا وبين الانفصال في كيان جديد, سوف يمثِّل الدولة رقم 11 في حوض النيل.
المتابع للشأن السوداني يمكنه أن يلحظ بسهولة من خلال تصريحات كبار المسئولين وبخاصة الرئيس البشير ونائبه علي عثمان طه, ومن خلال الأجواء الإعلامية وأحاديث رجل الشارع, أن هناك إشفاقًا من التداعيات التي سوف تترتب على الانفصال المتوقَّع.. وهنا يجب أن نفَرِّق بين عدم الممانعة الشمالية الواضحة في أن يذهب الجنوبيون إلى حال سبيلهم، وأن يجرِّبوا إدارة دولتهم وشئونهم بمفردِهم, وبين القلق الواضح من ألا يكون الانفصال نهايةً لهذه العلاقة المأزومة والمسكونة بالهواجس مع الجنوب, وأن يتحوَّل الانفصالُ إلى نقطة البداية في مسار جديد من الصراع بسبب التداخُل بين الشمال والجنوب, فهما في نهاية المطاف تعبيرٌ عن نسيج متداخل لا بدَّ أنْ يصيبَه التهتُّك في حالة فصلِه عن بعضه البعض, وأيضًا بسبب العديد من الملفَّات التي ما زالتْ عالقةً مثل ترسِيم الحدود وقضايا البترول والديون والأصول المشتركة وأوضاع الجنوبيين في الشمال والشماليين في الجنوب.. إلخ, وهناك أيضًا قضايا أخرى بالغة الحساسية مثل أوضاع مناطق التخوم التي تقع على الحدود الفاصلة بين الشمال والجنوب, وهي جنوب النيل الأزرق وجبال النوبة وإبيي.. هذه المناطق كان من المفترض أن تكون مناطق تعايش وتواصل وربط بين الشمال والجنوب, ولكنها تحوَّلت بسبب الحرب والصراع إلى مناطق قلق وتوتُّر.. ففي حالة وقوع الانفصال: ما آثار ذلك على هذه المناطق التي تقع جغرافيًّا في الشمال (ما عدا إبيي التي لها وضعٌ خاص) في حين أنها أقرب إلى الجنوب من الناحية الإثنية, وخاضت أجزاء كبيرة منها الجولة الثالثة من الحرب الأهلية مع الحركة الشعبية.. هل سوف تستقرُّ أوضاع هذه المناطق أم أنها ستكون ساحةً لحروب بالوكالة أم أنها ستتحول إلى حرب مباشرة لا سيَّما أن هذه المناطق تتمتع بحق "المشورة الشعبية" كما جاء في بروتوكولات نيفاشا، يُضاف إلى ذلك هاجس آخر هو الأثر المتوقع على أزمة دارفور التي أكملت عامَها الثامن وهي تدور في مَتَاهَة البحث عن حلول وعن مخارج.. فهل سوف تنتقل إليها عدوى النموذج وتسير في نفس الاتجاه.. أي الاستعصاء على الحلّ السلمي والتسوية السياسية, ثم الشعور برهق الحرب والرغبة في إنهائها والتخلُّص من أعبائها.. ومن ثَمَّ يبدأ حق تقرير المصير الذي يطلُّ برأسِه منذ فتره في مطالبات لفظية متناثرة هنا وهناك في شق مساره الصاعد بعد أن تكون الأجندات الإقليمية والدولية قد مهَّدتْ له الأرضية وخلقت الأجواء المناسبة.
على الناحية الأخرى تبرز أسئلة أخرى كثيرة عن قدرة الكيان الجنوبي الجديد على التماسك والاستمرار, فضلًا عن قدرته على حفظ الأمن والحد الأدنى من الاستقرار اللازم لتوفير مقوِّمات الحياة, وعن توافُر الخبرات والقدرات الإدارية الضرورية لبناء وقيادة دولة جديدة تتسم بالانعدام الشامل للبنية التحتية وأعباء ما بعد الحرب من استيعاب المقاتلين والتحوُّل إلى الحياة المدنيَّة، فالجنوب كما هو معروفٌ يتكون من فسيفساء واسع من القبائل التي تمتلك كل منها لغتها وثقافتها ومعتقداتها الخاصة, ومعظم هذه القبائل بينها تاريخ طويل من الصِّدام والصراع وعلاقات يسيطر عليها تاريخ طويل من المخاوف.. والولاء الأخير للإنسان فيها هو للقبيلة؛ حيث لم تنشأ بعدُ فكرة الانتماء الأوسع إلى وطن.
كما أن المشاركة من قبائل عدة في خوض الحرب ضمن الحركة الشعبية كان محددُه الأساسي هو وجود ما كان يُنظر له باعتباره عدوًّا مشتركًا هو الشمال, أما بعد اختفاء هذا العدو أو إزاحته فمن المتوقع أن تعلوَ سمة التناقضات الداخلية على ما عداها, وهذا ما تشير إليه الاشتباكات الدموية خلال عام 2009 والتي نَجَمَ عنها حوالي3000 قتيل وأكثر من270 ألف نازح حسب تقارير بعثة الأمم المتحدة في الجنوب, ثم التمرُّد الحالي بسبب نتائج الانتخابات، والذي لم يتم احتواؤه بعد.. هذا العنصر نفسه هو أحد مسبِّبات القلق, فعدم القدرة على التماسك أو توفير الأمن في الداخل قد تُغري قادةَ الدولة الجديدة بتطوير الخلافات مع الشمال إلى شكل من أشكال الحرب أو الصراع لاستعادة الأدوار الخاصة بالعدو الخارجي لشغل الداخل ودعوتِه إلى تأجيل خلافاته وتناقضاته إلى ما بعد المواجهة مع العدو الحقيقي أو المتوهَّم.
حول هذه القضايا المتصلة بحق تقرير المصير عقد مركز السودان للبحوث والدراسات الاستراتيجية ندوةً حاشدة في الخرطوم في منتصف هذا الشهر تحت عنوان "تقرير المصير.. الحق والواجب" نوقشت فيها مجموعة من الأوراق بالغة الأهمية, والتي تناولت الجوانب المختلفة لحق تقرير المصير وتداعياته المرتقبة, وتجدر الإشارة هنا إلى أن كلًّا من هذه الأوراق يحتاج إلى عرض ومناقشة خاصة لا يتسع له هذا الحيز, على أمل أن نعود إليها في فرصة أخرى, ولذا سنكتفي بالإشارة إلى عناوينها التي جاءت علي النحو التالي:
حق تقرير المصير ومآلات الاستفتاء- د. خالد حسين محمد, قضية الهوية في جنوب السودان حالتي الوحدة والانفصال- بروفسور: حسن مكي, أثر الانفصال على مياه النيل- د. أكرام محمد صالحي, مآلات انفصال جنوب السودان على المناطق الثلاث- د. حسين كرشوم, أثر انفصال الجنوب على علاقات السودان الخارجية- د. صفوت فانوس, الآثار السياسية المترتبة على انفصال جنوب السودان- د. آادم محمد أحمد, الانفصال والمخاطر على الأمن الوطني السوداني- الفريق الفاتح الجيلي, تقرير المصير وتقاطع الاستراتيجيات- الفريق السر محمد أحمد.
الندوة التي نظمها وأشرف عليها الدكتور خالد حسين والطاقم المعاون له تم الترتيب لها بعناية بحيث تَمَّ اختيارُ المتخصصين كل في مجاله وشارك فيها عدد من أبرز أساتذة الجامعات السودانية ومن الباحثين والقادة العسكريين المتقاعدين, وإن غابت عنها المشاركة الجنوبية على مستوى الأوراق المكتوبة وإن لم تغب في صفوف الحاضرين الذين شارك العديد منهم بتعليقات ثرية وهامة, وقد برَّر الدكتور خالد حسين النقص في هذا الجانب بأنه كانت هناك أوراق من مثقفين جنوبيين إلا أنهم اعتذروا قبيل موعد الندوة لأسباب متعددة.
شهدت قاعة الصداقة -حيث جرت وقائع الندوة- حضورًا ومشاركةً كثيفتين وتغطية إعلاميَّة واسعة من مختلف الوسائط المرئية والمسموعة والمكتوبة, بسبب أهمية الموضوع الذي تناقشه وهذا العدد الكبير من المتخصصين من مختلف الاتجاهات, كما شارك في الجلسة الافتتاحية وزير الخارجية الجديد علي كرتي في أول ظهور له بعد أن ورد اسمه في التشكيل الوزراي وقبل أن يؤدي القسم الذي كان محددًا له اليوم التالي للندوة.
حديثُ "كرتي" كان يسعى في مجملِه إلى وضع قضية حق تقرير المصير في إطارها الواقعي, حيث تناول بالنقد الحملة الإعلامية واسعة النطاق التي تسعى للتعبئة من أجل الحفاظ على الوحدة, وقال: إنه فات الوقت على انتظار معجزات من أجل الوحدة وأن هذه التعبئة قد تكون ضارةً لأنها تخاطب مواطني الشمال الذين لن يشاركوا في التصويت, كما أنها سوف تخلق توقعاتٍ متزايدةً قد يصعبُ تلبيتها, مما قد يخلق إحباطًا وأثرًا عكسيًّا, وأنه يجب توجيه هذه الحملة إلى الجنوب الذي سوف يصوِّت في الاستفتاء.
تناوَل "كرتي" أيضًا الإطارين الدولي والإقليمي وقال: إن الموقف الأمريكي حائرٌ بسبب موقف جماعات الضغط المنحازة الأقرب إلى دعم مواقف الحركة الشعبية, في حين أن الموقفين البريطاني والفرنسي يمكن الوصول معهما إلى تفاهمات, وفيما يتعلق بدول الجوار الإفريقي أشار إلى الدور الأوغندي وقال: إنه يسعى إلى دعم التوجُّه إلى الانفصال بالنظر لما يعتقدُه الأوغنديون أنه مصالح لهم.، وحين تطرَّق الحديث إلى الدور المصري أشار كرتي إلى أن معلومات مصر عن تعقيدات الأوضاع في السودان, وأن الدور المصري ضعيف مقارنةً بما يحدث في العمق الاستراتيجي لمصر، كان من الواضح بالنسبة لي -حيث كنت مشاركًا في الجلسة الافتتاحية بجوار الوزير- أن الرجل كان يقصد النخبة المصرية حين تحدث عن عدم الإلمام بتعقيدات الأوضاع السودانية, حيث إن الدولة المصرية لديها بالتأكيد ملفاتها المتكاملة في هذا الإطار, ومن غير المنطقي تصوُّر غير ذلك, لا سيَّما أن الحديث عن ضعف إلمام النخبة المصرية بما يجري في السودان ضعيف بالفعل ولهذا أسباب كثيرة، أما الحديث عن الدور المصري الضعيف فإن القراءة الطبيعية له هي أن المطلوب دور أكبر من ذلك.
وسائل الإعلام لم تأخذْ من حديث كرتي سوى عباراته عن الدور المصري، وأُخرجت من سياقها واستخدمت كعناوين رئيسية في العديد من الصحف, الأمر الذي استدعى رد فعل مصري يطلب إيضاحات رسمية لتصريحات الوزير, وبدا أن هناك توترًا في الأجواء بين البلدين سرعان ما تم تجاوزُه, بعد توضيحات شافية من المتحدث الرسمي باسم الخارجية السودانية, غير أن هذه الحادثة أوضحت بلا شك أن هناك جوانب كثيرة في العلاقات المصرية السودانية تحتاج إلى حوارات مطوَّلة ومعمَّقة بين الجانين, وأن هذه الحوارات يجب أن تتم بالأساس مع النخبة السودانية بمعناها الواسع أو العريض، وبما يشمل أساتذة الجامعات ورجال الإعلام وكُتَّاب الرأي وقطاعات الاقتصاد والثقافة والعمل المجتمعي.
لقد لمستُ الحاجة العميقة والعاجلة لإيجاد إطار جديد يستطيع أن يُلبِّي هذا الاحتياج, وذلك عبر مجموعة من الحوارات واللقاءات التي دارت في مؤسسات عدة وبالغة الأهمية والتأثير، والتي لقيت في العديد منها صورًا مغلوطة أو مبتورة عن مصر ورؤاها وسياساتها تجاه السودان, وهذا وإن كان يتم حتى الآن في إطار من العلاقة التاريخية التي ما زالت تحفظ العديد من الروابط, إلا أن استمرارَها على هذه الشاكلة سوف يحمل أخطارًا أكيدة في المستقبل.
السودان وأزمة الانفصال : عندما ينفصل جنوب السودان
كتبت تحت قسم
أزمات الأمة
,
السودان وأزمة الانفصال
|
|
درعمى
د. محمد مورو
علينا بالطبع ألا ننتظر حتى ينفصل جنوب السودان ثم نفاجأ بأحداث وأوضاع لم نستعدّ لها، سواءٌ على المستوى المصري أو السوداني أو حتى الإقليمي والعالمي. وبالطبع فإن رصد السيناريوهات المتوقعة عقب انفصال جنوب السودان وتحوله إلى دولة هو جزء لا يتجزأ من الواجب السياسي والاستراتيجي. لماذا نرجِّح أن جنوب السودان سينفصل، رغم أن من الواضح الآن –ووفقًا للأوضاع الدولية والإقليمية الجديدة والمستجدة- أن ذلك الانفصال لن يكون في مصلحة جنوب السودان ذاته، ولا في مصلحة الغرب وأمريكا، الذين سعوا دائمًا لتحقيق هذا الانفصال؟ كانت القوى الانفصالية في الجنوب تسعى لتحقيق الانفصال، وتلقت تحريضًا ودعمًا في هذا الاتجاه من كل من أمريكا والغرب؛ لأن تجزئة العالم العربي والإسلامي هو جزء من الاستراتيجية الثابتة للغرب وأمريكا، وكذا فإن التآمر على السودان باعتباره الرابط بين العرب وإفريقيا، وبداية الإسلام إلى القارة كان جزءًا من تلك الاستراتيجية أيضًا، وقد لعبت حكومات وأجهزة مخابرات وكنائس وقوى رسمية وغير رسمية غربية دورًا كبيرًا لتحقيق هذا الانفصال، ونجحت في الضغط على حكومة السودان حتى وقعت اتفاقية ماشاكوس التي تعطي الحق في استفتاء للجنوبيين لتقرير المصير، مع أن مبدأ تقرير المصير في حد ذاته لم تصغه الأمم المتحدة بهدف تفتيت الدول، بل كان في مواجهة الاستعمار. على أي حال فإن وصول تلك القوى الجنوبية والإقليمية والعالمية إلى هذا الأمر كان هدفًا قد تحقق لهم، ولكن الأمور لا تسير عادة بما تشتهي السفن، فكثير من المتغيِّرات قد حدثت، الأمر الذي جعل هذا الانفصال خطرًا كبيرًا على جنوب السودان ذاته، وعلى القوى التي طالما دعمت الانفصال والتجزئة، وهذا هو المستجد الجديد في الواقع الدولي والإقليمي؛ ففي السنوات الأخيرة أعلنت أمريكا الحرب على الإرهاب الإسلامي، واعتبرته الإدارة الأمريكية والغرب كله الخطر الأكبر على مستقبل الحضارة الغربية واستقرار العالم، وبديهي أن هذا الإرهاب يستفيد من أي فوضى وعدم استقرار وينتشر ويتوغل في هذا المناخ، وإذا كانت الصومال مفككة والقوى الفاعلة فيها أصبحت تعلن أنها مع القاعدة، وكذا فإن اليمن يعاني من مخاطر التفكك وبه نشاط ملحوظ للإرهاب والقاعدة، فإذا أضفنا إلى ذلك تزايد نشاط الإرهاب في شمال إفريقيا خاصة المغرب والجزائر وموريتانيا والنيجر، وإذا ما انفرط عقد السودان وصل الإرهاب بداهة إلى دارفور وتشاد، وإذا أدركنا أن انفصال الجنوب يعني بداية ظهور حركات وقلاقل قبليَّة، وأن القتال بين الجنوبيين أنفسهم مرجَّح، وهذا سيمتد إلى دول أخرى مثل الكونغو وكينيا وإثيوبيا وأوغندا؛ لأن هناك امتدادات قبلية من الجنوب السوداني إلى تلك الدول، أي أن المسألة ستصبح نوعًا من الفوضى الشاملة ستكون مرتعًا للإرهاب، وهكذا فإن انفصال الجنوب لن يعني تحقيق هدف أمريكي وغربي، بل يعني زيادة مناخ الإرهاب، ربما أن الإرهاب أصبح هو العدو الرئيسي لأمريكا والغرب، فإن الاستراتيجية التقليدية للغرب وأمريكا في تفكيك وتجزئة العالم العربي والإسلامي قد تغيرت ولو مؤقتًا. ولكن رغم أن حظر تقسيم الجنوب ذاته وامتداد القلاقل إلى الدول المجاورة وعدم امتلاك هذا الجنوب منفذًا بحريًّا وغيرها من الأمور التي كان من المفترض أخذها في الاعتبار، إلا أن القوى الانفصالية في الجنوب لا تزال تعيش في حسابات ما قبل اعتبار أمريكا للإرهاب عدوًّا رئيسيًّا، وتتصور أن الدنيا لا تزال كما هي منذ عشر سنوات، ومعها أيضًا قوى كنسية غربية وقوى داخل أمريكا تضغط على المؤسسة لمساعدة الدولة الوليدة. وفي الإطار نفسه فإن خطر انفصال الجنوب سيصيب مصر، لأنه سوف يزيد في تعقيد موضوع مياه النيل، ولكن مصر لم تملك أو تفعل ما يمنع الانفصال، أما حكومة السودان فإنها مستريحة للانفصال؛ لأنه سيخلصها من أعباء كبيرة، ثم إنها تمتلك نظامًا إداريًّا متماسكًا إلى حد كبير، ولديها ثروات بترولية وغير بترولية ظهرت أخيرًا، أي أن وضعها سيكون أفضل في حالة الانفصال، ومن ثم فإنها لن تبذل الجهد الكافي لمنع الانفصال. وهكذا فإن من المرجح أن يحدث الانفصال، لأن الجميع يعتمد على حسابات استراتيجية قديمة ثم نفاجأ بسلسلة من الأحداث في اتجاه المزيد من التجزئة والفوضى في الجنوب وفي الكونغو وأوغندا، بل وكينيا وإثيوبيا، ثم تشاد ودارفور، ولن ينفع وقتئذ قدوم قوات أمريكية أو إقليمية لمنع الانتشار المتوقع للإرهاب. وصدقوني فإن انفصال الجنوب يعني تصاعد الإرهاب، وهذه رسالة إلى كل من يهمه الأمر قبل فوات الأوان.
السودان وأزمة الانفصال : مآلات انفصال جنوب السودان
كتبت تحت قسم
أزمات الأمة
,
السودان وأزمة الانفصال
|
|
درعمى
هانئ رسلان
كَانَ يقدم عرضًا موجزًا لورقته المعنونة مآلات انفصال جنوب السودان على المناطق الثلاثة.. لم تكن هناك فسحةٌ من الوقت للحوار أو التبادل أو التعارف عن قرب, بسبب كثرة الأوراق وتتالي المتحدثين في ندوة "تقرير المصير.. الحق والواجب" بالخرطوم, كان البعض ينادونه بلقب "مولانا" الذي يعني في التقليد السوداني أنه من رجال القانون.. ورقته كانت من بين أوراق أخرى هامة أثارت الاهتمام والنقاش، وقد قام بعد ذلك بنشرِها على عدة حلقات في مقالِه الأسبوعي بجريدة "الصحافة" بعد أن قام بتطويرها كما ذكر, طبقًا لما دارَ من مناقشاتٍ في قاعة الصداقة.وهي تهدف في جوهرِها إلى التحذير من نُذر الحرب والصراع في مناطق جبال النوبا وجنوب النيل الأزرق وإبيي في حالة انفصال الجنوب, وذلك بعد أن قدَّم عرضًا للتكوين الإثني، ونوعية العلاقات القائمة في هذه المناطق، وكيفية تحوُّلِها إلى الصراع أثناء الجولة الثالثة من الحرب الأهلية, وانحياز نسبة غالبة من السكان إلى الحركة الشعبية، وقد تناولت الورقة أيضًا التعقيدات التي سوف تحيط مسألة "المشورة الشعبية" التي تعني لدى البعض الحصول على حق تقرير المصير, بمعنى الانضمام إلى الجنوب أو الاستقلال أو النظر في خيارات أخرى, ويسوق استدلالاتٍ وقراءاتٍ عدة في هذا الشأن, الأمر الذي يُترجِم في النهاية الكثير من المخاوف الحقيقية لدى الكاتب، وهو أحد أبناء المنطقة الذين يحملون همومَها, ويشفقون من المستقبل وينادون بأنه من الممكن تجنُّب كل هذه الكوارث عبر العمل الجاد والحادب والمخلِص, وعبر إعمال ما يسميه فقه الضرورة من أجل الحفاظ على الأهداف الأسمى، وهي حياة الإنسان وأمنه وحقه في السلام والتنمية. اطّلاعي على ورقة حسن برشوم قادني إلى متابعة العديد من أعماله وكتاباته السابقة, وقد فهمتُ منها أنه انتقل من العمل في سلْك القضاء إلى حقل العمل الإنساني والإغاثي, وراكَمَ خبرات عمليَّة ومباشرة في كثير من أصْقاع السودان التي نكبتها الحروب والصراعات واجتمعت إليها قسوة الطبيعة في بعض الأحيان, فأصبح أكثر درايةً وقُربًا من هموم ومعاناة أهل حزام التماس الرابط بين شمال السودان وجنوبِه.. وليس فقط هموم وأوجاع منطقته ومرتع صِباه في جبال النوبا. يقول برشوم: إن شعب التماس هو الذي يملكُ قرار الوحدة وليست صناديق الاستفتاء وحدها.. التماس هذا الشريط الذي يحزم به السودان وسطه، هو الذي تقرر فيه ثلاث وثمانون قبيلة ترقد على خاصرتِه المتمدِّدَة من غرب السودان إلى شرقه, تمكث ثمانية أشهر بقُطعانِها بالجنوب والبقية بالشمال, إضافة إلى الحركة الشعبية في جبال النوبة والنيل الأزرق.. الأطفال الذين لا يتصوّرون انفصال أمهم عنهم, فقد ينفصل الأب عن الأم، ولكن من غير المتصور أن تنفصل الأم عن أولادِها.. وكلاهما كان وقودًا للحرب هنالك بين الشمال والجنوب، حيث الحرب بالوكالة.. جاء وقت دفْع المستحقات- ولا أقول التنمية- ولكن الاعتراف بالقضية هو في حد ذاته قضية. يقول في موضع آخر: إن غير الوحدة يعني صحوة كل الحروب النائمة والخلافات المؤجَّلة.. والوحدة من وجهة نظره لا يقرِّرُها السياسيون أو ذوو الأغراض والأهداف السياسية وحدهم, وإنما يقرِّرُها المواطن العادي الذي يحسب حساباته العادية مثل: ماذا يعني الانفصال لي؟ هل هو بمثابة فرصة للحصول على وظيفة؟ هل هو للحصول على الحرية؟ ألست حُرًّا الآن؟! ماذا يحقق الانفصال؟! مزيد من القتال القبَلي وانفراط الأمن.. وأن نسج ثوب للوحدة يقوم كحائط صد ضد العودة إلى الصراعات الإثنية الحادة, وما يستتبع ذلك من تداعيات وتطورات, وإنه من اللازم والضروري تشجيع الحركة الاجتماعية الثقافية الحرَّة التلقائيَّة البعيدة عن المظلَّة الرسمية التي كانت تحفزُ مؤسسات المجتمع حتى تعبِّر عن نفسها بشكل واضح، يقول أيضًا أن السودان بلد مركب ثقافيًّا واجتماعيًّا, ثريّ بتنوعِه, شامخ بقِيَمِه وموروثاتِه التي بدأت تزحف نحو متاحف التاريخ بفعل مواقف القوى السياسية. يلجأُ حسين برشوم كثيرًا إلى رواية حوادث وحكايات من الواقع تعبِّر عن الحكمة الفطرية, وتشيد بالتفاعل السَّلِس والإيجابي بين الناس الذين إذا تُركوا لطبيعتهم فإنهم يبحثون عن طرق التلاقي والامتزاج ويعبدونها من أجل العَيْش المشترك، ويعبِّرون عن ذلك في أمثالهم وأهازيجهم وذكرياتهم التي يستخلصون منها العبر، في هذا السياق يُورد تفاصيل واحدة من تطبيقات سياسة المناطق المقفولة، والتي أتى بها المستعمِر البريطاني لقطع التواصُل وإقامة الحواجز, فيروي قصة مؤتمر "الكتن" في 1947م الذي نظَّمَه المدير البريطاني "دينج جبرا" الذي اشتهر بأنه كان قاسيًا في إدارته.. هذه القصة أكثر تأثيرًا وإيضاحًا من عشرات الكتب التي تحدَّثَت عن هذه السياسة التي وضعت بذور الصراع والحرب الأهلية.. دعي إلى المؤتمر ناظر الحوازمة آنذاك "حماد أسوسة", وأمين الدردمة، ولفيف من العرب والنوبة، سأل المفتش الأمير حماد أسوسة: أين تسكن الأرنب؟ رد بأنها تسكن القوز, فعاد وقال: العرب ده الأرنب, ولازم يسكن القوز.. ممنوع عربي يسكن الجبال.. فاهم؟ ثم التفتَ المفتش إلى الأمين الدردمة وسأله: أين يسكن الكيكو (حيوان أشبه بالفأر لكنه أكبر قليلًا)؟ قال: الكيكو يسكن الجبل، قال: خلاص النوبة ده الكيكو لازم يسكن الجبل.. فاهم؟ وانفضَّ المؤتمر. وكان أقصر مؤتمر على وجه الأرض!! ثم شرع دينق جبرا في حرْق منازل العرب المقامة في أسفل الجبل, ولم تسلمْ منازل النوبة المقامَة في القوز، فقد لقيت ذات المصير. يقول الكاتب بوجدان مكلوم : إنه إذا فشلت الوحدة, فلا يهمّ بعد ذلك أن يكون السودان ثلاث دول أو أربع أو تسع أو لا يكون البتة, أو تقسَّم أطرافه بين الدول التي تُحيط به, لأن الأرض التي روَتْها دماء السودانيين من عشية الاستقلال حتى الآن من الطرفين, كانت من أجل السودان الموحَّد, ولم تكنْ من أجل إطالة أمد حُكم هذا الزعيم أو ذاك أو إقامة دولة الأماتونج.
السودان وأزمة الانفصال : هل يختفى السودان من الجنوب؟
كتبت تحت قسم
أزمات الأمة
,
السودان وأزمة الانفصال
|
|
درعمى
لم يتبقَّ سوى شهورٍ قليلة وينفصل جنوب السودان عن شماله، بعدها بستَّة أشهر، وفي شهر يوليو 2011 تحديدًا سيتمُّ الإعلان عن مولد دولة جديدة ذات سيادة، ولها علمُها الخاص وجيشها الخاص وعملتها الخاصة وسفارات بالخارج، إضافةً إلى اسم جديد يتم التباحث حوله الآن! وستعترف كل دول العالم -بما فيها السودان- بالدولة الجديدة. هذه خلاصة ما هو مستقرّ عليه في واشنطن، الرسمية وغير الرسمية، بخصوص مستقبل جنوب السودان. ورغم أن واشنطن لا تهتمُّ كثيرًا بالتاريخ، إلا أن حالات حدوث انفصال دولة لتصبح دولتين على أثر صراعات مسلَّحة موجودة وحيَّة في ذاكرة الكثيرين هنا، منها حالة باكستان والهند ، وحالة أثيوبيا وإريتريا وحالة كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية.
التاسع من يناير 2011 موعد تصويت الجنوبيين فقط على خيار واحد من اثنين، إما البقاء في السودان موحدًا وإما الانفصال، وهو استفتاءٌ نصَّ عليه اتفاق السلام الشامل الذي وقع عام 2005، ويعرف أيضًا باتفاق نيفاشا، الذي أنهى أكثر من عقدَيْن من الحرب الأهلية بين شمال وجنوب السودان، وراح ضحيتها ما يزيد على مليوني قتيل وملايين عدة من اللاجئين. وتتعالى الأصواتُ في واشنطن محذِّرةً من أن حكومة الخرطوم ونظام البشير سيُعرقلان إجراء استفتاء انفصال جنوب السودان، أو أن لا تعترف بنتائجِه، إلا أنهم واثقون من أن نظام البشير سوف يرضخُ في النهاية لصوت العقْل وتوازنات القوة، ويقبل الدولة الجديدة! ووسط ظهور دلائل متزايدة على تردِّي الموقف الأمني داخل جنوب السودان، وعلى عَدَم الالتزام بتطبيق بنود أساسية من اتفاقية السلام الشامل التي وقعت بين حكومة حزب المؤتمر الوطني الحاكم في شمال السودان، وبين الحركة الشعبية لتحرير السودان في الجنوب، ترى الولايات المتحدة أن عليها دورًا يجب أن تلعبه، مع الجماعة الدولية، وعلى عدة جهات، من أجل دعْم التعبير بحرية عن إرادة سكان جنوب السودان، والقيام بما تستطيعُ من أجْل منع العودة إلى تجدُّد المعارك بين قوات الشمال وقوات الجنوب. في الوقتِ نفسِه يرى الكثيرُ من خبراء الشئون السودانيَّة والإفريقيَّة أنه لا يوجد على مستوى الدول المؤثِّرة في المسرح السوداني سوى الولايات المتحدة التي يمكنُ أن تستخدمَ نفوذًا لدى الفريقين الشمالي والجنوبي، لذا عليها أن تبادرَ بالقيادة والدفْع من أجل إتمام إجراء الاستفتاء في التاسع من يناير كما هو مخطَّط له رغم كل العراقيل الموجودة والعراقيل التي ستظهر لما اقتربنا من موعد الاستفتاء. ونأتي لعَلَم دولة جنوب السودان، فهو علم الحركة الشعبية لتحرير السودان، وهو يتكوَّن من ثلاثة ألوان في شكل أفقي متوازٍ، ويأتي اللون الأسود في الجزء الأعلى رامزًا لشعب جنوب السودان، واللون الأحمر في المنتصف ليشير إلى دم ثورة التحرير والحرية، واللون الأخضر في القاع يشيرُ إلى أرض الجنوب الخضراء، إضافةً لمثلث أزرق يتوسطه نجمه ذهبيَّة في إشارة لنجمة بيت لحم ذات الدلالة المسيحيَّة التاريخيَّة. ويبحثُ بعض من يتوقَّعون قيام دولة مستقلَّة في الجنوب السوداني عقب استفتاء يناير القادم عن اسم مناسب للدولة الجديدة، ويري خبير الهويات الوطنية "national ldentities " سيمون أنهولت، أنه سيتم في الأغلب اختيار اسم من بين "جمهورية جنوب السودان" أو "جمهورية السودان الجديد". يبدو أن هناك معارضة كبيرة لتضمين اسم السودان ضمن اسم الدولة الجديدة، إذ إن السودان مرتبط في الذاكرة السياسيَّة العالميَّة بصورة مشوَّهة وغير جيِّدة، وإذا ما ذكر السودان تذكر الحروب الأهلية الطويلة، وتذكر مآسي دارفور، ومأساة الفقر والفساد والتطرف، ويرى أنهولت أن شمال السودان لن يغيرَ اسم دولته من "السودان" إلى شمال السودان" لذا من الأفضل أن يختفي اسم السودان من مسمى دولة الجنوب الجديدة.
السودان وأزمة الانفصال : استفتاء السودان .... نار يشعلها الغرب
كتبت تحت قسم
أزمات الأمة
,
السودان وأزمة الانفصال
|
|
درعمى
يستعد السودان لإجراء استفتاء، خلال ثمانين يوما من الآن ,حول انقسامه إلى دولتين، شمالية وجنوبية، الأمر الذي يُثير كثيرًا من القلق لدى الشعب السوداني. ومع ارتفاع حدة التوتر، وما يحيط بالحكومة السودانية من ضغوطات، يبقى التدخل الغربي الداعم بقوة لهذا الاستفتاء أمرًا مريبًا. وبرغم أنّ بعض التقديرات والتقارير تُفيد بأنّ السودان على شفا حربٍ أهلية, يدعم المجتمع الدولي برمته عملية الاستفتاء الذي ستُقرر ما إذا كانت الدولة ستقسم إلى نصفين.
من جانبه أولى الرئيس الأمريكي باراك أوباما الاستفتاء اهتمامًا خاصًا في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك حيث قال: "يجب أنّ يتم الاستفتاء على حق تقرير المصير في موعده وبشكلٍ سلمي، وينبغي احترام إرادة شعب جنوب السودان. ما سيحدث في السودان، في الأيام المقبلة، قد يقرر ما إذا كان الناس الذين تحملوا الكثير من الحروب سيمضون نحو السلام أو يعودون إلى الوراء، وإراقة الدماء". وفي وقت سابق عزّزت إدارة أوباما من جهودها الرامية إلى التخفيف من حده الأزمة الّتي تلوح في الأفق، حيث أوفدت الدبلوماسي المخضرم برينستون ليمان للانضمام إلى المبعوث الأمريكي الخاص سكوت غريشن في السودان, حيث تلتزم الولايات المتحدة بحق تقرير المصير السكان المسيحيين في جنوب السودان.
ومن جهته قال الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون: "لا يمكننا أن نترك الشعب السوداني يعود للصراع مرة أخرى, ينبغي علينا أن نساعد الشمال والجنوب في إيجاد وسيلة سلمية. وهذه واحدة من أهم الفرص المتاحة أمامهم".
وبخصوص الشأن الداخلي، ذكرت مجلة كريستيان ساينس مونيتور أنّ السودان مُقبلة على حرب أهلية بسبب هذا الاستفتاء، وهو ما لا يشك فيه أي سوداني؛ فعندما سُئِل أحد المواطنين في الجنوب لماذا لم تنخرط العائلات في زراعة المحاصيل, قال "ماثيو ماجوك", وقد بدا رابط الجأش: "حدث ذلك بعد اندلاع الحرب الأهلية منذ خمس سنوات, فنحن نعتقد أنّه قد تكون هناك حرب أخرى", قالها وكأنه يتحدث عن هطول الأمطار كل عام.
جديرٌ بالذكر أنّ ما قاله "ماجوك" لم يكن فريدًا أو غريبًا على الجنوب, حيث أن معظمهم يعتقدون أن تجدد اندلاع حربًا أهلية بين الشمال والجنوب قد بات وشيكًا, رغم اتفاق السلام الشامل في عام 2005 والذي يقضي بحق الجنوب في إجراء استفتاء للانفصال عن الشمال في يناير 2011.
أما جريدة واشنطن بوست فقد شككت في إجراء الاستفتاء في موعده؛ وذلك لأنّ المفاوضات بشأن ترسيم الحدود والتحضير لإجراء الاستفتاء متأخر للغاية، وهو ما قد يفضي إلى إعلان الجنوب انفصاله عن السودان من جانب واحد، مما قد ينتج عنه انعكاسات خطيرة.
وأكّدت الصحيفة الأمريكية أنّ المحللين يخشون أن أي تأخير في الاستفتاء قد يؤدي إلى عودة الحرب الأهلية، المستمرة منذ عقود طويلة، والتي أسفرت عن مقتل مئات الآلاف من السودانيين, فيما توقع البعض أن يكون الاستفتاء "فوضويًا، أو يتم تأخيره".
ويقول المحللون إنّ الحكومة السودانية في الخرطوم تبدوا مترددة في التخلي عن حقول النفط الغنية في الجنوب, والتي كان لها الفضل أن تبقي السودان وحكومته على قيد الحياه في ظل العقوبات الاقتصادية الّتي فرضتها الولايات المتحدة منذ 1990 باعتبارها دولة راعية للارهاب, لذلك فإنّ خسارة الموارد الغنية الموجودة في الجنوب ستكون لها عواقب اقتصادية وخيمة على الشمال والحكومة في الخرطوم. ونتيجة لذلك فإنّ الحكومة السودانية لن تسمح بإجراء الاستفتاء حتى تتوصل إلى اتفاقيات بشأن القضايا المتصلة بمستقبلها الاقتصادي, فإذا ما فشلت مفاوضات مستقبل الشمال الاقتصادي فإنّ الاستفتاء سيكون في خطر. صورةٌ قاتمة تنتظر السودان في قابل الأيام, في ظل هذا الاستفتاء الّذي لم تجري التحضيرات له بعد، والذي ربما يُشعل حربًا أهلية أخرى بين الشمال والجنوب، قد يستمر أثرها لعقود.
رسالتي إلى أردوجان بقلم د. راغب السرجاني
كتبت تحت قسم |
الثلاثاء، 12 أكتوبر 2010|
درعمى
أستاذي الجليل، وأستاذ جيلنا كله الأخ الحبيب أردوجان.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،
أشاهد مع أمتنا الكريمة، ومع العالم أجمع كذلك، جهودكم المباركة لإعزاز الإسلام، والدفاع عن مقدساته وحرماته، فهنيئًا لكم اجتماع الصالحين من أبناء أمة الإسلام على حبكم وتأييدكم، وأسأل الله عز وجل أن يثبتكم، وأن يرزقكم نور البصيرة، وحسن العمل، وروعة الخواتيم.
أستاذي الجليل.. رأيت أن من واجبي وأنا أرى مسيرتكم الرائعة ، أن أسهم بما أستطيع لتدعيم موقفكم، وأن أدلي بدلوي بعدة وصايا قد يجعل الله عز وجل فيها خيرًا لك وللأمة، وقد تكون سببًا في نجاتي يوم القيامة، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، وأسأل الله عز وجل أن تلقى هذه الوصايا منه القبول، وأن تجد طريقها إلى قلبك وعقلك..
الوصية الأولى: قد ولاك الله عز وجل أمرًا عظيمًا، وشأنًا جليلاً، فأنت إمام من أئمة المسلمين، يتولى بشكل مباشر قيادة دولة عظيمة فيها خلق كثير، فيا لسعادتك إن كان عملك خالصًا لله! فأول السبعة الذين يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله إمام عادل، وأحسبك -والله حسيبك- هذا الإمام، فلا تخطوَنَّ خطوة إلا وأنت تحتسبها لله، ولا تقدمَنَّ على أمر إلا وأنت ترجو المثوبة من الله، ولتعلم أن النية تتقلب كثيرًا، فعليك دومًا بتجديدها، ولا يغرنك الآثار الجليلة لأعمالك؛ فإن الله عز وجل يحبط عمل الشهيد والعالم والجواد إن كان لغيره ، فهو أغنى الشركاء عن الشرك، ولا تركن إلى الدنيا فإنها زائلة، ولا يلهينَّك مال ولا كرسي عن طاعة ربك، واعلم أنك موقوف بين يدي العزيز الجبار، وأن الله سيسألك عن الذرة والقطمير، فأعد لكل سؤال جوابًا، ولتدرك أن البشر يُسألون عن أنفسهم وأزواجهم وأولادهم، أما أنت فسيسألك ربنا عن شعب كامل، بل قد يسألك عن أمة الإسلام التي تعلقت قلوبها بك، فالحذر الحذر من نسيان هذا اليوم الطويل، والعمل العمل لكي تظهر أمام الله عز وجل في أبهي صورة وأنقى سريرة.
ثم انتبه -أخي أردوجان- إلى أن كل ما وصلت إليه هو محض فضل من الله عز وجل ، وكل ما نجحت فيه من قرارات وأفعال هو توفيق من الحكيم الخبير سبحانه، فلا يدخلنَّك عُجْب أبدًا، ولا تقولنَّ إنما أوتيته على علم عندي، وأظهِرْ دومًا الافتقار إلى الله، وانسب إليه كل أعمالك؛ فهو الناصر، وهو المعز، وهو المعطي، وهو المتصرف في كونه كله، ولتكن حيث أمرك الله أن تكون، ولتحذر أن يراك الله حيث لا يجب أن يراك، واجتهد في تطبيق شريعة ربك ففيها النجاة في الدنيا والآخرة، ولا يدفعنك إرضاء الناس إلى إغضاب ربك، ولتعلم أن ارتفاع قدرك مرهون باتباعك لكتاب الله عز وجل وسنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم ، فإياك إياك أن تهجرهما، وليكن نصب عينيك أن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين.
الوصية الثانية: شعبك هو زادك -بعد الله عز وجل - في هذه المسيرة المباركة، فالضعف الذي نراه في غالب الحكام العرب نتج عن انفصالهم عن شعوبهم وهجرهم لمصالحه، فلا تهمل حاجة شعبك وراحتهم أبدًا، ولا تخالفن إرادة شعبك الذي اختارك لقيادته إلا إذا أمرك بحرام، فإنْ فعل فلا تطعه ولو ضاع ملكك، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ولا تحتجبن عن شعبك أبدًا، وليكن لك تواصل دائم مع الفقير والأرملة واليتيم، ولا تقبلن بظلم في دائرة حكمك، واتقِ دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب، ولا توليَنَّ أحدًا ولاية إلا إذا كان يستحقها، وراقبْ ولاة أمرك وتابعهم، ولا تسمحن لهم بفساد أو تجاوز؛ فإنك تحمل وزر ذلك كله. ولا تقربَنَّ المنافقين منك فإنهم لا يزيدونك إلا ضعفًا وخبالاً ولو كانوا يمدحونك أو يعظمونك، ولتحرص على تفوق بلدك في كل المجالات؛ فالإسلام دين شامل ينتظم كل أمور الحياة، فلا ينبغي لنا أن نرى صورة من صور الضعف في أي قطاع من قطاعات دولتك، فليكن جيشك قويًّا، واقتصادك عملاقًا، وجامعاتك متفوقة، ومستشفياتك متقدمة، وشوارعك نظيفة، وإعلامك واعيًا، ومدارسك أخلاقية..
ولا تنصرفَنَّ إلى قضية على حساب قضية أخرى، بل كن متوازنًا في كل أمورك، ولا تتركنَّ ملف الأكراد دون حلول واضحة ناجعة، ولتعلم أنهم في النهاية مسلمون أتراك، لهم حقوق كما أن عليهم واجبات، وإنك إن تقربت منهم، وأجزلت لهم العطاء بصدق وضعوك فوق رءوسهم، فهم أحفاد صلاح الدين الأيوبي، ولا تجعلَنَّ العلمانيين في بلدك عدوًّا لك، بل أعلم أنهم يحتاجون إلى نصحك، ويفتقرون إلى دعوتك، وقد منَّ الله عليك بما فقدوه، ولو علموا الحق فلعلهم يتبعونه، وبدلاً من أن يكونوا حجر عثرة في طريقك لعلهم يصبحون من حملة راية الإسلام في ربوع الدنيا، فلا تعتقدن أن كلماتك لهم ستذهب سدى، بل أخلص النية في دعوتهم، وسيفتح لك الله قلوبهم.
الوصية الثالثة: في ظل علو العالم الغربي وخاصة أمريكا، وتفوقهم الاقتصادي والعسكري، تلهث معظم دول العالم للالتحاق بركبهم، والاعتماد عليهم، فلا تكونَنَّ من هؤلاء! بل لا بد أن يكون لك تميزك الخاص، واستقلالك المتفرد، ولا يعني ذلك عدم إقامة علاقات معهم، ولكن لا تكن هذه العلاقات علاقة تابع بمتبوع، إنما علاقة الند بالند، والنظير بالنظير، وأنتم لستم قليلين، إنما أنتم بالله عز وجل كثير، بل أكثر منهم وأعز إن شاء الله، ولا مانع من السعي لدخول الاتحاد الأوربي لتحقيق طفرات اقتصادية وسياسية وحقوقية وغير ذلك، ولكن لا بد أن تنظر بعين الخبير إلى الثمن المدفوع، فلو كان من دينك أو حريتك أو استقلالية بلادك فلا تقبل أبدًا، وإن خفتم عالة فسوف يغنيكم الله من فضله..
ولا تنسَ أن أمريكا والاتحاد الأوربي وغيرهم من أهل الدنيا لا يبحثون إلا عن مصالحهم، ويوم كانت مصالحهم في إسقاط الخلافة العثمانية العظيمة سعوا إلى ذلك بكل طاقاتهم، واشتركت إنجلترا وفرنسا وأمريكا وروسيا في تفكيك الكيان الكبير، واجتهدوا لمسخه ومحوه من الوجود، ولكن أبى الله عز وجل إلا أن يخرجك أنت وإخوانك الشرفاء إلى الدنيا مرة ثانية، لتعلنوا بفخر أن الإسلام لا يموت أبدًا، وإن نسي بعض الأتراك هذا التاريخ فالغرب لم ينسه أبدًا، ويظهر ذلك في أقوالهم وأفعالهم، فضع عينيك في رأسك، والتفت إلى ما يحاك لك، ولا تضع بيضك كله في سلة أمريكا أو الاتحاد الأوربي، بل وسِّع علاقاتك، وعمِّق جذورك، وابحث عن البدائل العالمية المفيدة، وقبل ذلك وأهم اعتمد على قوتك الداخلية في تركيا، وعلى قوة إخوانك المسلمين في الأقطار الإسلامية المختلفة.
ودعني أهمس في أذنك وأقول لك: إن خبرتي بتاريخ الأمم تشير إلى أن نجم أمريكا في أفول، وأنها لا تسير إلى قوة بل إلى ضعف، وأن الزمن زمن تغيير، وسيشهد المستقبل القريب اختلافًا كبيرًا في موازين القوى العالمية، فلا بد أن يكون لك مكان على ظهر هذا الكوكب، وخاصة أنت، فأنت لست مسلمًا فحسب، ولكنك صاحب ميراث عظيم، فأنت حفيد قوم كانوا يحكمون نصف العالم، وسيعيد الله عز وجل بإذن الله الحكم من جديد ، والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
الوصية الرابعة: لا بد للقائد المسلم من الاهتمام بقضايا أمته الإسلامية حتى وإن لم تكن تحت سيطرته المباشرة، فهو لا يهدأ له بال لرؤية انتهاكات حقوق المسلمين في أي مكان، فلا تتركن قضية من قضايا المسلمين إلا ويكون لك دور فيها، وفي مقدمة هذه القضايا قضية فلسطين، فهي قضية فارقة، فمن جاهد في سبيلها أعزه الله، ومن أهملها أو خانها أذله الله، وفلسطين هي شرف المسلمين، ونحن قوم قد نعيش بلا طعام أو شراب، ولكننا لا نعيش بلا شرف، فلا يغمضَنَّ لك جفن وهذه الأرض المباركة محتلة، إنما عليك بالعمل الدءوب حتى تعيد الأمور إلى نصابها، ولتراجع جيدًا قصة جدك العظيم السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله، الذي ضحى بملكه لكي لا يشارك في جريمة بيع فلسطين، فسِرْ على نفس الدرب مهما كانت الأثمان، ولتُعْلِ شأن الجهاد في بلدك، ولتحفز الشعب على تقبُّل تبعات مقاومة المشروع الصهيوني، مع علمي الكامل بتاريخ العلاقات التركية الصهيونية، ومع تفهمي لخطواتك المتدرجة، ومع إدراكي لوجود قوى تركية كبيرة تعارض مسارك، لكن -في النهاية- لن تعفيك الأمة من دورك في هذه القضية المصيرية، فلا تخذلن الشعوب المسلمة، ولا تقبلن برعونة صهيونية، أو تصلب يهودي، وأعلم فلسطين أحد أكبر بواباتك إلى الجنة، كما أنها أحد أكبر بواباتك لقلوب المسلمين.
ولا تنس في خضم سخونة الأحداث في فلسطين أن هناك قضايا أخرى تحتاج إلى جهدك وفكرك، وفي مقدمتها العراق الشقيقة المجاورة لك، وكذلك أفغانستان وكشمير، وكذلك المسلمون في التركستان الشرقية، وقَدَرُك أن توجد في زمان كثرت فيه آلام المسلمين، لكن تذكر أنه على قدر الجهد يكون الأجر بإذن الله، وعلى قدر الإخلاص يكون التوفيق من الله.
الوصية الخامسة: لا تغفلن النظر الدائم في الشئون العربية، وليكن من أخص خاصتك من يتفرغ لهذا الشأن، فمكانتك في قلوب العرب كبيرة، وقيمتك محفوظة، وأنا أعلم أن هناك ميراثًا قديمًا من الكراهية بين العرب والأتراك زرعته ظروف مختلفة، ولكن آن الأوان للتخلص من هذا الميراث البغيض، ولتفرِّق في نظرتك بين الشعوب العربية وحكامها؛ فالشعوب العربية عاطفية، وتحب الإسلام بفطرتها، ويتحرك هواها مع من رفع الراية الإسلامية ودافع عنها، وتنتفض للشهامة والرجولة والمروءة، وتسعد بالخطباء الشجعان، وتسير وراء القواد الربانيين، فإذا وجدت هذه الصفات في قائدٍ رفعته إلى السماء ولو لم يكن عربيًّا، ولقد سرنا قبل ذلك خلف نور الدين وصلاح الدين وقطز والظاهر بيبرس، وجميعهم ليسوا من العرب، والله عز وجل لا ينظر إلى الصور والأجسام، وإنما ينظر إلى القلوب والأعمال، فكلنا معك ما دمت مع الله، وكلنا نحبك طالما تحب كتاب الله وسنة رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
أما الحكام العرب فغالبهم يبحث عن مصالحهم الخاصة، وقد يكرهونك كثيرًا، ويبغضونك طويلاً، فإنه كلما علا نجمك خسروا، وكلما ذاع صيتك حزنوا؛ فشعوبهم المقهورة تقارنهم بك، وأين الثرى من الثريا؟! فلا يحبطنَّك تعليق من أجدهم، ولا يزعجنك مقال في إعلام بعضهم ، إنما هي فقاعات لا تلبث أن تزول {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ} [الرعد: 17]، فلا ترفعَنَّ عينك عن الأمة العربية، فهي عمقك الاستراتيجي، وسندك في مواقفك القادمة، ولتحرص على مواقف فاعلة في ميادين السياسة والاقتصاد والعلوم والإعلام، ولتعط اهتمامًا خاصًّا لدولة السودان؛ فشعبها الأصيل في حوجٍ لك، وقيادتها ليست بعيدة عن توجُّهك، ووحدتكما نفع للفريقين، وحماية للمسلمين، ونكاية للصهاينة، وخير كثير إن شاء الله. ولتهتم باللغة العربية، ولتعمل على نشرها في بلدك وفي الدنيا، فهي ليست مجرد لغة قوم من الأقوام، إنما هي لغة القرآن، فمن وعاها أدرك الكثير، ومن أتقنها فَهِم المعاني، وفتح الله له من أبواب المعرفة ما لا يدركه غيره.
الوصية السادسة: لي وصية لك أحسب أن الكثيرين قد يقولون إنه لا داعي لها، أو على الأقل قد يقترحون تأجيل الحديث عنها، ولكن -أستاذي الجليل- من أدراني أنني أعيش حتى أقولها لك، وهي وصيتي المتعلقة بالشأن الإيراني الشيعي..
بداية -سيدي الكريم- أنا أعلم أند أقدر مني على أمور السياسة، وأفهم مني على توازنات القوى في المنطقة وفي العالم، لكنني أردت أن أنقل لك خبرتي بالتاريخ، ودرايتي بالعلوم الشرعية؛ ولهذا فإنني أقول لك بصدق: لا ينصر هذا الدين -أستاذي العظيم- إلا من أحاطه من جميع جوانبه، ولا يُعِزُّ هذه الأمة إلا مَن صلحت عقيدته، وصدقت نواياه، ولا يستقيم لمن بدَّل في الدين أو حرَّف، أو لمن لعن أوَّل هذه الأمة أن ينتفض بحميَّة لحراسة العقيدة، أو ميراث المسلمين.
أخي الحبيب، إن التاريخ يشهد في كل مرحلة أن الذي يطعن الأمة في ظهرها لا يقدر أن يمد اليد لمساعدتها، وعليك أن تراجع تاريخ أجدادك العثمانيين الأشاوس العظماء مع دولة الصفويين الشيعة الإيرانية، وتراجع كذلك رد فعل أجدادك عندما انهمرت القوات الشيعية الصفوية على العراق فدمروا بغداد، وأراقوا دماء أهل العراق السُّنَّة بالألوف، ولا يخفى عليك أن هذا يحدث الآن في العراق، والقتلى السُّنَّة بالملايين وليسوا بالألوف..
أنا لا أدفعك -أستاذي الجليل- إلى صدام، وأتمنى أن يحفظ الله عز وجل بلدك وكل بلاد المسلمين ، ولكني أريدك أن تتعامل بمنهج عمر بن الخطاب رضى الله عنه الذي قال فيه : "لستُ بالخِبِّ، ولا الخِبُّ يخدعُني". فنحن لا نمكر ولا نخون العهود، ولكننا لا نُخدَع كذلك، ولا يسخر من عقولنا أحد.
أحببت أن أوصيك كذلك بالنظر إلى المنطقة كلها لا إلى تركيا فقط، ولتعلم أن كل علاقة ستتنازل أنت عنها في المنطقة ستكون من نصيب إيران في المرحلة القادمة؛ فالعالم العربي في حالة من الضعف الشديد لن تمكنه من الصمود أمام المد الشيعي بقوة، وليس لهذا الأمر إلا أنت، فالحذرَ الحذرَ، ولتعلم -يا أيها الزعيم المسلم- أنك الآن أمل أهل السنة في العالم أجمع، وأن ظهورك في علاقة صداقة قوية مع زعماء الشيعة قد تهز صورتك عند الجموع الغفيرة من المسلمين السنة، فتكون خسارتك أكبر من مكاسبك، ونحن لا نريد لمثلكم ذلك.
الوصية السابعة: فلتحرص أيها القائد المحنك على توريث كل إمكانياتك وخبراتك إلى مَن بعدك، ولا أعني هنا أن تورِّث الحكم لأولادك كما اعتاد الضعفاء العرب أن يفعلوا الآن، ولكن أعني أن تهتم بتربية من يحمل الأمانة بعدك، فلا تفجع الأمة بذهابك دون بديل، فماذا لو جاء الأجل؟ وماذا لو انتهت فترة حكمك؟ وماذا لو حدث عارض -لا قدر الله- يؤذيك أو يضرك؟ أنا أعلم أن الأقدار بيد الله ، وأعلم أن كثيرًا من العظماء ذهبوا ولم يذهب الإسلام والحمد لله، لكني رجل قرأت التاريخ، وعلمت أن السنن جارية لا تبديل لها ولا تغيير، وقد رأيت الأمة الإسلامية تثبت بعد وفاة العملاق نور الدين زنكي؛ لأنه ربى عملاقًا آخر هو نور الدين محمود، ورأيت الأمة تثبت أيضًا بعد أن موت القائد الفذ نور الدين محمود؛ لأنه ربى الفاتح العظيم صلاح الدين الأيوبي. لكني -للأسف الشديد- رأيت الأمة تنهار وتتفكك بعد وفاة صلاح الدين الأيوبي؛ لأنه كان منشغلاً بالأمور العظيمة كتوحيد الأمة وجهاد الصليبيين، فغفل عن توريث خبرته وحكمته وإيمانياته وطرق إدارته وقيادته لغيره، ولا نريد ذلك لأمتنا بعدك يا أردوجان..
أنا أعلم أنك تحرص على لقاءات الشورى مع أقرانك الأمناء، وخاصة الرئيس القدير عبد الله جول، ووزير الخارجية المحنك أحمد أوغلو، لكن هذا لا يكفي، بل يجب تربية جيل كامل من الشباب على نفس منهجك ورؤيتك واستراتيجيتك، وليكن ضمن هذا الجيل بعض الكوادر الخاصة المهيئة لإدارة الدولة بكاملها، أو إدارة بعض القطاعات فيها، ولتحرص على عقيدة هؤلاء ودينهم كما تحرص على مهاراتهم وحرفيتهم، فنحن لا نريد أمانة على حساب قوة، ولا قوة على حساب أمانة ، إنما يجب أن تعلم أن {خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ} [القصص: 26].
الوصية الثامنة: أستاذي الجليل أردوجان، لا بد أن ترفع سقف طموحاتك، فنحن لا نريد منك دولة تركية قوية فقط، إنما نريد لك ما هو أكبر من ذلك وأعظم، فلماذا لا يكون لك دور في إصلاح الخلافات والنزاعات بين المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، حتى في الأماكن التي لا تطمح إلى نفوذ أو علاقات فيها ؟ إنما تفعل ذلك لله عز وجل ، فما أعظم الأجر لمن يصلح بين رجلين! فما بالك بمن يصلح بين شعبين! إن لك ولتركيا ثقلاً لا ينكر، وهذا الثقل نعمة من الله تستحق الشكر، وشكرها يكون بصرفها في موضعها، فليكن لك اهتمام بإرساء السلام بين الشعوب الإسلامية المختلفة.. وليكن لك دور في الإصلاح بين الجزائر والمغرب، وليكن لك دور في الصحراء المغربية، وليكن لك دور في توحيد الفصائل الفلسطينية، وليكن لك دور في فض النزاع بين ليبيا وتشاد، وليكن لك دور في حل مشكلة الحوثيين في اليمن، وكذلك لتوحيد شعب السودان..
ثم لترتفع بسقف طموحاتك أكثر وأكثر وتسعى إلى توحيد الأمة الإسلامية، وما المانع أن تعود الخلافة من جديد في زمانك أو بعد زمانك بقليل؟ إنها ستعود حتمًا كما وعدنا الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم ، ولكن لا بد أن يكون لمثلك دور في عودتها، وليس بالضرورة أن تكون أنت على رأسها، فأنت رجل متجرد لله بإذن الله، فليكن على رأسها الأصلح في وقت قيامها، ولكن لا بد من بداية، ولا بد من خطوات، ولا بد من منهج، وأحسب أنك أقدر الأمة الآن على تدبير هذا الأمر وتنسيقه.. وأنا أعلم أن العالم لن يتركك، وأن أعداءك من غير المسلمين - بل ومن المسلمين ـ سيكثرون ويشتدون، لكننا نعلم أن الدعوات الصادقة يحاربها الأحمر والأسود من الناس، ولكننا نعلم كذلك أن النصر مع الصبر، وأن العاقبة للمتقين.
ولترفع سقف طموحاتك أكثر وأكثر وأكثر، ولتبدأ بنشر دعوة الإسلام في ربوع الدنيا، ولا ندعوك إلى سيف أو نزال، إنما بالتي هي أحسن، فلتفعل كما فعل سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم عندما أرسل رسائل إلى ملوك العالم وأباطرة وقياصرة وأكاسرة يدعوهم فيها إلى الإسلام، وكانت المدينة المنورة حينئذ أضعف من تركيا الحالية من ناحية السلاح والعتاد عشرات المرات، لكن قوة الإيمان حرَّكت هذه الدول الصغيرة لهداية العالمين.. وأنت الآن في مكانة مرموقة، ولك كلمة مسموعة، وقد رفع الله ذكرك في الشرق والغرب، فلا بد أنك مسئول يوم القيامة عن ذلك، فلا تكسل عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا تجزع من كثرة الأعداء، ولا تحبط من ردود أفعال سلبية، أو استنكارٍ من بعض المساكين الذين لا يعرفون الله، وقد وصل أجدادك بالإسلام إلى أسوار فيينا، ووصلوا إلى البوسنة وكوسوفو، فلتصل أنت كذلك إلى غير ذلك من ربوع الدنيا..
وأنصحك أن تبدأ بأمريكا الجنوبية؛ فهي أرض بكر، وتاريخها مع الدول الاستعمارية الأوربية يؤهلها إلى الوقوف معك لا ضدك، وهم يحبون المسلمين بشكل عام، وليس لهم تاريخ من العداء معهم وبعضهم له مواقف أصيلة في نصرة قضايا المستضعفين في العالم، ومنها بعض المواقف ضد الكيان الصهيوني، وعندهم شورى حقيقية في معظم أقطارهم، وحتى الآن لم تصل إليها الدعوة الإسلامية كما ينبغي لبعد المسافات، وقلة الإمكانيات، وصعوبة اللغة، وهذا كله في يدك بإذن الله، فلترسل الدعاة تلو الدعاة، ولتُنشِئ المراكز تلو المراكز، ولتبعث بنفسك رسائل دعوة إلى الإسلام لعظمائهم وكبرائهم، ولتبدأ بشافيز رئيس فنزويلا؛ ففيه خير كثير إن شاء الله، وأحسب أنه لو علم الإسلام لاعتنقه، فهو يقوم بكثير من فروضه وأوامره غير أنه لا يوجِّه ذلك إلى الله عز وجل ، فلتكن عونًا له على الإيمان، ومن أدراك لعله إذا أسلم أن يسلم شعب فنزويلا بإسلامه، بل ولعل الإسلام يدخل إلى كل أمريكا الجنوبية، ويصبح هذا كله في ميزان حسناتك، وليس هذا على الله بعزيز ! وقد تحولت شمال إفريقيا وغرب آسيا إلى الإسلام في سنوات معدودات ثم انتشر بعد ذلك في كل مكان، وكذلك تحول شرق أوربا زمان أجدادك العثمانيين الأبطال إلى الإسلام، ثم انتشر إلى ربوع أوربا..
إن نشر الإسلام هو أجلُّ مهام الرسول صلى الله عليه وسلم ، ومن بعده الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين ، ومن بعدهم المجاهدون الأبرار من أبناء هذه الأمة، وأحسبك منهم إن شاء الله، والله حسيبك.
الوصية التاسعة: اعلم -أيها القائد المسلم- أن كل ما سبق لا تقدر عليه بغير مدد من الله عز وجل ؛ فالكون كونه، والملك ملكه، ولا رادَّ لقضائه، ولا ملجأ ولا منجى منه إلا إليه، فلا تمل من طرق بابه، ولا تكل من طلب رحمته وتوفيقه، وليكن لك خلوة مع الله في الثلث الأخير من الليل، فهي خير زادٍ لك في حياتك ومماتك، ولا تقولَنَّ لا وقت عندي لقيام الليل وأنا منشغل بهموم دولة؛ فقيام الليل دأب الصالحين، وزاد المجاهدين، وسعادة المحبين، ونجاة يوم الدين، وهي فرصة لتراجع كتاب ربك بعيدًا عن ضجيج الحياة، وبعيدًا أيضًا عن زيف السلطان، فلعل الله عز وجل أن يفتح لك فتوح العارفين، فتفهم ما لا يفهمه غيرك، وتدرك ما يعجز عن إدراكه القادة والمحللون، وكيف لا وأنت ستكون من أهل الله، فأهل القرآن هم أهل الله وخاصته، ولو أدركتَ متعة قيام الليل -سيدي أردوجان- ما قدرت على تركها، ولعلمت أنها خير من متاع الدنيا وزينتها، وليلهج لسانك دومًا بذكر الله، فهذا سيحفظك من كل سوء إن شاء الله ، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك دومًا، وكذلك الصالحون معه ومن بعده، مع شدة انشغالهم وكثرة أعبائهم، وكان هذا هو سرَّ توفيقهم، وسبب نجاحهم.
الوصية العاشرة: المرء -أستاذي الجليل- قليل بنفسه، كثير بإخوانه، فلتحط نفسك ببطانة الخير، وليكن العلماء من أخص خواصك، وخاصة العلماء الربانيين الذين لا يطلبون مالاً، ولا يرغبون في سلطة، إنما يهدفون إلى نفع الأمة الإسلامية، والذين يحرصون على آخرتك أكثر من حرصهم على دنياك، ولئن تصحب أناسًا يخوِّفونك حتى تبلغ مأمنًا، خير لك من أن تصحب أناسًا يؤمِّنونك حتى تبلغ مخافة، والعلماء الصالحون كُثُر والحمد لله، ولا تكتفي بعلماء تركيا، ولكن انظر إلى علماء المسلمين جميعًا، فتواصل معهم، واطلب نصحهم، واسمع لهم، وتقبل منهم، واحرص على دعائهم؛ فإن لهم في الليل سهامًا لا تخطئ، والواحد منهم قد يشفع في أمة يوم القيامة، وهم على كل حال ورثة الأنبياء، وقادة الأمة، وهداية العالمين، فلا تفوتَنَّك صحبتهم، فهي أغلى من أموال الدنيا جميعًا.
كانت هذه هي وصيتي العاشرة لك -أستاذي الجليل- فتلك عشرة كاملة..
ولعل آخر ما أختم به رسالتي لك هو أن أعرب لك عن كامل فخري بك، وعظيم سعادتي بجهدك، وكم تمنيت أن ألقاك لأقبِّل رأسك، وأشدَّ على يدك، ولأقول لك: جزاك الله عنا وعن الإسلام والمسلمين خير الجزاء!! فقد بيضت وجوهنا، ورفعت رأسنا، وشرحت صدورنا، وأسأل الله عز وجل أن يجعل نيتك صادقة وعملك صالحًا، وخاتمتك سعيدة، وآخرتك في صحبة سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم . وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وأسأل الله أن يعز الإسلام والمسلمين.
تلميذكم
راغب السرجاني
تقرير مصير السودان.. لا مصير الجنوب
كتبت تحت قسم
تحليلات هامة
|
|
درعمى
أ. طلعت رميح
يُظهِر تفحُّص العنوان الذي اختاره الساسة والإعلاميون لمتابعة تطورات وأحداث السودان، أن زاوية النظر في كل المتابعات قد تحددت سلفًا، وأن العنوان قد جرى تحديده بعناية لتعميق حالة الخداع لدى المتلقين، وصرف الأنظار عن المخاطر التي تحيط بهذا البلد.
إن العنوان الذي جرى اختياره والإلحاح عليه في كل تصريحات الساسة والتغطيات الإعلامية هو (تقرير مصير الجنوب)، أو (أن الاستفتاء المزمع انعقاده في 9 يناير 2011م، سيقرر مصير الجنوب بين الوحدة والانفصال)... إلخ، بينما الاستفتاء سيجري لتقرير مصير السودان كله بأيدي بعض المواطنين السودانيين في الجنوب، دون غيرهم من مواطني الجنوب ومن باقي مواطني السودان ؛ إذ السودان سينقسم دولة وجغرافيا ومجتمعًا، ولأن هذا الفصل للجنوب سيكون بمنزلة المفجر البادئ لحالة انفجار شاملة للمجتمع والدولة السودانية، وسيكون بداية لأعمال تفجير مشابهة في إفريقيا وفي الدول الإسلامية الأخرى.
إن العنوان الذي جرى اختياره للحدث وكافة مترتباته، هو: تقرير مصير الجنوب، وكأن الجنوب محتل ومستعمَر من بلد آخر، تنطبق عليه قواعد حق تقرير المصير التي استقرت خلال المرحلة التالية للحرب العالمية الثانية بشأن الدول المستعمَرة، بينما الجنوب ليس إلا جزءًا من "دولة" مرَّ على استقلالها موحَّدة ومنضوية تحت راية الأمم المتحدة ما يزيد على نصف قرن.
وهو عنوان يُظهِر تقرير المصير هذا وكأنه يجري في فراغ، وليس فعلاً انفصاليًّا وتقسيمًا لدولة ومجتمع متكامل، لن تتأثر جراءه أوضاع الجنوب فحَسب؛ بل ستتغير من خلاله أحوال السودان في الأعم الأغلب؛ ذلك أن انفصال الجنوب ليس فعلاً ينتج عنه تأسيس دولة جديدة، بل هو طلقة البداية، لإطلاق عملية تفكيك للسودان كله، وقد ظهرت أُولَى المؤشرات بالفعل من خلال المطالبة بجعله حقًّا ينطبق على بقية أقاليم السودان؛ إذ أعلنت حركة العدل والمساواة الانفصالية في دارفور عن بدء سعيها لنيل حق تقرير المصير لكلٍّ من إقليمي (دارفور وكردفان)، وهو ما يعني نهاية السودان الحالي فعليًّا.
وفي اتجاه آخر، لا تبدو كلمات الرئيس التشادي (إدريس دبي) بأن انفصال جنوب السودان سيكون بمنزلة كارثة لكل إفريقيا، مجرد كلمات مجاملة للرافضين للانفصال، بل هي وصفٌ لمخاطر هذا التقسيم للسودان على قارة تعيش حالة واسعة من التفكك في مجتمعاتها، وتعاني دولها من ضعف المشروعية وضعف القدرات على الحفاظ على تماسك المجتمعات واستقرارها.
وعلى الجانب العربي والإسلامي يبدو واضحًا أن فعل تقسيم السودان سيكون السابقة التي ينتظرها كثير من الانفصاليين في الدول العربية والإسلامية؛ إذ قطع مخطط تقسيم وتفكيك كثير من الدول والمجتمعات شوطًا كبيرًا بالفعل.
وسؤال اللحظة الآن هو: هل الحكم والمجتمع السوداني سيُقبِل على إتمام المخطط المرسوم للسودان بالتقسيم والتبدد (والحال نفسه بالنسبة للدول الإسلامية الأخرى)؟ أم أن اتضاح المخاطر على نحو لا يقبل الجدل، صار دافعًا للأخذ بخطط أخرى لمواجهة هذا الخطر؟ وكيف سيتحرك السودان في مواجهة تركيز الضغوط المكثفة عليه في الفترة الراهنة لإنجاز هدف تفتيته؟ وما هي الخيارات المتاحة للخروج من المأزق؟
أولاً: إن المرحلة التي يمر بها السودان مرحلة خيار مصيري. والخيار المصيري هو ذاك الوضع الذي تواجه فيه دولة أو مجتمع تحديًا أو تحديات يترتب على طريقة التعامل معها حدوث تغييرات في هوية المجتمع والدولة والحدود الجغرافية ومناطق السيادة الأساسية... إلخ. وفي مثل تلك الحال تتعلق النتائج بطبيعة الاستجابة لهذا التحدي؛ فهناك دول ومجتمعات قررت الرفض والمواجهة وانتصرت على التحدي، وهناك دول ومجتمعات أخرى قابلته بالضعف والتردد، فتحولت من حال موحدة إلى حالٍ أخرى..
فمثلاً لقد واجهت الولايات المتحدة تحدي انقسامها بين شمالٍ وجنوبٍ في بداية تشكُّلها، ونجحت عبر الحرب الأهلية في توحيد ولاياتها والقضاء على المحاولة الانفصالية. والشعب الفلسطيني كذلك واجه تحدي تغيير الهوية والاستيلاء على أرضه وطرد السكان واختار المقاومة، وهو لا يزال على مدار قرن من الزمان يرفض الاستسلام للتحدي المفروض عليه؛ وذلك على الرغم من نجاح القوى الغربية في إجلاء بعضٍ من السكان وتغيير هوية مساحة كبيرة من فلسطين وإعلان دولة الصهاينة. وهكذا الحال في أفغانستان والعراق؛ إذ يواصل الشعبان (الأفغاني والعراقي) تحديَ الاحتلال الذي فُرِض على بلديهما عبر الغزو الأمريكي المباشر.
وفي مقابل ذلك فإن ثمة مجتمعات أخرى واجهت تحديات مشابهة بالاستكانة والخنوع وعدم مواجهة الخطر فانتهت وتغيرت أوضاعها، كما هو حال حضارة الهنود الحمر، وكذلك عملية تقسيم إندونيسيا بظهور دولة (تيمور الشرقية) النصرانية داخل جغرافيتها ومجتمعها، وإثيوبيا التي تحقَّق تقسيمُها بظهور دولة إريتريا... إلخ.
والآن يدخل السودان حالة من حالات الخيارات المصيرية؛ فإذا قَبِل التحدي المفروض عليه انتهى إلى وضع آخر، وإذا واجه التحدي يكون قد حسم خياره، وعاد إلى حالة المواجهة. ففي مواجهة التحدي المصيري يكون عامل الإرادة هو العامل المحدِّد لتطورات الأحداث؛ فماذا لو رفض السودان هذا التحدي؟
ثانيًا: في الوضع الراهن يبدو المجتمع والدولة السودانية في وضع حرج؛ إذ يبدو أن السودان مقيَّد بضرورة إنفاذ اتفاق نيفاشا الذي تعهد نظام الحكم بمقتضاه بإعطاء الجنوبيين حق تقرير المصير، وهو يدرك أن عدم إنفاذ الاتفاق سيجلب عليه ضغوطًا أشد مما يعانيه، وقد يصل الأمر حدًّا أكثر من اشتعال الحرب الأهلية؛ إذ ثمة سيناريوهات تتحدث عن احتمال إعلان الجنوب انفصالَه من طرف واحد بالاستفتاء أو غيره، وطَلَبِ دعم عسكري من عدة دول وهو ما قد ينجم عنه تعرُّض السودان إلى هجوم عسكري أمريكي بريطاني صهيوني، بشكل غير مباشر على رأي بعض المحللين ومباشر عند بعضهم الآخر.
وفي الجانب الآخر، فإن مخاطر انفصال الجنوب وإنفاذ الاتفاقية باتت تظهر على نحو مجسَّد، وهو ما ذهب بكل الحجج والمبررات التي جرى تداولها كثيرًا خلال مرحلة إقرار اتفاق نيفاشا كأساس لقبول تقسيم السودان. وكان ثمة تصور أن توقيع الاتفاق سيوقف الضغوط الغربية على السودان، لكن ما حصل أنها تكثفت؛ إذ لم تكتفِ الولايات المتحدة باستمرار حصارها السياسي والاقتصادي للسودان، ولا باستمرار إدراجه على قائمة الدول الراعية للإرهاب، بل دفعت المحكمةَ الجنائية الدولية عبر مجلس الأمن الدولي، لتشويه سمعة الرئيس السوداني عمر البشير ومطاردته باتهامات الإبادة والتطهير العرقي. وكان متصورًا أنَّ توقيع هذا الاتفاق سيمنح السودان (مجتمعًا ودولة) مدة خمس سنوات من الهدوء والاستقرار، لكن تحركت الشياطين الأمريكية والصهيونية والغربية وحركة الجنوب الانفصالية لتفتح معركة في إقليم دارفور؛ بهدف إنهاك المجتمع والدولة وإدارتهما بأزمة أشد خطرًا حتى يأتي موعد انفصال الجنوب، فتكون في حالة من الضعف والاستسلام.
وكان متصورًا أيضًا أن طمأنة الجنوبيين إلى مستقبلهم وإدماجهم في الحكم وإعطائهم نصيبًا من الثروة النفطية أكبر من وزن الجنوب السكاني، قد يوقف دورهم التخريبي في الحياة السياسية، فحدث العكس وصاروا ناصرين في كل مواقفهم وتحركاتهم للغرب وضغوطه ومؤامراته على السودان من جهة، وداعمين لكل الحركات الانفصالية والتفتيتية في عموم السودان. وكان ثمة تقدير بأن مدة السنوات الخمس كافية لتغيير التوجهات الانفصالية بين النخب الجنوبية فظهر العكس؛ إذ صار الشغل الشاغل لتلك النخب هو تعميق حالة الانفصال على الصعيدين (الرسمي والشعبي)، وكسب أنصار جدد لها في الإقليم وعلى الصعيد الدولي. وكان ثمة رؤية أن الأمور إذا وصلت حدَّ الاستفتاء والانفصال، فإن الشمال سيكسب الراحة والبناء المستقر، في ما بقي من جغرافيةِ السودان ومجتمعِه، فتأكد الآن أن الانفصال سيأتي بدولة معادية على الحدود، تماثل الكيان الصهيوني في دوره وأهدافه؛ سواء في المذابح التي ستجري للمسلمين في الجنوب أو في الدور التفكيكي للسودان الباقي.
باختصار، لقد ظهر أن الانفصال سيكون كارثة، وأن الحرب التي توقفت لخمس سنوات في الجنوب اشتعلت في دارفور، وأن القادم المخطَّط له: أن تصبح دولة الجنوب نقطة انطلاق لإشعال الحرائق في كل أنحاء السودان.
ثالثًا: هل يجابه السودان هذا التحدي، ويقف الآن موقف الرافض والمقاوم؟ أم يستسلم لقَدَره فيتفكك انطلاقًا من الجنوب؟
في التقدير العام، يمكن القول بأن الرؤية العقلانية توجب الآن إعادة تقدير الموقف، والخروج سريعًا جدًّا من حالة التردد الراهنة. وفي ذلك يبدو الحساب والتقدير الاستراتيجي للبيئة الدولية والإقليمية والداخلية، قد تغير لمصلحة السودان الآن على خلاف الأوضاع التي أدت إلى توقيع الاتفاق.
ففي أثناء توقيع الاتفاق عام 2005م لم يكن العنصر الحاسم في الضغط على الحكم في السودان للتوقيع على اتفاق جائر هو عامل القوة العسكرية للمتمردين، بل على العكس من ذلك؛ إذ كان الجيش السوداني قد شارف على إنجاز مهمة تطهير أرض الجنوب من حالة التمرد. وكان الضغط الدولي والإقليمي وحاجة الحكم للاستقرار والتنمية هي العوامل الحاسمة، حتى يمكننا القول بأن العنصر الاستراتيجي الحاسم لم يكن للتمرد نفسه وقوَّته دور فيه.
وكانت الولايات المتحدة في حالة الخيلاء بقوَّتها العسكرية، فغزت أفغانستان والعراق واحتلتهما، وصارت تهدد سوريا وليبيا والسودان بطبيعة الحال؛ حتى إن أطرافًا إقليمية نقلت للسودان وقائع محددة عن حشدٍ لقواتٍ على حدوده واستعدادها للعدوان عليه. وفي ذلك لم يكن الموقف الأوربي ملحَقًا بالموقف الأمريكي فقط، بل أظهر استعدادًا لفعل عدوان "منفرد" ضد السودان. وفي تلك المرحلة لم يكن للأطراف الدولية الأخرى عوامل قوة وتأثير في مواجهة القرارات الأمريكية.
وفي الوضع الإقليمي لم يكن التأثير الأمريكي قويًّا فقط في ضغطه على قرارات دول الإقليم، بل كان الوضع الإقليمي نفسه في حالة تعبئة ضد الحكم في السودان؛ إذ كانت العلاقات السودانية مع مختلف الدول في وضع كان الأسوأ فعليًّا.
أما الأوضاع الداخلية السودانية، فكانت في وضع الخطر؛ بسبب انتقالية الحكم في السودان بعد انشقاق الحركة الإسلامية الحاكمة وخروج الترابي من الحكم وتشكيله حزب المؤتمر الشعبي المعارض لحزب المؤتمر الوطني الذي مثَّل الحكم في الحركة السياسية. وكذا لأن أطراف المعادلة السياسية في مركز الحكم (أو الأحزاب الشمالية حسب وصف كثير من المحللين) كانت في بداية العودة لمباشرة حقوقها السياسية بعد مرحلة كانت قد تحالفت فيها مع حركة التمرد الانفصالية في الجنوب. وعلى الصعيد الاقتصادي والتنموي كان السودان في بداية الخروج من حالة الارتباك الاقتصادي التي كان يعيشها بفعل الحصار الدولي عليه إلى حالة التنمية، استنادًا إلى عائدات البترول.
في ظل تلك المعطيات، قَبِل الحكم في السودان التوقيع على اتفاقية نيفاشا، وَفْقَ آمالٍ تبددت جميعها بفعل استمرار الضغط الأمريكي والغربي، وعمق الفكرة الانفصالية داخل النخب الجنوبية، وحالة الاضطراب في داخل مركز الدولة.
رابعًا: مرت مرحلة إنفاذ اتفاقية نيفاشا بحالة صراع عميقة، كان الوصف الأدق لها: أن الغرب صار يصارع الحكم داخل السودان باستخدام الشريك الجنوبي في الحكم، مع تكثيف عوامل الضغط من الخارج. وتمثلت عوامل الضغط والإرباك من الخارج باستخدام وسائل القوة الناعمة من خلال الإبقاء على العقوبات وفتح ملف دارفور في مجلس الأمن الدولي وفتح معركة ضد الرئيس البشير، أو ضد موقع الرئاسة المهيمن في النظام السياسي السوداني؛ إذ الرئيس هو رئيس الحزب الحاكم ورئيس الوزراء والقائد الأعلى للقوات المسلحة، وهو رمز الوطن السوداني، فإذا جُرِّم أو أطيح به، تحققت خطوة في تفكيك هذا البلد.
وفي الضغط من الداخل جرى تعظيم قوة حركات التمرد في دارفور وتضخيمها، والتدخل في لعبة الأطراف الداخلية لحشدها في مواجهة الحكم، وتحويل معركة المحكمة الجنائية الدولية إلى معركة داخلية في السودان. وكان الأمر الأشد بروزًا هو التحول بالعلاقات السياسية مع السلطات الجنوبية إلى طابع العلاقات بين الدول، والتشديد على الاستعداد للاعتراف الدولي بدولة الجنوب فور انفصالها. وكان المشهد الختامي في تلك المرحلة من الصراع هو مشهد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية؛ حيث مارست خلاله الولايات المتحدة والغرب أكثف الضغوط على الحكم في السودان، وإن كان الحرص باديًا على إتمام الانتخابات لأهداف عديدة، أهمها: إنجاز الخطوة الأخيرة لما قبل استفتاء الانفصال، وتثبيت تمثيل الحركة الانفصالية لأبناء الجنوب.
خامسًا: لقد تغير الوضع الآن لمصلحة السودان، إذا قارناه بما كان عليه وقت توقيع اتفاقية نيفاشا؛ فالولايات المتحدة والغرب لم تعد لهم درجة الهيمنة ذاتها على القرار الدولي -على الأقل- بسبب الأزمة المالية والاقتصادية التي ضربت الاقتصاد الغربي، كما أن الولايات المتحدة قد تعمقت حالة تدهورِ أوضاعها السياسية والعسكرية بسبب تورطها في حربَي أفغانستان والعراق، وفي عشرات الأزمات المتفاعلة في المنطقة والعالم، ومعظمها صراعات تهدد باندلاع حروب. كما أن دولاً أخرى ظهرت بتأثيرها على ساحة القرار الدولي، وهو ما يضعف القدرة الأمريكية والغربية والصهيونية عن حالة التصرف الانفرادي السابقة.
أما في الوضع الإقليمي، فقد تغيرت أوضاع الحكم في السودان ولم يعد على حالة الحصار السابقة؛ فإريتريا تغيرت مواقفها من السودان وانقلبت من عداءٍ للحكم في السودان إلى موقف الداعم، وإثيوبيا في حالة اشتباك في الصومال وفي الداخل ومع إريتريا، وكذا أوغندا باتت تشعر بتهديد بعد التفجيرات في داخلها، وتشاد صارت حليفًا للسودان بفعل تبادل طرد الحركات المتمردة من كِلا البلدين، وكان كلاهما مصدر تعزيز لحركات التمرد ضد الآخر. والعلاقات المصرية مختلفة عن أوضاع ما بعد محاولة اغتيال الرئيس مبارك في العاصمة الإثيوبية (أديس أبابا).
وأما على الصعيد الداخلي في السودان فقد تغيرت الأوضاع الاقتصادية خلال السنوات الخمس وتحسنت أوضاع تسليح الجيش السوداني بعد دخول السودان مجال إنتاج الأسلحة. والأوضاع في دارفور تغيرت على الأرض فعليًّا لمصلحة الحكم في السودان؛ بسبب قطع الدعم التشادي عن المتمردين وطردهم من الأراضي التشادية، ولإجراء انتخابات تشريعية عينت ممثلين لأهالي دارفور في مؤسسات الحكومة، وهو ما نزع الشرعية عن حركات التمرد، وبسبب توقيع بعض الاتفاقيات مع بعض الحركات أيضًا، وهو ما أدى إلى عزل الأخريات وأضعف نفوذها ودورها. والأهم من ذلك أن الوضع الشعبي صار رافضًا بشكل كبير لقضية التقسيم، وتفكيك السودان، ويشعر بالخطر الجدي على مستقبل السودان.
لقد تغير كثير من المعطيات التي فرضت التوقيع على اتفاقية نيفاشا، وإن كان طرف الحركة الشعبية الانفصالية قد حصل بالمقابل على دعم تسليحي بفعل موارد النفط، كما حققت الانتخابات لها شرعية في الحكم وتمثيلَ مواطني الجنوب، إلا أن الأوضاع في الجنوب شهدت تناميًا في حالات الصراع القبلي والسياسي ضد هذه الحركة، وصلت حدَّ الأعمال العسكرية على نحو مؤثر.
سادسًا: إذا أقر الحكم والقوى الرئيسة التي تمثل عصب المجتمع وتشكِّل العقل الجمعي للقرار الاستراتيجي في مواجهة التحدي كما تشي بعض مؤشرات الحركة في الآونة الأخيرة، فإن الأمر يتطلب عملاً عاجلاً، لتحقيق أوسع حالة إجماع داخلي ممكنة ضد انفصال الجنوب، باعتباره خطرًا داهمًا على السودان كله، على أن يشمل التحرك قوى جنوبية وشمالية، تحت شعارات إنقاذ السودان ومنع الجنوب من الانزلاق إلى فتنة تدمِّره وترتكب فيها المذابح.
ولذلك يبدو أنه من المهم، أن يجري إطلاق حركات شعبية خارج الأطر التقليدية، تتحرك لبلورة مواقف شعبية واضحة رافضة للانفصال، مع بقاء الحكم (إعلاميًّا وسياسيًّا) في موقع الضابط لإيقاع وحدة البلاد إعمالاً لمهامه الدستورية. كما يتطلب الأمر تحركًا مكثفًا لتعبئة المواقف الإقليمية وحشدها ضد الحركة الانفصالية، وإخراج المواقف الرسمية من حالة "الكلام المكتوم" إلى حالة الرفض السياسي والإعلامي المباشر. ولتحقيق حالة من توفير الجهد والقوة وتوجيه القدر الأعظم منها للضغط على الطرف الأخطر في المرحلة الحالية، ينبغي حسم معركة دارفور بأسرع ما يمكن عبر صياغات تضع خطر انفصال الجنوب أولوية. وكذا ينبغي وضع خطة إعلامية مكثفة؛ لإنهاء الفجوة المعرفية لدى الرأي العام العربي والإسلامي والدولي حول قضايا دارفور والجنوب، والتحول نحو هجوم إعلامي مضاد لتحركات الإعلام الغربي على الأقل في الساحة العربية.
والقصد أن ثمة ضرورة لخطة تحرُّك عاجلٍ، ينتقل بالسودان من الموقف الدفاعي الذي ساد لمرحلة طويلة مضت إلى الموقف الهجومي؛ فلم يعد هناك وقت.
الأكثر مشاهدة
المشاركات الشائعة
-
موقع الإخوان المسلميبن ـ ورود الحق بقلم: د. عماد عجوة القيروان.. مدينة تونسية تقع على بُعد 156 كم من العاصمة تونس، وعلى بُعد 57 كم من مدين...
-
أولا: مفهوم الثبات والمرونة : تنقسم أحكام الشريعة الإسلامية على قسمين : ا لأول : أحكام ثابتة : وهذه لا سبيل إلى البحث فيها ، ولا تقبل الت...
-
موقع قصة الإسلام ـ مدونة ورود الحق أما النصف الأوَّل من القرن الرابع الهجري والنصف الأوَّل من القرن العاشر الميلادي فيمثِّله أبو الحسن عل...
-
مدونة ورود الحق ـ الإسلام اليوم هانئ رسلان تعيشُ الخُرطوم هذه الأيام أجواءًا من الترقُّب المشوب بالقلق؛ بسبب...
-
مدونة ورود الحق ـ موقع إخوان أون لاين بقلم: د. كامل عبد الفتاح باحث في تاريخ مصر الحديث والمعاصر في التاسع والعشرين من أغسطس من كل عام تحل...
-
حذر الدكتور محمود حمدي زقزوق، وزير الأوقاف، أئمة الوزارة من التطرق إلى الموضوعات السياسية في الدروس الرمضانية التي سيلقونها بمساجد الجمهور...
-
موقع قصة الإسلام ـ ورود الحق فلسطين أرض الرسل والأنبياء الذين حملوا راية التوحيد، ودعوا أقوامهم إلى الالتزام بها. وقد شهدت فلسطين ف...
-
مدونة ورود الحق هؤلاء هم القادة الذين نريدهم هؤلاءالله سيرفع درجاتهم إن شاء الله ويسكنهم جنات النعيم ذلك بما يعملون الآن لأمتهم من تضحيات و...
-
د: منير جمعة عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين :- دول الغرب المسيحي تحتفي بكل الخارجين عن الإسلام وتلبسهم ألقابا رنانة . الرئيس بوش استقبل...
-
ورود الحق ـ قصة الإسلام : روجر بواس يلقي روجر بواس[1] في مقاله هذا نظرة على النموذج الإسباني للتطهير العرقي والديني. لكل شيء إذا ما تم نقصان...
يتم التشغيل بواسطة Blogger.
أرشيف المدونة الإلكترونية
-
▼
2010
(156)
-
▼
أكتوبر
(19)
- الإبداع والابتكار
- السودان وأزمة الانفصال : السودان على مفترق الطُّرق
- السودان وأزمة الانفصال : عندما ينفصل جنوب السودان
- السودان وأزمة الانفصال : مآلات انفصال جنوب السودان
- السودان وأزمة الانفصال : هل يختفى السودان من الجنوب؟
- السودان وأزمة الانفصال : استفتاء السودان .... نار ...
- رسالتي إلى أردوجان بقلم د. راغب السرجاني
- تقرير مصير السودان.. لا مصير الجنوب
- أخوات الأزهر بين فكى الأمن وتدليس الصحف الحكومية ا...
- الفصل الأول ...... ما هى النصرانية ؟ الجزء الأول
- أوضاع العالم الآن
- كينيا: وفاة رجل تزوج 134 امرأة ولديه 363 ابنا وحفيدا
- قصص من روائع حضارتنا : إسهامات علماء المسلمين في ...
- روائع من قصص حضارتنا : التصور العقدي في الحضارة ا...
- إسهامات المسلمين في تصحيح عقائد الأمم السابقة
- حقيقة ما يجري على السودان
- سهرة خاصة - أزمة تقسيم السودان
- علم المواريث ................. 1
- ظلم الحاكم وهروب المظلوم (فى رحاب قصيدة هذى البلاد...
-
▼
أكتوبر
(19)
أحدث موضوع
المدونة على الفيس بوك
أقسام مهمة
التسميات
- أزمات الأمة (38)
- الخلافة الأموية (1)
- الدولة العثمانية الجزء الثانى (12)
- الدولة العثمانية الجزء الرابع (3)
- الدولة العثمانية الجزء الأول (8)
- الدولة العثمانية الجزء الثالث (10)
- السودان وأزمة الانفصال (10)
- الشيشان جرح ينزف (7)
- النصرانية ما بين التعريف والتحريف الجزء الأول (1)
- تاريخ الأندلس (1)
- تاريخ أمة (42)
- تاريخ حماس والدفاع عنه (1)
- تاريخ فلسطين (2)
- تحليلات هامة (11)
- تربية الأطفال (1)
- تركستان جرح ينزف (8)
- حدث فى مثل هذا (2)
- دروس فى الفقه (1)
- شخصيات إسلامية (2)
- شخصيات أسلموا (2)
- صحابة الرسول (1)
- عجائب التكنولوجيا (1)
- على الصلابى (1)
- عن الإخوان والبنا (4)
- غرائب من الحياة (1)
- غزة بين النار والحصار (7)
- فتاوى اقتصادية (1)
- فتاوى الدكتور منير جمعة (5)
- فتاوى عامة (6)
- فقه السنة (3)
- فلسطين (9)
- فيديو مؤثر (4)
- قالوا عن الإسلام (3)
- قصص من روائع حضارتنا (23)
- كتاب الكبائر للإمام شيخ الإسلام الذهبى (4)
- كشمير جرح ينزف (7)
- كوسوفا جرح ينزف (5)
- مساجد لها تاريخ (1)
- مقالات الأستاذ ثامر عبد الغني سباعنه (1)
- مقالات الدكتور منير جمعة (17)
- مقالات المشرف (13)
- مقالات رمضانية (1)
- مواعظ الإمام ابن الجوزى (16)
- نقاشات (1)
بحث
بحث هذه المدونة الإلكترونية
Categories
المتابعون
فيديو الأسبوع
أحدث التعليقات
أحدث المقالات