الصفحة الرئيسية » Archives for يوليو 2010
لماذا بدأت سورة الإسراء بالتسبيح؟
كتبت تحت قسم |
الاثنين، 26 يوليو 2010|
درعمى
بقلم /أ .أحمد عبد الحميد
بسم الله وصلاة وسلاما على أشرف وأعظم خلق الله إمام الأنبياء ورسول الأنام خير من وطأت قدماه الثرى أول شفيع وأول مشفع وحامل لواء الحمد يوم القيامة سيدنا محمد صلوات ربى وسلامه عليه فى جنان يخالطها نعيم لا يزول.
فما معنى كلمة معجزة ؟ فى أى السور ذكرت هذه المعجزة ؟ لماذا تمت هذه المعجزة ؟ لماذا بدأت سورة الإسراء بالتسبيح ؟ لماذا ذكرت لفظة عبده ولم يذكر رسوله فى الآية ؟ لماذا كان المعراج من المسجد الأقصى لا المسجد الحرام على الرغم من أن فوق المسجد الحرام البيت المعمور فى السماء يدخله كل يوم سبعون ألف ملك من دخله من الملائكة لا يدخله مرة أخرى وهو البيت الذى تقام عنده شعيرة الحج ؟ وما علاقةالإسراء والمعراج بحادث تحويل القبلة ؟ .
أقول وبالله التوفيق :
إن معنى المعجزة هو تحقق أمر فوق العادة ليس بمقدور البشر فعله ويجريها الله على نبى أو رسول وهى تختلف عن الكرامة فى أن الكرامة يجريها الله على يد ولى أو عبد صالح .
أما عن رحلة الإسراء والمعراج فلقد ذكرها الله جل وعلا فى أربعة مواضع من القرآ الكريم أما الأول والثانى ففى سورة الإسراء إذا يقول الحق تبارك وتعالى "سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ ءايَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ " وقال أيضا تبارك وتعالى " ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10) مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11) أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12) وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (16) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17) لَقَدْ رَأَى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18) " ( سورة النجم (6ـ 18)) . أما الموضع الرابع ففى سورة التكوير إذ يقول الحق تبارك وتعالى : ( ولقد رءاه بالأفق المبين وما هو على الغيب بضنين ) الآيتين (23/24) .
ولكن السؤال الآن ما الحكمة فى أن يجرى الله هذه المعجزة ؟
إن الرسول ـ صلى اله عليه وسلم ـ لما بدأ يدعو الناس إلى عبادة الله وحده وترك عبادة الأصنام آمن به القلة من الناس وأعرض عنه الكثير وذلك فى أول الأمر دأب من كان من قبله من الأنبياء ولكن بعد وفاة عمه أبى طالب الذى كان يآزره ويعينه على قومه وبعد وفاة زوجته السيدة خديجة بنت خويلد التى كانت تخفف عنه من معاناته مع قومه وتواسيه وتحفزه فى استكمال مسيرة الدعوة وكانت تساعده فى الدعوة فكانت تدعو جاراتها إلى الإسلام وكانت تبذل من وقتها ومالها وجهدها فى سبيل الله . حينما توفيا الاثنان لم يجد الرسول له من معين على الدعوة سوى ربه فما كان منه إلا أن يحاول أن يجد أرض ينمو بها بذر الدعوة من جديد ويجد له فيها المعين خاصة وأن قومه قد خذلوه بل واشتدوا فى التنكيل به فذهب إل الطائف فلم يجد منهم إلا الصد والنفور عن دعوة الله فأراد الله عز وجل أن يذيل بعض ما فى قلب من الهم من مكابدة الطريق ويريه أن كل ما يحدث على الأرض بل الأرض كلها جزء بسيط من خلق الله وأن موئل هؤلاء المعاندين هو النار وأن موئل الذين آمنوا به فى الجنة وأن دأبه ـ أى الرسول صلى الله عليه وسلم ـ هو دأب الأنبياء من قبله لذلك عرض الله للرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ فى هذه الحادثة الجنة ونعيمها والنار وصنوف العذاب فيهاى وزيارة الأنبياء ليكون حافزا للرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ على استكمال دعوته وليثبت به فؤاده على الحق . كما كانت هه المعجزة بمثابة فتنة لمن أعرض عن الدعوة وتمحيص لمن انتهج منهجها خاصة وأنها كانت فى أمر ليس بمقدور البشر فعله وفى وقت قليل جدا فلقد حدثت هذه المعجزة فى قدر قليل من الليل أمر لا يصدقه عقل لكن مع قدرة الله الذى لا يعجزه ولا ينتابه نقصان أمر محقق ولذلك بدأت سورة الإسراء بالتسبيح والذى معناه تنزيه المولى عز وجل عن أى خطأ أو نقصان أو عجز فى أن يجرى هذه المعجزة على يد رسوله فإن الله عز وجل أقدر على أن ينفذ أمره ويحقق فعله مهما كان هذا الفعل .
ونتسائل أيضا ما الحكمة فى أن يذكر الله رسوله بلفظة عبده دون لفظة رسوله فى الآية ( سبحان الذى أسرى بعبده .......)خاصة وكلنا يعلم أن الرسالة إذا أضيفت إلى فرد زادته تشريفا وعلو مكانة وكذلك النبوة ؟ إن الرسالة لا تكون إلا بالتبليغ لأهل الأرض ومن ثم فيكون التشريف بها وهو فى دعوته لأهل الأرض أما إذا كان فى أهل السماء فلا يكون فيهم البلاغ أو الرسالة وإنما الكل سواء أمام المولى عز وجل فالكل عبيد لله ومن ثم فإن من الأليق أن ينادى الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ بتمام العبودية لله عزوجل وتحقيق ما كان ينبغى عليه فى الأرض وهو كمال العبادة أمام الله عز وجل إذا رجع إليه (وما خلقت الإنس والجن إلا ليعبدون ) ونتسائل أيضا ما الحكمة فى أن يتم المعراج إلى السماء من المسجد الأقصى لا المسجد الحرام ؟ نقول وبالله التوفيق إن المسجد الأقصى هو القبلة الأولى للمسلمين بل وهو قبلة الأنبياء من قبل وموضع زيارتهم له إلا أن زيارة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ له يدل على عظم هذا المسجد هوقداسته لذا فلابد وأن تبذل كل الجهود من أجل تحريره وتخليصه من أيدى اليهود عليهم لعائن الله وسخطه . وأـيضا بزيارة الرسول له وكأن المولى عزوجل يريد أن يخبر الناس كلهم أن الرسول ليس منشقا عن دعوة الأنبياء أومخالفا لهم وإنما ليتم هذا الصرح (صرح الدعوة إلى الله )الذى بناه الأنبياء من قبل ويزيل كل العقبات التى وضعها أهل الملل الأخرى على أنفسهم بسبب كثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم .وهذا مصداقا لقوله تعالى (قل ما كنت بدعا من الرسل وما أدرى ما يفعل بى ولا بكم ) سورة الأحقاف (9) وقوله تعالى ( الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون )الآية 157 من سورة الأعراف .
كذلك كان لصلاة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالأنبياء جميعا داخل المسجدالأقصى دليلا على نسخ جميع الملل والشرائع التى كانت قبل الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولتكون أمة سيدنا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ هى الآية االرائدة والقائدة لجميع الأمم وليدل على أن ببزوغ فجر الرسالة الخاتمة تزال أى رسالة أخرى وتتبع هذه الرسالة الخاتمة كما تبع الأنبياء النبى الخاتم سيدنا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ ثم بعد الاتصال الروحى والجسدى بين النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ وباقى الأنبياء من خلال الصلاة فى المسجدالأقصى فى المسجد الأقصى يكون الاتصال بهم أيضا منخلال السماء عند لقائه بهم فى السماوات لذا كان المعراج من المسجد الأقصى وليس البيت الحرام .
يا سيد الرسل الكرام تحية من المرسلين إلى الهدى بك جاءوا
يتسائلون وأنت أطهر هيكلا بالروح أم بالهيكل الإسراء
يتسائلون وأنت أطهر هيكلا بالروح أم بالهيكل الإسراء
بهما سريت مطهرين كليهما نور وريحانية وضياء
فإذا رحمت فأنت أم أو أب هذان فى الدنيا هما الرحماء
وإذا خطبت فللمنابر هزة تعروا الندى وللقلوب بكاء
وإذا أخذت العهد أو أعطيته فجميع عهدك زمة ووفاء
وإذا هجمت على العدا فغضنفر وإذا كررت فإنها النكباء
أما بعد ...: فلقد أظلتنا أيام خير مباركات تفوح بذكرى عطرة هى ذكرى الإسراء والمعراج ولكن لا يكون حديثى بمثابة سرد لهذه المعجزة وإنما هى نظرة تأمل حول بعض المواقف فيها سائلا بعض الأسئلة التى قد تموج بها خواطرنا .فإذا رحمت فأنت أم أو أب هذان فى الدنيا هما الرحماء
وإذا خطبت فللمنابر هزة تعروا الندى وللقلوب بكاء
وإذا أخذت العهد أو أعطيته فجميع عهدك زمة ووفاء
وإذا هجمت على العدا فغضنفر وإذا كررت فإنها النكباء
فما معنى كلمة معجزة ؟ فى أى السور ذكرت هذه المعجزة ؟ لماذا تمت هذه المعجزة ؟ لماذا بدأت سورة الإسراء بالتسبيح ؟ لماذا ذكرت لفظة عبده ولم يذكر رسوله فى الآية ؟ لماذا كان المعراج من المسجد الأقصى لا المسجد الحرام على الرغم من أن فوق المسجد الحرام البيت المعمور فى السماء يدخله كل يوم سبعون ألف ملك من دخله من الملائكة لا يدخله مرة أخرى وهو البيت الذى تقام عنده شعيرة الحج ؟ وما علاقةالإسراء والمعراج بحادث تحويل القبلة ؟ .
أقول وبالله التوفيق :
إن معنى المعجزة هو تحقق أمر فوق العادة ليس بمقدور البشر فعله ويجريها الله على نبى أو رسول وهى تختلف عن الكرامة فى أن الكرامة يجريها الله على يد ولى أو عبد صالح .
أما عن رحلة الإسراء والمعراج فلقد ذكرها الله جل وعلا فى أربعة مواضع من القرآ الكريم أما الأول والثانى ففى سورة الإسراء إذا يقول الحق تبارك وتعالى "سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ ءايَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ " وقال أيضا تبارك وتعالى " ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10) مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11) أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12) وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (16) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17) لَقَدْ رَأَى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18) " ( سورة النجم (6ـ 18)) . أما الموضع الرابع ففى سورة التكوير إذ يقول الحق تبارك وتعالى : ( ولقد رءاه بالأفق المبين وما هو على الغيب بضنين ) الآيتين (23/24) .
ولكن السؤال الآن ما الحكمة فى أن يجرى الله هذه المعجزة ؟
إن الرسول ـ صلى اله عليه وسلم ـ لما بدأ يدعو الناس إلى عبادة الله وحده وترك عبادة الأصنام آمن به القلة من الناس وأعرض عنه الكثير وذلك فى أول الأمر دأب من كان من قبله من الأنبياء ولكن بعد وفاة عمه أبى طالب الذى كان يآزره ويعينه على قومه وبعد وفاة زوجته السيدة خديجة بنت خويلد التى كانت تخفف عنه من معاناته مع قومه وتواسيه وتحفزه فى استكمال مسيرة الدعوة وكانت تساعده فى الدعوة فكانت تدعو جاراتها إلى الإسلام وكانت تبذل من وقتها ومالها وجهدها فى سبيل الله . حينما توفيا الاثنان لم يجد الرسول له من معين على الدعوة سوى ربه فما كان منه إلا أن يحاول أن يجد أرض ينمو بها بذر الدعوة من جديد ويجد له فيها المعين خاصة وأن قومه قد خذلوه بل واشتدوا فى التنكيل به فذهب إل الطائف فلم يجد منهم إلا الصد والنفور عن دعوة الله فأراد الله عز وجل أن يذيل بعض ما فى قلب من الهم من مكابدة الطريق ويريه أن كل ما يحدث على الأرض بل الأرض كلها جزء بسيط من خلق الله وأن موئل هؤلاء المعاندين هو النار وأن موئل الذين آمنوا به فى الجنة وأن دأبه ـ أى الرسول صلى الله عليه وسلم ـ هو دأب الأنبياء من قبله لذلك عرض الله للرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ فى هذه الحادثة الجنة ونعيمها والنار وصنوف العذاب فيهاى وزيارة الأنبياء ليكون حافزا للرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ على استكمال دعوته وليثبت به فؤاده على الحق . كما كانت هه المعجزة بمثابة فتنة لمن أعرض عن الدعوة وتمحيص لمن انتهج منهجها خاصة وأنها كانت فى أمر ليس بمقدور البشر فعله وفى وقت قليل جدا فلقد حدثت هذه المعجزة فى قدر قليل من الليل أمر لا يصدقه عقل لكن مع قدرة الله الذى لا يعجزه ولا ينتابه نقصان أمر محقق ولذلك بدأت سورة الإسراء بالتسبيح والذى معناه تنزيه المولى عز وجل عن أى خطأ أو نقصان أو عجز فى أن يجرى هذه المعجزة على يد رسوله فإن الله عز وجل أقدر على أن ينفذ أمره ويحقق فعله مهما كان هذا الفعل .
ونتسائل أيضا ما الحكمة فى أن يذكر الله رسوله بلفظة عبده دون لفظة رسوله فى الآية ( سبحان الذى أسرى بعبده .......)خاصة وكلنا يعلم أن الرسالة إذا أضيفت إلى فرد زادته تشريفا وعلو مكانة وكذلك النبوة ؟ إن الرسالة لا تكون إلا بالتبليغ لأهل الأرض ومن ثم فيكون التشريف بها وهو فى دعوته لأهل الأرض أما إذا كان فى أهل السماء فلا يكون فيهم البلاغ أو الرسالة وإنما الكل سواء أمام المولى عز وجل فالكل عبيد لله ومن ثم فإن من الأليق أن ينادى الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ بتمام العبودية لله عزوجل وتحقيق ما كان ينبغى عليه فى الأرض وهو كمال العبادة أمام الله عز وجل إذا رجع إليه (وما خلقت الإنس والجن إلا ليعبدون ) ونتسائل أيضا ما الحكمة فى أن يتم المعراج إلى السماء من المسجد الأقصى لا المسجد الحرام ؟ نقول وبالله التوفيق إن المسجد الأقصى هو القبلة الأولى للمسلمين بل وهو قبلة الأنبياء من قبل وموضع زيارتهم له إلا أن زيارة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ له يدل على عظم هذا المسجد هوقداسته لذا فلابد وأن تبذل كل الجهود من أجل تحريره وتخليصه من أيدى اليهود عليهم لعائن الله وسخطه . وأـيضا بزيارة الرسول له وكأن المولى عزوجل يريد أن يخبر الناس كلهم أن الرسول ليس منشقا عن دعوة الأنبياء أومخالفا لهم وإنما ليتم هذا الصرح (صرح الدعوة إلى الله )الذى بناه الأنبياء من قبل ويزيل كل العقبات التى وضعها أهل الملل الأخرى على أنفسهم بسبب كثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم .وهذا مصداقا لقوله تعالى (قل ما كنت بدعا من الرسل وما أدرى ما يفعل بى ولا بكم ) سورة الأحقاف (9) وقوله تعالى ( الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون )الآية 157 من سورة الأعراف .
كذلك كان لصلاة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالأنبياء جميعا داخل المسجدالأقصى دليلا على نسخ جميع الملل والشرائع التى كانت قبل الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولتكون أمة سيدنا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ هى الآية االرائدة والقائدة لجميع الأمم وليدل على أن ببزوغ فجر الرسالة الخاتمة تزال أى رسالة أخرى وتتبع هذه الرسالة الخاتمة كما تبع الأنبياء النبى الخاتم سيدنا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ ثم بعد الاتصال الروحى والجسدى بين النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ وباقى الأنبياء من خلال الصلاة فى المسجدالأقصى فى المسجد الأقصى يكون الاتصال بهم أيضا منخلال السماء عند لقائه بهم فى السماوات لذا كان المعراج من المسجد الأقصى وليس البيت الحرام .
التكوين الثقافي للداعية
كتبت تحت قسم
مقالات الدكتور منير جمعة
|
السبت، 24 يوليو 2010|
درعمى
بقلم : وصفي عاشور أبو زيد
هو تكوين بدهي ومنطقي؛ إذ كيف يكون داعية من لم يتكوَّن دعويًّا؟ ونعني بالتكوين الدعوي ما يُمكِّن الداعية من تبليغ دعوته إلى الناس بعلمٍ وفهمٍ، وحكمة وبصيرة، وللتكوين الدعوي هنا محوران:
المحور الأول: الإلمام بتاريخ الدعوة وسيرة أعلامها مجملاً وما أُلِّفَ فيها.
المحور الثاني: ما يسمى بـ: "فقه الدعوة"، وهو علم يجب على الداعية أن يتبحر فيه كي يستطيع أن يمارس دعوته على بصيرة.
المطلب الأول: تاريخ الدعوة وأعلامها ومؤلفاتها :
والمقصود بتاريخ الدعوة هنا أن يلم الداعية إلمامًا جيدًا بتاريخ الدعوة الإسلامية عبر مراحلها المختلفة، ابتداءً بعصر النبي- صلى الله عليه وسلم- ومرورًا بالعصر الأموي ثم العباسي، ثم العثماني، ثم تاريخ الدعوة في كلِّ دولة من الدول الإسلامية التي قامت فيها دعوة إسلامية في بلاد مختلفة، مثل: مصر، وبلاد الأندلس، والمغرب العربي، وغيرها.
الفرع الأول: تاريخ الدعوات قبل النبي وبعده :
ومن المفيد قطعًا أن يطالع تاريخ الدعوات الأخرى قبل النبي- صلى الله عليه وسلم- فيقرأ سير الأنبياء وتاريخ دعوتهم مع أقوامهم، ومراحلها، وكيف كانت نهاياتها، وليس أمامنا مصدر موثوق به في هذا الصدد إلا ما ورد في القرآن الكريم.
ثم يطالع بعد ذلك تاريخ الدعوات المعاصرة، مثل دعوة محمد بن عبد الوهاب، ودعوة النورسي، ودعوة السنوسي، ودعوة محمد عبده، ودعوة أبي الأعلى المودودي، ودعوة حسن البنا، وغيرها من الدعوات؛ ليستخلص أروع ما فيها من فوائد وإيجابيات، ويتجنب أبرز ما فيها من أضرار وسلبيات، وهذا يعطيه بُعدًا ثقافيًّا وأفقًا فكريًّا جديدًا يتميز بالواقعية والإمكانية القريبة للقياس عليه، والأخذ منه والانتفاع به.
والمطلوب من الداعية في هذا التاريخ أن يتعرَّف على أحداثه بشكل توثيقي يضمن معه صحة الأحداث، ويقرأ وقائعه ومعاركه، وكيف تكونت كل دولة، والبحث عن أسباب ازدهارها وقوتها، والتعرف على عوامل سقوطها وانهيارها.
كما ينبغي عليه أن يتعرَّف على أعلام الدعوة في كلِّ مرحلة من مراحلها، وفي كلِّ خلافة قامت في تاريخها؛ بحيث يقرأ سيرهم وتاريخهم؛ ليقف على طبيعة دعوتهم وتكوين أعلامهم، وكيف كان دورهم في نشر دعوتهم، وجهادهم وتضحيتهم، وصبرهم على ما لاقوه من محن وابتلاءات.
كل هذا عن طريق الكتب التي اهتمت برواية هذا التاريخ بعيدًا عن الاتجاهات المختلفة التي فسَّرت التاريخ حسب أهوائها ومذاهبها، ومللها ونحلها، بل يقرأ التاريخ أحداثًا فقط عبر مصادره الموثقة، في مثل: البداية والنهاية لابن كثير، والكامل لابن الأثير، وسيرة ابن هشام، وغيرها، حتى يسلم له الحدث التاريخي خالصًا صافيًّا قبل أن تشوبه التفسيرات الحزبية والمذهبية التي غالبًا ما يشوبها التعصب للمذهب أو الطائفة.
الفرع الثاني: تاريخ الرجال:
وإذا كانت هذه هي مصادر التاريخ وأحداثه، فإن لتاريخ الرجال كتبًا أخرى ينبغي مطالعتها في سير الرجال والدعاة وتراجمهم، مثل: كتاب "سير أعلام النبلاء" للذهبي، و"النهضة الإسلامية في سير أعلامها المعاصرين" لمحمد رجب البيومي، و"رجال من التاريخ" لعلي الطنطاوي، و"عظماؤنا في التاريخ" لمصطفى السباعي، وكتب الأعلام التي كتبها محمد أبو زهرة: "أبو حنيفة"، و"مالك"، و"الشافعي"، و"ابن حنبل"، و"ابن حزم"، وغيرهم، و"علماء في وجه الطغيان" لمحمد رجب البيومي، و"نُزْهَة الخواطر" لعبد الحي الحسني والد الشيخ أبي الحسن الندوي، و"من أعلام الحركة والدعوة الإسلامية المعاصرة" لعبد الله العقيل، و"علماء ومفكرون عرفتهم" لمحمد المجذوب، و"رجال الفكر والدعوة في الإسلام" للشيخ أبي الحسن الندوي، بالإضافة إلى سلسلة "أعلام المسلمين" وسلسلة "علماء ومفكرون معاصرون" اللتين تصدرهما دار القلم بدمشق.
المحور الأول: الإلمام بتاريخ الدعوة وسيرة أعلامها مجملاً وما أُلِّفَ فيها.
المحور الثاني: ما يسمى بـ: "فقه الدعوة"، وهو علم يجب على الداعية أن يتبحر فيه كي يستطيع أن يمارس دعوته على بصيرة.
المطلب الأول: تاريخ الدعوة وأعلامها ومؤلفاتها :
والمقصود بتاريخ الدعوة هنا أن يلم الداعية إلمامًا جيدًا بتاريخ الدعوة الإسلامية عبر مراحلها المختلفة، ابتداءً بعصر النبي- صلى الله عليه وسلم- ومرورًا بالعصر الأموي ثم العباسي، ثم العثماني، ثم تاريخ الدعوة في كلِّ دولة من الدول الإسلامية التي قامت فيها دعوة إسلامية في بلاد مختلفة، مثل: مصر، وبلاد الأندلس، والمغرب العربي، وغيرها.
الفرع الأول: تاريخ الدعوات قبل النبي وبعده :
ومن المفيد قطعًا أن يطالع تاريخ الدعوات الأخرى قبل النبي- صلى الله عليه وسلم- فيقرأ سير الأنبياء وتاريخ دعوتهم مع أقوامهم، ومراحلها، وكيف كانت نهاياتها، وليس أمامنا مصدر موثوق به في هذا الصدد إلا ما ورد في القرآن الكريم.
ثم يطالع بعد ذلك تاريخ الدعوات المعاصرة، مثل دعوة محمد بن عبد الوهاب، ودعوة النورسي، ودعوة السنوسي، ودعوة محمد عبده، ودعوة أبي الأعلى المودودي، ودعوة حسن البنا، وغيرها من الدعوات؛ ليستخلص أروع ما فيها من فوائد وإيجابيات، ويتجنب أبرز ما فيها من أضرار وسلبيات، وهذا يعطيه بُعدًا ثقافيًّا وأفقًا فكريًّا جديدًا يتميز بالواقعية والإمكانية القريبة للقياس عليه، والأخذ منه والانتفاع به.
والمطلوب من الداعية في هذا التاريخ أن يتعرَّف على أحداثه بشكل توثيقي يضمن معه صحة الأحداث، ويقرأ وقائعه ومعاركه، وكيف تكونت كل دولة، والبحث عن أسباب ازدهارها وقوتها، والتعرف على عوامل سقوطها وانهيارها.
كما ينبغي عليه أن يتعرَّف على أعلام الدعوة في كلِّ مرحلة من مراحلها، وفي كلِّ خلافة قامت في تاريخها؛ بحيث يقرأ سيرهم وتاريخهم؛ ليقف على طبيعة دعوتهم وتكوين أعلامهم، وكيف كان دورهم في نشر دعوتهم، وجهادهم وتضحيتهم، وصبرهم على ما لاقوه من محن وابتلاءات.
كل هذا عن طريق الكتب التي اهتمت برواية هذا التاريخ بعيدًا عن الاتجاهات المختلفة التي فسَّرت التاريخ حسب أهوائها ومذاهبها، ومللها ونحلها، بل يقرأ التاريخ أحداثًا فقط عبر مصادره الموثقة، في مثل: البداية والنهاية لابن كثير، والكامل لابن الأثير، وسيرة ابن هشام، وغيرها، حتى يسلم له الحدث التاريخي خالصًا صافيًّا قبل أن تشوبه التفسيرات الحزبية والمذهبية التي غالبًا ما يشوبها التعصب للمذهب أو الطائفة.
الفرع الثاني: تاريخ الرجال:
وإذا كانت هذه هي مصادر التاريخ وأحداثه، فإن لتاريخ الرجال كتبًا أخرى ينبغي مطالعتها في سير الرجال والدعاة وتراجمهم، مثل: كتاب "سير أعلام النبلاء" للذهبي، و"النهضة الإسلامية في سير أعلامها المعاصرين" لمحمد رجب البيومي، و"رجال من التاريخ" لعلي الطنطاوي، و"عظماؤنا في التاريخ" لمصطفى السباعي، وكتب الأعلام التي كتبها محمد أبو زهرة: "أبو حنيفة"، و"مالك"، و"الشافعي"، و"ابن حنبل"، و"ابن حزم"، وغيرهم، و"علماء في وجه الطغيان" لمحمد رجب البيومي، و"نُزْهَة الخواطر" لعبد الحي الحسني والد الشيخ أبي الحسن الندوي، و"من أعلام الحركة والدعوة الإسلامية المعاصرة" لعبد الله العقيل، و"علماء ومفكرون عرفتهم" لمحمد المجذوب، و"رجال الفكر والدعوة في الإسلام" للشيخ أبي الحسن الندوي، بالإضافة إلى سلسلة "أعلام المسلمين" وسلسلة "علماء ومفكرون معاصرون" اللتين تصدرهما دار القلم بدمشق.
ومن المهم الاطلاع على ما كتبه بعض الدعاة من سير ذاتية ومذكرات شخصية لهم، مثل المشايخ: حسن البنا، وعبد الحليم محمود، ويوسف القرضاوي، وعلي الطنطاوي، وأبو الحسن الندوي، ومالك بن نبي، وأبي الأعلى المودودي، ومصطفى السباعي، وعبد الحميد كشك، وحسنين مخلوف، وخالد محمد خالد، وحسن العشماوي، وعبد العزيز كامل، وتوفيق الشاوي، وأحمد حسن الباقوري، وغيرهم كثير.
الفرع الثالث: مؤلفات في علم الدعوة:
ومما يندرج تحت هذا المحور قراءة المؤلفات التي أُلفت في الدعوة كعلم وهي من الأهمية بمكان؛ حيث يدرس الداعية الدعوة دراسة علمية، ومن أهم هذه الكتب: كتاب "أصول الدعوة" لعبد الكريم زيدان، وبنفس العنوان لعبد الرحمن عبد الخالق، و"المدخل إلى علم الدعوة" لمحمد أبو الفتح البيانوني، و"مع الله دراسات في الدعوة والدعاة" لمحمد الغزالي، و"الدعوة قواعد وأصول" لجمعة أمين عبد العزيز، و"أسس الدعوة" لمحمد الوكيل، و"الدعوة الإسلامية أصولها ووسائلها" لأحمد أحمد غلوش، و"الدعوة إلى الإسلام وأركانها" لأحمد عز الدين البيانوني، و"الدعوة الإسلاميَّة دعوةٌ عالميَّة" لمحمد الراوي، و"فصولٌ في الدعوة الإسلامية" لحسن عيسى عبد الظاهر، و"الدعوة إلى الله" لتوفيق الواعي، وغيرها كثير.
المطلب الثاني: فقه الدعوة :
أما المحور الثاني في التكوين الدعوي للداعية فهو ما أسميناه "فقه الدعوة"، والفقه هنا- الذي يعني الفهم لغة- يجمع بين أمرين:
الأول: العلم بماهية الدعوة إلى الله تعالى، وبموضوعها، وبطرق كسب ذلك العلم، والثاني: العلم بقواعد وأحكام تنزيل ذلك على واقع الناس في كلِّ تفاصيله وحاجاته.
فنحن هنا إذن في حاجة إلى أمرين عظيمين: العلم بحقيقة الدعوة، والعلم بطريقة تنزيل تلك الحقيقة؛ لتصبح واقعًا معيشًا ومهيمنًا على الحياة ومنظمًا لها وصانعًا لمضامينها.
وإذا كان الإلمام بتاريخ الأنبياء والرسل، وتاريخ الدعوات من بعدهم هو الإحاطة النظرية والعلمية بالدعوة إلى الله، فإن المقصود بفقه الدعوة أن يتعمق الداعية في أحداث التاريخ، ويتأمل تاريخ الدعوات؛ ليستخلص منه العبر البليغة والدروس النافعة التي تساعده في فَهم الواقع، ويجد فيها تعزية وأسوة وسلوى، ويتلمس فيها الضياء الذي ينير له الطريق.
ومَثَلُ علم الدعوة وعلم فقه الدعوة كمثل التاريخ وفقه التاريخ وفلسفته، فإذا كان علم التاريخ يهتم بالأحداث وتصحيحها وتوثيقها، فإن فلسفة التاريخ وفقه التاريخ يتجاوز ذلك إلى تفسير الأحداث، والتماس العبرة النافعة والدروس المستفادة التي يعبر بها الدعاة والعلماء من القديم إلى الحديث إلى الواقع إلى استشراف المستقبل، فكذلك علم فقه الدعوة يتجاوز الدعوة كتاريخ وعلم إلى كيفية الدعوة إلى الله تعالى بمراعاة الزمان والبيئات، واعتبار الأعراف واختلاف الناس بما لا يتعارض مع محكمات الشرع، وبهذا تكون الدعوة على بصيرة كما قرَّر القرآن الكريم: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾ (يوسف: من الآية 108).
ومن خلال التأمل في تاريخ الدعوات، سواء دعوات الأنبياء قبل دعوة الإسلام أو الفترة المكية والمدنية أو دعوات الإصلاح الحديث يستطيع الداعية أن يقف على أسباب النصر وأسباب الهزيمة، وأسباب التقدم وأسباب التخلف وأسباب نهوض الأمم وعوامل سقوطها، فيُدرك أهمية الارتقاء بالمستوى الروحي، وأهمية عمق الإيمان واليقين، وضرورة العلم في النهوض بالأفراد والجماعات، وأن الصراع بين الحق والباطل سُنَّة أبدية من سُنن الله الجارية التي لا تبديل لها ولا تحويل، وأن من أسباب النصر تربية الناس على الاعتزاز بالإسلام، وبثُّ الأمل في نفوس المسلمين، وهذا كله يُستقى من القرآن والسنة والسيرة.
الفرع الأول: أهمية القرآن مصدرًا للداعية :
وأهم مصدر على الإطلاق في هذا السياق وأول المصادر التي يجب أن يرجع إليها الداعية ويهتم بها اهتمامًا بالغًا هو القرآن الكريم؛ ذلك أنه حوى بين دفتيه ما يُبصِّر الداعية بطبيعة الطريق، ويضع يديه على بدايات المشوار وأحداثه ونهاياته، طبيعة العقيدة، وطريقة التبليغ، وطبيعة استقبال القوم لها، وحقيقة مشاعر الرسول، وتحقق النذير، وذلك مع كل دعوة من الدعوات، فالقرآن العظيم مليء بقصص السابقين من الأنبياء والدعاة.
وهناك قواعد كلية كثيرة تتخلل القصص القرآني أو تسبقه أو تتلوه مثل: وحدة الإيمان، ووحدة العقيدة، ومتى انتهت إلى إسلام النفس لله والإيمان به إيمانًا ينبثق منه العمل الصالح، وإن فضل الله ليس حجرًا محجورًا على عصبة خاصة، إنما هو للمؤمنين أجمعين.
كما نُدرك أهمية القصص القرآني في تركيز قواعد التصور الإسلامي وحقائقه، ومنها: حقيقة الوحي الذي يتلو عليهم أخبار أمم بائدة لم يشهدها الرسول المنزَّل عليه هذا الوحي، وحقيقة وحدة العقيدة والتعبير عنها يكاد يكون هو التعبير، وحقيقة تكرار الاعتراضات والاتهامات من المكذبين على الرغم من الآيات والعبر والبينات التي لا تمنع جيلاً أن يرددها وقد بدت باطلة في جيل، وحقيقة تحقق البشرى والوعيد، كما يبشر النبي وينذر، وهذا شاهد من التاريخ، وحقيقة السنن الجارية التي لا تتخلف ولا تحابي ولا تحيد: ﴿وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83)﴾ (القصص)، وحقيقة الرابطة التي تربط بين فرد وفرد، وبين جيل وجيل، وهي العقيدة الواحدة التي تربط المؤمنين كلهم في إله واحد(1).
كما يتعلم الداعية من خلال هذا القصص الصبر الجميل والنفس الطويل في مواجهة نفوس طال عليها الأمد وهي بعيدة كثيرًا أو قليلاً عن منهج الله تعالى، وهو ما يحتاج إلى صبر على الالتواءات والانحرافات وثقل الطبائع وتفاهة الاهتمامات؛ كما توجب عليه أن يصبر على الانتكاس الذي يفاجئه في هذه النفوس بعد كلِّ مرحلة، ومن ثم فليس القصص القرآني مجرد حكايات تُروى، ولكنه لمسات وإيحاءات مقدرة تقديرًا.
كلُّ هذا وغيره يستخلصه الداعية من القرآن الكريم عبر قصصه ومواقفه، وأفكاره وتصوراته، وقيمه وموازينه فيما يقدمه بين يدي ما يقصه علينا من أنباء السابقين، وحسبنا في هذا المقام ما للأستاذ سيد قطب من كلمة طيبة تعبِّر أجمل تعبير، وتدل أتم دلالة وأصدقها فيما يتصل بهذا الأمر في خواطره في نهاية سورة هود، وقد قصَّ القرآن على النبي من نبأ الأولين، فيقول يرحمه الله: لقد كان هذا القصص يتنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة، والقلة المؤمنة معه محصورة بين شعابها، والدعوة الإسلامية مجمدة فيها، والطريق شاق طويل لا يكاد المسلمون يرون له نهاية!
فكان هذا القصص يكشف لهم عن نهاية الطريق؛ ويريهم معالمه في مراحله جميعًا؛ ويأخذ بأيديهم وينقل خطاهم في هذا الطريق؛ وقد بات لاحقًا موصولاً بموكب الدعوة الكريم على مدار التاريخ البشري؛ وبات بهذا الركب الكريم مأنوسًا مألوفًا لا موحشًا ولا مخوفًا!
إنهم زُمرة من موكب موصول في طريق معروف؛ وليسوا مجموعة شاردة في تيه مقطوع!
وإنهم ليمضون من نقطة البدء إلى نقطة الختام وفق سنة جارية؛ ولا يمضون هكذا جزافًا يتبعون الصدفة العابرة! هكذا كان القرآن يتحرَّك في الصف المسلم؛ ويُحرِّك هذا الوصف حركة مرسومة مأمونة، وهكذا يمكن اليوم وغدًا أن يتحرك القرآن في طلائع البعث الإسلامي، ويحركها كذلك في طريق الدعوة المرسوم.
إن هذه الطلائع في حاجة إلى هذا القرآن تستلهمه وتستوحيه، تستلهمه في منهج الحركة وخطواتها ومراحلها؛ وتستوحيه في ما يصادف هذه الخطوات والمراحل من استجابات؛ وما ينتظرها من عاقبة في نهاية الطريق، والقرآن بهذه الصورة لا يعود مجرد كلام يتلى للبركة، ولكنه ينتفض حيًّا يتنزل اللحظة على الجماعة المسلمة المتحركة، لتتحرك به، وتتابع توجيهاته، وتتوقع موعود الله فيه. أ.هـ.
الفرع الثاني: أهمية السنة مصدرا للداعية(2)
ومن المصادر المهمة هنا في تكوين الداعية وبخاصة في مجال فقه الدعوة، السنة النبوية الشريفة؛ حيث ينبغي للداعية أن يتأمل أقوال النبي- صلى الله عليه وسلم- ليتعلم منها الحكمة وفصل الخطاب، وكيف كان كلامه قليلاً ومع ذلك يعبِّر عن معانٍ كبيرة وجامعة، كما أنه سيجد أساليب النبي في الدعوة من خلال أقواله؛ حيث كان يستخدم أساليب كثيرة، منها:
1- ضرب المثل:
فعن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرَّ بالسوق، داخلاً من بعض العالية، والناس كنفته، فمر بجدي أسك ميت، فتناوله فأخذ بأذنه ثم قال "أيكم يحب أن هذا له بدرهم؟" فقالوا: ما نحب أنه لنا بشيء. وما نصنع به؟ قال "أتحبون أنه لكم؟" قالوا: والله لو كان حيًّا، كان عيبًا فيه؛ لأنه أسك. فكيف وهو ميت؟ فقال "فوالله للدنيا أهون على الله، من هذا عليكم"(3).
2- البيان بالرسم:
فعن عبد الله بن مسعود قال: خطَّ لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطًّا ثم قال: "هذا سبيل الله" ثم خط خطوطًا عن يمينه وعن شماله ثم قال: "هذه سبل" قال يزيد: "متفرقة على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه ثم قرأ: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾ (الأنعام: من الآية 153)" (4).
وعن عبد الله رضي الله عنه قال: خطَّ النبي صلى الله عليه وسلم خطًا مربعًا، وخط خطًّا في الوسط خارجًا منه، وخط خططًا صغارًا إلى هذا الذي في الوسط من جانبه الذي في الوسط، وقال: "هذا الإنسان، وهذا أجله محيط به- أو: قد أحاط به- وهذا الذي هو خارج أمله، وهذه الخطط الصغار الأعراض، فإن أخطأه هذا نهشه هذا، وإن أخطأه هذا نهشه هذا"(5). وما أكثر الوسائل التقنية التي يمكن للداعية أن يبين ويوضح من خلالها في هذا العصر.
3- حسن الاستهلال في الحديث :
عن طريق السؤال مثلاً، كما في حديث: "أتدرون من المفلس؟" أو حديث: "ما تعدون الصرعة فيكم؟"(6)، وهذا أسلوب يجذب السامع، ويعلق بصره وسمعه وقلبه بالداعية.
4- الرفق واللين :
وفي موقف مَن جاءه ليرخِّص له في الزنا خير مثال على ذلك، وكانت عاقبته مع النبي بفضل رفقه معه، فعن أبي أمامة قال: إن فتى شابًّا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ائذن لي بالزنا، فأقبل القوم عليه فزجروه قالوا: مه مه، فقال: "ادنه" فدنا منه قريبا، قال: فجلس، قال: "أتحبه لأمك؟" قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: "ولا الناس يحبونه لأمهاتهم"، قال: "أفتحبه لابنتك؟" قال: لا والله يا رسول الله جعلني الله فداءك، قال: "ولا الناس يحبونه لبناتهم"، قال: "أفتحبه لأختك؟" قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: "ولا الناس يحبونه لأخواتهم"، قال: "أفتحبه لعمتك؟" قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: "ولا الناس يحبونه لعماتهم"، قال: "أفتحبه لخالتك؟" قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: "ولا الناس يحبونه لخالاتهم"، قال: فوضع يده عليه وقال: "اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وحصن فرجه"، فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء"(7).
وهناك أمور كثيرة وجوانب عديدة يستطيع الداعية أن يحصلها من أقوال النبي في المقامات المختلفة يصعب حصرها، ومن المهم هنا أن يفرِّق الداعية بين حال وحال، وبين شخص وشخص، وبين مكان وآخر، وبين زمان وغيره، وهذا باب واسع يستحق دراسة منفصلة تستقصي أساليب النبي- صلى الله عليه وسلم- في هذا الجانب؛ ليكون الداعية متمكنًا من فقه الدعوة.
الفرع الثالث: أهمية السيرة مصدرًا للداعية :
وإذا كان القرآن الكريم والسنة النبوية من أهم المصادر التي يجب على الداعية أن يعتمدها في فقه الدعوة وطبيعة الطريق، فإن السيرة النبوية العطرة هي التي ترجمت هذا القرآن وجعلت منه كائنًا حيًّا يمشي على الأرض، وينتفض بين الناس، ومن هنا تأتي أهمية السيرة في التكوين الدعوي أو تكوين الفقه الدعوي لدى الداعية.
ولن يجد الداعية فروقًا بين سيرة النبي وسير الأنبياء السابقين إلا كما الفرق بين النبي محمد- صلى الله عليه وسلم- وبين الأنبياء السابقين في عالمية الرسالة وشمولها؛ ما تطلب مقومات نبوية وتشريعات ربانية تناسب هذه المعطيات.
غير أن دعوة النبي- صلى الله عليه وسلم- تلتقي في خطوطها العامة مع كلِّ دعوات المرسلين في قواعد التصور وحقائق الوجود، وطبيعة الطريق ابتداءً وانتهاءً.
ويليق للداعية هنا أن يتجاوز- وهو يتكون في فقه السيرة- أحداث السيرة إلى قراءة ما خلف الأحداث، وما تعطيه من عبرة وعظة، ويعينه على ذلك أن يطالع ما كتبه العلماء الربانيون حول فقه السيرة، مثل الشيخ محمد الغزالي، والدكتور محمد سعيد رمضان البوطي، والشيخ منير الغضبان- وكتبه معروفة في هذا الشأن- والدكتور مصطفى السباعي، ولا يفوته أن يتأمل ما كتبه الأستاذ سيد قطب من خواطر حول أحداث السيرة النبوية في القرآن الكريم، فإن فيها من الخير الكثير.
الفرع الرابع: مؤلفات في فقه الدعوة:
وبالإضافة إلى القرآن الكريم والسيرة النبوية المطهرة فإن هناك مؤلفات اهتمت بفقه الدعوة وليس مجرد الدعوة؛ ولكي ينطلق الداعية ويتكون تكونًا مُرضيًا يجب عليه أن يدرس هذه المؤلفات التي اعتنت عناية بالغة بهذا الشأن، ومن أهم هذه الكتب:
كتاب "زاد المعاد" لابن القيم، ومؤلفات الداعية محمد أحمد الراشد، وكثير من كتب الشيخين محمد الغزالي ويوسف القرضاوي، و"فقه الدعوة ملامح وآفاق" من سلسلة كتاب الأمة، و"فقه الدعوة إلى الله" للإمام عبد الحليم محمود، و"فقه الدعوة" للأستاذ مصطفى مشهور في مجلدين، و"فقه الدعوة إلى الله" و"فقه النصح والإرشاد" لعبد الرحمن حبنكة، وللدكتور موسى إبراهيم الإبراهيم: "تأمّلات تربويّة في فقه الدعوة الإسلاميّة"، و"الفقه الحركي في العمل الإسلامي المعاصر"، و"مفاهيم تربويّة في فقه الدعوة الإسلاميّة"، وغير ذلك.
------------
الحواشي :
(1) راجع في ظلال القرآن لسيد قطب في تفسير الآية: 49 من سورة هود: ﴿تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (49)﴾.
(2) أفاض شيخنا الدكتور يوسف القرضاوي في كيفية تعامل الداعية والفقيه مع السنة النبوية في كتابه القيم ثقافة الداعية.
(3) رواه مسلم: كتاب الزهد والرقائق برقم: 2957.
(4) رواه أحمد في مسند عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه.
(5) رواه البخاري: كتاب الرقاق، باب في الأمل وطوله.
(6) الحديثان رواهما مسلم.
(7) رواه أحمد في مسنده برقم: 21185.
-------------
* باحث شرعي بالمركز العالمي للوسطية- الكويت
ومما يندرج تحت هذا المحور قراءة المؤلفات التي أُلفت في الدعوة كعلم وهي من الأهمية بمكان؛ حيث يدرس الداعية الدعوة دراسة علمية، ومن أهم هذه الكتب: كتاب "أصول الدعوة" لعبد الكريم زيدان، وبنفس العنوان لعبد الرحمن عبد الخالق، و"المدخل إلى علم الدعوة" لمحمد أبو الفتح البيانوني، و"مع الله دراسات في الدعوة والدعاة" لمحمد الغزالي، و"الدعوة قواعد وأصول" لجمعة أمين عبد العزيز، و"أسس الدعوة" لمحمد الوكيل، و"الدعوة الإسلامية أصولها ووسائلها" لأحمد أحمد غلوش، و"الدعوة إلى الإسلام وأركانها" لأحمد عز الدين البيانوني، و"الدعوة الإسلاميَّة دعوةٌ عالميَّة" لمحمد الراوي، و"فصولٌ في الدعوة الإسلامية" لحسن عيسى عبد الظاهر، و"الدعوة إلى الله" لتوفيق الواعي، وغيرها كثير.
المطلب الثاني: فقه الدعوة :
أما المحور الثاني في التكوين الدعوي للداعية فهو ما أسميناه "فقه الدعوة"، والفقه هنا- الذي يعني الفهم لغة- يجمع بين أمرين:
الأول: العلم بماهية الدعوة إلى الله تعالى، وبموضوعها، وبطرق كسب ذلك العلم، والثاني: العلم بقواعد وأحكام تنزيل ذلك على واقع الناس في كلِّ تفاصيله وحاجاته.
فنحن هنا إذن في حاجة إلى أمرين عظيمين: العلم بحقيقة الدعوة، والعلم بطريقة تنزيل تلك الحقيقة؛ لتصبح واقعًا معيشًا ومهيمنًا على الحياة ومنظمًا لها وصانعًا لمضامينها.
وإذا كان الإلمام بتاريخ الأنبياء والرسل، وتاريخ الدعوات من بعدهم هو الإحاطة النظرية والعلمية بالدعوة إلى الله، فإن المقصود بفقه الدعوة أن يتعمق الداعية في أحداث التاريخ، ويتأمل تاريخ الدعوات؛ ليستخلص منه العبر البليغة والدروس النافعة التي تساعده في فَهم الواقع، ويجد فيها تعزية وأسوة وسلوى، ويتلمس فيها الضياء الذي ينير له الطريق.
ومَثَلُ علم الدعوة وعلم فقه الدعوة كمثل التاريخ وفقه التاريخ وفلسفته، فإذا كان علم التاريخ يهتم بالأحداث وتصحيحها وتوثيقها، فإن فلسفة التاريخ وفقه التاريخ يتجاوز ذلك إلى تفسير الأحداث، والتماس العبرة النافعة والدروس المستفادة التي يعبر بها الدعاة والعلماء من القديم إلى الحديث إلى الواقع إلى استشراف المستقبل، فكذلك علم فقه الدعوة يتجاوز الدعوة كتاريخ وعلم إلى كيفية الدعوة إلى الله تعالى بمراعاة الزمان والبيئات، واعتبار الأعراف واختلاف الناس بما لا يتعارض مع محكمات الشرع، وبهذا تكون الدعوة على بصيرة كما قرَّر القرآن الكريم: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾ (يوسف: من الآية 108).
ومن خلال التأمل في تاريخ الدعوات، سواء دعوات الأنبياء قبل دعوة الإسلام أو الفترة المكية والمدنية أو دعوات الإصلاح الحديث يستطيع الداعية أن يقف على أسباب النصر وأسباب الهزيمة، وأسباب التقدم وأسباب التخلف وأسباب نهوض الأمم وعوامل سقوطها، فيُدرك أهمية الارتقاء بالمستوى الروحي، وأهمية عمق الإيمان واليقين، وضرورة العلم في النهوض بالأفراد والجماعات، وأن الصراع بين الحق والباطل سُنَّة أبدية من سُنن الله الجارية التي لا تبديل لها ولا تحويل، وأن من أسباب النصر تربية الناس على الاعتزاز بالإسلام، وبثُّ الأمل في نفوس المسلمين، وهذا كله يُستقى من القرآن والسنة والسيرة.
الفرع الأول: أهمية القرآن مصدرًا للداعية :
وأهم مصدر على الإطلاق في هذا السياق وأول المصادر التي يجب أن يرجع إليها الداعية ويهتم بها اهتمامًا بالغًا هو القرآن الكريم؛ ذلك أنه حوى بين دفتيه ما يُبصِّر الداعية بطبيعة الطريق، ويضع يديه على بدايات المشوار وأحداثه ونهاياته، طبيعة العقيدة، وطريقة التبليغ، وطبيعة استقبال القوم لها، وحقيقة مشاعر الرسول، وتحقق النذير، وذلك مع كل دعوة من الدعوات، فالقرآن العظيم مليء بقصص السابقين من الأنبياء والدعاة.
وهناك قواعد كلية كثيرة تتخلل القصص القرآني أو تسبقه أو تتلوه مثل: وحدة الإيمان، ووحدة العقيدة، ومتى انتهت إلى إسلام النفس لله والإيمان به إيمانًا ينبثق منه العمل الصالح، وإن فضل الله ليس حجرًا محجورًا على عصبة خاصة، إنما هو للمؤمنين أجمعين.
كما نُدرك أهمية القصص القرآني في تركيز قواعد التصور الإسلامي وحقائقه، ومنها: حقيقة الوحي الذي يتلو عليهم أخبار أمم بائدة لم يشهدها الرسول المنزَّل عليه هذا الوحي، وحقيقة وحدة العقيدة والتعبير عنها يكاد يكون هو التعبير، وحقيقة تكرار الاعتراضات والاتهامات من المكذبين على الرغم من الآيات والعبر والبينات التي لا تمنع جيلاً أن يرددها وقد بدت باطلة في جيل، وحقيقة تحقق البشرى والوعيد، كما يبشر النبي وينذر، وهذا شاهد من التاريخ، وحقيقة السنن الجارية التي لا تتخلف ولا تحابي ولا تحيد: ﴿وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83)﴾ (القصص)، وحقيقة الرابطة التي تربط بين فرد وفرد، وبين جيل وجيل، وهي العقيدة الواحدة التي تربط المؤمنين كلهم في إله واحد(1).
كما يتعلم الداعية من خلال هذا القصص الصبر الجميل والنفس الطويل في مواجهة نفوس طال عليها الأمد وهي بعيدة كثيرًا أو قليلاً عن منهج الله تعالى، وهو ما يحتاج إلى صبر على الالتواءات والانحرافات وثقل الطبائع وتفاهة الاهتمامات؛ كما توجب عليه أن يصبر على الانتكاس الذي يفاجئه في هذه النفوس بعد كلِّ مرحلة، ومن ثم فليس القصص القرآني مجرد حكايات تُروى، ولكنه لمسات وإيحاءات مقدرة تقديرًا.
كلُّ هذا وغيره يستخلصه الداعية من القرآن الكريم عبر قصصه ومواقفه، وأفكاره وتصوراته، وقيمه وموازينه فيما يقدمه بين يدي ما يقصه علينا من أنباء السابقين، وحسبنا في هذا المقام ما للأستاذ سيد قطب من كلمة طيبة تعبِّر أجمل تعبير، وتدل أتم دلالة وأصدقها فيما يتصل بهذا الأمر في خواطره في نهاية سورة هود، وقد قصَّ القرآن على النبي من نبأ الأولين، فيقول يرحمه الله: لقد كان هذا القصص يتنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة، والقلة المؤمنة معه محصورة بين شعابها، والدعوة الإسلامية مجمدة فيها، والطريق شاق طويل لا يكاد المسلمون يرون له نهاية!
فكان هذا القصص يكشف لهم عن نهاية الطريق؛ ويريهم معالمه في مراحله جميعًا؛ ويأخذ بأيديهم وينقل خطاهم في هذا الطريق؛ وقد بات لاحقًا موصولاً بموكب الدعوة الكريم على مدار التاريخ البشري؛ وبات بهذا الركب الكريم مأنوسًا مألوفًا لا موحشًا ولا مخوفًا!
إنهم زُمرة من موكب موصول في طريق معروف؛ وليسوا مجموعة شاردة في تيه مقطوع!
وإنهم ليمضون من نقطة البدء إلى نقطة الختام وفق سنة جارية؛ ولا يمضون هكذا جزافًا يتبعون الصدفة العابرة! هكذا كان القرآن يتحرَّك في الصف المسلم؛ ويُحرِّك هذا الوصف حركة مرسومة مأمونة، وهكذا يمكن اليوم وغدًا أن يتحرك القرآن في طلائع البعث الإسلامي، ويحركها كذلك في طريق الدعوة المرسوم.
إن هذه الطلائع في حاجة إلى هذا القرآن تستلهمه وتستوحيه، تستلهمه في منهج الحركة وخطواتها ومراحلها؛ وتستوحيه في ما يصادف هذه الخطوات والمراحل من استجابات؛ وما ينتظرها من عاقبة في نهاية الطريق، والقرآن بهذه الصورة لا يعود مجرد كلام يتلى للبركة، ولكنه ينتفض حيًّا يتنزل اللحظة على الجماعة المسلمة المتحركة، لتتحرك به، وتتابع توجيهاته، وتتوقع موعود الله فيه. أ.هـ.
الفرع الثاني: أهمية السنة مصدرا للداعية(2)
ومن المصادر المهمة هنا في تكوين الداعية وبخاصة في مجال فقه الدعوة، السنة النبوية الشريفة؛ حيث ينبغي للداعية أن يتأمل أقوال النبي- صلى الله عليه وسلم- ليتعلم منها الحكمة وفصل الخطاب، وكيف كان كلامه قليلاً ومع ذلك يعبِّر عن معانٍ كبيرة وجامعة، كما أنه سيجد أساليب النبي في الدعوة من خلال أقواله؛ حيث كان يستخدم أساليب كثيرة، منها:
1- ضرب المثل:
فعن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرَّ بالسوق، داخلاً من بعض العالية، والناس كنفته، فمر بجدي أسك ميت، فتناوله فأخذ بأذنه ثم قال "أيكم يحب أن هذا له بدرهم؟" فقالوا: ما نحب أنه لنا بشيء. وما نصنع به؟ قال "أتحبون أنه لكم؟" قالوا: والله لو كان حيًّا، كان عيبًا فيه؛ لأنه أسك. فكيف وهو ميت؟ فقال "فوالله للدنيا أهون على الله، من هذا عليكم"(3).
2- البيان بالرسم:
فعن عبد الله بن مسعود قال: خطَّ لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطًّا ثم قال: "هذا سبيل الله" ثم خط خطوطًا عن يمينه وعن شماله ثم قال: "هذه سبل" قال يزيد: "متفرقة على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه ثم قرأ: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾ (الأنعام: من الآية 153)" (4).
وعن عبد الله رضي الله عنه قال: خطَّ النبي صلى الله عليه وسلم خطًا مربعًا، وخط خطًّا في الوسط خارجًا منه، وخط خططًا صغارًا إلى هذا الذي في الوسط من جانبه الذي في الوسط، وقال: "هذا الإنسان، وهذا أجله محيط به- أو: قد أحاط به- وهذا الذي هو خارج أمله، وهذه الخطط الصغار الأعراض، فإن أخطأه هذا نهشه هذا، وإن أخطأه هذا نهشه هذا"(5). وما أكثر الوسائل التقنية التي يمكن للداعية أن يبين ويوضح من خلالها في هذا العصر.
3- حسن الاستهلال في الحديث :
عن طريق السؤال مثلاً، كما في حديث: "أتدرون من المفلس؟" أو حديث: "ما تعدون الصرعة فيكم؟"(6)، وهذا أسلوب يجذب السامع، ويعلق بصره وسمعه وقلبه بالداعية.
4- الرفق واللين :
وفي موقف مَن جاءه ليرخِّص له في الزنا خير مثال على ذلك، وكانت عاقبته مع النبي بفضل رفقه معه، فعن أبي أمامة قال: إن فتى شابًّا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ائذن لي بالزنا، فأقبل القوم عليه فزجروه قالوا: مه مه، فقال: "ادنه" فدنا منه قريبا، قال: فجلس، قال: "أتحبه لأمك؟" قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: "ولا الناس يحبونه لأمهاتهم"، قال: "أفتحبه لابنتك؟" قال: لا والله يا رسول الله جعلني الله فداءك، قال: "ولا الناس يحبونه لبناتهم"، قال: "أفتحبه لأختك؟" قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: "ولا الناس يحبونه لأخواتهم"، قال: "أفتحبه لعمتك؟" قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: "ولا الناس يحبونه لعماتهم"، قال: "أفتحبه لخالتك؟" قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: "ولا الناس يحبونه لخالاتهم"، قال: فوضع يده عليه وقال: "اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وحصن فرجه"، فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء"(7).
وهناك أمور كثيرة وجوانب عديدة يستطيع الداعية أن يحصلها من أقوال النبي في المقامات المختلفة يصعب حصرها، ومن المهم هنا أن يفرِّق الداعية بين حال وحال، وبين شخص وشخص، وبين مكان وآخر، وبين زمان وغيره، وهذا باب واسع يستحق دراسة منفصلة تستقصي أساليب النبي- صلى الله عليه وسلم- في هذا الجانب؛ ليكون الداعية متمكنًا من فقه الدعوة.
الفرع الثالث: أهمية السيرة مصدرًا للداعية :
وإذا كان القرآن الكريم والسنة النبوية من أهم المصادر التي يجب على الداعية أن يعتمدها في فقه الدعوة وطبيعة الطريق، فإن السيرة النبوية العطرة هي التي ترجمت هذا القرآن وجعلت منه كائنًا حيًّا يمشي على الأرض، وينتفض بين الناس، ومن هنا تأتي أهمية السيرة في التكوين الدعوي أو تكوين الفقه الدعوي لدى الداعية.
ولن يجد الداعية فروقًا بين سيرة النبي وسير الأنبياء السابقين إلا كما الفرق بين النبي محمد- صلى الله عليه وسلم- وبين الأنبياء السابقين في عالمية الرسالة وشمولها؛ ما تطلب مقومات نبوية وتشريعات ربانية تناسب هذه المعطيات.
غير أن دعوة النبي- صلى الله عليه وسلم- تلتقي في خطوطها العامة مع كلِّ دعوات المرسلين في قواعد التصور وحقائق الوجود، وطبيعة الطريق ابتداءً وانتهاءً.
ويليق للداعية هنا أن يتجاوز- وهو يتكون في فقه السيرة- أحداث السيرة إلى قراءة ما خلف الأحداث، وما تعطيه من عبرة وعظة، ويعينه على ذلك أن يطالع ما كتبه العلماء الربانيون حول فقه السيرة، مثل الشيخ محمد الغزالي، والدكتور محمد سعيد رمضان البوطي، والشيخ منير الغضبان- وكتبه معروفة في هذا الشأن- والدكتور مصطفى السباعي، ولا يفوته أن يتأمل ما كتبه الأستاذ سيد قطب من خواطر حول أحداث السيرة النبوية في القرآن الكريم، فإن فيها من الخير الكثير.
الفرع الرابع: مؤلفات في فقه الدعوة:
وبالإضافة إلى القرآن الكريم والسيرة النبوية المطهرة فإن هناك مؤلفات اهتمت بفقه الدعوة وليس مجرد الدعوة؛ ولكي ينطلق الداعية ويتكون تكونًا مُرضيًا يجب عليه أن يدرس هذه المؤلفات التي اعتنت عناية بالغة بهذا الشأن، ومن أهم هذه الكتب:
كتاب "زاد المعاد" لابن القيم، ومؤلفات الداعية محمد أحمد الراشد، وكثير من كتب الشيخين محمد الغزالي ويوسف القرضاوي، و"فقه الدعوة ملامح وآفاق" من سلسلة كتاب الأمة، و"فقه الدعوة إلى الله" للإمام عبد الحليم محمود، و"فقه الدعوة" للأستاذ مصطفى مشهور في مجلدين، و"فقه الدعوة إلى الله" و"فقه النصح والإرشاد" لعبد الرحمن حبنكة، وللدكتور موسى إبراهيم الإبراهيم: "تأمّلات تربويّة في فقه الدعوة الإسلاميّة"، و"الفقه الحركي في العمل الإسلامي المعاصر"، و"مفاهيم تربويّة في فقه الدعوة الإسلاميّة"، وغير ذلك.
------------
الحواشي :
(1) راجع في ظلال القرآن لسيد قطب في تفسير الآية: 49 من سورة هود: ﴿تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (49)﴾.
(2) أفاض شيخنا الدكتور يوسف القرضاوي في كيفية تعامل الداعية والفقيه مع السنة النبوية في كتابه القيم ثقافة الداعية.
(3) رواه مسلم: كتاب الزهد والرقائق برقم: 2957.
(4) رواه أحمد في مسند عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه.
(5) رواه البخاري: كتاب الرقاق، باب في الأمل وطوله.
(6) الحديثان رواهما مسلم.
(7) رواه أحمد في مسنده برقم: 21185.
-------------
* باحث شرعي بالمركز العالمي للوسطية- الكويت
حوار مع فضيلة الدكتور منير جمعة عن الوحدة الإسلامية
كتبت تحت قسم
مقالات الدكتور منير جمعة
|
الخميس، 22 يوليو 2010|
درعمى
فى السعى الدائم للبحث عن الوحدة الإسلامية كان حديثنا يدور حول فلك هذا الموضوع فالتقينا مع حلة من العلماء لنلتقط من زهور علمهم وننهل من ينابيع خبرتهم فحديثنا يشمل تقريبا أغلب قضايا الأمة الإسلامية وعلى رأسها قضية فلسطين والتى دائما هى التى توحد الأمة ولأن قضية فلسطين لا يمكن أن تتقدم بدون وحدة أمتنا .
فإننا حملنا هذه القضايا إلى عدد من علماء الأزهر الشريف وطرحناها عليهم وكان الحوار هذه المرة مع فضيلة الشيخ الدكتور منير جمعة عضو الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين :
س- كيف ترى أحوال العالم الإسلامى الآن ؟
ج : العالم الإسلامى فى مرحلة مخاض ومحاولة للتخلص من التخلف والجهل والمرض ومقومات النصر كثيرة من أهمها روح التحدى والمقاومة لدى الجيل الجديد.
س - ما هى أهم التحديات التى تواجهها ؟
التحديات كثيرة فلقد تكسرت النصال على النصال ومن أهمها : الفرقة والاستبداد والفساد والاستعمار الذى مازال جاثما على بعض أراضى المسلمين .
س- قضية فلسطين :كيف تنظرون كعلماء للأزهر لقضية فلسطين ؟
- قضية فلسطين اليوم مقياس حقيقى لدى تفاعل الأمة مع قضاياها والارتباط بهذه القضية ارتباط بالدين نفسه والتضحية لها تضحية للمبادىء العظيمة الثابتة التى لا يكون الإنسان إنسانا بدونها , ولذلك وجدنا أصحاب القيم من سائر الملل والنحل تقف مع قضية فلسطين وتضحى من أجلها وما أسطول الحرية منا ببعيد ، ودعم الجهاد والمقاومة واجب على كل مسلم فى جميع أنحاء العالم وهذا لا يكون إلا بالتضحية فان أى فكرة لا يمكن أن تنجح إلا إذا تحققت لها أمور ثلاثة :
إيمان بها وعمل لها وتضحية فى سبيلها
وكثير من المسلمين يؤمنون بقضية فلسطين ويعدونها قضية عقيدة ولكنهم لا يعملون لها على الإطلاق وينتظرون أن يروا فلسطين محررة من النهر إلى البحر دون أى جهود منهم وكثيرون يبذلون جهدا ولكنهم ليس لديهم الاستعداد للتضحية بدمائهم وأموالهم وأوقاتهم لنصرة القضية.
وأما مواجهة الآلة الإعلامية والعسكرية للكيان الصهيونى الغاصب فلا تكون إلا بالتنسيق بين جهود المخلصين فكل على ثغر من ثغور القضية فالإعلامى الذى يحمل القضية وينشرها مجاهد حقيقى لا يقل عن المقاوم الذى يقدم روحه فى سبيل قضيته وعقيدته.
س : مواجهة الفتنة المذهبية ؟ كيف ترون الذين يثيرون الفتن المذهبية تحت مزاعم وحجج تدفع إلى الفرقة ؟
ج : سعى الأعداء من قديم ولا يزالون يحاولون شق صفوف المسلمين عن طريق إحياء النعرات القومية تارة والمذهبية تارة أخرى وقد استجاب لهم بعض عملاء الاستعمار وبعض الجهلة حتى انشغل المسلمون ببعضهم البعض فى بعض الأقطار وصار بأسهم بينهم شديدا وتناسوا قوله تعالى (إنما المسلمون أخوة)
والخروج من هذا إنما يكون بأمرين : الوعى والإخلاص وهذا دور القادة والعلماء والإعلاميين فى هذه الأمة .
س - الوحدة والتعاون بين الامة ؟
ج : لقد حذرنا تعالى من الفرقة والتشرذم فقال (واعتصموا بحبل اللله جميعا ولا تفرقوا ) لذلك فإن تكاتف الأمة كلها واجب شرعى فالمسلمون جسد واحد والعلماء الكبار الثقات يقع على عاتقهم توعية الأمة ونشر فكرة التآخى والتآلف لأن أعداءنا يرموننا عن قوس واحدة فلا يصح ـن نقابلهم بصفوف مهلهلة وقلوب متنافرة وقد قال تعالى ( إن الله يحب الذين يقاتلون فى سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص) .
س - الدور الغربى والصليبى ماذا عن الدور الخارجى لبث الفرقة وضرب مقدرات الأمة ؟
ج : من مصلحة الأعداء أن يفرقوا أمة الإسلام ولقد سعوا لذلك حثيثا فى العراق حتى سقط العراق فريسة سهلة فى أيديهم وهم اليوم يقفون سدا منيعا فى وجه المصالحة الوطنية فى فلسطين لأنها ليست فى صالحهم ، ويصنعون مثل هذا فى أقطار أخرى وكما حكى القرآن الكريم نجد أن كثيرين يستجيبون لنداء العدو عن غفلة وعن تآمر (وفيكم سماعون لهم).
س - التعاون الثقافى والفكرى كيف يمكن إحياء التعاون الثقافى والفكرى ؟
ج : أمة الاسلام أمة واحدة نبيها واحد وقرآنها واحد ولذلك فإن التعاون بين أبنائها على مرجعية الإسلام ليس صعبا (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه )
حتى الاقليات يمكن ان تعيش فى ظل حضارة الاسلام المتسامحة فى اطار المواطنة المنظبطه بالنصوص الشرعية التى تعطى لغير المسلمين داخل المجتمعات الإسلامية من الحقوق ما تجعلهم أسعد الأقليات فى العالم على حد وصف الشيخ محمد الغزالى رحمه الله .
س : - مواجهة الغلو والتكفير كيف يواجه العلماء موجات الغلو والتطرف ؟
ج : جاء فى الحديث الصحيح ( يحمل هذا العلم من كل خلف عدو له ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتاويل الجاهلية ) فأول واجب ذكر فى الحديث نفى تحريف الغلاه لأنهم خطر على الدين نفسه وقد جاء فى الحديث الصحيح (هلك المتنطعون) وهم اليوم لا يهلكون انفسهم فقط بل يحاولون اهلاك المجتمع كله وسبب هذه الافة الجهل , فإن الإنسان كلما اتسعت مداركه بالعلم ابتعد عن الغلو وعن تكفير المخالفين لأدنى شبه ولذلك فنحن بحاجة إلى إطلاق يد العلماء الكبار علماء الوسطية فى المساجد والجامعات والفضائيات لأن الفكر لا يقاوم إلا بالفكر .
س - الغزو الثقافى والفكرى ؟
ج : الغزو الثقافى أشار إليه الحديث السابق بقوله (انتحال المبطلين) وهم الذين يريدون أن يلصقوا بالدين ما ليس منه أو ينفوا عنه ما هو من أسسه وأركانه , وعلى سبيل المثال نجد بعض المتأثرين بالغزو الفكرى والثقافى يرفض فكرة المقاومة وتحدى الاستكبار العالمى على أساس أن التاريخ قد كتب نهايته عند هذا الحد وأن الأمة لا تملك اليوم إلا أن تساير أعداءها.
ويبشروننا بالرخاء لو سرنا فى مسيرات الاستسلام للأعداء وهؤلاء يقومون بدور أقرب لدور المنافقين القدامى الذين كانوا يقولون (لو نعلم قتالا لأتبعناكم) وأول سبل المواجهة كشفهم بأسمائهم , فهم أخطر على الأمة من الجواسيس لأنهم عملاء ولكن فكريا وثقافيا فكشفهم وتعريتهم واجب ليحيا من يحيى عن بينة ويهلك من هلك عن بينة ، ثم يجب تحصين الامة ضد شبهاتهم المتهاتفة بالرد الوافى الكافى عليها من قبل العلماء والخبراء ونشر تلك الردود على نطاق واسع .
س - تحرك العلماء أين دور العلماء ؟
العلماء الثقات الربانيون لم يعد بوسعهم اليوم التراخى عن قضايا الأمة بل التاريخ يناديهم لينهضوا بأمتهم والواجب والشرف وأمانة العلم تهتف بهم ليقودا الأمة نحو الحرية والكرامة والاستقلال وقديما قالوا (رجل ذو همة يحيى الله به امة)
وعلى الرغم من العقبات التى تعترضهم فآمال الأمة فيهم يجب أن تكون دافعا للانطلاق فى كل المجالات العلمية والاقتصادية والعسكرية كل فى مجال تخصصه فقد قال الإمام مالك : (بلغنا أن العلماء يسألون يوم القيامة عما يسأل عنه الانبياء).
------------------------------------------------------------------------------------
القاهرة – أجرى الحوار أحمد السيوفي
ج : العالم الإسلامى فى مرحلة مخاض ومحاولة للتخلص من التخلف والجهل والمرض ومقومات النصر كثيرة من أهمها روح التحدى والمقاومة لدى الجيل الجديد.
س - ما هى أهم التحديات التى تواجهها ؟
التحديات كثيرة فلقد تكسرت النصال على النصال ومن أهمها : الفرقة والاستبداد والفساد والاستعمار الذى مازال جاثما على بعض أراضى المسلمين .
س- قضية فلسطين :كيف تنظرون كعلماء للأزهر لقضية فلسطين ؟
- قضية فلسطين اليوم مقياس حقيقى لدى تفاعل الأمة مع قضاياها والارتباط بهذه القضية ارتباط بالدين نفسه والتضحية لها تضحية للمبادىء العظيمة الثابتة التى لا يكون الإنسان إنسانا بدونها , ولذلك وجدنا أصحاب القيم من سائر الملل والنحل تقف مع قضية فلسطين وتضحى من أجلها وما أسطول الحرية منا ببعيد ، ودعم الجهاد والمقاومة واجب على كل مسلم فى جميع أنحاء العالم وهذا لا يكون إلا بالتضحية فان أى فكرة لا يمكن أن تنجح إلا إذا تحققت لها أمور ثلاثة :
إيمان بها وعمل لها وتضحية فى سبيلها
وكثير من المسلمين يؤمنون بقضية فلسطين ويعدونها قضية عقيدة ولكنهم لا يعملون لها على الإطلاق وينتظرون أن يروا فلسطين محررة من النهر إلى البحر دون أى جهود منهم وكثيرون يبذلون جهدا ولكنهم ليس لديهم الاستعداد للتضحية بدمائهم وأموالهم وأوقاتهم لنصرة القضية.
وأما مواجهة الآلة الإعلامية والعسكرية للكيان الصهيونى الغاصب فلا تكون إلا بالتنسيق بين جهود المخلصين فكل على ثغر من ثغور القضية فالإعلامى الذى يحمل القضية وينشرها مجاهد حقيقى لا يقل عن المقاوم الذى يقدم روحه فى سبيل قضيته وعقيدته.
س : مواجهة الفتنة المذهبية ؟ كيف ترون الذين يثيرون الفتن المذهبية تحت مزاعم وحجج تدفع إلى الفرقة ؟
ج : سعى الأعداء من قديم ولا يزالون يحاولون شق صفوف المسلمين عن طريق إحياء النعرات القومية تارة والمذهبية تارة أخرى وقد استجاب لهم بعض عملاء الاستعمار وبعض الجهلة حتى انشغل المسلمون ببعضهم البعض فى بعض الأقطار وصار بأسهم بينهم شديدا وتناسوا قوله تعالى (إنما المسلمون أخوة)
والخروج من هذا إنما يكون بأمرين : الوعى والإخلاص وهذا دور القادة والعلماء والإعلاميين فى هذه الأمة .
س - الوحدة والتعاون بين الامة ؟
ج : لقد حذرنا تعالى من الفرقة والتشرذم فقال (واعتصموا بحبل اللله جميعا ولا تفرقوا ) لذلك فإن تكاتف الأمة كلها واجب شرعى فالمسلمون جسد واحد والعلماء الكبار الثقات يقع على عاتقهم توعية الأمة ونشر فكرة التآخى والتآلف لأن أعداءنا يرموننا عن قوس واحدة فلا يصح ـن نقابلهم بصفوف مهلهلة وقلوب متنافرة وقد قال تعالى ( إن الله يحب الذين يقاتلون فى سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص) .
س - الدور الغربى والصليبى ماذا عن الدور الخارجى لبث الفرقة وضرب مقدرات الأمة ؟
ج : من مصلحة الأعداء أن يفرقوا أمة الإسلام ولقد سعوا لذلك حثيثا فى العراق حتى سقط العراق فريسة سهلة فى أيديهم وهم اليوم يقفون سدا منيعا فى وجه المصالحة الوطنية فى فلسطين لأنها ليست فى صالحهم ، ويصنعون مثل هذا فى أقطار أخرى وكما حكى القرآن الكريم نجد أن كثيرين يستجيبون لنداء العدو عن غفلة وعن تآمر (وفيكم سماعون لهم).
س - التعاون الثقافى والفكرى كيف يمكن إحياء التعاون الثقافى والفكرى ؟
ج : أمة الاسلام أمة واحدة نبيها واحد وقرآنها واحد ولذلك فإن التعاون بين أبنائها على مرجعية الإسلام ليس صعبا (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه )
حتى الاقليات يمكن ان تعيش فى ظل حضارة الاسلام المتسامحة فى اطار المواطنة المنظبطه بالنصوص الشرعية التى تعطى لغير المسلمين داخل المجتمعات الإسلامية من الحقوق ما تجعلهم أسعد الأقليات فى العالم على حد وصف الشيخ محمد الغزالى رحمه الله .
س : - مواجهة الغلو والتكفير كيف يواجه العلماء موجات الغلو والتطرف ؟
ج : جاء فى الحديث الصحيح ( يحمل هذا العلم من كل خلف عدو له ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتاويل الجاهلية ) فأول واجب ذكر فى الحديث نفى تحريف الغلاه لأنهم خطر على الدين نفسه وقد جاء فى الحديث الصحيح (هلك المتنطعون) وهم اليوم لا يهلكون انفسهم فقط بل يحاولون اهلاك المجتمع كله وسبب هذه الافة الجهل , فإن الإنسان كلما اتسعت مداركه بالعلم ابتعد عن الغلو وعن تكفير المخالفين لأدنى شبه ولذلك فنحن بحاجة إلى إطلاق يد العلماء الكبار علماء الوسطية فى المساجد والجامعات والفضائيات لأن الفكر لا يقاوم إلا بالفكر .
س - الغزو الثقافى والفكرى ؟
ج : الغزو الثقافى أشار إليه الحديث السابق بقوله (انتحال المبطلين) وهم الذين يريدون أن يلصقوا بالدين ما ليس منه أو ينفوا عنه ما هو من أسسه وأركانه , وعلى سبيل المثال نجد بعض المتأثرين بالغزو الفكرى والثقافى يرفض فكرة المقاومة وتحدى الاستكبار العالمى على أساس أن التاريخ قد كتب نهايته عند هذا الحد وأن الأمة لا تملك اليوم إلا أن تساير أعداءها.
ويبشروننا بالرخاء لو سرنا فى مسيرات الاستسلام للأعداء وهؤلاء يقومون بدور أقرب لدور المنافقين القدامى الذين كانوا يقولون (لو نعلم قتالا لأتبعناكم) وأول سبل المواجهة كشفهم بأسمائهم , فهم أخطر على الأمة من الجواسيس لأنهم عملاء ولكن فكريا وثقافيا فكشفهم وتعريتهم واجب ليحيا من يحيى عن بينة ويهلك من هلك عن بينة ، ثم يجب تحصين الامة ضد شبهاتهم المتهاتفة بالرد الوافى الكافى عليها من قبل العلماء والخبراء ونشر تلك الردود على نطاق واسع .
س - تحرك العلماء أين دور العلماء ؟
العلماء الثقات الربانيون لم يعد بوسعهم اليوم التراخى عن قضايا الأمة بل التاريخ يناديهم لينهضوا بأمتهم والواجب والشرف وأمانة العلم تهتف بهم ليقودا الأمة نحو الحرية والكرامة والاستقلال وقديما قالوا (رجل ذو همة يحيى الله به امة)
وعلى الرغم من العقبات التى تعترضهم فآمال الأمة فيهم يجب أن تكون دافعا للانطلاق فى كل المجالات العلمية والاقتصادية والعسكرية كل فى مجال تخصصه فقد قال الإمام مالك : (بلغنا أن العلماء يسألون يوم القيامة عما يسأل عنه الانبياء).
------------------------------------------------------------------------------------
القاهرة – أجرى الحوار أحمد السيوفي
تركيا.. صراع الإسلام والعلمانية في مائة عام !
كتبت تحت قسم
تحليلات هامة
|
الثلاثاء، 20 يوليو 2010|
درعمى
ممدوح الشيخ
قراءة في كتاب"الدين والدولة في تركيا المعاصرة" التحول هو في عمومه انتقال من حال إلى حال، وبعض التحولات تكون عودة إلى الجذور وبعضها يكون انقطاعا عن الأصول والجذور، وبالتالي فإن إطلاق حكم أو وصف على تحول ما يقتضي بالضرورة تحديد "الأصيل" و"الطارئ"، فالبعض ينظر إلى راهن تركيا الكمالية بوصفه "الحالة الطبيعية" لتركيا من ناحية التنظيم السياسي الذي وضعه انقلاب كمال أتاتورك للعلاقة بين الدين والدولة، ومن ناحية الهوية التركية الجديدة كعلاقة مركبة بين الزمان والمكان والإنسان.
ولأن تركيا بدأت تتململ في محيط الجغرافيا وتنفض الغبار عن التاريخ فإن اللحظة التركية الراهنة جديرة بأن تشغل المتحمسين للتحول والمتخوفين منه على السواء.
وإذا كان الخطاب السياسي والتحليلي العربي قد واكبا المشهد التركي – إلى حد كبير – إلا أننا في حاجة إلى المعالجات التي تتسم بالاقتراب الواعي والعمق المعرفي، وهو ما يعطي أهمية حقيقية لكتاب صدر حديثا (2010م) عن مكتبة "جزيرة الورد" المصرية هو: "الدين والدولة في تركيا المعاصرة: صراع الإسلام والعلمانية" للدكتور كمال السعيد حبيب.
والكاتب ناشط سياسي إسلامي كان يوما الرجل الثاني في تنظيم الجهاد المصري، وأما الكتاب فهو في الأصل رسالة دكتوراه في العلوم السياسية عنوانها: "الإسلام والأحزاب السياسية في تركيا: دراسة حالة لحزب الرفاه (1983 – 1997)".
وينطلق حبيب من فرضية أن تركيا تشهد محاولة للتوفيق بين العلمانية والإسلامية والديموقراطية والحداثة وهو ما يجعل من المشروع الحديث عن "نموذج تركي" فالولايات المتحدة الأمريكية تسعى لخلق نموذج إسلامي بهذه المواصفات، لمواجهة نماذج إسلامية راديكالية أخرى تتبنى الصدام مع الغرب.
والكتاب محاولة لفهم ظاهرة الإحياء الإسلامي في إطار مغاير للنظريات الاجتماعية المادية التي تفترض أن المزيد من التحديث والعلمنة سيؤدي لاختفاء الدين.
وفي بلد يشكل المسلمون 99 % من سكانه وينص دستوره على أن العلمانية هي أيديولوجية الدولة يتحول "الدين السياسي" الذي تحاول النظم الثورية (وبينها الثورة الفرنسية والانقلاب الكمالي) أن تفرضه على مجتمعاتها "لخلق عالم أفضل"، إلى بديل عن الدين الإلهي الذي جاءت به الرسل؛ بل إن العلمانية تحولت إلى ما يشبه "الدولة الدينية" في تركيا.
تعبيرات متعددة
الفصل الأول: "الإسلام والتيارات الاجتماعية والفكرية في تركيا" يستهله الباحث باستشهاد ملفت يصف النجاح الكبير لحزب العدالة والتنمية في انتخابات 2002 بأنه "بداية جديدة لتركيا يقع الإسلام في القلب منها"، وقد انعكس التحول في انتقال التصويت من الأحزاب التقليدية لحزب جديد ذي جذور إسلامية طرح أسئلة جوهرية حول مستقبل تركيا وهويتها.
وللإسلام في تركيا تعبيرات متعددة عن الإسلام يمكن القول إنها أوجه لظاهرة واحدة، لكلٍ منها لون وتوجه ومنهج في التعاطي مع الواقع، لكنها جميعا تصدر عن موقف واحد من "الكمالية" باعتبارها خطرا يتهدد الإسلام.
وقد استطاعت هذه التيارات والقوى الاجتماعية والفكرية التي تتخذ من الإسلام قاعدة لمعارضة سياسات الدولة وحاضنة لحماية هويتها ووجودها من الاستئصال، أن تنتقل من الهامش إلى القلب عبر بناء نخبة إسلامية جديدة تداولت المواقع لتحل محل النخب العلمانية.
وهكذا تحول المشهد السياسي التركي من حصار الإسلام ومحاولة استئصاله في بداية القرن الماضي إلى محاصرة العلمانية الكمالية مطلع القرن الحادي والعشرين.
الصوفية
مثلت الطرق الصوفية القاعدة الاجتماعية للدولة العثمانية في بدايات تكوينها، وظلت مع تبلور مؤسسات الدولة تعبر عن "الإسلام الشعبي" بالتوازي مع "الإسلام الرسمي" وهو ما يؤكد الطبيعة التعددية للدولة العثمانية.
وأقدم الطرق الصوفية في تركيا وأكثرها انتشارا "الطريقة النقشبندية" (حوالي مليوني عضو) والنقشبندية يقدسون الدولة الإسلامية ويؤمنون بشعار: "نبدأ من الدولة".
وكنموذج للتأثير الكبير للنقشبندية يكشف الكتاب عن أن حزب "الوطن الأم" الذي يعتبر أهم حزب تركي بعد 1983، كان نتاج تشاور بين الشيخ أسعد جوشان والرئيس التركي توركوت أوزال كان الهدف منه في البداية تأسيس حزب إسلامي وانتهت المشاورة بينهما إلى ترجيح أن ذلك لن يكون في صالح مسلمي تركيا.
يذكر أن معظم السلاطين العثمانيين كانت لهم علاقات جيدة بالتصوف تراوحت بين التأييد والانتماء الفعلي في بعض الأحيان !!
من الاغتراب إلى الاختراق
ويرصد حبيب حقيقة أن لدى تركيا دائما الاستعداد لاستقبال الأفكار الإسلامية من خارجها، وبخاصة من مصر وإيران وباكستان وهو ما يعبر عنه قول مثقف تركي: "لو عطس عربي فإنها ستترجم إلى التركية"!
هذا التوجه نحو المحيط العربي الإسلامي هو تحول رئيس في المجال الجغرافي من التجربة الكمالية التي توجهت صوب أوروبا إلى "العثمانية الجديدة" التي تريد توجيه البوصلة نحو العالم العثماني التاريخي.
ويمثل الإسلام المرجعية الرئيسة للمثقفين الإسلاميين الذين يقفون ضد الدولة الكمالية وممارساتها الاستبدادية. وهم – في التحليل النهائي – يمارسون كفاحا يعتمد سياسة النفس الطويل في مواجهة "أصولية علمانية" تمارسها هذه الدولة.
وهم كذلك يواجهون معركة أفكار في مواجهة التيارات المادية المعادية للفكرة الإسلامية، وأهمهم: محمد عاكف رائد المدرسة الإصلاحية، ونجيب فاضل رائد المدرسة الإحيائية التركية، وسزائي قراقوج رائد المدرسة الحضارية، وعصمت أوزال صاحب أطروحة "النظام الإسلامي المستقل". وأخيرا، أحمد داوود أوغلو رائد المدرسة المؤسسية ورئيس معهد وقف العلوم والفنون وهو من مصانع الأفكار (Think Tank) التي كانت تمد صانع القرار بالرؤى الاستراتيجية، وقد مثـَّل تولي أوغلو لمنصب وزير الخارجية صعودا لهؤلاء المثقفين.
ما قبل الرفاه
في الفصل الثاني يناقش حبيب أحزاب ما قبل "الرفاه" في تركيا، وتنقسم إلى نمطين: الأول يمثله "حزب الشعب الجمهوري" الذي أسسه كمال أتاتورك وهيمن على الحياة السياسية بين 1923 و1946م وهو بالتالي نموذج للحزب الذي يعبر عن الأيديولوجيا الكمالية في صيغتها المتصلبة التي تعادي الدين وتكرس الشمولية والعسكرة في المجتمع والدولة.
وهذا النمط من الأحزاب يصل في تقديسه الكمالية إلى حد اعتبارها "الدين المدني" الذي كان يراد له أن يملأ الفراغ الناجم عن هدم كل البنى والمؤسسات التي عبرت عن الدين الإسلامي.
النمط الثاني: الأحزاب المحافظة التي يمثلها الحزب الديموقراطي برئاسة عدنان مندريس الذي حكم تركيا طوال عقد الستينات ثم حزب الوطن الأم الذي حكمها بعد انقلاب 1980.
وهذه الأحزاب طالبت باحترام القيم الإسلامية والتراث الحضاري للعثمانيين، وذلك عبر علمانية تحترم اختيارات المحكومين.
اللعبة السياسية
ولأن قواعد اللعبة السياسية والنظام الحزبي في تركيا لم تصمم لتتسع للأحزاب الإسلامية كان هناك رفض متكرر لهذه الأحزاب، و تسبب هذا في إرغام أربكان وأحزابه على الخروج من العملية السياسية.
وربما يكون فهم الجيل الثاني من الإسلاميين أو من يطلق عليهم "الإسلاميون الجدد" لطبيعة النظام النظام السياسي هو ما دفعهم لتبني أيديولوجيا "الديموقراطية المحافظة" ليكونوا تعبيرا عن الاستمرارية المتوافقة مع النظام التركي.
وقد بدأ انفراد الكمالية بحكم تركيا يتآكل فعليا عام 1946 عندما أعلن عصمت إينونو الحاجة إلى تعددية حزبية، وتأسس في ظل التحول الجديد الحزب الديموقراطي، وفي انتخابات 1950 حصل الحزب على 53 % مقابل 40 % لحزب الشعب الديموقراطي فأصبح عدنان مندريس رئيسا للوزراء وشغل المنصب حتى انقلاب 1960.
ورغم أن الحزب الديموقراطي لعب دورا لا يمكن إنكاره في الإحياء الإسلامي في تركيا فإن بعض أعضائه انفصلوا عنه بسبب ما اعتبروه غموضا في موقفه من الدين واستقالوا ليؤسسوا حزب الأمة الذي ضم التيار الديني داخل الحزب الديموقراطي.
وطالب الحزبان معا بإلغاء المبادئ الستة للكمالية من الدستور، وبسبب التوجهات الإسلامية الواضحة لحزب الأمة تم حله قبل انتخابات 1954 قبل أن يعاد تشكيله في العام نفسه باسم: "حزب الأمة الجمهوري" ليحصل على خمسة مقاعد في البرلمان.
الإسلام التركي
مثـَّل النجاح الكبير للحزب الديموقراطي في انتخابات 1950 – وبالتالي كسر احتكار حزب الشعب الجمهوري للحياة السياسية – الحدث الأهم على الإطلاق في تاريخ تركيا المعاصرة، ومثـَّل وصول عدنان مندريس للسلطة تحديا واضحا لسلطة البيروقراطية العسكرية ومصالحها، فهذه البيروقراطية العسكرية كانت تعتبر نفسها حامية الميراث الكمالي العلماني، وهو ما هدد هذا الموقع بإعلانه أن "الأمة التركية بكاملها هي الحارسة على الإصلاحات وعلى الجمهورية".
وكرد فعل لهذا التهديد بدأت جماعة صغيرة من الضباط عام 1954 في تعاطي السياسة، وفي 1957 بدأ التفكير في الانقلاب العسكري، وهو ما تم تنفيذه بالفعل عام 1960. وبعد إعدام عدنان مندريس وآخرين، أجريت عام 1961 انتخابات جديدة أعقبتها حقبة مضطربة انتهت بانقلاب عسكري جديد عام 1962.
وفي 1965 شهدت تركيا حالة من الاستقرار دشنها حصول حزب العدالة بقيادة سليمان ديميريل على الأغلبية. لكن النظام التركي بملامحه الحالية صيغت في هذه الفترة، فأصبح من المحظور احتكار حزب واحد من الأحزاب للحياة السياسية، ومنحت الصحافة والجامعة استقلالهما، وأنشئت محكمة دستورية، لكن النظام أصبح كله تحت وصاية "مجلس الأمن القومي" الذي كرس هيمنة الجيش على الدولة التركية.
وقد عمل الانقلابيون على إحياء مفهوم "تتريك الإسلام" أو بلورة ما يطلق عليه "الإسلام التركي" المتكيف مع مطالب الدولة التركية ورؤاها العلمانية. وهو ما عبر عنه جمال كورسيل قائد الانقلاب (الرئيس التركي الرابع) بقوله: "إن النهج الذي نتبعه سيوصلنا إلى اليوم الذي سيأتي فيه مطلب ترتيل القرآن والآذان باللغة التركية من أسفل، من الشعب نفسه".
التيار الوطني الإسلامي
شهدت البلاد خلال الستينات تحولات اجتماعية واقتصادية كبيرة جعلت الطلبة والعمال وصغار الفلاحين قوى اجتماعية جديدة فتحول حزب الشعب الجمهوري إلى اليسار ليحصل على أصواتها، وبتحوله إلى اليسار شهد انشقاقا تمثل في خروج التيار اليميني ليؤسس "حزب الثقة الجمهوري".
وخلال هذه التحولات لم يكن الإسلاميون منخرطين بشكل مباشر في العملية السياسية فاحتفظوا بمصداقيتهم، وشكل صعود أسهم نجم الدين أربكان في حزب العدالة استفزازا شديدا للعلمانيين الذين تخوفوا من ضغوط تمارس على سليمان ديميريل للتحول باتجاه الإسلام ولو جزئيا، فرفض ديميريل واتخذ إجراءات لوقف الطموح السياسي لأربكان ومنع ترشيحه في انتخابات 1969.
وقرر أربكان ترشيح نفسه كمستقل مع 26 من مؤيديه ونجحوا في الانتخابات ليشكلوا أكبر كتلة مستقلة في تاريخ البرلمان التركي.
وأسس أربكان وزملاؤه النواب حزب السلامة الوطني في 26 يناير 1971 معلنا أن هدفه استعادة المؤسسات الهامة في تركيا إلى أصحابها الأصليين بعد أن اغتصبت وسلمت إلى أيد غريبة وغير وطنية، وفي 20 مايو 1971 تم إغلاق الحزب بأمر المحكمة الدستورية العليا لانتهاكه المواد الدستورية المتعلقة بشخصية الدولة العلمانية.
أسس نجم الدين أربكان أيضا أحزاب: النظام الوطني (1970)– الرفاه (1983) – الفضيلة (1997). وعرف الفكر الذي قامت عليه هذه الأحزاب باسم: "الملي جوروش" أي الفكر الوطني تعبيرا عن تيار وطني يستند إلى منطلقات إسلامية، لكن حركة الملي جوروش تعرضت للانقسام لأول مرة بظهور "الإسلاميين التجديديين" الذين اختلفوا مع أساتذتهم "المحافظين" فظهر حزب العدالة والتنمية.
عقلنة الديموقراطية
كان ظهور حزب العدالة والتنمية (2001) ونجاحه الكبير نتاجا طبيعيا لفهم أكثر دقة لطبيعة للواقع التركي، وتأسس هذا الفهم على حقيقة أن النظام السياسي التركي قوامه الجيش والنظام الحزبي. لكن التحولات التي شهدتها تركيا عقب الحرب العالمية الثانية بالتوازي مع الضغوط الخارجية وبخاصة الأمريكية والبريطانية الهادفة لتوسيع الديموقراطية – جعلتها تقبل التحول باتجاه التعدد الحزبي.
وكانت المشكلة أن الديموقراطية التركية كانت تعبيرا عن القطاع الرأسي في الدولة ولم تتسع أفقيا، والنخبة البيروقراطية التي ورثت الكمالية ابتدعت ما أسمته "عقلنة الديموقراطية" حيث الحاجة إلى ساسة يتمتعون بالمسئولية والاستعداد للاستجابة لديموقراطية معقلنة ليس هدفها التوفيق بين الرؤى والمصالح المتعارضة.
والمتابع لحجم الضغوط الهائلة التي مارسها العسكر لمنع فوز حزب العدالة والتنمية بالانتخابات يدرك أن نجاحه كان انتصارا حاسما على دور العسكر في توجيه الحياة السياسية وفتح الباب أمام استعادة النظام عافيته الديموقراطية بعيدا عن "الديموقراطية المعقلنة" التي يضع شروطها العسكر وفق هندسة خاصة تعوق التطور الديموقراطي.
ويختم كمال حبيب دراسته بقوله : "إن تركيا التي يراد لها أن تكون نموذجا لانتصار العلمانية والحداثة على الإسلام إذا بها تستدير إلى قبلتها الحقيقية ومرفأها السرمدي لتقول إن الإسلام أقوى وأبقى".
إسلام أون لاينعلماء إندونيسيا والصلاة إلى كينيا
كتبت تحت قسم
فتاوى الدكتور منير جمعة
,
مقالات الدكتور منير جمعة
|
الاثنين، 19 يوليو 2010|
درعمى
اكتشف مسلمو اندونيسيا الجمعة 16-07-2010 أنهم كانوا يولون وجوههم في الصلاة في اتجاه خطأ للقبلة بعد أن قالت أرفع هيئة دينية بالبلاد إن فتواها بشأن اتجاه القبلة جعلت الناس يصلون في اتجاه إفريقيا .
وقد علق فضيلة الدكتور منير جمعة الأستاذ بجامعة أم القرى وعضو الاتحاد العالمى للمسلمين على هذا الخبرمبينا حكم الصلاة الماضية فقال :
وقد علق فضيلة الدكتور منير جمعة الأستاذ بجامعة أم القرى وعضو الاتحاد العالمى للمسلمين على هذا الخبرمبينا حكم الصلاة الماضية فقال :
بسم الله و الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وبعد : فقد تواترت الأخبار الواردة من إندونيسيا بخبر غريب ، يتمثل فى تراجع مجلس العلماء هناك عن فتواه السابقة بتحديد القبلة ، وكان مجلس العلماء الإندونيسي قد أصدر فتوى في مارس الماضى جاء فيها أن اتجاه القبلة هو الغرب ثم تبين أن هذا الكلام غير صحيح وأنهم كانوا يصلون باتجاه كيبنيا لا باتجاه الكعبة !
وقد كان يجب على مجلس العلماء بذل الجهد وشدة التقصى والتحرى ، وهذا هو مفهوم الاجتهاد كما عرفه العلماء ؛ لأن استقبال القبلة شرط من شروط صحة الصلاة وهو أمرعظيم لاتصلح معه العجلة ولا التسرع ، فكان يجب على المجلس سؤال المتخصصين فى هذا الأمر من أهل الذكر ، لكنه تراخى عن ذلك ولله الأمر ! أما وقد وقعت الواقعة ، فإننا نرى أن الشعب الإندونيسى ليس له حكم واحد فى حكم الصلاة السابقة ، فطائفة العلماء من أهل الذكر كان يجب ألا يتلقوا فتوى المجلس بالتسليم والقبول بل كان عليهم أن يتأكدوا من فتوى مجلس العلماء ، لأنهم المنوط بهم التحقق والتثبت من أمر هو من صميم اختصاصهم ، فسكوتهم هنا ليس فى محله ، وأرى أنهم آثمون شرعا إن لم يكونوا قد بينوا ونصحوا ولا ينطبق عليهم حديث :( رفع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استُكرِهوا عليه ){صححه الشيخ أحمد شاكر والشيخ الغمارى وقال عنه الألباني في الإرواء ( 1 / 123 رقم 82 ) : صحيح} .
لأن سكوتهم ليس من هذا السبيل الذى جاء فى الحديث .
وأما سائر الشعب من العوام ومن غير المتخصيين فهم معذورون شرعا لأنهم اتبعوا العلماء ، ولا يأثم العامى باتباعه مذهب العالم الذى يفتيه ، فهذا مبلغهم من العلم .وصلاتهم صحيحة بإذن الله فقد قال تعالى بشأن من مات قبل أن تحول القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة: { وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرءوف رحيم }
وأرى أن خطأ الشعب غير مقصود هنا وهو راجع لاتباعه لمجلس العلماء ، وليس ناشئا عن اجتهاد غير صحيح منهم ، وهذا هو الفرق بين الخطأ الفردى والجماعى فالفرد حينما يجتهد لمعرفة القبلة قد يكون مصيبا وقد يكون مخطئا ، فيكون مصيبا لو اضطر إلى الاجتهاد اضطرارا، لعدم وجود من يدله على القبلة فى المكان الذى هو فيه، فيكون اجتهاده هو كل المتاح لديه وقد قال تعالى : ( فاتقوا الله ما استطعتم )، وقد يكون هذا الفرد آثما لو كانت القبلة محددة أو معروفة ثم خالفها بلا بينةأ و دليل صحيح ، أو يكون قد ترك سؤال أهل الذكر من أهل المكان مع إمكانه ذلك فيكون قد قصر وترك الواجب عليه فلا يكون معذورا .
فالناس صنفان : مجتهد قد يخطئ ، ومخطئٌُ قد يجتهد ؛ فالأول معذور والثانى مغرور .وبالله وحده نستدفع البلايا!
لأن سكوتهم ليس من هذا السبيل الذى جاء فى الحديث .
وأما سائر الشعب من العوام ومن غير المتخصيين فهم معذورون شرعا لأنهم اتبعوا العلماء ، ولا يأثم العامى باتباعه مذهب العالم الذى يفتيه ، فهذا مبلغهم من العلم .وصلاتهم صحيحة بإذن الله فقد قال تعالى بشأن من مات قبل أن تحول القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة: { وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرءوف رحيم }
وأرى أن خطأ الشعب غير مقصود هنا وهو راجع لاتباعه لمجلس العلماء ، وليس ناشئا عن اجتهاد غير صحيح منهم ، وهذا هو الفرق بين الخطأ الفردى والجماعى فالفرد حينما يجتهد لمعرفة القبلة قد يكون مصيبا وقد يكون مخطئا ، فيكون مصيبا لو اضطر إلى الاجتهاد اضطرارا، لعدم وجود من يدله على القبلة فى المكان الذى هو فيه، فيكون اجتهاده هو كل المتاح لديه وقد قال تعالى : ( فاتقوا الله ما استطعتم )، وقد يكون هذا الفرد آثما لو كانت القبلة محددة أو معروفة ثم خالفها بلا بينةأ و دليل صحيح ، أو يكون قد ترك سؤال أهل الذكر من أهل المكان مع إمكانه ذلك فيكون قد قصر وترك الواجب عليه فلا يكون معذورا .
فالناس صنفان : مجتهد قد يخطئ ، ومخطئٌُ قد يجتهد ؛ فالأول معذور والثانى مغرور .وبالله وحده نستدفع البلايا!
حدث فى مثل هذا اليوم (السابع من شهر شعبان )
كتبت تحت قسم
حدث فى مثل هذا
|
|
درعمى
7 من شعبان 12هـ = 17 من أكتوبر 633م.
خروج أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه قائدًا على أحد الجيوش الأربعة التي أرسلها الخليفة أبو بكر الصديق رضي الله عنه لفتح الشام. وأبو عبيدة من السابقين في الإسلام، وشارك مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزواته وسراياه، وشارك في الفتوحات الإسلامية في عهد أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهم جميعًا…
7 من شعبان 1404هـ = 8 مايو 1984م
جبهة الإنقاذ الوطني الليبي المعارضة تقوم بمحاولة اغتيال فاشلة للرئيس القذافي.
مصر تستعيد شريط طابا الحدودي من إسرائيل، بعد حكم أصدرته محكمة العدل الدولية، وقد أقر التحكيم الدولي في 29 سبتمبر 1988 أحقية مصر في طابا.
7 من شعبان 1400 هـ = 21 من يونيو 1980م .
اغتيال رئيس الوزراء السوري الأسبق صلاح البيطار في باريس، بواسطة المخابرات السورية بسبب خلافاته مع الرئيس البعثي الراحل حافظ الأسد. ولد البيطار عام 1912م، وساهم مع ميشيل عفلق في إنشاء حزب البعث العربي، عين وزيرا للخارجية عام 1956م ثم نائبا للرئيس عبد الناصر إبان الوحدة بين مصر وسوريا، وتولى رئاسة الوزارة أربع مرات، واختلف مع نظام حافظ الأسد.
شعبان بين السنة واالبدعة
كتبت تحت قسم |
السبت، 17 يوليو 2010|
درعمى
- سبب تسميته بشعبان:
قال بن حجر رحمه الله: "سمّي شعبان لتشغيلهم في طلب المياه أو الغارات بعد أن يخرج شهر رجب الحرام وقيل غير ذلك". أهـ (الفتح: 4/251).
- ما كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم في شهر شعبان:
عن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال « قلت يا رسول الله! لم أرك تصوم شهر من الشهور ما تصوم من شعبان؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم » رواه النسائي.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: « لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يصوم شهرًا أكثر من شعبان، وكان يصوم شعبان كله » رواه البخاري .
- فضل ليلة النصف من شعبان:
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « إن الله ليطلع في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن ».
رواه ابن ماجة وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة 1144.
- البدع المشتهرة في شعبان:
1- صلاة البراءة: وهي تخصيص قيام ليلة النصف من شعبان وهي مائة ركعة.
2- صلاة ست ركعات: بنية دفع البلاء وطول العمر والاستغناء عن الناس.
3- قراءة سورة (يس) والدعاء في هذه الليلة بدعاء مخصوص بقولهم "اللهم يا ذا المن، ولا يمن عليه، يا ذا الجلال والإكرام..".
4- اعتقادهم أن ليلة النصف من شعبان هي ليلة القدر.. قال الشقيري: "وهو باطل باتفاق المحققين من المحدثين". أهـ (السنن والمبدعات: 146).
وذلك لقوله تعالى: { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ} [البقرة:185]، وقال تعالى: { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر:1] وليلة القدر في رمضان وليس في شعبان.
تاريخ حدوث هذه البدع
قال المقدسي: "وأول ما حدثت عندنا سنة 448هـ قدم علينا في بيت المقدس رجل من نابلس يُعرف بابن أبي الحميراء وكان حسن التلاوة، فقام يصلي في المسجد الأقصى ليلة النصف من شعبان، فأحرم خلفه رجل ثم انضاف ثالث ورابع فما ختمها إلا هو في جماعة كثيرة. (الباعث على إنكار البدع والحوادث: 124-125).
قال النجم الغيطي: "إنه قد أنكر ذلك أكثر العلماء من أهل الحجاز منهم عطاء وابن أبي مُليكة وفقهاء المدينة وأصحاب مالك وقالوا: ذلك كله بدعة". أهـ (السنن والمبتدعات للشقيري: 145)
واعلم رحمك الله أن ما أوقع هؤلاء في هذه البدعة القبيحة هي اعتمادهم على الآتي:
عن علي رضي الله عنه مرفوعا قال:" إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها" وقد رواه بن ماجه في السنن 1388 وهو حديث موضوع.
وحديث "إن الله تعالى ينزل ليلة النصف من شعبان إلى السماء الدنيا فيغفر لأكثر من عدد غنم بني كَلْب" وقد رواه بن ماجة 1389 وهو حديث ضعيف.
والحاصل أن هذه الأمور لم يأت فيها خبرٌ ولا أثرٌ غير الضعاف والموضوعات:
قال الحافظ ابن دحية: "قال أهل التعديل والتجريح: ليس في حديث النصف من شعبان حديثٌ يصح، فتحفّظوا عباد الله من مُفترٍ يروي لكم حديثًا يسوقه في معرض الخير، فاستعمال الخير ينبغي أن يكون مشروعًا من الرسول صلى الله عليه وسلم فإذا صح ّ أنه كذب خرج من المشروعية، وكان مستعمله من خدم الشيطان لاستعماله حديثًا على رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يُنزل الله به من سلطان" أهـ (الباعث على إنكار البدع والحوادث لأبي شامة المقدسي: 127).
- حكم الاحتفال بليلة النصف من شعبان:
سئل سماحة الشيخ عبدا لعزيز بن باز رحمه الله عن ليلة النصف من شعبان؟ وهل لها صلاة خاصة؟
فأجاب: ليلة النصف من شعبان ليس فيها حديث صحيح.. كل الأحاديث الواردة فيها موضوعة وضعيفة لا أصل لها وهي ليلة ليس لها خصوصية، لا قراءة ولا صلاة خاصة ولا جماعة.. وما قاله بعض العلماء أن لها خصوصية فهو قول ضعيف فلا يجوز أن تخص بشيء.. هذا هو الصواب وبالله التوفيق.
شعبان وأحكام الصيام فيه
كتبت تحت قسم |
|
درعمى
شعبان هو اسم للشهر، وقد سمي بذلك لأن العرب كانوا يتشعبون فيه لطلب المياه، وقيل تشعبهم في الغارات، وقيل لأنه شَعَب أي ظهر بين شهري رجب ورمضان، ويجمع على شعبانات وشعابين.
الصيام في شعبان
عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم، وما رأيت رسول الله استكمل صيام شهر إلا رمضان وما رأيته أكثر صياماً منه في شعبان» [رواه البخاري:1833، ومسلم: 1956]،
وقد رجح طائفة من العلماء منهم ابن المبارك وغيره أن النبي صلى الله عليه و سلم لم يستكمل صيام شعبان، وإنما كان يصوم أكثره، ويشهد له ما في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: «ما علمته - تعني النبي صلى الله عليه و سلم- صام شهراً كله إلا رمضان » وفي رواية له أيضاً عنها قالت: «ما رأيته صام شهراً كاملاً منذ قدم المدينة إلا أن يكون رمضان»، وفي الصحيحين عن ابن عباس قال: «ما صام رسول الله صلى الله عليه و سلم شهراً كاملاً غير رمضان» [البخاري:1971، ومسلم:1157]، وكان ابن عباس يكره أن يصوم شهراً كاملاً غير رمضان، قال ابن حجر رحمه الله: " كان صيامه في شعبان تطوعاً أكثر من صيامه فيما سواه وكان يصوم معظم شعبان ".
وعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: قلت يا رسول الله لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان، فقال: «ذاك شهر تغفل الناس فيه عنه، بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم» [رواه النسائي.. أنظر صحيح الترغيب والترهيب ص425، وفي رواية لأبي داود: 2076] قالت: «كان أحب الشهور إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يصومه شعبان ثم يصله برمضان»[صححه الألباني أنظر صحيح سنن أبي داوُد:2/461].
قال ابن رجب رحمه الله: " صيام شعبان أفضل من صيام الأشهر الحرم، وأفضل التطوع ما كان قريب من رمضان قبله وبعده، وتكون منزلته من الصيام بمنزلة السنن الرواتب مع الفرائض قبلها وبعدها وهي تكملة لنقص الفرائض، وكذلك صيام ما قبل رمضان وبعده، فكما أن السنن الرواتب أفضل من التطوع المطلق بالصلاة فكذلك يكون صيام ما قبل رمضان وبعده أفضل من صيام ما بَعُد عنه ".
وقوله صلى الله عليه و سلم: «شعبان شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان»
يشير إلى أنه لما اكتنفه شهران عظيمان - الشهر الحرام وشهر الصيام - اشتغل الناس بهما عنه، فصار مغفولاً عنه، وكثير من الناس يظن أن صيام رجب أفضل من صيام شعبان لأن رجب شهر حرام، وليس كذلك.
وفي الحديث السابق إشارة إلى أن بعض ما يشتهر فضله من الأزمان أو الأماكن أو الأشخاص قد يكون غيره أفضل منه.
وفيه دليل على استحباب عِمارة أوقات غفلة الناس بالطاعة، كما كان طائفة من السلف يستحبون إحياء ما بين العشائين بالصلاة ويقولون هي ساعة غفلة، ومثل هذا استحباب ذكر الله تعالى في السوق لأنه ذكْر في موطن الغفلة بين أهل الغفلة، وفي إحياء الوقت المغفول عنه بالطاعة فوائد منها:
أن يكون أخفى للعمل وإخفاء النوافل وإسرارها أفضل، لا سيما الصيام فإنه سرّ بين العبد وربه، ولهذا قيل إنه ليس فيه رياء، وكان بعض السلف يصوم سنين عددا لا يعلم به أحد، فكان يخرج من بيته إلى السوق ومعه رغيفان فيتصدق بهما ويصوم، فيظن أهله أنه أكلهما ويظن أهل السوق أنه أكل في بيته، وكان السلف يستحبون لمن صام أن يُظهر ما يخفي به صيامه، فعن ابن مسعود أنه قال: " إذا أصبحتم صياماً فأصبِحوا مدَّهنين "، وقال قتادة: " يستحب للصائم أن يدَّهِن حتى تذهب عنه غبرة الصيام ".
وكذلك فإن العمل الصالح في أوقات الغفلة أشق على النفوس، ومن أسباب أفضلية الأعمال مشقتها على النفوس لأن العمل إذا كثر المشاركون فيه سهُل، وإذا كثرت الغفلات شق ذلك على المتيقظين، وعند مسلم برقم:2984 من حديث معقل بن يسار: " العبادة في الهرْج كالهجرة إلي " أي العبادة في زمن الفتنة؛ لأن الناس يتبعون أهواءهم فيكون المتمسك يقوم بعمل شاق.
وقد اختلف أهل العلم في أسباب كثرة صيامه صلى الله عليه و سلم في شعبان على عدة أقوال:
1- أنه كان يشتغل عن صوم الثلاثة أيام من كل شهر لسفر أو غيره فتجتمع فيقضيها في شعبان وكان النبي صلى الله عليه و سلم إذا عمل بنافلة أثبتها وإذا فاتته قضاها.
2- وقيل إن نساءه كن يقضين ما عليهن من رمضان في شعبان فكان يصوم لذلك، وهذا عكس ما ورد عن عائشة أنها تؤخر قضاء رمضان إلى شعبان لشغلها مع رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الصوم.
3- وقيل لأنه شهر يغفل الناس عنه: وهذا هو الأرجح لحديث أسامة السالف الذكر والذي فيه: «ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان» [رواه النسائي.. أنظر صحيح الترغيب والترهيب ص 425].
وكان إذا دخل شعبان وعليه بقية من صيام تطوع لم يصمه قضاه في شعبان حتى يستكمل نوافله بالصوم قبل دخول رمضان - كما كان إذا فاته سنن الصلاة أو قيام الليل قضاه - فكانت عائشة حينئذ تغتنم قضاءه لنوافله فتقضي ما عليها من فرض رمضان حينئذ لفطرها فيه بالحيض وكانت في غيره من الشهور مشتغلة بالنبي صلى الله عليه و سلم ، فيجب التنبه والتنبيه على أن من بقي عليه شيء من رمضان الماضي فيجب عليه صيامه قبل أن يدخل رمضان القادم ولا يجوز التأخير إلى ما بعد رمضان القادم إلا لضرورة ( مثل العذر المستمر بين الرمضانين )، ومن قدر على القضاء قبل رمضان ولم يفعل فعليه مع القضاء بعده التوبة وإطعام مسكين عن كل يوم، وهو قول مالك والشافعي وأحمد.
وكذلك من فوائد صوم شعبان أن صيامه كالتمرين على صيام رمضان لئلا يدخل في صوم رمضان على مشقة وكلفة، بل يكون قد تمرن على الصيام واعتاده فيدخل رمضان بقوة ونشاط.
ولما كان شعبان كالمقدّمة لرمضان فإنه يكون فيه شيء مما يكون في رمضان من الصيام وقراءة القرآن والصدقة، وقال سلمة بن سهيل : " كان يقال شهر شعبان شهر القراء، وكان حبيب بن أبي ثابت إذا دخل شعبان قال هذا شهر القراء، وكان عمرو بن قيس المُلائي إذا دخل شعبان أغلق حانوته وتفرغ لقراءة القرآن ".
الصيام في آخر شعبان
ثبت في الصحيحين عن عمران بن حصين رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه و سلمقال لرجل: «هل صمت من سرر هذا الشهر شيئاً؟ » قال: لا، قال: «فإذا أفطرت فصم يومين» وفي رواية البخاري: أظنه يعني رمضان وفي رواية لمسلم: «هل صمت من سرر شعبان شيئاً؟» [أخرجه البخاري:4/200، ومسلم:1161].
وقد اختلف في تفسير السرار، والمشهور أنه آخر الشهر، يقال سِرار الشهر بكسر السين وبفتحها وقيل إن الفتح أفصح، وسمي آخر الشهر سرار لاستسرار القمر فيه ( أي لاختفائه )، فإن قال قائل قد ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه و سلمقال: «لا تقدموا رمضان بيوم أو يومين، إلا من كان يصوم صوماً فليصمه» [أخرجه البخاري:1983، ومسلم:1082]، فكيف نجمع بين حديث الحثّ وحديث المنع فالجواب: قال كثير من العلماء وأكثر شراح الحديث: إن هذا الرجل الذي سأله النبي صلى الله عليه و سلم كان يعلم أن له عادة بصيامه، أو كان قد نذره فلذلك أمره بقضائه. وقيل في المسألة أقوال أخرى، وخلاصة القول أن صيام آخر شعبان له ثلاثة أحوال
أحدها: أن يصومه بنية الرمضانية احتياطا لرمضان، فهذا محرم.
الثاني: أن يصام بنية النذر أو قضاء عن رمضان أو عن كفارة ونحو ذلك، فجوّزه الجمهور.
الثالث: أن يصام بنية التطوع المطلق، فكرهه من أمر بالفصل بين شعبان ورمضان بالفطر؛ منهم الحسن - وإن وافق صوماً كان يصومه - ورخص فيه مالك ومن وافقه، وفرّق الشافعي والأوزاعي وأحمد وغيرهم بين أن يوافق عادة أو لا..
وبالجملة فحديث أبي هريرة - السالف الذكر - هو المعمول به عند كثير من العلماء، وأنه يكره التقدم قبل رمضان بالتطوع بالصيام بيوم أو يومين لمن ليس له به عادة، ولا سبق منه صيام قبل ذلك في شعبان متصلا بآخره. فإن قال قائل لماذا يُكره الصيام قبل رمضان مباشرة ( لغير من له عادة سابقة بالصيام ) فالجواب أنّ ذلك لمعانٍ منها:
أحدها: لئلا يزاد في صيام رمضان ما ليس منه، كما نهي عن صيام يوم العيد لهذا المعنى، حذرا مما وقع فيه أهل الكتاب في صيامهم، فزادوا فيه بآرائهم وأهوائهم.
ولهذا نهي عن صيام يوم الشك، قال عمار من صامه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم ، ويوم الشك: هو اليوم الذي يشك فيه هل هو من رمضان أم لا؟ وهو الذي أخبر برؤية هلاله من لم يقبل قوله، وأما يوم الغيم: فمن العلماء من جعله يوم شك ونهى عن صيامه، وهو قول الأكثرين.
المعنى الثاني: الفصل بين صيام الفرض والنفل، فإن جنس الفصل بين الفرائض والنوافل مشروع، ولهذا حرم صيام يوم العيد، ونهى النبي صلى الله عليه و سلم أن توصل صلاة مفروضة بصلاة حتى يفصل بينهما بسلام أو كلام، وخصوصا سنة الفجر قبلها، فإنه يشرع الفصل بينها وبين الفريضة، ولهذا يشرع صلاتها بالبيت والاضطجاع بعدها.
ولما رأى النبي صلى الله عليه و سلم رجلاً يصلي وقد أقيمت صلاة الفجر، فقال له: «الصُّبح أربعاً» [رواه البخاري:663].
وربما ظن بعض الجهال أن الفطر قبل رمضان يراد به اغتنام الأكل؛ لتأخذ النفوس حظها من الشهوات قبل أن تمنع من ذلك بالصيام، وهذا خطأ وجهل ممن ظنه.
والله تعالى أعلم.
"السلام على أهل الكتاب".. رؤية شرعية
كتبت تحت قسم |
|
درعمى
د.عبد الرحمن البر
سماحة المستشار الشيخ فيصل مولوي هو أحد أبرز الفقهاء المعاصرين الذين كملت لديهم آلات الاجتهاد الفقهي، والذين جمعوا بين العلم الشرعي والخبرة العملية والحركية؛ فضلاً عن الاتصال الوثيق والمعرفة الدقيقة بإشكالات الواقع الإسلامي المعاصر وتعقيداته على مستوى العالم الإسلامي وعلى المستوى الدولي، ومن ثم كان جديرًا بموقع المرشد الديني لاتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا، وتم اختياره نائبًا لرئيس المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث الذي يترأسه فضيلة العلامة الدكتور يوسف القرضاوي.
سماحة المستشار الشيخ فيصل مولوي هو أحد أبرز الفقهاء المعاصرين الذين كملت لديهم آلات الاجتهاد الفقهي، والذين جمعوا بين العلم الشرعي والخبرة العملية والحركية؛ فضلاً عن الاتصال الوثيق والمعرفة الدقيقة بإشكالات الواقع الإسلامي المعاصر وتعقيداته على مستوى العالم الإسلامي وعلى المستوى الدولي، ومن ثم كان جديرًا بموقع المرشد الديني لاتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا، وتم اختياره نائبًا لرئيس المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث الذي يترأسه فضيلة العلامة الدكتور يوسف القرضاوي.
وقد تصدَّى سماحة العلامة الشيخ فيصل مولوي
لمناقشة كثير من القضايا المعاصرة بمنهج وسطي معتدل، يدور مع الدليل الشرعي الصحيح، ويتَغَيَّا المقاصدَ الشرعيةَ الواضحة، وكانت كتبُه وأبحاثُه وفتاواه محلَّ قبولِ وتقديرِ أهل العلم على امتدادِ الساحة الفقهية المعاصرة.
ومن هذه البحوث الماتعة بحثُه القيم "السلامُ على أهل الكتاب"، تلك القضية التي أعادتْ فرضَ نفسها بقوةٍ على المسلمِ المعاصرِ في البلدان الإسلامية وغير الإسلامية، مع نُمُوِّ الظاهرةِ الإسلاميةِ من جهةٍ، وتَنَامي التخويفِ من الإسلام من الجهةِ الأخرى، وشُيوعِ ثقافةٍ غيرِ صحيحةٍ وفهمٍ غيرِ عمليٍّ ولا دقيقٍ لبعضِ النصوصِ في هذا الموضوع؛ الأمرُ الذي استفزَّ قلمَ سماحةِ الشيخِ لكتابةِ هذا البحثِ الرائع، الذي جمع مع وَجَازَتِه أطرافَ القضية، في مناقشةٍ علميةٍ فقهيةٍ متميزة، تجمع بين النصوص الصحيحة العامة والخاصة، لتُشَكِّلَ للقارئِ المسلمِ ثقافةً شرعيةً متكاملةً غيرَ متناقضة.
يتكون البحث من أربعة فصول:
- يناقش الأول: أسباب منع المسلم من ابتداء أهل الكتاب بالسلام؛ حيث استند القائلون بذلك للحديث الصحيح "لاَ تَبْدَءُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى بِالسَّلاَمِ"، ولما كان هذا غريبًا في العلاقات الإنسانية الطبيعية، فقد لجأ بعضُ أهلِ العلم لالتماسِ أسبابِ ذلك، فمن قائل: إنه مكروهٌ لما فيه من تعظيمِهم، وجائزٌ إن كانت للمسلم حاجةٌ إليهم، ومن قائل: إنَّ الكافرَ ليس من أهل التحية، ومن قائل: إن فيه إظهارًا للودِّ لمن حادَّ الله ورسولَه، أو استجلابًا لهذا الود؛ خلافًا للمأمور به من معاداة الكافرين.
وقد كان رد سماحة الشيخ على هذه التبريرات الضعيفة بالنقض والإبطال، فالسلام ليس تعظيمًا للمسلم عليه، ولا إكرامًا له، بل هو أحرى أن يكون إكرامًا للمسلم نفسه، والسلامُ إنما هو تحيةٌ تحقق المقصد من الآية الكريم ﴿وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا﴾ (الحُجرات: من الآية 13)، وبَسْطُ الإيناسِ واجبٌ إسلاميٌّ، فالمسلمُ داعيةٌ يجب أن يتلطَّف مع مَنْ يدعوهم، وتلك هي الموعظة الحسنة، والوُدُّ الذي نهي عنه الشارعُ هو الموجَّه إلى المحاربين من الكفار؛ لا إلى كل كافر، فقد أباح الإسلام زواج الكتابية، والزواجُ قائمٌ على المودة والرحمة، والمسلمُ مأمورٌ بفعلِ ما يستدعي مودَّةَ الناس جميعًا، ما داموا غير محاربين للمسلمين ولا يُظاهرون عليهم، ومن ثَمّ أجاز الإسلامُ التهاديَ بين المسلم وغير المسلم، وخصوصًا ذوي الأرحام ﴿لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ (الممتحنة: من الآية 8).
أما الفصل الثاني : فاستعرض فيه سماحة الشيخ موقف الإسلام من السلام والتحية، باعتبارها جزءًا من السلوك العام للمسلم، وذلك من خلال عدة نقاط:
1- الإنسانُ خليفةُ الله في الأرض، ومهمتُه عمارتُها، وهذا أمرٌ يشتركُ فيه المسلمُ وغيرُ المسلم، ولا يَتِمُّ ذلك إلا في ظلِّ علاقات إنسانية سلمية.
2- هذه المهمةُ المشتركةُ لا تعني التوحُّدَ بين المسلم وغير المسلم، فللمسلم رسالتُه المكَلَّفُ بها وهي الالتزامُ بالإسلام والدعوة إليه.
3- الدعوة إلى الإسلام إنما توجَد ضمن قواعد شرعية منها: حقُّ الإنسان في الاختيار ﴿لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾ (البقرة: من الآية 265)، ومنها: وجود علاقاتٍ سليمةٍ تسمح بالحوار ومحاولة الإقناع، وتقوم على تكريم الإنسان واحترام إرادته والتعايش السلمي مع خياراته الدينية ﴿لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)﴾ (الكافرون)، ومنها: أن السلام هو الأصل الشرعي الثابت الذي يُوجِدُ أفضلَ الظروف لنشرِ دعوةِ الإسلام، وقد حفلت كتبُ الفقه بتنظيم التعايش مع غير المسلمين في كل الظروف بشكل تفصيلي.
وأمام هذا يتساءل فضيلةُ العلامة الشيخ فيصل: هل يُعْقَل إذا التقى مسلم بغير مسلم ألَّا يبدأَه بالسلام؟ وهو الذي يجب أن يبادِرَه بالدعوة؟، وأن يسبق إلى الخير ﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾ (البقرة: من الآية 148)، وهو المأمورُ بأن يدرأَ السيئة بالحسنة، ومن باب أوْلَى أن يبدأ بالحسنة ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾ (البقرة: من الآية 83).
- وفي الفصل الثالث : استعرض سماحة الشيخ النصوص القرآنية في هذا الموضوع:
1- فالنصوص الداعية إلى التسليم عند دخول البيوت عامة للمسلمين وغير المسلمين.
2- والنصوص الداعية إلى ترك مجالس اللغو تأمر بالسلام عند المتاركة ﴿سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ﴾ (القصص: من الآية 55)، ﴿وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا﴾ (الفرقان: من الآية 63)، ﴿فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ﴾ (الزُّخرُف: من الآية 89)، فإذا أُمر المسلمُ في المتاركة بالسلام، فهو عند الاستقبال واللقاء أَوْلَى.
وقد سُئل سفيان بن عيينة رحمه الله: هل يجوز السلام على الكافر؟ فقال: نعم، وذكر آية الممتحنة ﴿لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8)﴾ (الممتحنة: من الآية 8)، ثم قال: قال تعالى: ﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ﴾ (الممتحنة: من الآية 4)، وقال إبراهيم لأبيه: ﴿سَلامٌ عَلَيْكَ﴾ (مريم: من الآية 47).
وهو ما قاله الطبري ونسبه للسلف وابن مسعود وأبي أمامة والحسن الأوزاعي.
3- وقد تعجب سماحة الشيخ ممن يفرِّق في لفظ التحية بين المسلم وغير المسلم، أو يرفض رد التحية على غير المسلم بلفظ "السلام"، مع قول الله تعالى: ﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا﴾ (النساء: من الآية 86).
وقد روى الشعبي عن أحد أئمة السلف أنه قال لنصراني: عليك السلام ورحمة الله تعالى، فقيل له في ذلك؟ فقال: أليس في رحمة الله يعيش؟ فأما قول النبي صلي الله عليه وسلم لليهود "وَعَلَيْكُمْ"؛ فلأنهم كانوا غيَّروا اللفظ وقالوا: (السَّامُ عَلَيْكُمْ) أي الموت، فلم يشأ النبي صلي الله عليه وسلم أن يُفْحِش في الرد على أدبِهم السيئ فاكتفى بقوله "وَعَلَيْكُمْ".
وفي الفصل الرابع: استعرض سماحة الشيخ نصوص السنة المطهرة التي تناولت قضية السلام، وقسَّمها قسمين:
القسم الأول : الأحاديث العامة، ومنها الحديث المتفق عليه: سُئل رسول الله صلي الله عليه وسلم: أَيُّ الإِسْلاَمِ خَيْرٌ؟ قَالَ: "تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلاَمَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ".
ومنها : الأحاديث الآمرة بإفشاء السلام بشكل عام، ومنها حديث أبي داود والترمذي- وحسَّنه- "إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِاللهِ مَنْ بَدَأَهُمْ بِالسَّلاَمِ".
القسم الثاني : الأحاديث الخاصة بإفشاء السلام بين المسلمين خاصةً، واعتبار السلام حقًّا من حقوق المسلم على أخيه إذا لقيه، ومنها حديث مسلم "أَفْشُوا السَّلاَمَ بَيْنَكُمْ".
وخلص سماحة الشيخ فيصل من كل تلك الأحاديث إلى أن السلامَ في الأصل هو تحيةُ الناس جميعًا، وأن الله وضعه في الأرض كلها، ولكن المسلمين هم أَوْلَى الناس به، وعليهم إفشاؤه فيما بينهم أولاً، وتجاه سائر الناس ثانيًا.
حديث : "لا تَبْدَءوهُمْ بِالسَّلامِ"
كان الصحابة يتعاملون مع الناس وفق المبادئ السابقة، ويلقون السلام ويردونه على الجميع، حتى كان يوم قريظة، فقال النبي صلي الله عليه وسلم: "إِنَّا غَادُونَ عَلَى يَهُودَ فَلاَ تَبْدَءُوهُمْ بِالسَّلاَمِ فَإِذَا سَلَّمُوا عَلَيْكُمْ فَقُولُوا وَعَلَيْكُمْ" (أخرجه أحمد والطبراني بسند صحيح).
وأما حديث مسلم في الصحيح "لاَ تَبْدَءُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى بِالسَّلاَمِ" فالمقصود به في حالة الحرب؛ حتى يستقيم مع السبب المذكور في عدم التسليم على اليهود في قريظة، ومع ما سبق من نصوص ومبادئ عامة في إفشاء السلام ونشره
الأكثر مشاهدة
المشاركات الشائعة
-
موقع الإخوان المسلميبن ـ ورود الحق بقلم: د. عماد عجوة القيروان.. مدينة تونسية تقع على بُعد 156 كم من العاصمة تونس، وعلى بُعد 57 كم من مدين...
-
أولا: مفهوم الثبات والمرونة : تنقسم أحكام الشريعة الإسلامية على قسمين : ا لأول : أحكام ثابتة : وهذه لا سبيل إلى البحث فيها ، ولا تقبل الت...
-
موقع قصة الإسلام ـ مدونة ورود الحق أما النصف الأوَّل من القرن الرابع الهجري والنصف الأوَّل من القرن العاشر الميلادي فيمثِّله أبو الحسن عل...
-
مدونة ورود الحق ـ الإسلام اليوم هانئ رسلان تعيشُ الخُرطوم هذه الأيام أجواءًا من الترقُّب المشوب بالقلق؛ بسبب...
-
مدونة ورود الحق ـ موقع إخوان أون لاين بقلم: د. كامل عبد الفتاح باحث في تاريخ مصر الحديث والمعاصر في التاسع والعشرين من أغسطس من كل عام تحل...
-
حذر الدكتور محمود حمدي زقزوق، وزير الأوقاف، أئمة الوزارة من التطرق إلى الموضوعات السياسية في الدروس الرمضانية التي سيلقونها بمساجد الجمهور...
-
موقع قصة الإسلام ـ ورود الحق فلسطين أرض الرسل والأنبياء الذين حملوا راية التوحيد، ودعوا أقوامهم إلى الالتزام بها. وقد شهدت فلسطين ف...
-
مدونة ورود الحق هؤلاء هم القادة الذين نريدهم هؤلاءالله سيرفع درجاتهم إن شاء الله ويسكنهم جنات النعيم ذلك بما يعملون الآن لأمتهم من تضحيات و...
-
د: منير جمعة عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين :- دول الغرب المسيحي تحتفي بكل الخارجين عن الإسلام وتلبسهم ألقابا رنانة . الرئيس بوش استقبل...
-
ورود الحق ـ قصة الإسلام : روجر بواس يلقي روجر بواس[1] في مقاله هذا نظرة على النموذج الإسباني للتطهير العرقي والديني. لكل شيء إذا ما تم نقصان...
يتم التشغيل بواسطة Blogger.
أرشيف المدونة الإلكترونية
-
▼
2010
(156)
-
▼
يوليو
(11)
- لماذا بدأت سورة الإسراء بالتسبيح؟
- التكوين الثقافي للداعية
- حوار مع فضيلة الدكتور منير جمعة عن الوحدة الإسلامية
- تركيا.. صراع الإسلام والعلمانية في مائة عام !
- علماء إندونيسيا والصلاة إلى كينيا
- حدث فى مثل هذا اليوم (السابع من شهر شعبان )
- شعبان بين السنة واالبدعة
- شعبان وأحكام الصيام فيه
- "السلام على أهل الكتاب".. رؤية شرعية
- الصيام في شعبان ..والعبادة وقت الغفلة
- حكم تصديق أخطبوط البرادعى
-
▼
يوليو
(11)
أحدث موضوع
المدونة على الفيس بوك
أقسام مهمة
التسميات
- أزمات الأمة (38)
- الخلافة الأموية (1)
- الدولة العثمانية الجزء الثانى (12)
- الدولة العثمانية الجزء الرابع (3)
- الدولة العثمانية الجزء الأول (8)
- الدولة العثمانية الجزء الثالث (10)
- السودان وأزمة الانفصال (10)
- الشيشان جرح ينزف (7)
- النصرانية ما بين التعريف والتحريف الجزء الأول (1)
- تاريخ الأندلس (1)
- تاريخ أمة (42)
- تاريخ حماس والدفاع عنه (1)
- تاريخ فلسطين (2)
- تحليلات هامة (11)
- تربية الأطفال (1)
- تركستان جرح ينزف (8)
- حدث فى مثل هذا (2)
- دروس فى الفقه (1)
- شخصيات إسلامية (2)
- شخصيات أسلموا (2)
- صحابة الرسول (1)
- عجائب التكنولوجيا (1)
- على الصلابى (1)
- عن الإخوان والبنا (4)
- غرائب من الحياة (1)
- غزة بين النار والحصار (7)
- فتاوى اقتصادية (1)
- فتاوى الدكتور منير جمعة (5)
- فتاوى عامة (6)
- فقه السنة (3)
- فلسطين (9)
- فيديو مؤثر (4)
- قالوا عن الإسلام (3)
- قصص من روائع حضارتنا (23)
- كتاب الكبائر للإمام شيخ الإسلام الذهبى (4)
- كشمير جرح ينزف (7)
- كوسوفا جرح ينزف (5)
- مساجد لها تاريخ (1)
- مقالات الأستاذ ثامر عبد الغني سباعنه (1)
- مقالات الدكتور منير جمعة (17)
- مقالات المشرف (13)
- مقالات رمضانية (1)
- مواعظ الإمام ابن الجوزى (16)
- نقاشات (1)
بحث
بحث هذه المدونة الإلكترونية
Categories
المتابعون
فيديو الأسبوع
أحدث التعليقات
أحدث المقالات