الصفحة الرئيسية » Archives for أغسطس 2010
قالوا عن الإسلام : المستشرق الإنجليزي البارز السير آرنولد توماس
كتبت تحت قسم
قالوا عن الإسلام
|
الاثنين، 30 أغسطس 2010|
درعمى
موقع قصة الإسلام ـ ورود الحق
"إن الفكرة التي شاعت بأن السيف كان العامل في تحويل الناس إلى الإسلام بعيدة عن التصديق.. إن نظرية العقيدة الإسلامية تلتزم التسامح وحرية الحياة الدينية لجميع أتباع الديانات الأخرى"[1]
"إن مجرد وجود كثير جدًّا من الفرق والجماعات المسيحية في الأقطار التي ظلت قرونًا في ظل الحكم الإسلامي لدليل ثابت على ذلك التسامح الذي نعم به هؤلاء المسيحيون".[2]
"إن هذه القبائل المسيحية التي اعتنقت الإسلام إنما فعلت ذلك عن اختيار، وإرادة حرة، وإن العرب المسيحيين الذين يعيشون في وقتنا هذا بين جماعات مسلمة لَشَاهدٌ على هذا التسامح"..
".. ولكننا لم نسمع عن أية محاولة مدبرة لإرغام الطوائف من غير المسلمين على قبول الإسلام، أو عن أي اضطهاد مُنظَّم قُصِد منه استئصالُ الدين المسيحي، ولو اختار الخلفاء تنفيذ إحدى الخطتين لاكتسحوا المسيحية بتلك السهولة التي أقصى بها (فرديناند، وإيزابيلا) دين الإسلام من أسبانيا، أو التي جعل بها "لويس الرابع عشر" المذهب البروتستانتي مذهبًا يُعاقَبُ عليه متبعوه في فرنسا، أو بتلك السهولة التي ظل بها اليهود مُبعَدين عن انجلترا مدة خمسين وثلاثمائة سنة، وكانت الكنائس الشرقية في آسيا قد انعزلت انعزالاً تامًّا عن سائر العالم المسيحي الذي لم يوجد في جميع أنحائه أحدٌ يقف في جانبهم باعتبارهم طوائف خارجة عن الدين، ولهذا فإن مجرد بقاء هذه الكنائس حتى الآن ليحمل في طياته الدليل القوي على ما أقدمت عليه سياسة الحكومات الإسلامية بوجه عام من تسامح نحوهم".[4]
[1]آرنولد توماس: الدعوة إلى الإسلام ص102
[2]المرجع نفسه ص 88.
[3] د/ محمد عمارة : الإسلام في عيون غربية، ص81:79.
[4] سير توماس أرنولد: الدعوة إلى الإسلام، ص70، 98، 99
المسور بن مخرمة
كتبت تحت قسم
صحابة الرسول
|
|
درعمى
موقع قصة الإسلام ـ ورود الحق
هوالمسور بن مخرمة بن نوفل بن أهيب بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤى القرشي الزهري وأمه عاتكة بنت عوف أخت عبد الرحمن بن عوف ممن أسلمن وهاجرن.
وكانت له مواقف مع رسول الله ( صلي الله عليه وسلم ) فعن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن المسور بن مخرمة قال:
أقبلت بحجر أحمله ثقيل وعلي إزار خفيف قال فانحل إزاري ومعي الحجر لم أستطع أن أضعه حتى بلغت به إلى موضعه فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ارجع إلى ثوبك فخذه ولا تمشوا عراة.(1)
وجاء في سنن أبي داود عن المسور بن مخرمة أنه قال:
قسم رسول الله( صلى الله عليه وسلم) أقبية ولم يعط مخرمة شيئا فقال مخرمة يا بني انطلق بنا إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فانطلقت معه قال ادخل فادعه لي قال فدعوته فخرج إليه وعليه قباء منها فقال "خبأت هذا لك" قال فنظر إليه. زاد ابن موهب: مخرمة ثم اتفقا قال رضي مخرمة. قال قتيبة عن ابن أبي مليكة لم يسمه.
من مواقفه مع الصحابة:
مواقف كثيرة قد حدثت بين المسور بن مخرمة وبين الصحابة ( رضوان الله عليهم ) ومن هذه المواقف وقوفه مع عبدالله بن الزبير؛ حتي يتصالح مع خالته أم المؤمنبن السيدة عائشة ( رضي الله عنها )
جاء في الدر المنثور أن عائشة رضي الله عنها حدثت: أن عبد الله بن
الزبير قال في بيع أو عطاء أعطته عائشة: والله لتنتهين عائشة أو لأحجرن عليها
فقالت: أهو قال هذا؟ قالوا نعم
قالت عائشة: فهو لله نذر أن لا أكلم ابن الزبير كلمة أبدا
فاستشفع ابن الزبير بالمهاجرين حين طالت هجرتها إياه
فقالت: والله لا أشفع فيه أحدا أبدا ولا أحنث نذري الذي نذرت أبدا فلما طال على ابن الزبير كلم المسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث وهما من بني زهرة فقال لهما: أنشدكما الله إلا أدخلتماني على عائشة فإنها لا يحل لها أن تنذر قطيعتي فأقبل به المسور وعبد الرحمن مشتملين عليه بأرديتهما حتى استأذنا على عائشة فقالا: السلام على النبي ورحمة الله و بركاته أندخل؟ فقالت عائشة: ادخلوا
قالوا: أكلنا يا أم المؤمنين؟
قالت: نعم ادخلوا كلكم
ولا تعلم عائشة أن معهما ابن الزبير فلما دخلوا دخل ابن الزبير في الحجاب و اعتنق عائشة وطفق يناشدها ويبكي وطفق المسور وعبد الرحمن يناشدان عائشة إلا كلمته وقبلت منه ويقولان: " قد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عما قد علمت من الهجرة و أنه لا يحل للرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال " فلما أكثروا التذكير والتحريج طفقت تذكرهم وتبكي وتقول: إني قد نذرت والنذر شديد فلم يزالوا بها حتى كلمت ابن الزبير ثم أعتقت بنذرها أربعين رقبة لله ثم كانت تذكر بعدما أعتقت أربعين رقبة فتبكي حتى تبل دموعها خمارها.
وموقف آخر مع عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه ) "عن المسور بن مخرمة أنه دخل هو وابن عباس على عمر بن الخطاب فقالا الصلاة يا أمير المؤمنين بعد ما أسفر فقال نعم لاحظ في الإسلام لمن ترك الصلاة فصلى والجرح يثعب دم".(2)
واجتمعت جماعة فيما حول مكة في الحج وحانت الصلاة فتقدم رجل من آل أبي السائب أعجمي اللسان قال فأخره المسور بن مخرمة وقدم غيره فبلغ عمر بن الخطاب فلم يعرفه بشيء حتى جاء المدينة فلما جاء المدينة عرفه بذلك فقال المسور أنظرني يا أمير المؤمنين أن الرجل كان أعجمي اللسان وكان في الحج فخشيت أن يسمع بعض الحاج قراءته فيأخذ بعجمته فقال هنالك ذهبت بها فقال نعم فقال قد أصبت.(3)
وجاء في صحيح البخاري عن عمرو بن الشريد قال: وقفت على سعد بن أبي وقاص فجاء المسور بن مخرمة فوضع يده على إحدى منكبي إذ جاء أبو رافع مولى النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال يا سعد ابتع مني بيتي في دارك فقال سعد والله ما أبتاعهما فقال المسور والله لتبتاعنهما فقال سعد والله لا أزيدك على أربعة آلاف منجمة أو مقطعة قال أبو رافع لقد أعطيت بها خمسمائة دينار ولولا أني سمعت النبي (صلى الله عليه وسلم) يقول ( الجار أحق بسقبه ). ما أعطيتكها أربعة آلاف وأنا أعطى بها خمسمائة دينار فأعطاها إياهم.
وحدث أن عبد الله بن عباس والمسور بن مخرمة أنهما اختلفا بالأبواء فقال عبد الله بن عباس يغسل المحرم رأسه وقال المسور:
لا يغسل المحرم رأسه فأرسلني ابن عباس إلى أبي أيوب الأنصاري أسأله عن ذلك فوجدته يغتسل بين القرنين وهو يستتر بثوب قال فسلمت عليه فقال من هذا؟ فقلت أنا عبد الله بن حنين أرسلني إليك عبد الله بن عباس أسألك كيف كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم) يغسل رأسه وهو محرم؟ فوضع أبو أيوب( رضي الله عنه) يده على الثوب فطأطأه حتى بدا لي رأسه ثم قال لإنسان يصب اصبب فصب على رأسه ثم حرك رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر ثم قال هكذا رأيته (صلى الله عليه وسلم ) يفعل.
عن أم بكر أن مروان دعا المسور بن مخرمة يشهده حين تصدق بداره على عبد الملك قال فقال المسور وترث فيها العبسية قال لا قال فلا أشهد قال ولم قال إنما أخذت من احدى يديك فجعلته في الأخرى فقال وما أنت وذاك احكم أنت إنما أنت شاهد فقال وكلما فجرتم فجرة شهدت عليها قال عبد الملك والعبسية كانت امراة مروان.(4)
دخل المسور بن مخرمة على مروان فجلس معه وحادثه فقال المسور لمروان في شيء سمعه: بئس ما قلت فركضه مروان برجله فخرج المسور. ثم إن مروان نام فأتي في المنام فقيل له: ما لك وللمسور كل يعمل على شاكلته فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا قال: فأرسل مروان إلى المسور فقال: إني زجرت عنك في المنام وأخبره بالذي رأى. فقال المسور: لقد نهيت عنه في اليقظة والنوم وما أراك تنتهي.(5)
من مواقفه مع التابعين:
له موقف مع علي بن الحسين ( رضي الله عنه ):
حينما قدموا المدينة من عند يزيد بن معاوية بعد مقتل الحسين بن علي( رضي الله عنهما) لقي المسور بن مخرمة علي بن الحسين فقال له هل لك إلي من حاجة تأمرني بها؟ قال فقلت له لا قال له هل أنت معطي سيف رسول الله (صلى الله عليه وسلم)؟ فإني أخاف أن يغلبك القوم عليه وايم الله لئن أعطيتنيه لا يخلص إليه أبدا حتى تبلغ نفسي إن علي بن أبي طالب خطب بنت أبي جهل على فاطمة فسمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وهو يخطب الناس في ذلك على منبره هذا وأنا يومئذ محتلم فقال إن فاطمة مني وإني أتخوف أن تفتن في دينها.
قال ثم ذكر صهرا له من بني عبد شمس فأثنى عليه في مصاهرته إياه فأحسن قال حدثني فصدقني ووعدني فأوفى لي وإني لست أحرم حلالا ولا أحل حراما ولكن والله لا تجتمع بنت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وبنت عدو الله مكانا واحدا أبدا.(6)
من الأحاديث التي نقلها عن الرسول:
عن المسور بن مخرمة أن: عمرو بن عوف وهو حليف بني عامر بن لؤي وكان شهد بدرا مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أخبره أن رسول الله( صلى الله عليه وسلم) بعث أبا عبيدة بن الجراح فقدم بمال من البحرين وسمعت الانصار بقدوم أبي عبيدة فوافوا صلاة الفجر مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم) فلما صلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) انصرف فتعرضوا له فتبسم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حين رآهم ثم قال أظنكم سمعتم أن أبا عبيدة قدم بشيء قالوا أجل يا رسول الله قال فأبشروا وأملوا ما يسركم فو الله ما الفقر أخشى عليكم ولكني أخشى أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم.(7)
وجاء في صحيح البخاري عن المسور بن مخرمة ومروان قالا:
خرج النبي (صلى الله عليه وسلم) من المدينة في بضع عشرة مائة من أصحابه حتى إذا كانوا بذي الحليفة قلد النبي (صلى الله عليه وسلم) الهدي وأشعر وأحرم بالعمرة.
عن المسور بن مخرمة: أن سبيعة الأسلمية نفست بعد وفاة زوجها بليال فجاءت النبي (صلى الله عليه وسلم) فاستأذنته أن تنكح فأذن لها فنكحت.(8)
وفاته:
توفي المسور بن مخرمة يوم جاء نعي يزيد بن معاوية إلى ابن الزبير سنة أربع وستين وصلى عليه ابن الزبير بالحجون أصابه حجر المنجنيق وهو يصلي بالحجر فأقام خمسة أيام وتوفي في شهر ربيع الأول سنة أربع وستين وولد بعد الهجرة بسنتين وقدم به المدينة في عقب ذي الحجة سنة ثمان وشهد عام الفتح وهو ابن ست سنين وتوفي النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمان سنين. (9)
المصادر:
1- صحيح مسلم [ جزء 1 - صفحة 268 ]
2- اعتقاد أهل السنة [ جزء 4 - صفحة 825 ]
3- مسند الشافعي [ جزء 1 - صفحة 54 ]
4- الورع [ جزء 1 - صفحة 73 ]
5- الاستيعاب [ جزء 1 - صفحة 438 ]
6- صحيح مسلم [ جزء 4 - صفحة 1902 ]
7- سنن الترمذي [ جزء 4 - صفحة 640 ]
8- صحيح البخاري [ جزء 5 - صفحة 2038 ]
9- مجمع الزوائد [ جزء 9 - صفحة 732 ]
أهمية العلم وقيمته في الإسلام
كتبت تحت قسم |
السبت، 28 أغسطس 2010|
درعمى
موقع قصة الإسلام ـ ورود الحق
د. راغب السرجاني
قيمة العلم
باتت الحقيقة الأولى التي ظهرت في الأرض عند نزول جبريل u لأوَّل مرَّة على رسول الله أن هذا الدين الجديد (الإسلام) دينٌ يقوم على العلم ويرفض الضلالات والأوهام جملةً وتفصيلاً؛ حيث نزل الوحي أوَّل ما نزل بخمس آيات تتحدَّث حول قضية واحدة تقريبًا، وهي قضية العلم، قال تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: 1-5].
إن هذا النزول الأوَّل بهذه الكيفيَّة ليُعَدُّ عجيبًا؛ وذلك من عِدَّة وجوه: فهو عجيب لأن الله U قد اختار موضوعًا معيَّنًا من آلاف المواضيع التي يتضمَّنها القرآن الكريم وبدأ به، مع أن الرسول الذي يتنزل عليه القرآن أُمِّيٌ لا يقرأ ولا يكتب، فكان واضحًا أن هذا الموضوع الأوَّل هو مِفتاح فَهْمِ هذا الدِّين، ومفتاح فهم هذه الدنيا، بل وفهم الآخرة التي سيئول إليها الناس كلهم.
ثم هو عجيب كذلك لأنه نزل يتحدَّث عن قضية ما اهتم بها العرب كثيرًا في تلك الآونة، بل كانت الخرافات والأباطيل هي التي تحكم حياتهم من أوَّلها إلى آخرها، فكانوا يفتقرون إلى العلم في كل المجالات، اللهم إلا في مجال البلاغة والشعر، فكان هذا هو الميدان الذي تفوَّق فيه العرب وبرعوا، ولذلك نزل القرآن -وهو الأعجب- يتحدَّاهم في هذا الذي برعوا فيه، معلنًا لهم أنه ينادي بالعلم والتفوُّق فيه في كل الجوانب، بما فيها تلك التي يجيدونها.
الإسلام والعلم
يعد ظهور الإسلام بمنزلة ثورة علميَّة حقيقيَّة في بيئة ما أَلِفَتْ رُوح العلم وما تعوَّدت عليه، لدرجة أن المرحلة السابقة لنزول أولى كلمات القرآن صارت تُعْرَف باسم (الجاهلية)! فصفة الجهل ترتبط بما هو قبل الإسلام، ثم جاء الإسلام ليبدأ العلم، ولِتُنَار الدنيا بنور الهداية الربانيَّة، فقال تعالى: {أَفَحُكْمَ الْـجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [ المائدة: 50].
فليس هناك مكانٌ في هذا الدين للجهل أو الظنِّ أو الشكِّ أو الرِّيبَة.
القرآن والعلم
لم تكن البداية فقط في هذا الكتاب المعجز (القرآن) هي التي تتحدَّث عن العلم وقيمته وأهميته في قوله سبحانه: {اقرأ}، بل كان هذا منهجًا ثابتًا في هذا الدستور الخالد، فلا تكاد تخلو سورة من سوره من الحديث عن العلم، سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
و المفاجأة الكبرى عند بإحصاء عدد المرات التي جاءت فيها كلمة (العلم) بمشتقاتها المختلفة في كتاب الله U؛ تجد-بلا مبالغة- قد بلغت 779 مرَّة، أي بمعدَّل سبع مرَّاتٍ -تقريبًا- في كل سورة!
وهذا عن كلمة (العلم) بمادَّتها الثلاثية (ع ل م)، إلا أن هناك كلمات أخرى كثيرة تشير إلى معنى العلم ولكن لم تُذكر بلفظه؛ وذلك مثل: اليقين، والهدى، والعقل، والفكر، والنظر، والحكمة، والفقه، والبرهان، والدليل، والحجة، والآية، والبينة، وغير ذلك من معانٍ تندرج تحت معنى العلم وتحثُّ عليه. أمّا السُّنَّة النبويَّة فإحصاء هذه الكلمة فيها يكاد يكون مستحيلاً.
بل إن الملاحظ أن اهتمام القرآن بقضيَّة العلم لم يتبدَّ في أولى لحظات نزوله فقط، وإنما كان ذلك منذ بداية خلق الإنسان نفسه، كما حكى ذلك القرآن الكريم في آياته؛ فالله U خلق آدم وجعله خليفة في الأرض، وأمر الملائكة أن تسجد له، وكرَّمه وعظَّمه ورفعه، ثم ذكر لنا وللملائكة سبب هذا التكريم والتعظيم والرِّفعة، فعيَّن أنه (العلم)؛ يقول تعالى في تقرير ذلك: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْـمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ * وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْـمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاَءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لاَ عِلْـمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْـحَكِيمُ * قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَـمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ * وَإِذْ قُلْنَا لِلْـمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [البقرة: 30-34].
ومن هنا لم يكن الأمر من باب المبالغة حين أشار الرسول في حديثه إلى أن الدنيا بكاملها لا قيمة لها -بل هي ملعونة- إلا إذا ازدانت بالعلم وذِكْر الله U، فقد قال رسول الله : "الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ، مَلْعُونٌ مَا فِيهَا إِلاَّ: ذِكْرَ اللهِ وَمَا وَالاَهُ، أَوْ عَالِمًا، أَوْ مُتَعَلِّمًا"[1].
وقد كان لذلك كله أثر بعيد المدى في الدولة الإسلاميَّة بعد ذلك، حيث ولَّد نشاطًا علميًّا واسعًا في مختلَف ميادين العلم والمعرفة، نشاطًا لم يعهد له التاريخ مثيلاً، ممَّا جعله يحقِّق ازدهارًا حضاريًّا عظيمًا على أيدي علماء المسلمين، ويمدُّ التراث الإنساني بذخيرة علميَّة رائعة، يظلّ العالم بأسره مدينًا لها.
د.راغب السرجاني
[1] الترمذي: كتاب الزهد، باب ما جاء في هوان الدنيا على الله (2322)، وقال: حديث حسن غريب. والدارمي (322)، والطبراني في الأوسط (4072)، والبزار (1736)، والبيهقي في شعب الإيمان (1708)، وقال الألباني: حسن. انظر: صحيح الجامع (1609).
إلى ابن الدعوة...
كتبت تحت قسم
مقالات الأستاذ ثامر عبد الغني سباعنه
|
|
درعمى
بقلم : ثامر سباعنه
قباطية \ فلسطين
Sbana3@yahoo.com
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الخلق والمرسلين
أخي ابن الدعوة...
نلتقي بكم لنضع بين أيديكم بعض السلبيات والملاحظات التي ما كنا لنضعها بين أيديكم إلا حرصا منا عليكم و لحبنا لكم و عملا ب (المؤمن مرآة اخيه ) راجين الله تعالى ان تعوا ثقل الامانه التي حملتموها و مقدار ما يتوجب عليكم من عمل و تضحيه ....
و كما كان عنوان رسالتنا من القلب الى القلب .. نتمنى ان ندخل لقلوبكم و عقولكم و ان نكون صفا واحدا لخدمة هذه الدعوه الغاليه و لنصرة هذه الفكره و الآن نضع هذه السلبيات و بعض النصائح راجين الله عز وجل ان نتعاون للتصحيح .
الضعف والهزل الروحي ، فضعف في قيام الليل ،وتكاسل في صلاة الجماعة ،وقلة الإقبال على المسجد ، وقراءة القرآن حسب الظروف والمناسبات ، وعدم الإقبال على الدعاء ، كل ذلك وأكثر أصبح صفة لمعظم العاملين في حقل الدعوة ، وهذا مؤشر خطير على الانحدار في التربية والبناء ، مما يؤثر في العمل و يعكس صورة غير إيجابية لأبناء المساجد ، وأبناء الدعوة .
لذا ندعوك أخي ابن الدعوة للعودة للورد اليومي من القرآن الكريم بما لا يقل عن قرآءة 50 آية ، والحرص على الصلاة في المسجد ((قم إلى الصلاة متى سمعت النداء )) ، وان لا تتساهل في الدعاء وان تواضب عليه ، فالأصل فيك أيها الداعية أن تكون يديك دائما مرفوعتان لربك تسأله و تدعوه بما في قلبك ليرفع الظلم عنا وليحقق نصره الذي وعد به عباده المستحقين لهذا النصر.ولا تنسى اخي الداعية الحرص على قيام الليل ويمكنك أخي ان تجتهد بأن تؤخر ركعتين يوميا تصليهن قبل أن تنام بنية قيام الليل .
ولا تنسى أخي الداعية أهمية البناء الذاتي ، فعليك أن تبادر لبناء نفسك وإعدادها لتكون على قدر المسئولية ، وأن لا تنتظرأن يبنيك إنسان آخر ، فعود نفسك على قراءة الكتب والاستماع على للأشرطة الدعوية وحضور الندوات والدروس الهادفة البناءة .
انغماس وانشغال الكثير بأمور الدنيا فبعض الدعاة لا يعطون الدعوة إلا فضول أوقاتهم ، والله تعالى يقول {{ يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم وأولادكم عن ذكر الله }} وقال الإمام الشهيد حسن البنا (إن الإيمان عندنا هو إيمان مشتعل يقظ وعند غيرنا نائم مخدر ، فلا نريد دعاة منشغلين بأمور دنياهم ولا يعطون دعوة الله إلا فضائل أوقاتهم )
الفتور وسقوط الداعية :
قباطية \ فلسطين
Sbana3@yahoo.com
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الخلق والمرسلين
أخي ابن الدعوة...
نلتقي بكم لنضع بين أيديكم بعض السلبيات والملاحظات التي ما كنا لنضعها بين أيديكم إلا حرصا منا عليكم و لحبنا لكم و عملا ب (المؤمن مرآة اخيه ) راجين الله تعالى ان تعوا ثقل الامانه التي حملتموها و مقدار ما يتوجب عليكم من عمل و تضحيه ....
و كما كان عنوان رسالتنا من القلب الى القلب .. نتمنى ان ندخل لقلوبكم و عقولكم و ان نكون صفا واحدا لخدمة هذه الدعوه الغاليه و لنصرة هذه الفكره و الآن نضع هذه السلبيات و بعض النصائح راجين الله عز وجل ان نتعاون للتصحيح .
الضعف والهزل الروحي ، فضعف في قيام الليل ،وتكاسل في صلاة الجماعة ،وقلة الإقبال على المسجد ، وقراءة القرآن حسب الظروف والمناسبات ، وعدم الإقبال على الدعاء ، كل ذلك وأكثر أصبح صفة لمعظم العاملين في حقل الدعوة ، وهذا مؤشر خطير على الانحدار في التربية والبناء ، مما يؤثر في العمل و يعكس صورة غير إيجابية لأبناء المساجد ، وأبناء الدعوة .
لذا ندعوك أخي ابن الدعوة للعودة للورد اليومي من القرآن الكريم بما لا يقل عن قرآءة 50 آية ، والحرص على الصلاة في المسجد ((قم إلى الصلاة متى سمعت النداء )) ، وان لا تتساهل في الدعاء وان تواضب عليه ، فالأصل فيك أيها الداعية أن تكون يديك دائما مرفوعتان لربك تسأله و تدعوه بما في قلبك ليرفع الظلم عنا وليحقق نصره الذي وعد به عباده المستحقين لهذا النصر.ولا تنسى اخي الداعية الحرص على قيام الليل ويمكنك أخي ان تجتهد بأن تؤخر ركعتين يوميا تصليهن قبل أن تنام بنية قيام الليل .
ولا تنسى أخي الداعية أهمية البناء الذاتي ، فعليك أن تبادر لبناء نفسك وإعدادها لتكون على قدر المسئولية ، وأن لا تنتظرأن يبنيك إنسان آخر ، فعود نفسك على قراءة الكتب والاستماع على للأشرطة الدعوية وحضور الندوات والدروس الهادفة البناءة .
انغماس وانشغال الكثير بأمور الدنيا فبعض الدعاة لا يعطون الدعوة إلا فضول أوقاتهم ، والله تعالى يقول {{ يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم وأولادكم عن ذكر الله }} وقال الإمام الشهيد حسن البنا (إن الإيمان عندنا هو إيمان مشتعل يقظ وعند غيرنا نائم مخدر ، فلا نريد دعاة منشغلين بأمور دنياهم ولا يعطون دعوة الله إلا فضائل أوقاتهم )
الفتور وسقوط الداعية :
فقد يتساقط البعض نتيجة مغنم مادي أو صديق سيء أو الخوف أو ضعف النفس ..والحل هنا عائد للداعية نفسه فالأصل في كل داعية سار في هذا الطريق أن يعرف أنه لابد من الابتلاء ولابد من الاختبار . قال تعالى :{ أحسب الناس أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون }
الأخلاق ...أحد أهم الأسلحة التي يحارب بها الداعية ، وأحد أخطر الأسلحة التي يحارب بها الداعية ، فإن تجاهلت هذا السلاح قتلت به ..فتأكد أخي أنك حيث كنت في أي زمان وأي مكان فإنك تعكس صورة عن دعوتك وعن إخوانك فاحرص أن تكون هذه الصورة صافية ونقية .
التعلق بالأشخاص ...ظاهرة خطيرة وتساهم في الهدم ،فأنت أخي الحبيب عندما ارتضيت أن تكون ضمن صفوف هذه الدعوة فأنت قد اخترت فكرة ومنهج ولم تختار أشخاص .. فقد قال الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام ( أحبب حبيبك هونا ما عسى أن يكون بغيضك يوما ما ....) فإن تاه الأخ وضل أو تساقط عن الطريق فلا يعني لك هذا أن تترك الدعوة أو أن ضعفا في الدعوة كان السبب في سقوطه ، بل أن الضعف بالشخص نفسه لا بالدعوة .
أخي .. سرنا في هذه الدعوة لنكون دعاة ننتشل الناس من الفساد والخطأ لنرشدهم للطريق الصحيح ، ولم نكن دعاة لنتقوقع وننكمش على أنفسنا ونترك من حولنا يغرق دون أن نقدم له يد المساعدة .احرص أخي ان تساعد كل من هم بحاجة للمساعدة ، وتأكدأن لكل إنسان مفتاح تستطيع به الوصول إلى قلبه وهدايته ... فاعمل واصبر واحتسب ..فإن الله لايضيع الأجر.
الأخلاق ...أحد أهم الأسلحة التي يحارب بها الداعية ، وأحد أخطر الأسلحة التي يحارب بها الداعية ، فإن تجاهلت هذا السلاح قتلت به ..فتأكد أخي أنك حيث كنت في أي زمان وأي مكان فإنك تعكس صورة عن دعوتك وعن إخوانك فاحرص أن تكون هذه الصورة صافية ونقية .
التعلق بالأشخاص ...ظاهرة خطيرة وتساهم في الهدم ،فأنت أخي الحبيب عندما ارتضيت أن تكون ضمن صفوف هذه الدعوة فأنت قد اخترت فكرة ومنهج ولم تختار أشخاص .. فقد قال الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام ( أحبب حبيبك هونا ما عسى أن يكون بغيضك يوما ما ....) فإن تاه الأخ وضل أو تساقط عن الطريق فلا يعني لك هذا أن تترك الدعوة أو أن ضعفا في الدعوة كان السبب في سقوطه ، بل أن الضعف بالشخص نفسه لا بالدعوة .
أخي .. سرنا في هذه الدعوة لنكون دعاة ننتشل الناس من الفساد والخطأ لنرشدهم للطريق الصحيح ، ولم نكن دعاة لنتقوقع وننكمش على أنفسنا ونترك من حولنا يغرق دون أن نقدم له يد المساعدة .احرص أخي ان تساعد كل من هم بحاجة للمساعدة ، وتأكدأن لكل إنسان مفتاح تستطيع به الوصول إلى قلبه وهدايته ... فاعمل واصبر واحتسب ..فإن الله لايضيع الأجر.
ابتكار المسلمين علم الكيمياء
كتبت تحت قسم
قصص من روائع حضارتنا
|
الجمعة، 27 أغسطس 2010|
درعمى
موقع قصة الإسلام ـ ورود الحق
د. راغب السرجاني
جاء ظهور الإسلام رحمةً بالإنسانيَّة، ذلك الدين الذي دفع أتباعه إلى السبق والريادة؛ ما جعل الأمم المنصفة تشهد بفضلهم وسبقهم وتطوُّرهم الحضاري، التطوُّر الكامل المشتمل على جميع نواحي الحياة، وقد حضَّ القرآن الكريم المسلمين على التفكر والتدبُّر، وعدم التقيُّد بما جاء به الأوَّلون إلاَّ إذا ظهر فيه الخير بعد التفكير والتمحيص؛ فقال تعالى في معرض ذمِّه للكفَّار الذين يكتفون بالتقليد دون تفكير: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ} [البقرة: 170].
وإن هذا المنهج -الذي يحثُّ على إعادة النظر في كل الأمور وَفْق المنطق السليم، والتفكير المؤيَّد بأدلَّة- هو الذي دفع رسول الله مثلاً إلى قَبُول فكرة حفر الخندق في موقعة الأَحْزَاب، مع كونها جديدة تمامًا على المجتمع العربي، ومن ثَمَّ فلم يتقيَّد رسول الله بالقوالب العسكريَّة الجامدة التي ألِفَها العرب لعدَّة قرون.
وقد ورث العلماء المسلمون هذا المنهج، ومِن ثَمَّ لم يتقيَّدوا بالأُطُر العلميَّة السابقة، والتي كُوِّنت في الحضارات التي سبقت الإسلام، وهذا أدَّى إلى فكر إبداعي لم يكتفِ بإضافة ابتكارات في مجالات العلوم المختلفة، بل وصل إلى ابتكار علوم جديدة من الأساس، ومن ذلك علم الكيمياء.
ابتكار جابر بن حيان لعلم الكيمياء
لم تكن الكيمياء قبل الحضارة الإسلامية سوى محاولات فاشلة لتحويل المعادن الرخيصة إلى ذهب وفضة، معتمِدة في ذلك على العقل والاستدلال المنطقي، ومُنَحِّية المنهج العلمي القائم على التجربة والملاحظة جانبًا.
وظلَّت الكيمياء على ذلك حتى ظهر علماء المسلمين الذين أَسَّسوا للمنهج العلمي الدقيق، واستندوا إلى التجرِبة العلميَّة وإشراك الحس والعقل معًا في الوصول إلى الحقائق العلميَّة في هذا الحقل من العلوم بالذات، فكان أن نشأ وابتكر علم الكيمياء بقواعده وأصوله، وكان جابر بن حيان أول عالم يؤسِّس ويبتكر هذا العلم الكبير، حتى بات يُعرَف هذا العلم في أوربا ولعدَّة قرون (بصنعة جابر).
فجابر بن حيان هو الذي جعل التجرِبة أساس العمل، ولذلك يُعَدُّ أوَّل مَنْ أدخل التجرِبة العلميَّة المخبريَّة في منهج البحث العلمي الذي أرسى قواعده؛ وتراه في ذلك يدعو إلى الاهتمام بالتجرِبة ودقَّة الملاحظة، تلك التي يقوم عليها المنهج التجريبي، فيقول: "ومِلاكُ كمال هذه الصنعة العملُ والتجرِبة؛ فمَن لم يعمل ولم يُجَرِّب لم يظفر بشيء أبدًا"[1].
يقول ديورانت: "يكاد المسلمون يكونون هم الذين ابتدعوا الكيمياء بوصفها علمًا من العلوم؛ ذلك أن المسلمين أدخلوا الملاحظة الدقيقة، والتجارب العلمية، والعناية برصد نتائجها في الميدان الذي اقتصر فيه اليونان -على ما نعلم- على الخبرة الصناعية والفروض الغامضة؛ فقد اخترعوا الإنبيق وسمَّوه بهذا الاسم، وحللوا عددًا لا يُحصى من المواد تحليلاً كيميائيًّا، ووضعوا مؤلفات في الحجارة، وميزوا بين القلويات والأحماض، وفحصوا عن المواد التي تميل إليها، ودرسوا مئات من العقاقير الطبية، وركّبوا مئات منها. وكان علم تحوُّل المعادن إلى ذهب، الذي أخذه المسلمون من مصر هو الذي أوصلهم إلى علم الكيمياء الحق، عن طريق مئات الكشوف التي يبينوها مصادفة، وبفضل الطريقة التي جروا عليها في اشتغالهم بهذا العلم، وهي أكثر طرق العصور الوسطى انطباقًا على الوسائل العلميَّة الصحيحة"[2].
جهود علماء المسلمين في الكيمياء
خالد بن يزيد
بَدْء ظهور علم الكيمياء يمثله ظهور خالد بن يزيد الذي تتلمذ للراهب الرومي مريانوس وتعلَّم منه صنعة الطبِّ والكيمياء، والذي انتقلت معه الكيمياء من طور البدايات المترجمة عن اليونانيَّة إلى طور الإنجازات العينيَّة والاكتشافات الواضحة، وقد كان له فيها ثلاث رسائل؛ هي: (السر البديع في فك الرمز المنيع)، و(فردوس الحكمة في علم الكيمياء)، و(مقالتا مريانوس الراهب)، ذكر فيه ما كان بينه وبين مريانوس، وكيف تعلَّم منه الرموز التي أشار إليها[3].
جابر بن حيان
يعد جابر مؤسِّس العلم بلا جدال وأشهر علماء المسلمين فيه، وقد ألف كتبًا كثيرة تُرجم الكثير منها إلى اللاتينيَّة، وظلَّت المرجع الأوفى للكيمياء زُهاء ألف عام، وقد اشتملت على كثير من المركَّبات الكيميائية التي لم تكن معروفة من قبل، وهو الأمر الذي جعل مؤلَّفاته موضع دراسة مشاهير علماء الغرب، أمثال: كوب، وبرثولية، وكراوس، وهولميارد الذي أنصفه ووضعه في القمَّة، وبدَّد الشكوك التي أثارها حوله العلماء المغرضون، وكذا سارتون الذي أرَّخ به لحِقبة من الزمن في تاريخ الحضارة الإسلاميَّة.
الرازي
أما الرازي (ت 311هـ/ 923م) فقد تتلمذ على كتب جابر فساهم هو الآخر بصورة عظيمة في تأسيس علم الكيمياء، وقد دوَّن ذلك في مقدِّمة كتابه (سر الأسرار) فقال: "وشرحنا في هذا الكتاب ما سطرته القدماء من الفلاسفة مثل: أغاثا ديموس، وهرمس، وأرسطوطاليس، وخالد بن يزيد بن معاوية، وأستاذنا جابر بن حيان، بل وفيه أبواب لم يُرَ مثلها، وكتابي هذا مشتمل على معرفة معادن ثلاثة: معرفة العقاقير، ومعرفة الآلات، ومعرفة التدابير (التجارِب)"[4].
اختراعات المسلمين في الكيمياء
وبصفة عامَّة فقد كشف علماء المسلمين أهمَّ أُسُس الكيمياء وأسرارها، وكان من أهمِّ اختراعاتهم فيها ماء الفضة (حامض النيتريك)، وزيت الزاج (حامض الكبريتيك)، وماء الذهب (حامض النيترو هيدرو كلوريك)، وحجر جهنم (نترات الفضة)، والسليماني (كلوريد الزئبق)، والراسب الأحمر (أكسيد الزئبق)، وملح البارود (كربونات البوتاسيوم)، وكربونات الصوديوم، والزاج الأخضر (كبريتيد الحديد)، واكتشفوا: الكحول، والبوتاس، وروح النشادر، والزرنيخ، والإثمد، والقلويات التي دخلت إلى اللغات الأوربية باسمها العربي Alkaki[5].
وهم الذين استخدموا ذلك العلم في المعالجات الطبيَّة وصُنْعِ العقاقير، فكانوا أوَّل من نشر تركيب الأدوية والمستحضرات المعدنيَّة وتنقية المعادن، وغير ذلك من المركَّبات والمكتشفات التي تقوم عليها كثير من الصناعات الحديثة؛ مثل: الصابون، والورق، والحرير، والأصباغ، والمفرقعات، ودبغ الجلود، واستخراج الروائح العطريَّة، وصنع الفولاذ، وصقل المعادن، وغيرها. وقد اعتمدوا في تجاربهم على عِدَّة آلات ووسائل كيميائية، مثل: الإنبيق، والميزان الذي كان مهمًّا للغاية؛ حتى يحدِّدوا النِّسَبَ بين الموادِّ والعَلاقات الوزنيَّة[6].
د. راغب السرجاني
[1] جابر بن حيان: كتاب التجريد، ضمن مجموعة حقَّقها ونشرها هولميارد بعنوان: مصنفات في علم الكيمياء للحكيم جابر ابن حيان، باريس 1928م.
[2] قصة الحضارة 13/187.
[3] انظر: ابن خلكان: وفيات الأعيان 2/224، ومحمد الصادق عفيفي: تطور الفكر العلمي عند المسلمين ص16.
[4] نقلاً عن علي بن عبد الله الدفاع: روائع الحضارة العربية الإسلامية في العلوم ص277.
[5] انظر: دونالد ر. هيل: العلوم والهندسة في الحضارة الإسلامية، ترجمة أحمد فؤاد باشا ص120-126.
[6] انظر: محمد الصادق عفيفي: تطور الفكر العلمي عند المسلمين ص159.
العالم الإسلامي وعلاقته بمشكلة كشمير
كتبت تحت قسم
أزمات الأمة
,
كشمير جرح ينزف
|
|
درعمى
موقع قصة الإسلام ـ ورود الحق
اهتمت الهيئات الدوليّة وعلى رأسها الأمم المتحدة بالقضيّة الكشميريّة منذ بدايتها، وأصدرت العديد من القرارات الدوليّة التي جاءت كلّها في صالح المسلمين والحقّ الإسلاميّ وأهمّها قرار الأمم المتحدة الذي أعطى شعب (كشمير) حق تقرير المصير ، وإجراء استفتاء حرّ في الولاية لتحقيق هذا الغرض ، ولكنّ (الهند) وعلى مدى نصف قرن تماطل وتراوغ في تنفيذ هذه القرارات الدوليّة ، والهيئات الدوليّة التي أصدرت هذه القرارات تراخت في تنفيذها ولم تمارس أدنى ضغط على الحكومات الهنديّة المتعاقبة حتى تحترم هذه القرارات وتلتزم بها.
ويدل استمرار النزاع الكشميريّ على مدى نصف قرن، دلالة واضحة على ازدواجيّة المعايير الدوليّة والكيل بمكيالين تجاه قضايا العالم، والتي صارت سياسة واضحة للمجتمع الدوليّ اليوم، الذي يفرّق بين المسلمين وغير المسلمين فيما يتعلق بقضايا النّزاع، وهذه حقيقة واقعة فلم يعد بالإمكان التّغاضي عن الظّلم الدوليّ الذي يُمارس بحق المسلمين في كل مكان.
العالم الإسلامي
المبادئ الأساسية والحقائق الثابتة :
إن ولاية جامو و(كشمير) المعروفة بـ"جنة الله في الأرض" لما فيها من حقول يافعة، وأزهار وورود جميلة، وبحيرات عذبة، وتلال خلابة بجداولها الرقراقة، وطقسها اللطيف ونسيمها العليل قد فقدت زخرفها ورونقها وتحولت إلى قفار منعزلة، وقبور موحشة مهجورة بسبب ما تقوم به القوات الهندية من جرائم وحشية بربرية لا مثيل لها من تقتيل وتعذيب وتشريد للسكان، وهتك للأعراض وإفساد في الأرض، وإهلاك للحرث والنسل، وحرق للمنازل والمتاجر والحقول، وذلك لا لذنب اقترفوه إلا لأن الشعب الكشميري المسلم يطالب بحقه المشروع والذي ضمنته له القرارات الدولية والتي تنص على تقرير المصير.
تبوأت القضية الكشميرية على مدى السنوات العشر الماضية من القرن المنصرم موقفاً بارزاً في الأحداث العالمية، وأثير خلال السنوات العشر الماضية الكثير من الجدل حول القضية وملابساتها، ومرد ذلك الجدل إلى التطورات والقفزات النوعية التي شهدتها الساحة الكشميرية من مثل انطلاقة شرارة المقاومة وبروز حركة المقاومة الشعبية التي اشتد أوارها في الولاية، وتشكيل أحزاب سياسية إلى جانب أحزاب عسكرية جهادية للحصول على حقه في تقرير مصيره.
واجب العالم الإسلامي :
موقف (باكستان)
كان صانعو القرار السياسي في (باكستان) يفضلون تدخل طرف ثالث نشط في الصراع؛ لخوفهم وانعدام ثقتهم في (الهند)؛ فطلب (محمد علي جناح) ـ أول حاكم عام لـ(باكستان) ـ سنة (1947م) من بريطانيا أن تتدخل في الصراع من أجل المساعدة في تسوية الخلافات بين أعضاء الكومنولث. كما أن وزير الخارجية الباكستاني السيد (ظفر الله خان) اقترح في أول خطاب له أمام الأمم المتحدة عدة أمور بينها نشر قوات دول الكومنولث في (كشمير)، ولم تكن الهند على استعداد لتدخل طرف ثالث وتغيير الوضع القائم، خاصة بعد تفوقها العسكري وسيطرتها على المواقع الاستراتيجية في الولاية.
موقف العالم الإسلامي
ومما يُدْمي القلبَ نكوصُ المسلمين عن أداء واجبهم بشكل قويّ وفعّال، تجاه إخوانهم في (كشمير) وسائر البقاع التي يضطهد فيها الإسلام في العالم، واكتفى بالتبرعات والتّنديد والشّجب والمناشدة والرّجاء..
وإزاء ذلك نُنَبّه إلى ضرورة تفغيل المناصرة وعدم الاكتفاء بما سبق، ولكن لابد من تحرك إسلاميّ موحّد لوقف العدوان، واتّخاذ خطوات جادّة واستراتيجيّة موحّدة تمنع تكرار مثل هذه الممارسات ضدّ أي بلد إسلاميّ في المستقبل، فهناك (55) دولة مسلمة، وهناك ما يزيد على (1200 مليون مسلم)، وما كان أحد ليتجرأ على مسلم لو كان له من يقف خلفه ويمنعه.
دول الجوار
فاجأت الدعوة الهندية للجنرال (برويز مشرف) لزيارة نيودلهي الرأي العام العالمي، رغم كونها تكاد تكون استجابة لتكرار (مشرف) استعداده للحوار مع (نيودلهي) في أي مكان وزمان وعلى أي مستوى؛ وإن جاءت بعد 20 شهرًا من موقف (نيودلهي) الرافض فتح أي قناة اتصال مع (إسلام آباد)؛ احتجاجًا على النظام العسكري الذي أطاح برئيس الوزراء السابق (نواز شريف) - آخر زعيم باكستاني يلتقي بزعيم هندي في قمة لاهور في فبراير عام 1999م والذي وقع مع (فاجباي) إعلان لاهور - فضلاً عن كون (مشرف) مهندس عمليات (كارجيل) شمال كشمير، التي تكبدت فيها حكومة تحالف (حزب بهارتيا جاناتا) الكثير من سمعتها، إضافة للخسائر المادية والمعنوية بعد شهور من إعلان لاهور. أما المفاجأة التي حملتها دعوة رئيس الوزراء الهندي (أتال بهاري فاجباي) للرئيس الباكستاني فهي ارتباطها بالإعلان عن إنهاء العمل بوقف إطلاق النار الذي أعلنته (نيودلهي) في (كشمير) عشية رمضان الماضي واستمر لستة أشهر.أسباب عقد القمة
1- الإخفاق الهندي في (كشمير):
نادرًا ما يتناول المسؤولون الهنود قضية (كشمير) في اتصالاتهم بالجانب الباكستاني، أما هذه المرة فكانت (كشمير) عنوانًا بارزًا في خطاب (فاجباي) لـ(مشرّف)، دغدغ عواطف الباكستانيين، بعد عدة إخفاقات سياسية هندية في (كشمير)، كان آخرها فشل الحوار الذي بدأته مع مختلف الهيئات الحزبية والشعبية الكشميرية عندما رفض الكشميريون التحدث لمبعوث السلام المعين من قبل (نيودلهي) (كي سي بانت) إلا إذا دخلت (إسلام آباد) طرفًا أساسيًّا في الحوار، وقبل ذلك كانت (الهند) قد أخفقت في فتح حوار مع المنظمات الجهادية المسلحة، ووصفتهم بالهنود المغرر بهم من قبل (باكستان)، كما أخفقت محاولات الهدنة التي نظر إليها الكشميريون على أنها محاولة من (نيودلهي) لإعادة الهدوء دون حل المشكلة. وبعد هذه الإخفاقات لم يكن أمام الحكومة الهندية سوى الاعتراف بالدور الباكستاني.
2- الضغوط الدولية:
لعب العامل الدولي دورًا مهمًّا في تغيير الموقف الهندي؛ حيث كانت لتدخل الولايات المتحدة عام (1999م) لوضع حد للمواجهة بين (الهند) و(باكستان)، وتأكيدها أنها لن تسمح بمواجهة ثانية بين الدولتين النوويتين في جنوب آسيا - أثر كبير؛ خاصة أن العالم أصبح يعي جيدًا أن احتواء (باكستان) وإقناعها بتليين موقفها تجاه المسألة النووية يتطلب ضمان أمنها بعد أن امتلكت هذا السلاح؛ بسبب مخاوفها الأمنية، والتي تقف (كشمير) في مقدمتها، يضاف إلى ذلك أن التاريخ أثبت أن الحكومات الديمقراطية المنتخبة لا يمكنها التوصل لسلام مع (الهند)، خاصة أن الجيش هو الذي يقف وراء السياسات ذات المصلحة العليا في السياسة الخارجية وحتى الداخلية، واحتاجت (الهند) لأشهر عديدة لكي تدرك أن تجاهلها لنظام (مشرف) لم يضعفه إن لم يكن قد عزز من صلابته، كما أنها لم تفلح في وقف ما تسميه بـ"الإرهاب عبر الحدود"، وهو المصطلح الذي تطلقه على تنقل المجاهدين بين شقي (كشمير)، أو إثناء (باكستان) عن مواقفها تجاه حكومة طالبان.
3- العامل الاقتصادي:
يرى العديد من المحللين السياسيين أن العامل الاقتصادي قد يكون أحد أهم العوامل في تغير الموقف الهندي الباكستاني، خاصة من قبل الجانب الهندي في الوقت الذي تعاني فيه (باكستان) من اضطراب اقتصادي، وأن أبرز ما في أجندة الجنرال (مشرّف) الإصلاحية هو إعادة الثقة للاقتصاد الوطني؛ ويدلِّل على ذلك أن أهم المقترحات الهندية للحوار هو التجارة البينية والاقتصاد، وقد ذهبت (الهند) أبعد من ذلك عندما اقترحت توقيع اتفاق منح أفضلية الرعاية التجارية لكلا الطرفين، ورغم أن (باكستان) اعتبرت هذا الاقتراح سابقًا لأوانه في ظل الاضطراب السياسي الموجود حول القضية الرئيسية وهي (كشمير)، ومع رجحان الميزان التجاري الحالي لصالح (الهند)، فإن اللواء (راشد قريشي) مستشار (مشرّف) والمتحدث باسم الحكومة اعتبر أن النمو الاقتصادي يعتبر ضروريًّا لكلا الطرفين.
كما يرى الكثير من الاقتصاديين الباكستانيين أن استمرار النزاعات الإقليمية في (كشمير)، و(أفغانستان) كان سببًا في إضعاف الاقتصاد الباكستاني، وأشار إلى ذلك وزير المالية الباكستاني (شوكت عزيز) قبل الإعلان عن القمة: "إن أجواء سلام في المنطقة من شأنها دفع الاقتصاد للنمو والتقدم، خاصة إذا أخذنا في الاعتبار أن نمو (باكستان) الاقتصادي في العام (2000م) أقل من (4%)".
أما على الجانب الهندي فيكفي الإشارة إلى النفقات الدفاعية السنوية؛ حيث وصلت ميزانية الدفاع إلى (4 مليارات) دولار في السنة المالية (2001/2002م)، وتتكلف الحكومة الهندية للنفقات العسكرية في (كشمير) أكثر من (5 ملايين) دولار يوميًّا، في حين خسرت كل عائدات السياحة الكشميرية على مدى أكثر من عقد من الاضطراب المتواصل. وضمت أجندة اللقاء:
1- قضية (كشمير).
2- مسائل الاستقرار الإقليمي.
3- سباق التسلح النووي.
4- الإنفاق الدفاعي وقضايا التسلح التقليدي وبناء الترسانات.
5- مسألة سياشين (شريط متجمد في أعالي (كشمير)).
6- مسائل الاقتصاد والتجارة البينية وسبل توسيعها، بما في ذلك مشروع خط أنابيب الغاز الإيراني الذي يعبر (باكستان) إلى (الهند).
7- الإرهاب.
وفشلت القمة كما فشلت سابقاتها؛ فقد أطلقت (الهند) (صاروخ أجني 2) بعد القمة بعدة أسابيع دون إخطار (باكستان)، وهو ما اعتبرته (إسلام آباد) استفزازًا ردّت عليه بتجربتين صاروخيتين، ولم تمر أسابيع أخرى حتى دخل الطرفان مواجهات استمرت لعشرة أسابيع لم يوقفها إلا تدخل دولي من العيار الثقيل.
وقبل أيام من القمة الهندية الباكستانية ارتفعت حدة التوتر في (كشمير)، وأفادت تقارير الشرطة الهندية ارتفاعًا كبيرًا في نوعية المواجهات بين القوات الهندية والمقاتلين الكشميريين، وقبل يوم واحد من القمة قُتل ما لا يقل عن (25) شخصًا: (7) منهم من القوات الهندية، ويتوزع الباقون بين المدنيين والمقاتلين الكشميريين، وسبق ذلك مقتل (14) شخصا على الأقل، بينهم (9) من المقاتلين الكشميريين في أنحاء مختلفة من (كشمير)، كما أفادت الصحافة الكشميرية أن القوات الهندية صعّدت من عملياتها ضد المقاتلين الكشميريين خلال الأيام القليلة التي تسبق القمة، في الوقت الذي تعهّد فيه المقاتلون الكشميريون تعزيز عملياتهم ضد القوات الهندية، إضافة إلى هيجان المشاعر الشعبية في (كشمير)؛ حيث المظاهرات المتواصلة المناوئة للهند، خاصة في أعقاب بعض التصرفات التي أقدمت عليها القوات الهندية، في حين اتهمت (باكستان) الجيش الهندي بالاستمرار في ممارسة الاضطهاد ضد الشعب الكشميري بما في ذلك القتل والاغتصاب واستخدام المدنيين في عمليات تنظيف الألغام وإطلاق النار على المتظاهرين المدنيين.
ومن ناحية أخرى، فقد ركزت التحضيرات للقمة الهندية الباكستانية كثيرا على الحشد الداخلي والخارجي؛ حيث أعلن رئيس الوزراء الهندي حصوله على إجماع وطني في أعقاب المؤتمر الموسع للأحزاب الهندية قبل أيام من قمة (أجرا)، وحضر الاجتماع التشاوري (35) زعيم حزب من الائتلاف الحكومي والمعارض، كما اجتمع (فاجباي) برؤساء وزراء سابقين، ورئيس حكومة القسم الهندي من (كشمير) (فاروق عبد الله)، الذي - لا تعترف به (باكستان) - قال: إنه نقل لرئيس الوزراء حقيقة الوضع في (كشمير)، وإنه يأمل أن تتمكن القمة الهندية الباكستانية من إحلال السلام في الإقليم المضطرب.
وكان المحللون السياسيون الهنود قد وجهوا انتقادات لحكومتهم واتهموها بالتوجه للقمة دون سياسة واضحة بشأن حل مشكلة (كشمير)، الأمر الذي دفع بها إلى التعجيل بعقد لقاءات موسعة مع الساسة الهنود على غرار المشاورات التي يجريها الرئيس الباكستاني (برويز مشرّف)، التي طالت جميع القطاعات والفعاليات الشعبية والسياسية في البلاد، وتقول التقارير: إن (مشرف) حصل على تأييد واسع من الشخصيات الحزبية والعامة التي قابلها فيما طالبته الأحزاب بالتركيز على قضية (كشمير)، كما حصل على تفويض واسع من قبل المثقفين وقطاع العمل النسوي ورؤساء تحرير الصحف وجنرالات الجيش المتقاعدين، وتعهد في لقاءاته بعدم المساومة على حق الشعب الكشميري في تقرير المصير، وكان آخر لقاء عقده بقادة قطاعات الجيش ومجلس الأمن القومي اللذين شدّدا على محورية القضية الكشميرية في القمة.
الكشميريون.. الغائب الحاضر
يبدو للوهلة الأولى أن (الهند) نجحت في تغييب الكشميريين عن القمة، ولكن إذا ما نظرنا إلى تاريخ النزاع الهندي الباكستاني فإننا نرى (باكستان) تتصرف دائما على أنها وكيل الدفاع عن الكشميريين في جميع المنتديات الدولية وتتحدث باسمهم، ولكن في هذه المرة ظهر أن التنسيق الباكستاني مع الكشميرين تجاوز القيام بدور الوكيل إلى العمل على الزج بالكشميريين أنفسهم في حلبة الصراع السياسي عندما أعلنت إسلام آباد دعوتها للجنة التنفيذية لمؤتمر الحرية لزيارة إسلام آباد والتشاور معها في ديسمبر الماضي، إلا أن الفيتو الهندي حال دون ذلك، وعرضت (باكستان) فكرة الحوار الثلاثي الأطراف الذي يضم (الهند) و(باكستان) والكشميريين، وتناغمت المواقف الباكستانية والكشميرية على هذا المحور؛ سواء من خلال تصريحات الأحزاب السياسية الممثّلة في مؤتمر الحرية الذي تعتبره (باكستان) ممثلاً حقيقيًّا عن الشعب الكشميري، أو المنظمات الجهادية، خاصة المجلس الجهادي الموحد الذي يضم (14) منظمة مسلحة.
وبرزت قضية التمثيل الكشميري على أنها أساس الخلاف في القمة عندما أعلن الرئيس الباكستاني عن عزمه لقاء القادة الكشميريين في (نيودلهي) بعد أن رفضت (الهند) دخولهم طرفًا محاورًا على قدم وساق مع (الهند) و(باكستان)، وبلغت التهديدات باحتمال إلغاء الجنرال (مشرف) بعض اجتماعاته المبرمجة في القمة بشكل مفاجئ؛ احتجاجًا على الحيلولة دون لقائه بالقيادات الكشميرية، وأخيرًا أعلنت (باكستان) أنها دعت جميع أعضاء اللجنة التنفيذية إلى لقاء مشرف في حفل الشاي الذي تقيمه السفارة الباكستانية على شرف الرئيس الزائر لنيودلهي؛ حيث إن الحكومة الهندية لن يكون بإمكانها منعهم من دخول السفارة، إلا أن الأحزاب الهندية الشريكة في الائتلاف الحاكم أعلنت في المقابل مقاطعتها حفل الاستقبال، ومن الواضح أن (إسلام آباد) لن تضحي بحلفائها الكشميريين من أجل الأحزاب الهندية المتطرفة في الحكم؛ حيث يمثل لقاء (مشرف) للقيادة الكشميرية استمرار الولاء بينهما، رغم أن بعض الأحزاب الكشميرية يتبنى سياسة الاستقلال التام، أي الانفصال عن (الهند) و(باكستان) وإقامة دولة كشميرية مستقلة، وهو الاحتمال الأضعف في أساليب حل النزاع الكشميري.
تاريخ المباحثات الهندية الباكستانية وضحاياها
بتقسيم شبه قارة جنوب آسيا إلى دولتين مستقلتين (الهند) و(باكستان) دخل البلدان في صراع مستمر تركّز أساسًا حول إقليم (كشمير)، ويتمثل الموقف الباكستاني بشكل رئيسي على منح الشعب الكشميري حق تقرير المصير، وفقًا لقرار التقسيم والتزامًا بالقرارات الدولية، خاصة الصادرة عن مجلس الأمن الدولي التي اعترفت بها (الهند)، في حين تعتبر (الهند) ولاية (جامو وكشمير) جزءًا لا يتجزّأ من أراضيها، وخلال (54) عامًا من الصراع - تخللها ثلاثة حروب خسرت فيها (باكستان) بنغلادش ولم تتمكن من استرجاع (كشمير) - تم عقد العديد من جولات المباحثات بين قادة البلدين بهدف إنهاء حالة التوتر بينهما، وأبرز هذه اللقاءات:
1- في عام (1964م) التقى رئيس وزراء الجزء الذي تسيطر عليه (الهند) من إقليم (كشمير) بالرئيس الباكستاني الجنرال (أيوب خان)، وتم الاتفاق على أن يقوم الرئيس (أيوب خان) بزيارة (الهند)، لعقد جولة مفاوضات مع رئيس الوزراء الهندي الأول (جواهر لال نهرو)، غير أن (نهرو) مات في اليوم التالي لإعلان (إسلام آباد) استعداد الرئيس (أيوب خان) لزيارة (الهند) ولقائه.
2- في أكتوبر (1965م) في العاصمة الأوزبكية (طشقند) جرت أول مفاوضات على مستوى القمة بين (الهند) و(باكستان)؛ حيث التقى رئيس الوزراء الهندي (لال بهادور شاستري) والرئيس الباكستاني (أيوب خان)، واتفقا على ضرورة إيجاد حل عادل ونهائي للقضية الكشميرية، بالطرق السلمية، ووقّع الطرفان اتفاقًا بهذا الخصوص، غير أن رئيس الوزراء الهندي (شاستري) تُوفي في مدينة (طشقند) بعد ساعات من توقيع الاتفاق، الأمر الذي أعاد مجريات الأحداث بين (الهند) و(باكستان) إلى سابق عهدها من التوتر.
3- ومن مفاجآت المفاوضات بين (إسلام آباد) و(نيودلهي) أيضاً ارتفاع حدة التصعيد والتوتر بين قوات البلدين عام (1984م)، تبعها محاولات من الجانبين لتهدئة الأجواء، وكاد الرئيس الباكستاني (ضياء الحق) أن يوافق على لقاء رئيسة الوزراء الهندية (أنديرا غاندي)، غير أن مجموعة من حرس غاندي الشخصيين سبقوه إليها واغتالوها في منزلها لتتحطم آمال السلام والاستقرار في جنوب آسيا.
4- ومن الوقائع الهامة في تاريخ العلاقات الهندية الباكستانية، ما حدث في صيف عام (1999م) حين اقترب البلدان من دخول حرب شاملة (أزمة كارجيل) - وهي مقاطعة جبلية وعرة مقسمة بين شقي (كشمير) - التي جاءت بعد شهرين فقط من إعلان لاهور الموقّع بين رئيسي وزراء البلدين (نواز شريف) و(أتال بهاري فاجباي)؛ حيث تعهّد الطرفان ببذل جهدهما لتطبيع العلاقات، غير أن ارتفاع حدة التوتر في (كارجيل) حوّلت أجواء السلام إلى أجواء حرب، وما إن انتهت الأزمة بين (الهند) و(باكستان) حتى أصبحت أزمة باكستانية داخلية انتهت بالانقلاب على نواز شريف.
الوضع الحالي
خريطة الأحزاب السياسية في (كشمير):
الأحزاب الكشميرية أشبه بالفسفيساء كثيرة العدد، متباينة الأحجام. بعضها يطالب بالانضمام إلى (الهند)، وبعضها الآخر يسعى للانضمام إلى (باكستان)، ويقف فريق ثالث على الحياد ويرى في استقلال (كشمير) عن كلا الدولتين وسيلة للخلاص.
وللتعرف على الملامح العامة لخريطة الأحزاب السياسية الكشميرية في الفترة ما بين الاستقلال عن بريطانيا (1947م) والتقسيم (2001م):
أولا: مرحلة ما قبل التقسيم
بدأت التشكيلات السياسية الكشميرية قبل التقسيم عام (1947م)، وهو العام الذي أعلنت فيه بريطانيا انسحابها من شبه القارة الهندية ومنح بعض المناطق حق اختيار الانضمام إلى (الهند) أو (باكستان)، وتكونت بعض التنظيمات قليلة العدد مثل (جمعية الشباب المسلم) على يد (تشودري غلام عباس) في (جامو) عام (1922م) و(حزب غرفة المطالعة) على يد (الشيخ عبد الله) في (سرينغار) عام (1930م).
وكانت أنشطتها تتركز في الاعتراض على القوانين والأفعال التي تعتبر مهينة للإسلام والمسلمين.
ثم اتخذت طابعا أكثر تنظيما عندما تظاهر المسلمون في (13 يوليو 1931م) للاعتراض على سياسات (المهراجا سينغ) وقتلت الشرطة آنذاك (22) كشميريًّا مسلمًا. وأسفرت تلك الحركة الشعبية الغاضبة عن تكوين واحد من أهم فصائل المقاومة في السنوات اللاحقة وهو المؤتمر الإسلامي لجميع مسلمي (جامو وكشمير) تحت قيادة (الشيخ عبد الله) في عام (1932م).
انقسام المقاومة
رأى (الشيخ عبد الله) في عام (1939م) أن اسم المؤتمر الإسلامي يعمق من انقسام المجتمع الكشميري على أسس دينية، فأراد بالمؤتمر أن ينتهج التوجه القومي العلماني المرتبط بـ(الهند)، واقترح تغيير اسم المؤتمر الإسلامي إلى المؤتمر الوطني. غير أن هذا التغيير لم يرق للكثير من أعضاء المؤتمر، الذين سيطر عليهم الخوف من أن يصبح المؤتمر الوطني امتدادًا لحزب المؤتمر الوطني الهندي، وتزعّم هذا الفريق (تشودري غلام عباس). ومنذ ذلك الوقت والمقاومة الكشميرية تنقسم إلى تيارين كبيرين تفرعت عنهما العديد من الأحزاب والجماعات والجمعيات، تيار قومي علماني يفضل الانضمام إلى (الهند) وآخر وطني إسلامي يريد الانضمام إلى (باكستان).
ثانيا: مرحلة ما بعد التقسيم
تعمق التياران الإسلامي، والقومي العلماني في حركة المقاومة الكشميرية بعد التقسيم، وانقسمت الخريطة السياسية إلى أحزاب سياسية تنتهج وسائل المقاومة السياسية لتحقيق أهدافها، وجماعات جهادية عسكرية تؤمن باستخدام السلاح.
(1) الأحزاب السياسية
وتنقسم إلى:
أ- أحزاب تؤيد الانضمام إلى (الهند)، وهي أحزاب يغلب عليها الطابع القومي العلماني، ومن أهمها:
- المؤتمر القومي الكشميري: يترأسه (فاروق عبد الله)، ويؤمن بأن (كشمير) جزء من (الهند) غير أنه يطالب بحكم ذاتي موسع.
- المؤتمر القومي الهندي: لا يختلف في توجهاته السياسية عن المؤتمر القومي الكشميري حيث ينادي بانضمام (كشمير) إلى (الهند). ولا يتمتع الحزبان بشعبية ملفتة في الشارع الكشميري.
ب- أحزاب مستقلة
وهي التي تنادي بالاستقلال وعدم الانضمام لا إلى (الهند) ولا إلى (باكستان) ومن أبرزها:
- جبهة تحرير (جامو وكشمير): يترأسها السيد (ياسين ملك)، وتأسست عام (1965م)، وتطالب باستقلال (كشمير) عن (الهند) و(باكستان)، وينشط أفرادها على جانبي خط الهدنة. ولها جناح عسكري يسمى جبهة التحرير يترأسه السيد (رفيق دار).
- المؤتمر الشعبي: يترأسه السيد (عبد الغني لون)، ويطالب بالاستقلال عن (الهند) و(باكستان)، وله جناح عسكري يدعى البرق برئاسة السيد (بلال رحيم)، ويلاحظ انخفاض شعبيته في (كشمير).
- الجبهة الشعبية الديمقراطية: يترأسها السيد (شبير أحمد شاه). ويدعو إلى الاستفتاء العام، وله جناح عسكري يسمى (مسلم جانباز فورس) يقوده السيد (محمد عثمان)، وشعبيته محدودة.
ج- أحزاب تؤيد الانضمام إلى (باكستان):
وهي أحزاب تقوم برامجها السياسية على فكرة الانضمام إلى (باكستان)، وأهمها تجمع (تحالف) جميع الأحزاب الكشميرية للحرية، ويضم هذا التجمع حوالي (26) حزبًا منها:
- الجماعة الإسلامية: يترأسها السيد (غلام محمد بت)، وتركز - إضافة إلى نشاطها السياسي - على التربية والتعليم للحفاظ على الهوية الإسلامية للشعب الكشميري. ولها حضور عبر فروع نشيطة في معظم أنحاء (كشمير). ومن أبرز قادتها (محمد علي الجيلاني) الرئيس السابق لتحالف جميع الأحزاب الكشميرية للتحرير, وعضو المجلس التأسيسي لـ(رابطة العالم الإسلامي) في (مكة المكرمة).
- مؤتمر مسلمي (كشمير): أسس سنة (1987م), يترأسه (عبد الغني بت)، ويهدف إلى تخليص (كشمير) من الاحتلال الهندي وضمها إلى (باكستان).
- حزب رابطة المجاهدين: يترأسه السيد (نصرت عالم)، وله جناح عسكري يدعى (حزب الله) يقوده السيد (اشتياق أحمد)، ولا يتمتع بشعبية كبيرة في (كشمير).
- اللجنة الشعبية القومية: يترأسها السيد (مير واعظ عمر فاروق)، وله شعبية في (سرينغار), وله جناح عسكري يسمى (العمر مجاهدين).
- الرابطة الشعبية: يترأسها السيد فاروق رحماني, ولها جناح عسكري صغير.
- الرابطة الشعبية: يترأسها السيد (شيخ عبد العزيز), ولها شعبية في معظم أنحاء (كشمير), كما لها جناح عسكري يسمى (الجهاد)يقوده السيد (سمير خان).
- اتحاد المسلمين: يترأسه السيد (عباس أنصاري), وينتسب إليه مسلمون شيعة، وليس له جناح عسكري.
- الحركة العمومية: يترأسها السيد (فريد بهنجي)، ولها جناح عسكري يسمى الجبهة الإسلامية, ويلاحظ عليها قلة النشاط عمومًا.
- جمعية أهل الحديث: يترأسها (مولانا طاهري), ولها جناح عسكري يسمى (تحريك المجاهدين) برئاسة (الشيخ عبد الله غزالي) والشيخ (جميل الرحمن), غير أن عملها العسكري محدود.
- حركة تحرير (جامو وكشمير): يترأسها السيد (سعد الله تانتري), ويزداد نشاطها في إقليم (جامو).
- حركة المقاومة الشعبية: يترأسها السيد (غلام أحمد مير), وبالرغم من توجهها العلماني إلا أنها تهدف إلى الانضمام إلى (باكستان)
(2) الجماعات المسلحة
وهي تكوينات سياسية انتهجت أسلوب المقاومة العسكرية المسلحة بهدف الخلاص مما تعتبره احتلالاً هنديًّا ل(كشمير)، وتسعى إلى الانضمام إلى (باكستان). ويوجد لأغلبها قواعد ثابتة في (باكستان) للتدريب والإدارة، ومن أهمها:
- حزب المجاهدين: أسس عام (1989م) بقيادة (سيد صلاح الدين), ويضم حوالي (10 آلاف) مسلح أغلبهم من الكشميريين.
- جماعة معسكر طيبة: جماعة سلفية جهادية أسست عام (1995م) برئاسة البروفيسور (حافظ سعيد), وتضم أكثر من (6000) مقاتل، يطلق عليها أحيانا (لشكر طيبة) وبعد أن أدرجتها (الولايات المتحدة) ضمن قائمة الجماعات الإرهابية أعلنت عن انقسام العمل الداخلي بها إلى قسمين: الأول دعوي بقيادة البروفيسور (حافظ سعيد) والآخر عسكري بقيادة (عبد الواحد كشميري).
- جيش محمد: يقودها مولانا (مسعود أظهر) الناشط السابق في (حركة الأنصار)، وتضم حوالي (3000) مقاتل, وتنتهج كذلك نهج (جمعية علماء إسلام) بزعامة (مولانا فضل الرحمن). وأدرجتها (الولايات المتحدة) كذلك ضمن قائمة الجماعات الإرهابية المطلوب تفكيكها.
- حركة الأنصار: أسست عام (1986م)، وانشقت إلى جناحين.. حركة المجاهدين التي يقودها (مولانا فاروق كشميري), وتضم حوالي (3000) مقاتل، وتتبع توجهات (جمعية علماء إسلام) الديوبندية التي يتزعهما (مولانا عبد الرحمن). وحركة الجهاد الإسلامي التي يقودها السيد (سيف الله أختر), وتعتبر أقل عددًا من الأولى, وتتبع أيضا نهج (جمعية علماء إسلام).
- مجاهدي بدر: انشقت عن (حزب المجاهدين) التابع للجماعة الإسلامية، ويقودها (بخت زمين), وتضم حوالي (1000) مقاتلالنظام العالمي الجديدفي (ربيع 1999م), وفي حين كان ثمّة تقارب يحصل ما بين (الهند) و(باكستان), قام جيش صغير مؤلَّف من ميليشيات باكستانية واستقلاليين كشميريين بالتسلُّل داخل (كشمير) الهندية, واحتلّ عدّة مواقع استراتيجية في الجبال المرتفعة التي تخترق المنطقة. أعقب ذلك نشوب معارك, وتدخَّل الطيران الهندي قاصفاً بكثافة مواقع الثوار, لكن سرعان ما تبيّن له أنّ كل كيلومتر يتطلّب استرجاعه تدخُّل القوات البريّة مدعومة من المدفعية, وراح الطيران والمدفعية الهنديين يقصفان المنطقة لأسابيع. وعانت القوات البريّة الهندية لإعادة احتلال المواقع التي يحتلُّها الثوار في عدّة قمم استراتيجية.
وبالتوازي مع المعارك الدائرة, بدأت جهود خجولة لإحلال السّلام دون أي نتيجة تُذكَر. وببطء, أعادت القوات الهندية التحكُّم بالقمم التي تركها الثوار الواحدة تلو الأخرى.
وفي (10 يوليو 1999م) توافق البلدان على الانسحاب المشترك من مرتفعات (كشمير). وطيلة أيام تلت, استمرَّت المعارك متفرّقة في حين كان الثوار المسلمون يُخلون مواقعهم بناء على طلب (باكستان) التي تعرَّضت لضغط من (واشنطن). لكنَّ المشكلة بقيت على ما هي, وبعد أشهر ارتفعت حدَّة التوتُّر مع انفجار قنبلة في سوق (سرينغار) أوقعت (17) قتيلاً وحوالي (20) جريحاً.
وفي (13 كانون الأول 2001م), قام فريق كوماندوز انتحاري مؤلَّف من خمسة رجال, بمهاجمة البرلمان الهندي في نيودلهي فقتلوا تسعة أشخاص، في حين كان المكان مزدحمًا بعدد من الوزراء ومئات النواب. ولكن بأعجوبة, لم يُصب أحد من هؤلاء لا من جراء الهجوم ولا من الردّ الذي قامت به قوات الأمن الهندية التي حاصرت المكان بسرعة وتمكّنت من قتل أربعة من الإرهابيين في حين فجّر الأخير نفسه.
وبالرغم من أنَّ الحكومة الباكستانيّة أدانت العمليّة ونفت أيَّ تورُّط لها فيها, فإنَّ الحكومة الهنديَّة تستمرُّ في الاعتقاد بأنَّ (باكستان) تدعم المجموعات الإرهابيّة الاستقلاليّة الموجودة في (كشمير) و(الهند).
وصرح رئيس الوزراء الهندي الذي لم يكن حاضراً في المجلس خلال الهجوم: "لم تكن الحادثة فقط هجوماً على المبنى, بل هي تحدٍّ للبلاد بأسرها. وسوف نقبل هذا التحدِّي...".
ولقد كان ذلك كافياً لتأجيج العداوة بين (الهند) و(باكستان) اللتين عادتا إلى تبادل نيران المدفعية والأسلحة الخفيفة على طول خط التماس في (كشمير). وقد سقط العشرات في هذه المناورات. واعتُبر أكثر من (100 ألف) مدني في حالة الخطر, وتمَّ بالفعل ترحيل 30 ألفاً منهم. ويبدو أنّ الحرب في (كشمير) لم تكن يوماً وشيكة كما كانت عليه في المرحلة الأخيرة.
وفي (كانون الثاني 2002م), وبمناسبة انعقاد قمة اتحاد بلدان آسيا الجنوبية للتعاون الاقليمي ،إلتقى رئيس وزراء (الهند) (أتال بيهاري فاجبايي), بالرئيس الباكستاني (برويز مشرَّف), في محاولة لتهدئة الوضع وإحلال السَّلام في (كشمير), لكنَّ اللقاء لم يتعدَّ التَّصافح بالأيدي لا أكثر. وبالرغم من أنّ (الهند) قد اعترفت بأنّ جارتها تبذل بعض الجهد لمكافحة الإرهاب, فإنها لا تزال ترتاب في ذلك وعلى استعداد دائم لعبور خطوط التماس في (كشمير).
وخلال الفترة التي تلت الهجوم على البرلمان الهندي, استمرَّ الوضع في التدهور ما بين إسلام أباد ونيودلهي كما استمرَّت المذابح الدينية والعمليات الإرهابية بحيث تفاقمت الأصولية والحقد لدى الفريقين.
وفي (14 مايو 2002م), وفي حين كان رئيس وزراء (الهند) يزور مدينة (جامو), عاصمة (كشمير) الشتوية, قام مسلحون كشميريون بقتل عدد من نساء الجنود الهنود وأطفالهم في بيوتهم, في إثبات وحشي منهم للعسكريين هؤلاء بأنّ وجودهم في المنطقة لا يحمي بشيء مواطنيهم في (كشمير) ولا حتى أفراد عائلاتهم.
وفي (21 مايو 2002م), اغتيل (عبد الغني لون) أحد الزعماء الانفصاليين المسلمين خلال مراسم جنائزيّة بعد أسبوع من مذبحة (14 مايو)، على يد مسلّحَين لم تُعرف هويتهما. ولما كان (لون) زعيماً لتجُّمع يضم (20) حزباً انفصالياً مسلماً, فقد بدا واضحًا أنه قتل انتقامًا للمذبحة الأخيرة؛ مما ساعد على تأجيج الصراع في المنطقة.
وخلال (مايو 2002م), اشتعلت عمليات استعراض القوة بين (نيودلهي) و(إسلام آباد) اللتان تدَّعيان العمل لتفادي الحرب؛ فقامت القيادة الباكستانية - ضاربة عرض الحائط بشجب المجموعة الدولية - بإجراء سلسلة تجارب لإطلاق صواريخ قادرة على بلوغ أهداف تقع على بُعد مئات الكليومترات داخل الأراضي الهنديّة.
وهكذا رسخت نهائياً في اللغة العسكرية الهندية والباكستانية عبارة الحرب النووية. ومع أن أيًّا من البلدين لم يكن يرمي إلى استعمال السلاح النووي ضد جاره, إلاّ أنَّ الاثنين كانا يُلمحان إلى اللجوء إليه إذا دعت الحاجة.
السلاح النووي
في (16 مايو 1974م), فاجأت (الهند) العالم بأسره بإجرائها سلسلة من ست تجارب نووية تحت سطح الأرض في موقع (تار). وقد أحدث هذا الأمر صدمة عميقة لدى الدول الأصدقاء والأعداء.
وانطلقت (باكستان) في سباق محموم يهدف إلى تطوير قنابل نوويَّة وصواريخ بالستيَّة قصيرة ومتوسّطة المدى لمواجهة التفوُّق الهندي، ولتحقيق توازن الرعب مع جارتها اللدودة. وقد سرت شكوك مفادها أنَّ الصين, العدوَّة التقليديَّة لـ(باكستان), قد زوَّدت (الهند) بالتقنيّات اللازمة لصناعة القنابل والصواريخ النوويَّة.
ويُعتقد أنَّ (الهند) تملك منذ أواسط الثمانينات أسلحة نوويَّة عمليّاتيَّة مركزة على صواريخ يبلغ مداها مئات الكيلومترات, فإنَّ الصواريخ النوويَّة الّتي تملكها (باكستان) اليوم وهي من طراز (غوري), قادرة على بلوغ مسافة (1500) كلم.
وفي العام (1988م), وقَّعت (الهند) و(باكستان) معاهدة عدم اعتداء على المواقع النوويَّة لديهما. إلاَّ أنَّ ذلك لا يدعو إلى الطمأنينة لدى شعوب المنطقة. ففي العام (1996م), رفضت (الهند) التوقيع على المعاهدة الدوليَّة لحظر التجارب النوويَّة، وأكَّدت رفضها هذا بشروعها في (11 مايو 1998م) بإجراء سلسلة من ست تجارب نوويَّة جوفيَّة. وبعد أسبوعين, ردَّت (إسلام آباد) بإجراء سلسلة من التجارب النوويَّة الجوفيَّة في صحراء (بالوشيستان).
وبحسب (البنتاجون الأمريكي) فإنَّ حرباً نوويَّة قد تقع بين (الهند) و(باكستان) سوف تحصد في مرحلتها الأولى حوالي (12 مليون) قتيل على الأقل وأكثر من (7 ملايين) جريح.
إلاَّ أنَّ قضية (كشمير) لا تقتصر على الصراع الدائر بين (الهند) و(باكستان)؛ فقد ذكر( أليف الدين الترابي) ـ رئيس تحرير مجلة (كشمير) المسلمة في حوار أجري معه في (26 نوفمبر 2006): لقد بلغ عدد الجيش الهندوسي في (كشمير الهندية) حوالي (800 ألف) هندوسي، يقومون بقتلِ ما بين (10- 15) مسلمًا يوميًّا، في ظلِّ تعتيمٍ إعلامي غير مبرر، كما بلغ عدد الشهداء خلال (15) عامًا من المدنيين الأبرياء رجالاً ونساءً وأطفالاً (88942)، هذا غير الاغتيالات للقادة السياسيين وغيرهم، والتي بلغت (450)، غير الشهداءِ من العلماء والمشايخ وأئمة المساجد الذين اغتيل منهم (470)، وعدد الجرحى من الرجال والنساء والأطفال (100 ألف)، وعدد المسجونين من الرجال والنساء والأطفال يبلغ (7500)، كما يبلغ عدد المفقودين في السجون حوالي (10 آلاف)، ويبلغ عدد الشباب الذين أصبحوا عاجزين عن الإنجاب نتيجةَ التعذيب في السجون (9500)، كما بلغ عدد المهاجرين الذين هاجروا من (كشمير المحتلة) والمصابين على الحدودِ (50 ألفًا)، وعددُ الموظفين الذين تمَّ عزلهم من وظائفهم بالآلاف، وعدد الأرامل من النساءِ المسلمات اللاتي انتُهكت أعراضهن جماعيًّا (10 آلاف)، وعدد الأرامل من النساء (40 ألفًا)، وعددُ المسلمات الشابات اللاتي استُشهدن بسبب هتكِ العرض (5000)، كما يبلغ عدد المساجد التي دُمرِّت أو أُحرقت (550)، ويبلغ عدد البيوت والدكاكين والمدارس التي أُحرقت بالبارود والبنزين حوالي (100 ألف)، وتبلغ عدد الأنعام التي أُحرقت حيةً بالآلاف، كما بلغت قيمة البساتين والحبوب الزراعية والغابات التي أُحرقت بملايين الدولارات.. هذا غير القواربِ التي أُحرقت في بحيرة (دل) في (سرينغار).
إمكانيات الحلول
بالرغم من العنف لم يتحوّل الصراع في (كشمير) إلى حرب مفتوحة؛ وثمّة عوامل عدّة تساهم في الحدّ من مخاطره. فعلى الصعيد العسكري, يُواجه الجيشان نقصاً في الاعتمادات يرتبط بإعطاء الأولوية للإصلاحات الاقتصادية. ثم إن البلدين تشلُّهما جزئياً واجبات المحافظة على الأمن الداخلي. إضافة إلى أداء العامل النووي دوراً رادعاً.
ولكل من (الهند) و(باكستان) مصالح متعددة في أعمال العنف يمكن تفصيلها كما يلي:
فمصالح (الهند) في أعمال العنف تتمثل في:
1- جذب انتباه العالم؛ بخلق مسرحية المذابح وقتل عدد من الأبرياء، ويبدأ السيناريو.
2- كسب مزيد من الوقت: بشغل باكستان والأحزاب الكشميرية بأمور هامشية.
3- الظهور بمظهر المضطهد: فبقتل عدد من الحجاج الهندوس في وادي كشمير تصبح (باكستان) مجرمة حتى تثبت إدانتها، بينما (الهند) بريئة إلا إذا ثبت تورطها.
4- الإرهاب الدولي: تحاول الهند الاستفادة من الأجواء الدولية خاصة بعد أحداث (11سبتمبر 2001م)، فتم قتل مجموعة من السيخ وأشارت أسابع الاتهام إلى باكستان.
5- شغل (باكستان) بالدفاع عن نفسها: فالباكستانيون يطالبون الحكومة بما فوق طاقتها لحل مشكلة (كشمير).
ومصالح (باكستان) في أعمال العنف تتمثل في:
1- إفشال أي هدنة لتهدئة الرأي العام الداخلي.
2- توريط بعض الأحزاب الكشميرية؛ لتخرج هي من دائرة الاتهام والشجب.
سيناريوهات حل القضية الكشميرية:
السيناريو الأول: الإبقاء على الأمر الواقع
وهو إقرار تقسيم (كشمير) باحتفاظ كل من (الهند) و(باكستان) و(الصين) بالجزء الذي يسيطر عليه، حيث تسيطر (الهند) على (45%) من الإقليم، و(باكستان) على (30%) تقريبا، والباقي مع الصين، وهذا الحل أقرب إلى التصور الهندي بتحويل خط وقف إطلاق النار بعد الحرب الأولى بينهما عام (1948م) والذي تم تحويله إلى خط المراقبة بعد الحرب الثالثة عام (1971م) وهو ما دأبت (باكستان) والكشميريون على رفضه باعتباره حلاً دائمًا.
السيناريو الثاني: انضمام جميع إقليم (كشمير) لـ(باكستان)
وذلك بتنفيذ قرارات الأمم المتحدة حرفيا وتخيير الشعب الكشميري بين الانضمام إما للهند أو لـ(باكستان)، و هو الخيار الذي تمسكت به (باكستان) طويلاً، وبما أن الغالبية الساحقة من الكشميريين مسلمة فإن التحاقهم بباكستان سيكون تلقائيًا إذا ما أجري الاستفتاء على هذا الأساس، مع ما سيصاحبه من مشاكل نظراً لاعتراض الأقلية الهندوسية في الجنوب والبوذية في الشمال، والمنادون بالاستقلال الكامل.
السيناريو الثالث: (كشمير) جزء من (الهند)
يكاد يكون هذه الخيار الأسوأ بالنسبة للكشميريين، خاصة الذين يعيشون في القسم الباكستاني من (كشمير الحرة)، والمناطق الشمالية، والذين سيقاومون مثل هذا الخيار بالقوة، إلى جانب أنه الأكثر إثارة للجدل بين الكشميريين في القسم الهندي، ويدرك الجميع أنه لن يخدم الأمن والاستقرار في المنطقة؛ حيث إن (باكستان) لن تقبل بأن تتحكم (الهند) بشريان حياتها (كشمير).
السيناريو الرابع: (جامو وكشمير) دولة مستقلة
يصطدم هذا الخيار برفض (الهند) و(باكستان) اللتين لا تفضلان العودة عما توصلتا إليه، وإذا ما أضيف خيار الاستقلال، فهناك شعور واسع باختيار الكشميريين له، وهو ما ترفضه الدولتان (الهند) و(باكستان)، كما يرفضه الكشميريون الذين يعيشون في القسم الباكستاني خشية فقدان ما يتمتعون به من نفوذ ومساندة حلفائهم الباكستانيين.
السيناريو الخامس: (كشمير) مستقلة مصغرة
تقوم هذه النظرية على تقسيم (كشمير) إلى ثلاثة أقسام بين الجميع، بمنح الاستقلال لوادي (كشمير) الذي يضم العاصمة الصيفية للإقليم (سرينغار) الخاضع للسيطرة الهندية و(كشمير الحرة) وعاصمتها (مظفر آباد)، وانضمام المناطق الشمالية لـ(باكستان) رسميًّا والمناطق الجنوبية ذات الغالبية الهندوسية في (جامو) ومعها مناطق (لاداخ) في الشمال إلى (الهند)، وهناك من يرى أن مثل هذا الحل غير عملي ويعقد المشكلة أكثر من حلها؛ إذ أن الدويلة الصغيرة لن يكون بمقدورها الحياة وهي منهارة اقتصاديا، كما أن (الهند) و(باكستان) قد تطرحانه كحل مؤقت وليس حلاً دائمًا.
السيناريو السادس: صيغة (تشناب)
والتسمية نسبة إلى (نهر تشناب) وأطلقت خطة (تشناب) في الستينيات؛ وتقضي بأن يتم التقسيم على امتداد (نهر تشناب)، الذي يقسم (كشمير) إلى قسمين من الشمال إلى الجنوب قبل أن يدخل الأراضي الباكستانية، والنتيجة حصول (باكستان) على القسم الأعظم من الإقليم والذي سيكون نصرًا صريحًا لها. وهكذا ستصبح الأغلبية المسلمة في كل من (جامو وكشمير) في كنف (باكستان) ويبقى الهندوس في قطاع (جامو) والبوذيين في الشمال في الجانب الهندي.
ثانيا ـ سيناريوهات مقترحة لتسوية مشكلة (كشمير)
هناك مؤشرات عديدة ترجح استعداد المؤسسة العسكرية الباكستانية للتنازل عن تطبيق قرارات الأمم المتحدة وإجراء استفتاء حر في (كشمير)، مقابل الاستعداد لقبول تسوية سياسية للمشكلة مع ضمان المصالح الاستراتيجية الباكستانية في الإقليم، وعدم إدخال تعديلات جوهرية على خط السيطرة بوضعه الراهن. وقد نشرت إحدى الصحف العسكرية الباكستانية تصورًا لحل قضية (كشمير) يجمع بين آليتي الاستفتاء والتقسيم، ويقوم الاقتراح على ضم بعض المناطق إلى الجانب الباكستاني من خط السيطرة (آزاد جامو وكشمير)، والمناطق الشمالية إلى (باكستان)، وضم بعض المناطق الأخرى إلى الجانب الهندي. أما المناطق الأخرى منطقة (الوادى)، و(كارجيل)، و(دودا)، و(بونش)، و(راجوري)، فيتم وضعها تحت وصاية الأمم المتحدة لمدة خمس سنوات قبل تطبيق استفتاء حر.
وفي السياق نفسه، طرح رئيس وزراء (آزاد جامو وكشمير) ساردار (سيكاندار حياة خان)، بديلاً آخر في (مايو 2003م)؛ يقوم على تقسيم (كشمير) عبر (نهر شيناب) ووفق هذه الصيغة يتم إعادة رسم خط السيطرة عبر مجرى النهر، بحيث يتم ضم المناطق ذات الأغلبية الإسلامية التي تقع على يمين مجرى النهر إلى (باكستان)، بينما تُضم المناطق ذات الأغلبيات الهندوسية والبوذية التي تقع على يسار مجرى النهر إلى (الهند).
والمرجح أن هذه البدائل تم طرحها بإيعاز من الجيش في محاولة لتمهيد الرأي العام الباكستاني لقبول تسوية سياسية والتنازل عن التطبيق الحرفي لقرارات الأمم المتحدة. وكان الرئيس الباكستاني (برويز مشرف) قد أشار إلى أن هناك حوالي عشرة بدائل لتسوية مشكلة (كشمير) من بينها صيغة (نهر شيناب)، وتأكيده على ضرورة استعداد الشعب الباكستاني لأي من تلك البدائل، وضرورة قيام طرفي الصراع بتشكيل جو من الثقة يضمن نجاح عملية التسوية. وفي الاتجاه نفسه، أبدى (مشرف) استعدادا لتسوية مشكلة (كشمير) في ضوء روح وليس نصوص قرارات مجلس الأمن المتعلقة بالمشكلة، عندما عرض في (منتصف ديسمبر 2003م) ثم في اجتماع له مع عدد من الساسة الكشميريين في (22 ديسمبر) استعداد (باكستان) لتسوية المشكلة في ضوء روح قرارات مجلس الأمن، وأنه عرض على (الهند) إجراء حوار مباشر معها حول المشكلة، وتنحية بعض بنود تلك القرارات التي ترى (الهند) صعوبة تطبيقها في حالة جديتها في الحوار.
ثالثا ـ المعوقات الداخلية لتسوية مشكلة (كشمير):
في الجانب الباكستاني: هناك بعض المعوقات الهيكلية سواء على مستوى القيادات والمؤسسات السياسية، أو على مستوى القوى السياسية والاجتماعية. يتعلق أهم تلك المعوقات باستمرار حالة عدم الثقة والشك المتبادل بين صانعي القرار في البلدين، واستمرار الإدراكات السلبية لدى صانع القرار والمؤسسة العسكرية للتهديد الهندي للأمن القومي الباكستاني خاصة على المستوى التقليدي، وعدم استعداد تلك المؤسسة التنازل عن الآثار السلبية للخبرة التاريخية بين البلدين.
وفي الجانب الهندي: نجحت المؤسسة العسكرية في التأثير على الجهاز البيروقراطي والإعلام الهندى في طريقة معالجة مشكلة (كشمير)، كما يقف المجاهدون في كل من مؤتمر الحريات بزعامة (سيد علي جيلاني)، وحزب المجاهدين الكشميريين بزعامة (سيد صلاح الدين) ضد التسوية، وتلعب التنظيمات الهندوسية والأحزاب المتطرفة دورًا في تأجيج الصراع واستبعاد الحل السياسي.
الدور المنتظر من الشعوب
الفهم الصحيح :
يمكن حل أزمة (كشمير) عبر استلهام العبرة الأيرلندية؛ ولتحقيق هذا الغرض لا بد من تطبيق وتفعيل الآليات التالية: حكم الأغلبية، والحفاظ على حقوق الأقلية، وإقامة حكومة ذاتية تبث قيما مشتركة.
وكان على التسوية الأيرلندية - التي تشابه التسوية الكشميرية المقترحة - أن تحل أربع قضايا: قضية السيادة، وقضية إجماع الأغلبية، وقضية المساواة في الفرص، وقضية المخاطر والتضحيات؛ والخلاصة أن نموذج السلام الأيرلندي يمكن أن يصير مصدر إلهام لنموذج السلام الكشميري المنتظر أو المأمول، ولكن بشرط أن ترغب الأطراف الكشميرية المتنازعة في الاستفادة من أخطائها، وأن تعزم على إصلاح القناعات والسياسات والآليات الخاطئة التي كانت تنتهجها طوال (57) عامًا، من خلال انتهاج قناعات وسياسات وآليات جديدة، تتلخص في التالي:
- تطوير الإطار التفاوضي حول (كشمير).
- إدخال الطرف الكشميري في المفاوضات، والكف عن تجاهله، بالإضافة إلى تحديد من سيمثل الكشميريين.
- إدخال الأجنحة العسكرية في عملية السلام.
- رد الاعتبار للمفاهيم المنسية التي بدونها لن يحل النزاع الكشميري، مثل: الإرادة السياسية، وحق تقرير المصير، والإجماع الجماهيري.
- الكف عن سياسة إلقاء اللوم والتقريع من قبل الطرفين الهندي والباكستاني، والبدء في إظهار الإرادة السياسية والجدية والليونة والمرونة والجرأة، ومن ثم تحمل التضحيات والمخاطر.
التحرك وبسرعة :
قضية (كشمير) المسلمة ليست قضيةً تخصُّ مسلمي (كشمير) فحسب، وليست قضية ثنائية بين (الهند) و(باكستان) كما يعتقد البعض، بل هي قضية إسلامية عالمية تخصُّ العالم الإسلامي بأسرِه، وهي شقيقة القضية الفلسطينية، تشاطرها آلامها ومعاناتها.
والمطلوب أن تكون كافة الدول الإسلامية حكوماتٍ وشعوبًا على بصيرة، وأن بممارسة الضغوطِ لإجبارِ (الهند) على تنفيذِ القراراتِ الدولية لمنحِ الشعب الكشميري حقَّه في تقريرِ المصيرِ، وأن تتخذ خطواتٍ جادةً للحصولِ على مقعدٍ دائمٍ بمجلسِ الأمنِ الدولي وقطع الطريق على (الهند) في هذا الصدد، وأن تدعم الدول الإسلامية (باكستان) للمحافظة على برنامجها النووي، وتطويره وتصدير خبراته للعالم الإسلامي، واستثمارِ هذه القدرة كقوةٍ للعالمِ الإسلامي أجمع، وأن تلتف كافةُ الدول الإسلامية حول منظمةِ المؤتمرِ الإسلامي لتنفيذِ أهدافها؛ لتوحيد الكلمة والخروج برأيٍّ واحدٍ مشتركٍ وتشكيل جبهة عمل إسلامية عملاقة أمام الزحف الهندوسي الصهيوني المشترك.
بث الأمل:
يقول الأستاذ سيد قطب: "لا بد لهذه الأمة من ميلاد، ولا بد للميلاد من مخاض، ولابد للمخاض من آلام"، والمتأمل لواقع الأمة الإسلامية يدرك واقعاً حارت فيه العقول والأفهام؛ تحول معه جسد الأمة إلى أشلاء ممزقة، فعلت فيه أيدى الأعداء فعلتها؛ فصارت الأمة في أحلك مراحلها، نفق مظلم (فلسطين)، (العراق)، (الشيشان)، (أفغانستان)، (كشمير)، (البوسنة)، (كوسوفا)، (السودان)، (سوريا)، (لبنان)، و(إيران)، و(تايلاند)، (أندونيسيا)، فضلاً عن حال الاستضعاف. إن واقع الأمة يصرخ فينا، أما لكم من رجعة، أما لكم فيكم من مداو لهذه الجروح..
إن الأمة الآن في أمس الحاجة، إلى صحوة تنقذها من هذا السُبات القاتل، صحوة في نفوس أبناءها، ليستشعروا هذا الواقع المعيب، على تاريخ أمتهم ومسيرها الحضاري بين الشعوب .
صحوة تتوحد عليها القلوب، وتتفهم أهدافها العقول، وتحيا بها النفوس.. صحوة أمة لا صحوة أفراد، تردع الظالم، وتمنع المظلوم، وتنير الطريق نحو التغيير.. تتكاتف لها القوى، وتتناسى فيها الأحقاد، ولم يعد هناك وقت للعداء بين الأشقاء.
الأكثر مشاهدة
المشاركات الشائعة
-
موقع الإخوان المسلميبن ـ ورود الحق بقلم: د. عماد عجوة القيروان.. مدينة تونسية تقع على بُعد 156 كم من العاصمة تونس، وعلى بُعد 57 كم من مدين...
-
أولا: مفهوم الثبات والمرونة : تنقسم أحكام الشريعة الإسلامية على قسمين : ا لأول : أحكام ثابتة : وهذه لا سبيل إلى البحث فيها ، ولا تقبل الت...
-
موقع قصة الإسلام ـ مدونة ورود الحق أما النصف الأوَّل من القرن الرابع الهجري والنصف الأوَّل من القرن العاشر الميلادي فيمثِّله أبو الحسن عل...
-
مدونة ورود الحق ـ الإسلام اليوم هانئ رسلان تعيشُ الخُرطوم هذه الأيام أجواءًا من الترقُّب المشوب بالقلق؛ بسبب...
-
مدونة ورود الحق ـ موقع إخوان أون لاين بقلم: د. كامل عبد الفتاح باحث في تاريخ مصر الحديث والمعاصر في التاسع والعشرين من أغسطس من كل عام تحل...
-
حذر الدكتور محمود حمدي زقزوق، وزير الأوقاف، أئمة الوزارة من التطرق إلى الموضوعات السياسية في الدروس الرمضانية التي سيلقونها بمساجد الجمهور...
-
موقع قصة الإسلام ـ ورود الحق فلسطين أرض الرسل والأنبياء الذين حملوا راية التوحيد، ودعوا أقوامهم إلى الالتزام بها. وقد شهدت فلسطين ف...
-
مدونة ورود الحق هؤلاء هم القادة الذين نريدهم هؤلاءالله سيرفع درجاتهم إن شاء الله ويسكنهم جنات النعيم ذلك بما يعملون الآن لأمتهم من تضحيات و...
-
د: منير جمعة عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين :- دول الغرب المسيحي تحتفي بكل الخارجين عن الإسلام وتلبسهم ألقابا رنانة . الرئيس بوش استقبل...
-
ورود الحق ـ قصة الإسلام : روجر بواس يلقي روجر بواس[1] في مقاله هذا نظرة على النموذج الإسباني للتطهير العرقي والديني. لكل شيء إذا ما تم نقصان...
يتم التشغيل بواسطة Blogger.
أرشيف المدونة الإلكترونية
-
▼
2010
(156)
-
▼
أغسطس
(36)
- قالوا عن الإسلام : المستشرق الإنجليزي البارز السي...
- المسور بن مخرمة
- أهمية العلم وقيمته في الإسلام
- إلى ابن الدعوة...
- ابتكار المسلمين علم الكيمياء
- العالم الإسلامي وعلاقته بمشكلة كشمير
- أعلام المقاومة الكشميرية
- القضية الكشميرية ومراحل تطورها
- جامع القيروان.. أقدم مساجد المغرب العربي
- ابتكار المسلمين علم الجيولوجيا
- إسهامات علماء المسلمين في الطب
- الاقتصاد في الحضارة الإسلامية
- إسهامات علماء المسلمين في تطوير علم التاريخ
- قصة العلوم في الإسلام
- ابتكار المسلمين علم الصيدلة
- القرضاوي: الجهاد في الإسلام فريضة أخلاقية
- نبذة تاريخية عن كشمير
- فتح مكة.. لحظة فارقة في التاريخ
- 14 رمضان : ذكرى وفاة مظفر الدين كوكبوري
- مشكلة كشمير بالتفصيل
- أهم المعالم والمناطق
- مقدمة الجرح الكشميري
- الفلسطينيون ومؤامرة الوطن البديل
- جغرافية فلسطين
- فلسطين إطلالة تاريخية
- المسلمون في تركستان الشرقية.. حتى لا ننسى
- العالم الإسلامي وعلاقته بمشكلة تركستان
- الصين وتركستان الشرقية
- الحركات الإسلامية والوضع الحالي في تركستان
- الموارد الاقتصادية والاستراتيجية في تركستان
- التركيبة العرقية في تركستان
- نبذة تاريخية عن تركستان
- الموقع الجغرافي لتركستان
- بالصور السيد رئيس وزراء الحكومة المقالة بغزة يزور ...
- مجندة إسرائيلية تنشر صورا لها مع أسرى مسلمين مكتفي...
- حذر الأئمة من التحدث بالسياسة خلال دروس رمضان.. زق...
-
▼
أغسطس
(36)
أحدث موضوع
المدونة على الفيس بوك
أقسام مهمة
التسميات
- أزمات الأمة (38)
- الخلافة الأموية (1)
- الدولة العثمانية الجزء الثانى (12)
- الدولة العثمانية الجزء الرابع (3)
- الدولة العثمانية الجزء الأول (8)
- الدولة العثمانية الجزء الثالث (10)
- السودان وأزمة الانفصال (10)
- الشيشان جرح ينزف (7)
- النصرانية ما بين التعريف والتحريف الجزء الأول (1)
- تاريخ الأندلس (1)
- تاريخ أمة (42)
- تاريخ حماس والدفاع عنه (1)
- تاريخ فلسطين (2)
- تحليلات هامة (11)
- تربية الأطفال (1)
- تركستان جرح ينزف (8)
- حدث فى مثل هذا (2)
- دروس فى الفقه (1)
- شخصيات إسلامية (2)
- شخصيات أسلموا (2)
- صحابة الرسول (1)
- عجائب التكنولوجيا (1)
- على الصلابى (1)
- عن الإخوان والبنا (4)
- غرائب من الحياة (1)
- غزة بين النار والحصار (7)
- فتاوى اقتصادية (1)
- فتاوى الدكتور منير جمعة (5)
- فتاوى عامة (6)
- فقه السنة (3)
- فلسطين (9)
- فيديو مؤثر (4)
- قالوا عن الإسلام (3)
- قصص من روائع حضارتنا (23)
- كتاب الكبائر للإمام شيخ الإسلام الذهبى (4)
- كشمير جرح ينزف (7)
- كوسوفا جرح ينزف (5)
- مساجد لها تاريخ (1)
- مقالات الأستاذ ثامر عبد الغني سباعنه (1)
- مقالات الدكتور منير جمعة (17)
- مقالات المشرف (13)
- مقالات رمضانية (1)
- مواعظ الإمام ابن الجوزى (16)
- نقاشات (1)
بحث
بحث هذه المدونة الإلكترونية
Categories
المتابعون
فيديو الأسبوع
أحدث التعليقات
أحدث المقالات