الصفحة الرئيسية » Archives for 2010
الماسونية والمسجد الأقصى
مدونة ورود الحق ـ موقع قصة الإسلام
أ. عيسى القدومي
المسجد الأقصى الماسونية حركة سرية، وتُعرِّف نفسها على أنها حركة روحية تدعو إلى (تقدم البشرية)، كتب عنها الكثير، ونُشر من وثائقها وخفاياها ما جعلها في مقدمة أخطر المنظمات والحركات السرية المتنفذة في العالم أجمع، نشأت في بريطانيا خلال القرن السادس عشر، وأنشئ أول محفل لها عام 1717م.
والجماعة الماسونية يطلق عليها بالعربية (البناءون الأحرار)، والمشتهرة أيضًا بتسمية (القوة الخفية) و(البناة الصادقون) أو (البناءون الصادقون). وهناك الكثير من الأقوال حول تسمية الماسونية، فهي تعني هندسة باللغة الإنجليزية، ويعتقد البعض أن في هذا رمزًا إلى مهندس الكون الأعظم، ومنهم من ينسبهم إلى حيرام آبي المعماري الذي يزعمون أنه أشرف على بناء هيكل سليمان، ومنهم من ينسبهم إلى فرسان حراس المعبد الذين شاركوا في الحروب الصليبية، وهناك نظريات تربطهم بحكماء صهيون.
وهناك الكثير من الغموض حول رموز الماسونية وطقوسها وتعاملاتها، وفي السنوات الأخيرة أدرك قادة الماسونية أن كل هذا الغموض ليس في صالح الماسونية, فقامت الحركة بدعوة الصحافة والتلفاز إلى الاطلاع على بعض الأمور المُتخفية، وتصوير بعض الجلسات، ولكن لم يُسمح لوسائل الإعلام بتصوير جلسات اعتماد الأعضاء ومشاهدتها. ولا شك أنهم لن يسمحوا إلا بما هو قابل للنشر.
واستنادًا إلى الماسونيين، فالطقوس المستعملة التي يصفها بعضهم بالمرعبة ما هي إلا رموز استعملها البناءون الأوائل في القرون الوسطى ولها علاقة بفن العمارة والهندسة، وتعد الزاوية القائمة والفرجار من أهم رموز الماسونية، وهذا الرمز موجود في جميع مقرات الماسونية إلى جانب الكتاب المقدس الذي يتبعه ذلك المقر. وعند اعتماد عضو جديد يُعطى له الحق في اختيار أي كتاب سماوي يعدُّه ذلك الشخص مقدسًا. ويستخدم الماسونيون بعض الإشارات السرية ليتعرف بواسطتها عضو في المنظمة على عضو آخر، وتختلف هذه الإشارات من مقر إلى آخر.
وظهرت بعد ذلك (الروتارية الدولية) وهي منظمة ماسونية تضم وجوهًا اجتماعية من مختلف الاختصاصات والمجالات التجارية، ولها أندية في أنحاء العالم المختلفة، وقد أسس المحامي (بول هاريس) أول نادٍ للروتاري في مدينة شيكاغو الأمريكية عام 1905م، وبعد ثلاث سنوات انضم إليه رجل يدعى (شيرلي بري) الذي وسَّع الحركة بسرعة هائلة، وظل سكرتيرًا للمنظمة إلى أن استقال منها في سنة 1942م، وتوفي بول هاريس (المؤسس) سنة 1947م، بعد أن امتدت الحركة إلى أكثر من 150 دولة، وأصبح لها 22 ألف نادٍ تضم أكثر من مليون عضو.
وانتقلت الحركة إلى دبلن بأيرلندا سنة 1911م، ثم انتشرت في بريطانيا بفضل نشاط شخص اسمه (مستر مورو) الذي كان يتقاضى عمولة عن كل عضو جديد. وتأسس نادٍ في فلسطين سنة 1921م عندما كانت دولة اليهود حلمًا صهيونيًّا، وكان هذا الفرع أسبق الفروع في المنطقة العربية. وتم إنشاء أول محفل ماسوني في القدس عام 1868م.
ثم ظهرت أندية الليونز الدولية، وتُعَدُّ أكبر منظمة لأندية الخدمات في العالم، حيث يندرج تحتها أكثر من 39 ألف نادٍ بها أكثر من 15 مليون عضو في حوالي 165 دولة وإقليم. وتأسست في شيكاغو عام 1917م، وتصدر مجلة الليونز باللغة الإنجليزية و18 لغةً أخرى، وتعقد مؤتمرًا دوليًّا مرةً كل عام.
الماسونية واليهودية :
علاقة الماسونية باليهودية علاقة متداخلة إلى حد كبير في العقائد والسياسات والمخططات، فأدبيات الماسونية وطقوسها ورموزها تتوافق والدعوة لإحياء كل ما يمتّ إلى اليهودية بصلة، استنادًا لما في العهد القديم من دعاوى ووصايا.
ويعترف الماسونيون بأن اليهود هم شعب الله المختار، وتتطابق مساعيهم لبناء هيكل سُليمان، ويدعمون اليهود والصهاينة للوصول إلى جبل صهيون، وإقامة الدولة اليهودية على أرض فلسطين باعتبارها -بزعمهم- أرض الميعاد.
ويقر الماسوني اللبناني (حنا أبو راشد) صاحب كتاب (دائرة معارف ماسونية) في جزئه الأول بعلاقة الماسونية باليهودية بقوله: "أما أن الماسونية يهودية فذلك مما لا شك فيه". وعن مركزية الهيكل في الفكر الماسوني كتب أيضًا الآتي: "بدأت الفكرة الماسونية -كالفكر منذ البدء- أسطورة من أساطير الحقيقة، والحقيقة بعثت الفكرة في هيكل سليمان، فاقترنت بالعمل، مهما كابر أرباب التاريخ".
وهذا واقع ملموس، فاليهود والماسون يعدون أنفسهم الأبناء الروحيين لبُناة هيكل سُليمان، وتفحص دساتير الماسون ونظمهم ورموزهم يدلُّك بما لا يرقى إليه الشك على يهودية الحركة الماسونية، بدءًا من وصف بناء هيكل سليمان الذي تسعى الماسونية لربط نشأتها به، ويؤسس الماسون محافلهم اليوم تذكيرًا لأتباعهم بضرورة العمل على إعادة بناء هذا الهيكل الذي يقوم مقامه المسجد الأقصى في القدس، هذا بالإضافة لاستخدامهم النجمة السداسية والكثير من الرموز مشتركة بينهم وبين اليهود؛ فالترابط ليس سرًّا يخفى بل هو واضح جلي.
الماسونية والهيكل المزعوم :
خطورة نشاط الماسونيين (البناءون الأحرار) تتمثل في أنهم يتخذون من النبي سليمان u مثلاً أعلى ويرون في الهيكل -الذين يزعمون أن المسجد الأقصى بناه المسلمون على أنقاضه- نموذجًا يُحتذى به لكل بناء؛ لذا يؤيد أعضاء المحفل الماسوني إقامة الهيكل الثالث مكان المسجد الأقصى، وإن دعم الماسونيين للكيان الغاصب لأرض فلسطين كبيرٌ بل إن شعار دولة اليهود (ما يسمى بنجمة داود) مشتق من شعار الماسونيين. ومن ضمن الاكتشافات الأثرية للماسونيين اكتشاف مغارة سليمان التي ادّعوا أن حجارة الهيكل المزعوم قد قطعت من داخلها. هذا، وقام الماسونيون الأوائل بعقد اجتماعاتهم في هذه المغارة.
ولهذا كتب الكثير من المختصين عن مدى علاقة اليهودية بالماسونية، وخلصوا إلى أن التنظيم والتعاليم اليهودية هي التي اتُّخذت أساسًا لإنشاء المحفل الأكبر 1717م ووضع رسومه ورموزه، ولا تزال اليهودية العالمية هي القوة المحرِّكة الكامنة وراء الماسونية، والأساتذة الكبار الحقيقيون في المحافل الماسونية هم الممثلون للجمعيات اليهودية السرية، وإن التعاضد الواضح بين الماسونيين في العالم يُرجعِه المطلعون إلى كثرة عدد اليهود في الصفوف المتقدمة من الماسونية.
والماسونية ربطت الهيكل بنبي الله سليمان بن داود -عليهما السلام- وهو عندهم كما عند اليهود ملكًا وليس نبيًّا؛ لخداع اليهود وغير اليهود بسمو أهداف الماسونية.
وقد كشفت وترجمت العديد من الوثائق والرسائل من ملفات الماسونية، ومن أخطر الرسائل التي كشفت وترجمت، رسالة وجّهها الماسونيان (غرايدي تيري) وزميله (أودي مورفي)، العضوان في محفل (قدماء الماسونية الأحرار) إلى السيد (روحي الخطيب) أمين القدس، وقد عرضوا باسم الماسونية شراء الأرض التي يقوم عليها المسجد الأقصى. جاء فيها: "... أنتم تدركون أن هيكل سليمان كان المحفل الماسوني الأصلي، والملك سليمان كان رئيس هذا المحفل، لكن الهيكل دمر عام 70 بعد المسيح. إنني أعرف أن مسجدكم هو صاحب الهيكل ومالكه القانوني، وأنه أقيم في المكان ذاته إلى جانب الصخرة التي قدّم عليها أبونا إبراهيم ابنه إسحاق قربانًا للرب، وإنني أعرف أيضًا أنكم، أنتم العرب، أبناء إسماعيل قد حميتم هذه الصخرة عبر القرون، فلنقدم الشكر إلى الرب".
"وإنني بوصفي مسيحيًّا وعضوًا في الحركة الماسونية، أرأس جماعة في أمريكا يحبون أن يعيدوا بناء هيكل سليمان من جديد. هذا هو اقتراحنا، إذا أعطى جامع عمر الإذن لمؤسستي فسوف نجمع 200 مليون دولار في أمريكا لهذه الغاية، أو المبلغ اللازم لإعادة بناء الهيكل. إن مسجدكم لن يفقد السيطرة على الهيكل أبدًا، وعندما ينتهي بناء الهيكل سيكرّس للرب، للملك سليمان، وللحركة الماسونية في العالم وسيعطى لكم مجانًا. وإلى ذلك، وبإذن من مؤسستكم سيمنح كل أخ ماسوني أسهَمَ في إعادة البناء عضوية في المحفل الماسوني الأول لهيكل سليمان في مدينة القدس، وأستطيع أن أؤكد لكم أن مؤسستكم إذا تعاونت معنا في إعادة بناء الهيكل، فسوف تصبح أغنى مؤسسة دينية على الأرض".
"إذا أبديتم اهتمامًا بهذا العرض، فسنزوِّدكم بالمال لتصرفوه في بناء الهيكل.. وسأقوم بتصوير فيلم سينمائي خلال إقامتي في الأرض المقدسة؛ ليعرض في المحافل الماسونية (فيلم ديني عن الأب إبراهيم وإسماعيل ويعقوب، يصل حتى بناء المعبد) مع قصة ولادة المسيح حتى موته على الصليب".
"سادتي، آمل أن تأخذوا هذه القضية بعين الاعتبار وتبحثوها مع أعضاء مجلس إدارتكم قبل أن أصل إلى المدينة المقدسة، وآمل أن يمنحني أعضاء مجلس إدارة مجلس عمر الشرف العظيم لأخاطبهم شخصيًّا أثناء إقامتي القصيرة في المدينة، وليبارككم الله جميعًا أيها الإخوة".
بإخلاص (غرايدي تيري)، 514، (إيست هاردفورد رود، بيدبانك، كاليفورنيا)، القطاع 91501.
محتوى الرسالة السابقة يدل على الالتقاء الكامل بين اليهودية والصهيونية والماسونية، ويؤكد أن بناء الهكيل -المزعوم- على أنقاض المسجد الأقصى كان -وما زال- في مقدمة أهداف الماسونية.
النشاط الماسوني في القدس:
فلسطين والقدس كانتا -وما زالتا- هدفًا ماسونيًّا، وكان أول محفل ماسوني في العالم المحفل الإنجليزي، الذي كان اسمه محفل (أورشليم)، ثم قلبوه بعد ذلك إلى المحفل الإنجليزي.
ومما تكشف مؤخرًا وجود نشاط للماسونية العالمية في مجمع مسجد النبي داود الذي تحول الطابق السفلي منه إلى كنيس، والطابق العلوي إلى كنيسة، حيث تحول المجمع الذي يضم المسجد والعديد من الغرف الملاصقة، وتكشف الأمر عندما لاحظ شخص من الهيئة الشعبية المقدسية وجود شعار الماسونية مكررًا على الجدران والسلالم؛ الأمر الذي أقره أحد العاملين اليهود في المكان قائلاً بأن الماسونيين كانوا في المكان قبل 400 سنة في عهد الأتراك، على حد زعمه.
وتأكيدًا لنشاطهم في فلسطين والقدس على وجه الخصوص، نقلت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية عن مصادر أمريكية قولها: إن الجماعات اليهودية الماسونية المتطرفة، التي تعمل بشكل سري داخل الولايات المتحدة، تدفع بشدة نحو الإسراع في هدم المسجد الأقصى، وقد تعرضت هذه الجماعات مؤخرًا لاختراق من قبل أمريكيين. وأدى هذا الاختراق -بحسب الصحيفة- إلى تسريب ما زعموا أنها أسرار "ختم سليمان" وفك شفرات رموزهم الدينية من قبل الروائي الأمريكي (دان براونز) في روايته الجديدة التي أطلق عليها تسمية (الرمز المفقود).
وفي سبتمبر عام 1995م تم إنشاء (غرفة القدس الماسونية) في جوار المسجد الأقصى، وهي منظمة يهودية ماسونية، وقد أمر بإنشائها رئيس المحفل الماسوني الإيطالي (جيوليا دي بيرناردو)؛ لتنفيذ مشروع ما أسموه (جبل المعبد)، وخلال حفل الافتتاح أعلن (دي بيرناردو) أن إعادة بناء الهيكل هي جوهر دراستنا، وفي كتابه (بناء المعبد) الذي كتبه (بيرناردو) وأصدره في يونيو 1996م ركز على العلاقة بين الكابالا اليهودية وإعادة بناء الهيكل.
لله در المسجد الأقصى!! فلا أظن أن هناك مسجدًا أو معبدًا أو مبنى على وجه الأرض اجتمعت على هدمه والكيد لتاريخه ومكانته كل تلك الحركات السرية والفرق الباطنية والملل الأخرى كما هو المسجد الأقصى في القدس؛ ففرقة تزعم أن المسجد الأقصى ليس هو مسجد القدس بل هو مسجد في السماء!! وأخرى تدعي أن المسجد الأقصى هو مسجد قاديان في الهند!! وبهائية تقول: إن المعبد الأقصى هو الموجود في جبل الكرمل في مدينة عكا القديمة!! وماسونية تعمل على هدمه، ويهود يحفرون تحته، ويشيدون الكنس فيه وما حوله، وصهيونية تجند عشرات الجماعات والجمعيات للعمل على تشييد الهيكل على أنقاض المسجد الأقصى، ونصارى بروتستانت (النصرانية المتصهينة) لن تتحقق نبوءاتهم وآمالهم بخروج مخلِّصهم إلا بـ"هدم المسجد الأقصى" وإقامة معبد اليهود.
ودخل على خطِّ ذلك الحقد الدفين على المسجد الأقصى العلمانيون الجدد، الذين سوقوا للمحتل الصهيوني وبرروا له كل ممارساته، وجعلوا الحفريات وإقامة الكنس أسفل وحول المسجد الأقصى شأنًا داخليًّا لا ينبغي أن تلتفت إليه الأنظار!!
وما ذاك إلا لمكانته في الشريعة الإسلامية وعند المسلمين الذين دافعوا عنه وأحيوه بحلقات العلم والعلماء، ومهما بذل كل هؤلاء من جهد فسيبقى المسجد الأقصى مسجدًا من المساجد الثلاثة التي لا تشد الرحال إلا لها.
المسجد الأقصى الماسونية حركة سرية، وتُعرِّف نفسها على أنها حركة روحية تدعو إلى (تقدم البشرية)، كتب عنها الكثير، ونُشر من وثائقها وخفاياها ما جعلها في مقدمة أخطر المنظمات والحركات السرية المتنفذة في العالم أجمع، نشأت في بريطانيا خلال القرن السادس عشر، وأنشئ أول محفل لها عام 1717م.
والجماعة الماسونية يطلق عليها بالعربية (البناءون الأحرار)، والمشتهرة أيضًا بتسمية (القوة الخفية) و(البناة الصادقون) أو (البناءون الصادقون). وهناك الكثير من الأقوال حول تسمية الماسونية، فهي تعني هندسة باللغة الإنجليزية، ويعتقد البعض أن في هذا رمزًا إلى مهندس الكون الأعظم، ومنهم من ينسبهم إلى حيرام آبي المعماري الذي يزعمون أنه أشرف على بناء هيكل سليمان، ومنهم من ينسبهم إلى فرسان حراس المعبد الذين شاركوا في الحروب الصليبية، وهناك نظريات تربطهم بحكماء صهيون.
وهناك الكثير من الغموض حول رموز الماسونية وطقوسها وتعاملاتها، وفي السنوات الأخيرة أدرك قادة الماسونية أن كل هذا الغموض ليس في صالح الماسونية, فقامت الحركة بدعوة الصحافة والتلفاز إلى الاطلاع على بعض الأمور المُتخفية، وتصوير بعض الجلسات، ولكن لم يُسمح لوسائل الإعلام بتصوير جلسات اعتماد الأعضاء ومشاهدتها. ولا شك أنهم لن يسمحوا إلا بما هو قابل للنشر.
واستنادًا إلى الماسونيين، فالطقوس المستعملة التي يصفها بعضهم بالمرعبة ما هي إلا رموز استعملها البناءون الأوائل في القرون الوسطى ولها علاقة بفن العمارة والهندسة، وتعد الزاوية القائمة والفرجار من أهم رموز الماسونية، وهذا الرمز موجود في جميع مقرات الماسونية إلى جانب الكتاب المقدس الذي يتبعه ذلك المقر. وعند اعتماد عضو جديد يُعطى له الحق في اختيار أي كتاب سماوي يعدُّه ذلك الشخص مقدسًا. ويستخدم الماسونيون بعض الإشارات السرية ليتعرف بواسطتها عضو في المنظمة على عضو آخر، وتختلف هذه الإشارات من مقر إلى آخر.
وظهرت بعد ذلك (الروتارية الدولية) وهي منظمة ماسونية تضم وجوهًا اجتماعية من مختلف الاختصاصات والمجالات التجارية، ولها أندية في أنحاء العالم المختلفة، وقد أسس المحامي (بول هاريس) أول نادٍ للروتاري في مدينة شيكاغو الأمريكية عام 1905م، وبعد ثلاث سنوات انضم إليه رجل يدعى (شيرلي بري) الذي وسَّع الحركة بسرعة هائلة، وظل سكرتيرًا للمنظمة إلى أن استقال منها في سنة 1942م، وتوفي بول هاريس (المؤسس) سنة 1947م، بعد أن امتدت الحركة إلى أكثر من 150 دولة، وأصبح لها 22 ألف نادٍ تضم أكثر من مليون عضو.
وانتقلت الحركة إلى دبلن بأيرلندا سنة 1911م، ثم انتشرت في بريطانيا بفضل نشاط شخص اسمه (مستر مورو) الذي كان يتقاضى عمولة عن كل عضو جديد. وتأسس نادٍ في فلسطين سنة 1921م عندما كانت دولة اليهود حلمًا صهيونيًّا، وكان هذا الفرع أسبق الفروع في المنطقة العربية. وتم إنشاء أول محفل ماسوني في القدس عام 1868م.
ثم ظهرت أندية الليونز الدولية، وتُعَدُّ أكبر منظمة لأندية الخدمات في العالم، حيث يندرج تحتها أكثر من 39 ألف نادٍ بها أكثر من 15 مليون عضو في حوالي 165 دولة وإقليم. وتأسست في شيكاغو عام 1917م، وتصدر مجلة الليونز باللغة الإنجليزية و18 لغةً أخرى، وتعقد مؤتمرًا دوليًّا مرةً كل عام.
الماسونية واليهودية :
علاقة الماسونية باليهودية علاقة متداخلة إلى حد كبير في العقائد والسياسات والمخططات، فأدبيات الماسونية وطقوسها ورموزها تتوافق والدعوة لإحياء كل ما يمتّ إلى اليهودية بصلة، استنادًا لما في العهد القديم من دعاوى ووصايا.
ويعترف الماسونيون بأن اليهود هم شعب الله المختار، وتتطابق مساعيهم لبناء هيكل سُليمان، ويدعمون اليهود والصهاينة للوصول إلى جبل صهيون، وإقامة الدولة اليهودية على أرض فلسطين باعتبارها -بزعمهم- أرض الميعاد.
ويقر الماسوني اللبناني (حنا أبو راشد) صاحب كتاب (دائرة معارف ماسونية) في جزئه الأول بعلاقة الماسونية باليهودية بقوله: "أما أن الماسونية يهودية فذلك مما لا شك فيه". وعن مركزية الهيكل في الفكر الماسوني كتب أيضًا الآتي: "بدأت الفكرة الماسونية -كالفكر منذ البدء- أسطورة من أساطير الحقيقة، والحقيقة بعثت الفكرة في هيكل سليمان، فاقترنت بالعمل، مهما كابر أرباب التاريخ".
وهذا واقع ملموس، فاليهود والماسون يعدون أنفسهم الأبناء الروحيين لبُناة هيكل سُليمان، وتفحص دساتير الماسون ونظمهم ورموزهم يدلُّك بما لا يرقى إليه الشك على يهودية الحركة الماسونية، بدءًا من وصف بناء هيكل سليمان الذي تسعى الماسونية لربط نشأتها به، ويؤسس الماسون محافلهم اليوم تذكيرًا لأتباعهم بضرورة العمل على إعادة بناء هذا الهيكل الذي يقوم مقامه المسجد الأقصى في القدس، هذا بالإضافة لاستخدامهم النجمة السداسية والكثير من الرموز مشتركة بينهم وبين اليهود؛ فالترابط ليس سرًّا يخفى بل هو واضح جلي.
الماسونية والهيكل المزعوم :
خطورة نشاط الماسونيين (البناءون الأحرار) تتمثل في أنهم يتخذون من النبي سليمان u مثلاً أعلى ويرون في الهيكل -الذين يزعمون أن المسجد الأقصى بناه المسلمون على أنقاضه- نموذجًا يُحتذى به لكل بناء؛ لذا يؤيد أعضاء المحفل الماسوني إقامة الهيكل الثالث مكان المسجد الأقصى، وإن دعم الماسونيين للكيان الغاصب لأرض فلسطين كبيرٌ بل إن شعار دولة اليهود (ما يسمى بنجمة داود) مشتق من شعار الماسونيين. ومن ضمن الاكتشافات الأثرية للماسونيين اكتشاف مغارة سليمان التي ادّعوا أن حجارة الهيكل المزعوم قد قطعت من داخلها. هذا، وقام الماسونيون الأوائل بعقد اجتماعاتهم في هذه المغارة.
ولهذا كتب الكثير من المختصين عن مدى علاقة اليهودية بالماسونية، وخلصوا إلى أن التنظيم والتعاليم اليهودية هي التي اتُّخذت أساسًا لإنشاء المحفل الأكبر 1717م ووضع رسومه ورموزه، ولا تزال اليهودية العالمية هي القوة المحرِّكة الكامنة وراء الماسونية، والأساتذة الكبار الحقيقيون في المحافل الماسونية هم الممثلون للجمعيات اليهودية السرية، وإن التعاضد الواضح بين الماسونيين في العالم يُرجعِه المطلعون إلى كثرة عدد اليهود في الصفوف المتقدمة من الماسونية.
والماسونية ربطت الهيكل بنبي الله سليمان بن داود -عليهما السلام- وهو عندهم كما عند اليهود ملكًا وليس نبيًّا؛ لخداع اليهود وغير اليهود بسمو أهداف الماسونية.
وقد كشفت وترجمت العديد من الوثائق والرسائل من ملفات الماسونية، ومن أخطر الرسائل التي كشفت وترجمت، رسالة وجّهها الماسونيان (غرايدي تيري) وزميله (أودي مورفي)، العضوان في محفل (قدماء الماسونية الأحرار) إلى السيد (روحي الخطيب) أمين القدس، وقد عرضوا باسم الماسونية شراء الأرض التي يقوم عليها المسجد الأقصى. جاء فيها: "... أنتم تدركون أن هيكل سليمان كان المحفل الماسوني الأصلي، والملك سليمان كان رئيس هذا المحفل، لكن الهيكل دمر عام 70 بعد المسيح. إنني أعرف أن مسجدكم هو صاحب الهيكل ومالكه القانوني، وأنه أقيم في المكان ذاته إلى جانب الصخرة التي قدّم عليها أبونا إبراهيم ابنه إسحاق قربانًا للرب، وإنني أعرف أيضًا أنكم، أنتم العرب، أبناء إسماعيل قد حميتم هذه الصخرة عبر القرون، فلنقدم الشكر إلى الرب".
"وإنني بوصفي مسيحيًّا وعضوًا في الحركة الماسونية، أرأس جماعة في أمريكا يحبون أن يعيدوا بناء هيكل سليمان من جديد. هذا هو اقتراحنا، إذا أعطى جامع عمر الإذن لمؤسستي فسوف نجمع 200 مليون دولار في أمريكا لهذه الغاية، أو المبلغ اللازم لإعادة بناء الهيكل. إن مسجدكم لن يفقد السيطرة على الهيكل أبدًا، وعندما ينتهي بناء الهيكل سيكرّس للرب، للملك سليمان، وللحركة الماسونية في العالم وسيعطى لكم مجانًا. وإلى ذلك، وبإذن من مؤسستكم سيمنح كل أخ ماسوني أسهَمَ في إعادة البناء عضوية في المحفل الماسوني الأول لهيكل سليمان في مدينة القدس، وأستطيع أن أؤكد لكم أن مؤسستكم إذا تعاونت معنا في إعادة بناء الهيكل، فسوف تصبح أغنى مؤسسة دينية على الأرض".
"إذا أبديتم اهتمامًا بهذا العرض، فسنزوِّدكم بالمال لتصرفوه في بناء الهيكل.. وسأقوم بتصوير فيلم سينمائي خلال إقامتي في الأرض المقدسة؛ ليعرض في المحافل الماسونية (فيلم ديني عن الأب إبراهيم وإسماعيل ويعقوب، يصل حتى بناء المعبد) مع قصة ولادة المسيح حتى موته على الصليب".
"سادتي، آمل أن تأخذوا هذه القضية بعين الاعتبار وتبحثوها مع أعضاء مجلس إدارتكم قبل أن أصل إلى المدينة المقدسة، وآمل أن يمنحني أعضاء مجلس إدارة مجلس عمر الشرف العظيم لأخاطبهم شخصيًّا أثناء إقامتي القصيرة في المدينة، وليبارككم الله جميعًا أيها الإخوة".
بإخلاص (غرايدي تيري)، 514، (إيست هاردفورد رود، بيدبانك، كاليفورنيا)، القطاع 91501.
محتوى الرسالة السابقة يدل على الالتقاء الكامل بين اليهودية والصهيونية والماسونية، ويؤكد أن بناء الهكيل -المزعوم- على أنقاض المسجد الأقصى كان -وما زال- في مقدمة أهداف الماسونية.
النشاط الماسوني في القدس:
فلسطين والقدس كانتا -وما زالتا- هدفًا ماسونيًّا، وكان أول محفل ماسوني في العالم المحفل الإنجليزي، الذي كان اسمه محفل (أورشليم)، ثم قلبوه بعد ذلك إلى المحفل الإنجليزي.
ومما تكشف مؤخرًا وجود نشاط للماسونية العالمية في مجمع مسجد النبي داود الذي تحول الطابق السفلي منه إلى كنيس، والطابق العلوي إلى كنيسة، حيث تحول المجمع الذي يضم المسجد والعديد من الغرف الملاصقة، وتكشف الأمر عندما لاحظ شخص من الهيئة الشعبية المقدسية وجود شعار الماسونية مكررًا على الجدران والسلالم؛ الأمر الذي أقره أحد العاملين اليهود في المكان قائلاً بأن الماسونيين كانوا في المكان قبل 400 سنة في عهد الأتراك، على حد زعمه.
وتأكيدًا لنشاطهم في فلسطين والقدس على وجه الخصوص، نقلت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية عن مصادر أمريكية قولها: إن الجماعات اليهودية الماسونية المتطرفة، التي تعمل بشكل سري داخل الولايات المتحدة، تدفع بشدة نحو الإسراع في هدم المسجد الأقصى، وقد تعرضت هذه الجماعات مؤخرًا لاختراق من قبل أمريكيين. وأدى هذا الاختراق -بحسب الصحيفة- إلى تسريب ما زعموا أنها أسرار "ختم سليمان" وفك شفرات رموزهم الدينية من قبل الروائي الأمريكي (دان براونز) في روايته الجديدة التي أطلق عليها تسمية (الرمز المفقود).
وفي سبتمبر عام 1995م تم إنشاء (غرفة القدس الماسونية) في جوار المسجد الأقصى، وهي منظمة يهودية ماسونية، وقد أمر بإنشائها رئيس المحفل الماسوني الإيطالي (جيوليا دي بيرناردو)؛ لتنفيذ مشروع ما أسموه (جبل المعبد)، وخلال حفل الافتتاح أعلن (دي بيرناردو) أن إعادة بناء الهيكل هي جوهر دراستنا، وفي كتابه (بناء المعبد) الذي كتبه (بيرناردو) وأصدره في يونيو 1996م ركز على العلاقة بين الكابالا اليهودية وإعادة بناء الهيكل.
لله در المسجد الأقصى!! فلا أظن أن هناك مسجدًا أو معبدًا أو مبنى على وجه الأرض اجتمعت على هدمه والكيد لتاريخه ومكانته كل تلك الحركات السرية والفرق الباطنية والملل الأخرى كما هو المسجد الأقصى في القدس؛ ففرقة تزعم أن المسجد الأقصى ليس هو مسجد القدس بل هو مسجد في السماء!! وأخرى تدعي أن المسجد الأقصى هو مسجد قاديان في الهند!! وبهائية تقول: إن المعبد الأقصى هو الموجود في جبل الكرمل في مدينة عكا القديمة!! وماسونية تعمل على هدمه، ويهود يحفرون تحته، ويشيدون الكنس فيه وما حوله، وصهيونية تجند عشرات الجماعات والجمعيات للعمل على تشييد الهيكل على أنقاض المسجد الأقصى، ونصارى بروتستانت (النصرانية المتصهينة) لن تتحقق نبوءاتهم وآمالهم بخروج مخلِّصهم إلا بـ"هدم المسجد الأقصى" وإقامة معبد اليهود.
ودخل على خطِّ ذلك الحقد الدفين على المسجد الأقصى العلمانيون الجدد، الذين سوقوا للمحتل الصهيوني وبرروا له كل ممارساته، وجعلوا الحفريات وإقامة الكنس أسفل وحول المسجد الأقصى شأنًا داخليًّا لا ينبغي أن تلتفت إليه الأنظار!!
وما ذاك إلا لمكانته في الشريعة الإسلامية وعند المسلمين الذين دافعوا عنه وأحيوه بحلقات العلم والعلماء، ومهما بذل كل هؤلاء من جهد فسيبقى المسجد الأقصى مسجدًا من المساجد الثلاثة التي لا تشد الرحال إلا لها.
دروس من الهجرة.. للشهيد سيد قطب
كتبت تحت قسم
تحليلات هامة
,
عن الإخوان والبنا
|
الخميس، 9 ديسمبر 2010|
درعمى
إذا كنا نحتفل بيوم الهجرة فيجب أن نكون جديرين بالاحتفال بهذا اليوم، يجب ألا يكون احتفالنا بالهجرة النبوية ككل احتفالٍ بذكرى من الذكريات الأرضية أو بعملٍ من أعمال الناس، كما يجب أن يكون لهذا الاحتفال طابع خاص، وأن يكون لهذا الاجتماع جوٌّ خاص، وأن نُهيئ نحن أنفسنا لنكون جديرين بالاحتفال بهذه المناسبة الكريمة، ولن نكون جديرين بأن نحتفل بيوم الهجرة إلا حين نرتفع بأرواحنا، وحين نرتفع بأخلاقنا، وحين نرتفع بأعمالنا وقيمنا إلى هذا المستوى الشامخ الرفيع، مستوى الهجرة النبوية الشريفة.
الواقع الفعلي للسيرة
إنَّ سيرةَ الرسول- صلى الله عليه وسلم- وسيرة هذا الإسلام لا يجوز أن تكون تاريخًا يُتلى ولا أن تكون احتفالاتٍ تمضي، إنما يجب أن تكون حياةً تُعاد، وأن يكون واقعًا يُحقق.. إنما جاء الإسلام ليكون واقعًا حيًّا في تاريخ المسلمين، وإنما مضت هذه الأيام لتكون فيها إلى الأبد قدوةً وأسوةً لمَن يتبعون رسول الله- صلى الله عليه وسلم-.
كيف نحتفل بالهجرة؟
يجب إذا حاولنا أن نحتفل بالهجرة أن نرتفع بأنفسنا إلى مستوى أيام الهجرة.. أن نرتفع بأرواحنا إلى مستوى أيام الهجرة.
فهذا الإسلام جاهزٌ وقديرٌ على أن يحقق ما حققه مرةً في تاريخ البشرية، إنه لم يجئ لفترةٍ ولم يجئ لمكان، لقد جاء للزمان كله.. وجاء للأرض كلها.. وجاء للبشرية كلها.
فإذا شئنا نحن اليوم أن نحتفل بيومٍ من أيامه، فلا يجوز أن نقرب هذا الاحتفال إلا إذا أعددنا أنفسنا كما يُعد المؤمن نفسه للصلاة بالوضوء، وكما يتهيأ بروحه ليقف بين يدي الله عز وجل.. يجب أن نرتفع إلى إدراك المعاني الكبيرة الكامنة في هذا اليوم الكبير.
ومعاني هذا اليوم لا تحصيها ساعة، ولا تحصيها خطبة، ولا يحصيها كتاب، فهي كتاب مفتوح للبشرية منذ 1400 عام، إنما نحاول أن نلخص شيئًا.. نحاول أن نُقلب صفحاتٍ قلائل من هذا الكتاب الضخم الذي لم تنته صفحاته على مدى 1400 عام، ولن تنتهي صفحاته حتى يرث الله الأرض ومن عليها: ﴿قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا (109)﴾ (الكهف).
الصفحة الأولى: التجرد
الصفحة الأولى من صفحات هذا اليوم المجيد في تلك الكلمات الخالدة للنبي- صلى الله عليه وسلم- تلك الكلمات التي فاه بها لسان محمد- صلى الله عليه وسلم- لقريشٍ بعظمائها وساداتها.. "يا بن أخي إن كنت تريد بما جئت به من هذا الأمر مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً، وإن كنت تريد شرفًا سودناك علينا، وإن كنت تريد ملكًا ملكناك علينا"، فجاء الرد الحاسم:"والله يا عمِّ، لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه".
فإذا بتلك الكلمات القلائل تخط أول صفحة من الصفحاتِ المشرقة الكريمة في تاريخ الدعوة.. بهذه الكلمات نبدأ تلك الصفحات الكريمة، لم يكن محمد- صلى الله عليه وسلم- مضطرًا أن يهاجر أو أن يغترب لو أنه أخذ المال والجاه.. ولكن محمد- صلى الله عليه وسلم- كان يريد ما هو أعظم من أن تضع الشمس في يمينه والقمر في يساره، وما هو أعظم من السماوات والأرض، ما هو أعظم من النجوم والكواكب.
كان يريد عقيدةً تُنتشر وفكرةً تسود ومجتمعًا يتكون وإسلامًا يقوم على وجهِ الأرض يُعلم الناس ما لم يتعلموه قبل هذا الإسلام العظيم.
جهود سيد قطب في إصلاح التعليم
كتبت تحت قسم
عن الإخوان والبنا
|
|
درعمى
بقلم: د. كامل عبد الفتاح
باحث في تاريخ مصر الحديث والمعاصر
في التاسع والعشرين من أغسطس من كل عام تحل الذكرى السنوية لاستشهاد العلامة سيد قطب، تلك الذكرى التي تعطَّرت باستشهاده توافق استعداد وزارة التربية والتعليم للعام الدراسي الجديد؛ فالطوارئ في المؤسسات التعليمية، بل تتسع لتشمل مصر كلها.
وفي هذا المجال نقدِّم إلى السيد وزير التربية والتعليم ولكل المهتمين بالعملية التعليمية جهود العلامة سيد قطب في إصلاح التعليم، وبالرغم من أن اقتراحاته قد مرَّ عليها أكثر من 60 عامًا إلا أنك تستشعر أنها أحدث وأرقى مما تستخدمه مدارسنا من أساليب أدَّت إلى تخلفنا عن ركب التقدم والحضارة.
المشوار الوظيفي لسيد قطب
لقد بدأ سيد قطب مشواره الوظيفي بأن التحق بوزارة المعارف العمومية، وتمَّ تعيينه بوظيفة مدرس بتحضيرية الداودية في الثاني من ديسمبر 1933م، وظل فيها حوالي عامين ثم انتقل إلى مدرسة دمياط الابتدائية في الأول من سبتمبر 1935م، وقد لُوحظ كثرة انتقالاته بين المدارس بسبب ضعف صحته؛ ولأن الجو لا يلائمه، ثم انتقل في مطلع الأربعينيات للعمل محررًا عربيًّا بمراقبة الثقافة العامة بوزارة المعارف، ثم انتدب إلى إدارة الترجمة والإحصاء بعد شهر واحد في 17 أبريل 1940م، ثم عمل محررًا بمراقبة الثقافة العامة في 13 أغسطس 1941م، ثم انتقل للعمل مفتشًا بالتعليم الابتدائي بناء على رغبة الدكتور طه حسين الذي كان يعمل مستشارًا بوزارة المعارف، وقد قبل سيد قطب العمل مفتشًا بالصعيد إرضاءً لطه حسين، ولأن المهمة التفتيشية فيها ما يغري- على حد قوله- حيث كان مكلفًا بالقيام بالتفتيش على الجهات والمدارس التي يختارها، وأن يقوم بكتابة تقرير شامل عن دراسة اللغة العربية في المدارس على اختلافها، ثم انتدب إلى الإدارة العامة للثقافة، ثم تم تعيينه مديرًا لقسم التأليف بإدارة الترجمة، ثم مراقبًا مساعدًا بالمكتب الفني لمدير المعارف.
بعثة سيد قطب إلى أمريكا
اختير سيد قطب عضوًا في بعثة وزارة المعارف بالولايات المتحدة الأمريكية للتخصص في التربية وأصول المناهج، اعتبارًا من 3 نوفمبر 1948م، ولم يكن في بعثته أو مهمته مقيدًا بجامعة معينة أو مواد خاصة، كما لم تكن هذه البعثة مقيدة بزمن معين، وتركت له الحرية في مجال الدراسة وميدانها وتخصصها وزمانها ومكانها.
وقد أشار بعضهم إلى أن سفر قطب إلى أمريكا هو محاولة للتخلص منه بسبب عنف مقالاته السياسية كما ذكر "أحمد عباس صالح" أن اختياره للسفر إلى أمريكا بسبب مقالاته المناوئة للاشتراكية.
كان هدف سيد قطب التعرف على المناهج التعليمية في أمريكا، وعندما تعرَّف عليها واقترب منها، لم يغير ذلك من أفكاره بل ازداد تمسكًا بها، واشتد اقتناعه بأن أسلوب التربية الإسلامية هو أفضل الوسائل لتربية النشء وتنشئتهم على الخشونة والاستعداد للتضحية وإعدادهم عمليًّا للقيام بواجب الجهاد المقدس في سبيل الله ثم الوطن والفضائل العليا في الحياة.
لقد كان تأثير أمريكا والدراسات الغربية والخبرات التي اكتسبها أثناء سفره تأثيرًا عكسيًّا، فقد كان من المفترض أن يعود وقد ازداد انبهارًا بالحضارة الغربية، وأن يشتد سعيه إلى اللحاق بأفكارها الحديثة، إلا أن ما حدث كان عكس ذلك فقد اشتد في مهاجمته، واعتبر أن الأسلوب الأمريكي لا يصلح للمجتمع المصري ولا يناسبه لاختلاف البيئة والعادات والتقاليد.
عاد سيد قطب من أمريكا في 23 أغسطس 1950م بعد عامين تقريبًا؛ ليعمل في وزارة المعارف العمومية بالقاهرة مراقبًا مساعدًا لوزير المعارف "الأستاذ إسماعيل القباني"، ثم نقل بعد ذلك إلى منطقة القاهرة الجنوبية، ثم عاد للعمل مراقبًا مساعدًا بالبحوث الفنية والمشروعات في 17 مايو 1952م في بور سعيد، وظلَّ بها إلى أن قدَّم استقالته في الثامن عشر من أكتوبر 1952م.
وقد قبل مجلس الوزراء الذي عُقد في 13 يناير 1954م الاستقالة اعتبارًا من تاريخ تقديمها بدون أن يتم ضم العامين لمدة خدمته؛ ما أدَّى إلى حرمانه من المعاش والمكافأة؛ حيث إن خدمته بالوزارة كانت أقل من خمسة وعشرين عامًا، بل طالبوه بالمبالغ التي حصل عليها اعتبارًا من 18 أكتوبر 1952م حتى قبول استقالته في 13 يناير 1954م.
أسباب استقالة سيد قطب
ويرجع سبب استقالة سيد قطب من الوزارة إلى إخفاقه في التعاون مع إسماعيل القباني؛ حيث رفض الأول أسلوب المناهج الأمريكية التي كان يؤمن بها الثاني، واعتبر أن هذه المناهج غريبة عن المجتمع المصري، ورغب في أن يتم اتخاذ المنهاج الإسلامي الشامل المتكامل أساسًا للتربية.
وقد حاول الوزير إسماعيل القباني إثناءه عن الاستقالة لاعتقاده بكفاءته، وأن به بعض النواحي الطيبة التي يمكن الاستفادة منها، ولكنه أصرَّ على استقالته؛ مما يدل على شدة تمسكه برأيه مهما كانت النتائج، ولعل محاولة القباني لمنع قطب من الاستقالة إنما كان لمنعه من نشر أفكاره التي تتعارض مع سياسة الوزارة، وهي أفكار كان يصر عليها لذلك تمسَّك بالاستقالة ثم إن كثرة تنقلاته- على غير رغبته- عقب عودته من أمريكا لا تساعد على تطبيق ما حصل عليه من خبرات، بل إن الوظائف التي نقل إليها لا صلة لها بخبرته التي اكتسبها في المناهج الأمريكية وطرق تدريسها.
إن انتقالات قطب بين عدة وظائف واقترابه من صناع القرار السياسي، وبعثته العلمية إلى أمريكا لدراسة المناهج؛ كل ذلك كان له أثره في موقفه من العملية التعليمية.
بين التدريس والصحافة
كان سيد قطب محبًّا للعمل الصحفي، ولكنه فضَّل التدريس على الصحافة؛ لاعتقاده بأنه يمكن أن يؤثر في المجتمع عن طريق التدريس أفضل من تأثيره عن طريق الصحافة، وقال: "في الصحيفة يسمع صوتي عشرات الألوف، ولكني لا أضمن إصغاءهم لي وانتفاعهم بي، أما في المدرسة يسمع صوتي عدد قليل محدود، ولكني ضامن أشد الضمان أنهم جميعًا سينصتون لي، وينتفعون بي، ويتأثرون بتعليماتي".. بمعنى أنه تصور أن لديه رسالة أكبر تجاه النشء، وكان يثق في قدرته في التأثير على الآخرين.
لقد اهتم بمدى تأثيره على الآخرين أكثر من اهتمامه بشهرته ومعرفة الآخرين له، فهو يهتم بتأثير أفكاره أكثر من الاهتمام بانتشارها؛ لأن المدرس شهرته محدودة عكس الصحفي، ومع ذلك لم يهمل العمل الصحفي، فقد استغل الصحف في التعبير عن آرائه الأدبية والنقدية.
تأييد الدعوات لإصلاح التعليم
تحمس سيد قطب لكل دعوة حقيقية لإصلاح التعليم، حتى وإن جاءت ممن يخالفونه في العقيدة أو الرأي.. فأيَّد المشروع الذي قدمه مريت بطرس غالي لتطوير التعليم، الذي اعتبر أن التربية عبارة عن التكوين الأدبي والخلقي، وإنما الروح القومية والشعور بالواجب الاجتماعي، وطالب فيه بنشر التعليم الإلزامي في أنحاء القطر وتعميم المدارس الابتدائية في جميع المدن بشرط أن تتجه مناهج التعليم نحو الثقافة الاجتماعية والتربية القومية، كما طالب أيضًا بعدم التوسع في التعليم العالي إلا بدرجة تتناسب مع حاجة الأمة، واعتبر أن سعة انتشاره تؤدي إلى انتشار البطالة بين المتعلمين، ومراعاة التوازن بين حاجة العمل وإعداد الملتحقين بالمعاهد العليا والمدارس الخاصة؛ لأن التوسع في التعليم العالي مع عدم القدرة على استيعاب المتخرجين يؤدي إلى انتشار البطالة بينهم- كما يحدث بيننا الآن- فالتعليم الجامعي يجب ألا يكون هدفًا في حد ذاته وإنما الاستفادة من الكفاءات.
وأيَّد سيد قطب مطالبة الدكتور طه حسين بأن تشرف الدولة إشرافًا تامًّا على مرحلة التعليم العام، وعلى جميع المدارس بأنواعها سواء أهلية، أو أجنبية، أو تابعة للأزهر؛ حتى يتم توجيه النشء على أسس عقلية واحدة، وإن كان قد اعترض على اقتراحه بتعميم البرامج التعليمية الفرنسية؛ لأنها مكتظة بالمواد، وفضل البرنامج الإنجليزي لأنه متخفف من المواد ويعتني بالعقلية العامة والرياضة البدنية مقارنة بالبرنامج الفرنسي.
اقتراحاته لإصلاح التعليم
كان يرى أن النهضة المصرية تحتاج إلى خطوات أو حلقات تعتمد الواحدة على الأخرى، من بينها التطلع والنقل والمحاكاة والإبداع من خلال الترجمة، وحين تكثر المترجمات والمنقولات، وتصبح هذه الكنوز الجديدة في المتناول تتثبت آثارها في العقول والنفوس، وتؤثر اتجاهاتها في أدوات الإنتاج، وهذا هو دور المحاكاة حتى إذا تمَّ هضم التراث الجديد، وأحسنت محاكاته بدأ دور الإبداع والخلق على نسق جديد، أو على نسق مطعم بالثقافات الأجنبية، مع ظهور الطابع المحلي الأصيل وهو المقصود بالإبداع.
1- تطوير الامتحانات
طالب سيد قطب بإدخال مقاييس الذكاء في الامتحانات، واختبار عقلية التلاميذ، لا التحصيل العلمي، وطالب بالتشديد في الامتحانات؛ كي يرتفع مستوى الثقافة عند المتعلمين على مر الأجيال، كذلك طالب بتطبيق مجانية التعليم ومراقبته والاعتماد على الإحصاء.
2- الاهتمام بالترجمة
لقد اهتم بالترجمة، واعتبرها مهمة بالنسبة للنهضة التعليمية، فهي بداية النهضة، ثم يتبعه هضم الثقافات الأجنبية، ثم المحاكاة والتقليد، ثم تنتهي بالإبداع وإخراج ثقافة مصرية أصيلة، يظهر فيها الطابع المحلي والتأثير الأجنبي، ولا بد أن هذه الثقافة سوف تناسبنا؛ لأنها ستكون معتمدة على تراثنا وخارجة من بيئتنا الثقافية الحضارية، ولأهمية الترجمة نادى بزيادة أجر المترجمين لتشجيعهم على الترجمة، وإنشاء دور للترجمة مستقلة عن ديوان الوزارة مع نقل الآداب الأجنبية إلى اللغة العربية نقلاً كاملاً صحيحًا.
3- الاهتمام باللغة العربية
ولأن سيد قطب كان عضوًا في جماعة دار العلوم التي تهتم بتدريس اللغة العربية، وكان مكلفًا بكتابة تقرير عن دراسة اللغة العربية بمدارس الصعيد؛ فقد كان اهتمامه كبيرًا بالمحافظة على اللغة العربية والعمل على نشرها؛ لذلك نقد المناهج التي تعرض على التلاميذ اللغة الأجنبية إلى جانب اللغة العربية في المرحلة الابتدائية فقال: "إنه ليس من الصواب أن يشتغل عقل الطفل بلغتين في وقت واحد".
كما أوضح أن هدف الاستعمار محاربة اللغة العربية؛ خصوصًا الاستعمار الفرنسي في الشمال الإفريقي، وطالب وزارة المعارف بإغلاق المعاهد الفرنسية.. ربما احتجاجًا على أسلوب الاستعمار في بلاد المغرب العربي الذي عمل على محو الشخصية العربية الإسلامية، وبالرغم من ذلك لم يطالب بإغلاق المعاهد الإنجليزية.
ومن المفارقات العجيبة أن تصر وزارة التربية والتعليم في عصرنا الحاضر على تعليم الأطفال لغة أجنبية أو أكثر بجانب اللغة العربية في مرحلة الحضانة والمرحلة الابتدائية وما بعدها في المدارس التجريبية، بل إنها قررت تدريس اللغة الإنجليزية على تلاميذ المرحلة الابتدائية اعتبارًا من الصف الأول الابتدائي، وبدأ الأزهر يقلد ذلك، ويفرض اللغة الأجنبية على تلاميذ المدارس الأزهرية في المرحلة الابتدائية، ذلك كله بالإضافة إلى انتشار المدارس الأجنبية والخاصة، ومن خلال احتكاكي بأولياء الأمور أجدهم يهتمون باللغات الأجنبية أكثر من اهتمامهم باللغة العربية مما يجعل الأخيرة في خطر حقيقي.
وأنا أعتقد أنه يجب أن يدافع أساتذة اللغة العربية وكل من له صلة بالتدريس، عن لغتنا الجميلة لغتنا القومية، وأقترح إلغاء تدريس اللغات الأجنبية من المرحلة الإلزامية.. وأن يبدأ تدريسها بشكل علمي من المرحلة الثانوية من أجل ألا ينشغل الأطفال بلغة غير لغتهم.
4- إصلاح دروس البلاغة
ولشدة اهتمامه بإصلاح اللغة العربية فقد طالب واضعي المناهج بإصلاح دروس البلاغة التي اعتبرها مفسدة للذوق الأدبي، وكذلك التخفف من أبواب الصرف إلا اليسير الدائر على الألسنة، كما طالب بإصلاح الإملاء؛ بحيث يوافق النطق الكتابة، كما قدَّم عدة اقتراحات على اللجنة العلمية لجماعة دار العلوم لتيسير اللغة العربية، منها ترك التعاريف النحوية والألفاظ الاصطلاحية وترك القواعد النحوية التي لا أثر لها في ضبط الكلمات، وكان قد قدَّم مقالاً عن طرق تدريسها في مجلة (الأسبوع) عام 1922م؛ حيث كان طالبًا في مدرسة المعلمين الأولين، كما قدَّم اقتراحات وهو طالب لإصلاح دار العلوم، من بينها أن تكون للمدرسة تجهيزية خاصة تدرِّس اللغة الإنجليزية من أول سنة، وتتوسع في دراسة اللغة العربية وعلوم الدين ثم تعميق دراسة اللغة العربية في القسم العالي مع استمرار دراسة اللغة الإنجليزية والتوسع في دراسة علوم الدين.
5- تحرير التعليم من التبعية الأجنبية
طالب سيد قطب بتحرير برامج التعليم من الأسلوب الذي وضعه "دانلوب"، والذي ساعد على تمكين الاتجاهات الغربية سواء الوزراء أو الأحزاب، والذي أدَّى إلى العجز تمامًا عن إيجاد سياسة قوية مستقرة بسبب التناقضات الفلسفية، والازدواجيات الفكرية، وتعميق التبعية للغرب؛ فبرامج التعليم- على حد قوله- تفتت إيمان المصريين بدينهم وبقوميتهم وبأنفسهم؛ فبرامج التعليم تصلح لكل دولة إلا أن تكون دولة إسلامية لغتنا الرسمية هي اللغة العربية.
6- حسن معاملة الأطفال
وبحكم عمل سيد قطب في التدريس للأطفال، كانت معظم اقتراحاته التربوية خاصة بهم، إلا القليل، وقد قدَّم نقدًا لوزارة المعارف بسبب أسلوبها في معاملة الأطفال وبَيَّنَ أن أسلوبها يسرق طفولتهم بحجة التربية والتعليم والتهذيب والإعداد للمستقبل، كما انتقد أسلوب المدرسين وسلوكهم في معاملة التلاميذ، واعتبر ذلك مدعاة إلى كراهية التلاميذ لهم، وطالب بتخفيف الواجبات عنهم والعمل على تغيير نظم الامتحانات، وجعل الكتب المدرسية تخاطب التلميذ وتخاطب عقله الصغير.
وقد قام سيد قطب بتأليف عدة قصص للأطفال منها "أرنوب والكنز" بالاشتراك مع يوسف مراد وأمينة السعيد، وكذلك قصص الأنبياء للأطفال بالاشتراك مع عبد الحميد جودة السحار، فالطفولة عنده مرحلة يجب أن يعيشها الأطفال، فكل ما يعطى ويدرس مهم يجب أن يبنى على تنشيط غرائزهم وأخيلتهم.
7- الاهتمام ببناء شخصية الطلابكما انتقد سيد قطب المدرسة المصرية؛ لأنها لا تلقي بالاً إلى شخصية التلميذ، ولا تحفل بتكوين خلقه إلا ما يجيء عرضًا دون سياسة مرسومة، وقال: "إننا نشكو من ضعف شخصية الشاب المصري، وهروبه من ميدان المنافسة الحرة، وضعف ميله إلى الاطلاع والثقافة بعد المدرسة، واكتفائه بما درسه فيها دراسة ناقصة، ونشكو من عدم التضامن الاجتماعي وضعف روح التعاون بين الأفراد، ونقص الاهتمام بالمشاكل العامة وضعف الرأي العام والانحلال الخلقي تبعًا لذلك.
8- تطوير المناهج الدراسية
وقد أكد أن الكتب المدرسية هي أحد أسباب انتشار تلك الظواهر؛ لأنها لا تعد الطلاب لمواجهة الحياة، واقتراح أن الارتباط بين المناهج ومطالب المجتمع ومشكلاته؛ بحيث يتم دراسة احتياجات ووضع الحلول الغربية لها، وتدريس الأهداف العامة التي ترتقي بالمجتمع.
ومن أجل القضاء على تلك الظواهر، اقترح استخدام طريقة تعتمد على خلق مشروع مماثل للمشروعات العامة في الحياة الواقعية، تقوم الدراسة وتلقين المعلومات على أساسه، اقترح أن يكون المشروع مثلاً إنشاء منزل يقوم به التلاميذ بمساعدة الأستاذ، ومن خلال المشروع سيعرفون الأطوال والمسافات عند اختيار القطعة، وسيزيد عليها معرفة الجهات الأصلية والفرعية عند تخطيطها، ثم يعرفون شيئًا عن الهندسة والرسم عند تصميم المنزل، ثم أشياء أخرى عن البناء والنجارة والحدادة وحساب التكاليف إلى آخره، تلك المعلومات التي يمكن الحصول عليها، وبذلك يمكن الربط بين ما يأخذونه من دروس بين الحياة والواقع، وهي طريقة "التعلم النشط" التي تحاول الوزارة تطبيقها حاليًّا.
وطالب قطب بالاهتمام بشخصية التلاميذ والتعرف عليهم وتنشئتهم على التعاون، وحدَّد أسس إصلاح المدرسة منها ألا تزيد المدرسة على 8 فصول، وألا يزيد كل فصل على 20 تلميذًا، وأن تصل عدد الحصص المقررة على المدرسين، أو أن ينظر للمدرسة كمؤسسة تهذيبية لا على أنها قسم من الأقسام الإدارية في وزارة المعارف، وطالب بالاهتمام بالفروق الفردية بين الطلاب وتشجيع التفوق.
9- زيادة ميزانية التعليم
يتضح مما سبق حرص قطب على تغيير النظرة إلى المدرسة، والنظر إليها باعتبارها مؤسسة تربوية هدفها الأول التربية والتهذيب، ثم التعليم، وربما كان هدفه من تقليل عدد فصول المدرسة وعدد الطلاب فيها تقليل الأعباء عن المدرسين وعن إدارة المدرسة، مع توفير فرصة أكبر لتنفيذ العملية التربوية والتعليمية بصورة أكثر نجاحًا ولكن ذلك سيتطلب إنشاء الكثير من المدارس وإعداد الكثير من المدرسين المتخصصين وزيادة ميزانية التعليم، وهو أمر لا تستطيعه الدولة؛ لذلك اقترح قطب زيادة الأعباء على الأغنياء وفرض ضريبة خاصة بالتعليم على رءوس الأموال الكبيرة، كما طالب بالاعتماد على الجهود الذاتية وبين أن التعليم أحد وجوه البر العصرية، وهي دعوة عملية تؤدي إلى تطوير التعليم.
10- الاهتمام بإعداد المعلم والحفاظ على كرامته
كما اهتم بإعداد المعلم؛ لأنه أساس العملية التعليمية، فطالب بزيادة رواتب المعلمين وتوفير الاحترام والتقدير لهم؛ لأن النظرة للمعلم لا تدل على الاحترام حتى في الأفلام والمسلسلات والمسرحيات وغيرها.. كذلك طالب برفع المستوى العلمي للمدرسين، وأن توفر الدولة لهم الحياة الكريمة وتأجرهم أجرًا يلائم عملهم الخطير- على حد تعبيره- ولا تضن على المعلمين بالأجور التي تريح بالهم، وبالنظم والضمانات التي تجعلهم يحسون بكرامتهم ويأمنون على أنفسهم كالقضاة في أحكامهم.
فما دامت الدولة تنظر إلى تطوير التعليم بعيدًا عن النظر إلى أحوال المعلم ستظل العملية التعليمية تسير من سيئ إلى أسوأ، فالمدرس هو الأساس، وبدونه لن تنجح أية سياسة تعليمية فيجب رفع مستواه المهني، ورفع كفاءته، والسماح بتنمية دراساته، كما يجب رفع مستواه المادي بعمل كادر وظيفي حقيقي للمعلمين وليس مجرد حوافز؛ لأن العلماء هم ورثة الأنبياء، كما يجب تغيير النظرة إلى المدارس؛ فالمدارس ليست إدارة خدمية غير منتجة فهي أكثر الجهات إنتاجًا؛ لأنها تنتج عقولاً تعمل على تنمية المجتمع وتربي الأجيال التي تنهض به، وبدونها لا يتم تحقيق أي تقدم.
وبالرغم من دعوته للعناية بالمدرسين فإنه انتقد بعض المدرسين في قيامهم بإعطاء دروس خصوصية، واعتبر ذلك سلوكًا مناقضًا لمجانية التعليم، واعتبر أن الدروس الخصوصية كارثة على رءوس الآباء، وقال: "لقد كان الآباء يؤدون المصروفات فيتعلم أبناؤهم، أما اليوم فلا يتعلم إلا من يؤدي ضريبة الدروس الخصوصية"؛ لذا اقترح قطب أن يتم تكوين مجلس أعلى لوزارة المعارف يختص بتأديب المدرسين.
كذلك انتقد أسلوب معاملة بعض البلاد العربية للمعلمين المصريين؛ حيث يعاملونهم معاملة سيئة، وقال "ليس ذنبًا على مصر أن تلبي حاجة الشقيقات إلى المعلمين، إنما هو واجب عليها؛ فما بال جماعة من الناس في هذه الشقيقات ينظر إلى المسألة نظرة أخرى فيرون في هؤلاء الأساتذة مرتزقة أو بلغتهم "عياشة" يزاحمونهم الرزق ويطلبون العيش؟.. إن كثيرًا من هؤلاء الأساتذة يعودون شاكين لا لما يعانونه من معالجة شئون الحياة بعيدًا عن أهلهم وصوالحهم ولكن؛ لأنهم يئنون من لقب "العياشة" مع أنهم منتزعون من ضرورات المدارس المصرية، وطالب بتغيير النظرة إليهم في البلاد العربية.
11- إعادة كتابة التاريخ
هاجم سيد قطب الدراسات التاريخية؛ لأنها تعتمد على الدراسات الغربية في دراسة التاريخ وتفسيره، وطالب بإعادة كتابة التاريخ الإسلامي على أسس جديدة وبمنهج جديد؛ بحيث تصبح المصادر العربية هي المرجع الأول، والدراسات الغربية هي المرجع الثاني، على أن ينتفع من الدراسات الغربية بتحرير النصوص وتنسيقها وببعض الموازنات من جهة السند ولا شيء بعد ذلك أبدًا.
إن سيد قطب لم يرفض الكتابات الغربية كليًّا، إنما أيَّد أسلوبها في البحث التاريخي، وأيَّد الانتفاع به، إنما رفض تفسير المستشرقين للحوادث من وجهة النظر الغربية، وحث الباحث في التاريخ "أن يبحث في الحوادث بعقله وروحه وحسه، وفي جو الإسلام كعقيدة وفكرة ونظام وفي جو الحياة الإسلامية كقطعة من حياة البشرية الواقعية، ولا بد من إدراك البواعث الحقيقية لتصرفات الناس خلال الحياة التاريخية الإسلامية وعلاقة هذه البواعث بالحوادث والتطورات والانقلابات، ولا بد من ربط هذا كله بطبيعة الفكرة الإسلامية وما فيها من روح انقلابية ثورية- لا في شكلها فحسب- ولكن في تفسيرها للعلاقات الكونية الإنسانية والاجتماعية وفي تصورها لنظام الحكم وسياسة المال وطرق التشريع ووسائل التنفيذ... إلخ.
وحثَّ على إعادة كتابة التاريخ لعدة أسباب، أهمها الاعتزاز بانتصاراتنا التاريخية، ولكي تعرف مكاننا في خط سير التاريخ، وألا ننسى ماضينا، وألا نستصغر دورنا في الحياة البشرية؛ لأن الاستعمار يهمه ألا يجد في تاريخنا ما نعتز به، وبذلك يسهل عليه قيادنا، وتذل رقابنا للمستعمرين كما أنه ليس من مصلحة الإنسانية أن ترى الحياة كلها من زاوية واحدة.
وقد أعلن سيد قطب أنه ألف مع جماعة من الباحثين لجنة لإعادة كتابة التاريخ الإسلامي، وقد قسمت الجماعة حقول البحث إلى المراحل الآتية.. مقدمات التاريخ الإسلامي، الإسلام في عهد الرسول، المد الإسلامي، الانحسار الإسلامي، العالم الإسلامي اليوم.. وهذه اللجنة كانت مؤلفة من الأساتذة الشيخ "صالح عرجون"، والدكتور "محمد يوسف موسى"، والدكتور "عبد الحميد يونس"، والدكتور "محمد النجار"، و"سيد قطب".
وأعتقد أن مطالبته بإعادة كتابة التاريخ الإسلامي، كان الهدف منها إثارة الحمية الوطنية، والخروج من التبعية الثقافية والسياسية لأوروبا وللدول الاستعمارية؛ إن معظم الدراسات التاريخية الحديثة ما هي إلا ظلال باهتة أو كاملة للدراسات الغربية؛ لأنها من خلال المفهوم والمنهج الغربي، كما أنها تستمد عناصرها من الدراسات الغربية في الغالب، ومتأثرة كذلك بالإيحاءات الغربية من زاوية الرؤية، فهي لا تقف في المركز الإسلامي لتطل على الحياة الإسلامية، إنما تقف في مركز الحضارة الغربية لتطل منه على الحياة الإسلامية بنظرة متحيزة للثقافة الغربية، ولتأكيد الفائدة المرجوة من إعادة كتابة التاريخ الإسلامي، طالب وزارة المعارف المصرية ووزارات المعارف العربية بحذف تاريخ فرنسا وتاريخ الثورة الفرنسية؛ لأنه مكتوب بأيدي الفرنسيين ليحل محله دراسة تاريخ الاستعمار الفرنسي في الشمال الإفريقي، ونادى بتدريس فظائع ووحشية الاستعمار الإنجليزي في مصر.. والاستعمار الإيطالي في ليبيا.. وسائر فظائع ووحشية الاستعمار في الشرق والغرب، وقال "فلنطلب إلى الدولة في مصر وسائر البلاد العربية وقف هذا السم الذي تبثه في مدارسنا في أرواح الناشئة وعقولهم فتخلص أوطانهم من الاستعمار يومًا".
حقيقة أن الثورة الفرنسية لها دورها في نشر الحرية بين شعوب الأرض، وسيد قطب لا يرفض تدريسها إلا؛ لأنها كتبت بأيدي الفرنسيين، الذين حتمًا سيعملون على إخفاء مساوئها، وإظهار محاسنها مما يدمغ دارسيها بالتبعية الفكرية والإعجاب لفرنسا.
وقد أكد ضرورة تدريس فظائع الاستعمار الفرنسي والإنجليزي والإيطالي لإظهار أن هذه الدول إنما تطلب الحرية لنفسها فقط، وتضن بالحرية على الشعوب الأخرى، بل تعمل على استعبادها، وقد أصر على تدريس الحركة الوطنية العربية وحركات الكفاح العربية ضد الاستعمار في الشرق والغرب من أجل بناء جيل يسعى للتخلص من الاستعمار ومن التبعية للغرب سياسيًّا وثقافيًّا.
12- إصلاح سياسة الأزهر التعليمية
وانتقد سياسة الأزهر التعليمية، وأوضح أن للأزهر رسالة، ولكنه لا يؤديها وقال: "إن رسالة الأزهر رسالة إنشائية إبداعية، لا تقليدية، رسالة خلق وبناء وكفاح، رسالة بعث للفكرة الإسلامية وللنهضة الإسلامية، وطالب رجال الأزهر بإنشاء ثقافة إسلامية كاملة مستمدة من الأصول الأولى للإسلام ومن الحياة النامية المتجددة، ثقافة تتناول مشكلات الحياة الفردية والاجتماعية القائمة بالبحث، وتوجد لها الحلول حتى تكوين ثقافة إسلامية؛ لهذا ناشد الأزهر الرد على تساؤلاته التي كان أهمها ما رأي الإسلام في العمل والأجور؟ وتوزيع الملكيات والثروات؟ وفي علاقة الفرد بالدولة؟ وعلاقة الدولة بالفرد؟ وسياسة الدولة الخارجية؟ وفي المجتمعات الدولية؟ ما رأيه في الجريمة والعقوبة؟ والمعاملات المالية والاقتصادية؟ والحكم ونظم الإدارة؟ ما رأيه في خلق الكون وناموس الحياة؟ خاصةً أن للإسلام رأيًا في كل أمر من الأمور المشار إليها؛ لأن تفهُّم الأزهر لنا والأمة يساعد على تأسيس ثقافة متشعبة الفروع متشابكة الأصول، تواجه فلسفات الشرق وفلسفات الغرب، وتعلن عن وجودها العالمي.. والأزهر وحده قادر على أن يمثل هذه الثقافة، وعليه الاهتمام باللغة العربية وآدابها وتراثها وتنميه التشريع الإسلامي الذي وقف منذ ألف عام ليساير حاجات الحياة في كافة الميادين في العقوبات والمعاملات في التجارة والملاحة في السياسة والحكم في علاقات الأفراد والجماعات، كما أن عليه إعادة كتابة التاريخ من وجهة النظر الإسلامية، وطالب بأن يكون القرآن أساس الدراسة الإسلامية، وأن تشرف الدولة على تحفيظ القرآن.
لقد حاول قطب في رسالته للأزهر حثه على تنفيذ برنامجه الشخصي، وكان يرى في المؤسسات الحكومية- حتى ذلك الحين- وسيلة من وسائل الإصلاح، يمكن عن طريقها إقامة المجتمع الإسلامي الذي ينشده.
المطالبة بإصلاح التعليم بعد ثورة يوليو
وبعد قيام الثورة طالب سيد قطب بتغيير مناهج التربية والتعليم، خصوصًا مادة التاريخ؛ حيث اعتبر أنها المادة التي اعتمد عليها الاستعمار الإنجليزي، كما اعتمدت عليها السراي في تثبيت قواعد الاستعمار والطغيان.
ووجه نداء إلى "محمد نجيب" قائد الثورة في 25 نوفمبر 1952م، طالبه فيه باسترداد وزارة المعارف من أيدي الجبهة الاستعمارية؛ لاعتباره أنه أشد أهمية من جلاء الإنجليز عن شمال الوادي وجنوبه، فما دام الرجال الذين خدموا العهد الماضي هم الذين يصرفون الأمور فلن ينسوا ولاءهم القديم، وسينتهزون الفرصة ليقوموا بالنكسة التي يضمرونها للعهد الجديد، وطالب بإحلال جيل جديد محله.
إن النداء الذي وجهه إلى محمد نجيب يوضِّح السبب المباشر لتقديم استقالته في أكتوبر 1952م وهو معارضته للسياسات التعليمية القائمة آنذاك.
-------------
المصادر:
1- سيد قطب "أبطالنا المنسيون"، مجلة الشئون الاجتماعية أبريل 1943م، العدد الرابع.
2- سيد قطب "الاتجاه القومي للتعليم"، مجلة الشئون الاجتماعية مارس 1943م، السنة الرابعة، العدد الثالث.
3- سيد قطب "الإسلام نظام اجتماعي"، مجلة الدعوة 15 أبريل 1952م، العدد الأول.
4- سيد قطب "الأشواك في طريق المعلمين"، مجلة الشئون الاجتماعية 14 يناير 1942م، السنة الثالثة.
5- سيد قطب "التربية الاجتماعية في المدرسة المصرية"، مجلة الشئون الاجتماعية، ديسمبر 1940 السنة الأولى العدد 11.
6- سيد قطب "التعاون الثقافي بين الأقطار العربية"، مجلة الرسالة 30 أبريل 1945م العدد 617.
7- سيد قطب "الكتب المدرسية" نفس المصدر، أغسطس 1940 السنة الأولى، العدد 8.
8- سيد قطب "إلى القائد محمد نجيب"، نفس المصدر، 25 نوفمبر 1952م.
9- سيد قطب "إلى عبيد فرنسا في العالم العربي"، مجلة الدعوة 13 مارس 1951م.
10- سيد قطب "بين التدريس والصحافة"، مجلة الأسبوع، 23 مايو 1934م، العدد 126.
11- سيد قطب "حرروا برامج التعليم من شبح دانلوب"، مجلة الدعوة، 11 فبراير 1952م.
12- سيد قطب "حلقة مفقودة"، نفس المصدر، فبراير 1943م، السنة الرابعة، العدد الثاني.
13- سيد قطب "دار الترجمة ونهضة مصر الثقافية"، مجلة الرسالة مايو 45، العدد 618.
14- سيد قطب "سأم"، مجلة الرسالة، 19 مايو 1952م، عدد 985.
15- سيد قطب "طفولتنا المسروقة"، مجلة الشئون الاجتماعية، مارس 1942م السنة الثالثة، العدد الثالث.
16- سيد قطب "في التاريخ مناهج وفكرة" جريدة المسلمون 1951م، العدد الأول.
17- سيد قطب "للأزهر رسالة ولكن لا يؤديها"، مجلة الرسالة، 18 يونيو 1951م، السنة 12، العدد 937.
18- سيد قطب (دراسات إسلامية) الطبعة الثامنة، دار الشروق 1992م.
19- مريت بطرس غالي "سياسة الغد برنامج سياسي واقتصادي واجتماعي"، الطبعة الثانية، مكتبة النهضة المصرية القاهرة، 1944م.
20ـ الملف الوظيفي لسيد قطب "ملف 12 s -11/5 " جزء 12، وزارة التربية والتعليم.
---------------
الشورى.. المبادئ أهم من النتائج
كتبت تحت قسم |
|
درعمى
مدونة ورود الحق ـ إخوان أون لاين
بقلم: أحمد صلاح
بين الحين والآخر يطل علينا موقف الشورى العظيم والفريد في غزوة أحد، يدعونا إلى تذكر أحداثه وتفاصيله، ويذكرنا بقواعد الشورى اللازمة، ليس للجماعة التي اتخذت دعوة الله طريقًا لها فقط، بل لأي جماعة اجتمعت على هدف وتعاهدت على الوصول إليه.
بعد هزيمة مذلة للمشركين في غزوة بدر، تقرر قريش الأخذ بالثأر، والزحف على المدينة لمقاتلة المسلمين، ويرى الرسول صلى الله عليه وسلم- وهو النبي الملهم- أن جغرافية المدينة ستسمح بالتفوق على المشركين، فيما لو كان القتال من داخلها، بينما رأى معظم الصحابة أن تتم ملاقاة المشركين من خارج المدينة.
وينزل الرسول العظيم الكريم- وهو النبي الموحى إليه - على قرار الشورى، رغم عدم اقتناعه، ولكن الرسول القائد كان من الشجاعة بحيث يقدم على قرار (حرب) غير مقتنع به شخصيًّا، بل يمكن القول إنه كان صلى عليه وسلم متأكدًا من صواب رأيه، وبرغم ذلك، يقدم الرسول الأمين على قرار هو الأخطر على الإطلاق بالنسبة لدولة ناشئة هو رئيسها صلى الله عليه وسلم، ألا وهو قرار الحرب؛ ليقرَّ مبدأً أساسيًّا في الدولة، مهما كان حجم التضحية.
برغم عدم موافقة الرسول على قرار الحرب من خارج المدينة، يضع الرسول الخطة بكل إخلاص، وكأن القرار قراره، حتى يقترب المسلمون من النصر، ولكن تحدث المفاجأة وينهزم المسلمون.
وهنا يعطي الرسول صلى الله عليه وسلم الدرس الثاني في مبدأ الشورى، وهو عدم اللوم واجترار الماضي والغمز بصحة رأيه، بل التسليم بأمر الله وقدره مهما كانت النتائج، على أن هذا لا يمنع من تحليل ما حدث في الحرب نفسها، وذكر السلبيات والوقوف على مواطن الخطأ.
ثم يأتي القرآن العظيم ليعطي دفعةً معنويةً هائلةً لجماعة المسلمين، ويعلمهم أن المبادئ أهم من النتائج، في وقت كان البعض قد حدَّث نفسه بأن ما حدث كان بسبب التشاور، وربما لو كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد انفرد بالقرار، لما حدث ما حدث.. ينزل القرآن ويقول الله عزَّ وجلَّ لنبيه: ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾ (آل عمران: من الآية159).
كان الأمر صريحًا: استمروا في الشورى مهما حدث، ومهما كانت النتائح، فالشورى مبدأ إسلامي لا يمكن التنازل عنه.
هذا الموقف العظيم يجسِّد ملحمة الشورى التي بنى بها- وعليها- الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليهم الدولة الإسلامية، فنشأت قويةً متماسكةً لا يقدر عليها أعداؤها، رغم مالهم من قوة وعتاد.
وهذه المواقف الشورية (الصعبة)، هي المواقف التي تشكِّل الانتماء عند أفراد الجماعة الدعوية، وتجعلهم يؤمنون بمسئوليتهم نحوها، وتدفعهم إلى التضحية من أجلها مهما كانت العواقب.
إن بركة الشورى تجعل الكل متكاتفًا كالبنيان المرصوص، تستعصي على هذا البنيان القوي هزات الهزائم والشائعات والمؤامرات.. ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ (4)﴾ (الصف)، تلك الأمور القادرة على إشعال الفتن في أحزاب كانت تظن نفسها قويةً وآمنةً، فإذا بها تُؤتى من حيث لا تحتسب.
إن بركة الشورى تجعل الجميع يتحمَّل النتائج بصبر وثبات، ثم يفكِّر ويحلل ويراجع ليصنع رؤيةً جديدةً، تضيف للخبرات السابقة خبرات وخبرات.
إن بركة الشورى تجعلنا نستحق أن يظلنا الله برحمته ويحمينا بقوته؛ لأننا أطعنا أمره، وانتهجنا نهج نبيه صلى الله عليه وسلم.
كيف نحصد بركة الشورى
ولكي نحصد بركة الشورى في كل مرة نقدم فيها على أمر من أمور الدعوة، ينبغي أن نراعي ما يأتي:
1- أن يكون الرأي مخلصًا لله، فلا يدخل فيه هوى النفس، ولا تحرِّكه المصلحة، ولا يصنعه خلاف شخصي، أو غرض دنيوي.. قال تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء﴾ (البينة: من الآية 5).
2- أن يتقبل الجميع قرار الشورى بصدر رحب، وأن يعاهد الله أن يعمل على تنفيذ القرار بإخلاص وحماس، لا فرق بين من كان مع القرار، ومن كان ضده.
3- أن لا يغترَّ أحد بنفسه عن النصر، وألا يتباهى أحد بأن قراره كان صائبًا، بل يلبس لباس التواضع، ويجهر بفضل الله، وينسب القرار للجميع.. قال تعالى: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (58)﴾ (يونس).
4- أن لا يلم أحد أحدًا عند الخطأ، وألا يستخدم أحد الغمز واللمز بأن رأيه كان صوابًا، بل يجمع الجميع على تهدئة النفوس ولمّ الجراح.
5- أن نقوم بعملية المراجعة الأمينة لما حدث، حتى نوضح الأخطاء التي كشفتها التجربة فنتجنبها، ونتبين مواضع الصحة فنركز عليها.
ساعتها تصبح الشورى عبادةً نتقرب بها الى الله، مهما كانت النتائج، وساعتها تصبح للشورى بركةً تعمُّنا في الدنيا وتشفع لنا في الآخرة.
لن يغفر الذنب إلا الله (بقلم ورود الحق )
كتبت تحت قسم
مقالات المشرف
|
الأربعاء، 8 ديسمبر 2010|
درعمى
عندما تغرب الشمس ويقفر الطريق ونفقد الرفيق ويشتد فينا الحريق حيث لا ماء لا بريق عندما يضيع المرء فى بحر من الأوهام وتتبعثر الأحلام وتتعثر الأقدام وتفشل فى وصفها الأقلام يخمد القلب وتكن ُّ الجفون وتبكى العيون وتتوقف العقول حينها إما منية وإما أرض الجنون . يقف شاخص العينين ينظر من ثقب عينيه وأمامه شاطىء الأوهام إلى ما وراء التلال يسأل الرياح لم يا صديقى إقفر الطريق
وأين البسمة مع الرفيق ؟ وأين الشعلة والبريق ؟ تشتد الرياح وتزداد الأمواج ولا مجيب ولا حبيب ولا ربيب . فالكون يبدو فى سكون وقلبه ينبض فى شجون .ينظر إلى البحر ويسأله أى سفينة ترسلها لى أى سفينة ستقلنى إلى شطآن الحياة فليتها سفينة نوح أو عصى موسى أو حوت يونس أم ستقلنى جبال ابن نوح فتعصف بى الأمواج فى جزر العذاب ومجرات الهلاك . فينظر إلى البحر ويعد الأمواج ويرصد تيار الهواء ومصير الماء ومنبع اللأواء . وفجأة يبدو فى أفق الخيال أرنبا يلهث يعبث بالنظرات ولكنه أين يذهب فى هذا الكون البهيم وهذا الظلام الحزين فيتقابلا وتتوحد الشعور والإحساس كلاهما يطويه هم كلاهما يقتله كرب أيا كانت الفروق بين الهموم والكروب عند التلاقى لا يبدو إلا العناق حتى وفى أوقات الضياع . يسأل الأرنب ذاك التائه : من الذى أهواك فى هذا الهلاك ؟ فرد عليه قائلا : أهوانى من أهواك ورأيتنى كما عينى تراك ضللنا سويا درب الطريق وصرنا فرادى وأنت الصديق ؟ يهز الأرنب رأسه مستهزءا ويقول : أنا الصديق لذا ستأكلنى أنا الرفيق وبعد قليل ستذبحنى !!
يضحك الرجل ضحكة تملؤها الدموع ويقول للأرنب : نحن حيارى تائهون وهذه الصحراء تسكنها النياب والسنون وإن أكلتك هل تسد جوعى سنين فإن مددت عمرى ستزيد معه الأنين ؟ سنموت سويا وتدفننا رمال الأرض وتنسانا السنين ؟ يقول الأرنب : كلنى عسى يأتيك من يأويك أو تلقى أنت فرجا أو بابا فى طريق كلنى فأنا أذنبت وتلك الرمال ستشهد وعصيت ربى وما أطعته واليوم جائنى يوم الحساب فأعذب فخرجت من بيتى كى أذنب وأعصى فزجت بى الدنيا إلى رؤياك وإلى جزاء ما فعلت إلى الموت بين رمال التيه والنسيان فكلنى فأنت أحق منى أن تعيش فكيف أحيا بذنب بعد الموت يعذبنى هذا جزائى ورب العرش يرحمنى . يبكى الرجل وتنزف عيناه ويقول : أبكيتنى وقولك الحق أذنبت كما أذنبت ولا أحدا يغفر إلا الذى خلق أذنبت وعصيته والناس تأبى ليا الغفران وبت أدعو ربى بأن يبقى ليا دينى وأن يغفر لى الذنب ويهدى الناس يهدينى حتى غوانى الشيطان وعدت للعصيان فأتيت ربى مستغفرا ثم عصيته والآن رمت بى الذنوب إلى أن أراك . الناس أعيتها حب الفراق وكره الوفاق وقلة الغفران من أذنب نفارقه وإن عاد وإن تاب لم تقبل منه عودة ولا تشفع له توبة ولا تسمع له كلمة ولا يرى منا بسمة ولا يلقى منا إلا نظرة . والآن ليس منا من لا يذنب وليس منهم من يغفر وهذا مثوانا وغدا سنعرف مثواهم وسر معى علنا نلقى الطريق فنبحث عن رفيق يغفر ويسامح وصدره لا يضيق أو نلقى الله فى هذا الفضاء الطليق . ونكون يوما ذكريات أو بقايا من رفات . هيا نحيا ما تبقى فى صلاة فى ثبات عل بعد الموت تشفع فينا هذه الصلاة .
وأين البسمة مع الرفيق ؟ وأين الشعلة والبريق ؟ تشتد الرياح وتزداد الأمواج ولا مجيب ولا حبيب ولا ربيب . فالكون يبدو فى سكون وقلبه ينبض فى شجون .ينظر إلى البحر ويسأله أى سفينة ترسلها لى أى سفينة ستقلنى إلى شطآن الحياة فليتها سفينة نوح أو عصى موسى أو حوت يونس أم ستقلنى جبال ابن نوح فتعصف بى الأمواج فى جزر العذاب ومجرات الهلاك . فينظر إلى البحر ويعد الأمواج ويرصد تيار الهواء ومصير الماء ومنبع اللأواء . وفجأة يبدو فى أفق الخيال أرنبا يلهث يعبث بالنظرات ولكنه أين يذهب فى هذا الكون البهيم وهذا الظلام الحزين فيتقابلا وتتوحد الشعور والإحساس كلاهما يطويه هم كلاهما يقتله كرب أيا كانت الفروق بين الهموم والكروب عند التلاقى لا يبدو إلا العناق حتى وفى أوقات الضياع . يسأل الأرنب ذاك التائه : من الذى أهواك فى هذا الهلاك ؟ فرد عليه قائلا : أهوانى من أهواك ورأيتنى كما عينى تراك ضللنا سويا درب الطريق وصرنا فرادى وأنت الصديق ؟ يهز الأرنب رأسه مستهزءا ويقول : أنا الصديق لذا ستأكلنى أنا الرفيق وبعد قليل ستذبحنى !!
يضحك الرجل ضحكة تملؤها الدموع ويقول للأرنب : نحن حيارى تائهون وهذه الصحراء تسكنها النياب والسنون وإن أكلتك هل تسد جوعى سنين فإن مددت عمرى ستزيد معه الأنين ؟ سنموت سويا وتدفننا رمال الأرض وتنسانا السنين ؟ يقول الأرنب : كلنى عسى يأتيك من يأويك أو تلقى أنت فرجا أو بابا فى طريق كلنى فأنا أذنبت وتلك الرمال ستشهد وعصيت ربى وما أطعته واليوم جائنى يوم الحساب فأعذب فخرجت من بيتى كى أذنب وأعصى فزجت بى الدنيا إلى رؤياك وإلى جزاء ما فعلت إلى الموت بين رمال التيه والنسيان فكلنى فأنت أحق منى أن تعيش فكيف أحيا بذنب بعد الموت يعذبنى هذا جزائى ورب العرش يرحمنى . يبكى الرجل وتنزف عيناه ويقول : أبكيتنى وقولك الحق أذنبت كما أذنبت ولا أحدا يغفر إلا الذى خلق أذنبت وعصيته والناس تأبى ليا الغفران وبت أدعو ربى بأن يبقى ليا دينى وأن يغفر لى الذنب ويهدى الناس يهدينى حتى غوانى الشيطان وعدت للعصيان فأتيت ربى مستغفرا ثم عصيته والآن رمت بى الذنوب إلى أن أراك . الناس أعيتها حب الفراق وكره الوفاق وقلة الغفران من أذنب نفارقه وإن عاد وإن تاب لم تقبل منه عودة ولا تشفع له توبة ولا تسمع له كلمة ولا يرى منا بسمة ولا يلقى منا إلا نظرة . والآن ليس منا من لا يذنب وليس منهم من يغفر وهذا مثوانا وغدا سنعرف مثواهم وسر معى علنا نلقى الطريق فنبحث عن رفيق يغفر ويسامح وصدره لا يضيق أو نلقى الله فى هذا الفضاء الطليق . ونكون يوما ذكريات أو بقايا من رفات . هيا نحيا ما تبقى فى صلاة فى ثبات عل بعد الموت تشفع فينا هذه الصلاة .
ما حكم الاحتفال بالمناسبات الإسلامية مثل الهجرة والمولد النبوي؟
كتبت تحت قسم
فتاوى عامة
|
الثلاثاء، 7 ديسمبر 2010|
درعمى
مدونة ورود الحق ـ موقع منارات
ما حكم الاحتفال بالمناسبات والأعياد الإسلامية في المساجد مثل الهجرة والمولد النبوي خاصة وأن هناك من يحرم وهناك من يبيح الرجاء الإفادة أفادكم الله.
قام بالرد على هذا السؤال الدكتور/ رجب أبو مليح دكتوراة في الشريعة الإسلاميةبسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
سؤال يتكرر دائمًا كلما مرت علينا مناسبةٌ إسلاميةٌ جديدةٌ، كميلاد النبي- صلى الله عليه وسلم- وهجرته وغزواته، وما مرَّ به أو بالأمة الإسلامية من أحداث عظام كحادث الإسراء والمعراج، أو انتصار حاسم كان له أعظم الأثر في حياة الأمة الإسلامية.
فهل يجوز الاحتفال بهذه المناسبات لأخذ العبر والعظة والوقوف على الدروس التربوية والعملية أو أن هذه بدعةٌ لم تكن في الصدر الأول، ولم يأمر بها النبي- صلى الله عليه وسلم- ولم يعمل بها أحدٌ من أصحابه وأتباعه، ولم يقُل به فقيهٌ من الفقهاء الأوائل؟!
في البداية لا بد من توضيح أن هناك اتجاهين للفقهاء- قديمًا وحديثًا- فبعضهم يرى أن الاحتفالَ بالأعياد والمناسبات من العادات، والأصل فيها الجواز ما لم يَرِد دليلٌ بالحرمة ، والبعض يرى أن هذه بدعةٌ محدثةٌ لا تجوز ولا تحل مهما كان الدافع والقصد من ورائها.
وقبل أن نقرر الحكم في هذه المسألة نقف أولاً على معنى الاحتفال، فلو كان المقصود بالاحتفال أن يرى المسلم لهذه الأيام فضلاً عن غيرها ويخصَّها بنوعٍ من العبادة والأعمال القلبية أو البدنية فلا تحل هذه الاحتفال بحال؛ حيث إن هذا الاحتفال ينتقل- بهذا القصد- من مجال العادات (والأصل فيها الجواز) إلى مجال العبادات والأصل فيها المنع ما لم يرد دليل بجوازها.. أما إن كان القصد من الاحتفال هو تذكير المسلمين بهذه الأحداث وتلك الانتصارات؛ للوقوف على مظاهر القوة والتأسي والتشبه بسلفنا الصالح فلا مانعَ من الاحتفال بها، بل قد يكون مندوبًا، ما لم يصاحبها محرمٌ.
من خلال هذه المقدمة نستطيع أن نفهم اختلاف الفقهاء، كما نستطيع أن نطبقها على كل ما يمر علينا من مناسبات.
بعض أقوال العلماء في الاحتفال بالمناسبات الإسلامية كالمولد النبوي وغيره:
وهذا الكلام ينطبق على ما نحن بصدده من أمر الاحتفال بالهجرة النبوية المشرَّفة:
1- رأي ابن الحاج رحمه الله في الاحتفال
من المعروف أن ابن الحاج في مدخله كان من أشدِّ الناس حربًا على البدع، ولقد اشتد رحمه الله بمناسبة الكلام عن المولد على ما أحدثوه فيه من أعمال لا تجوز شرعًا، من مثل استعمال آلات الطرب، ثم قال: فآلة الطرب والسماع أي نسبة بينهما وبين تعظيم هذا الشهر الكريم الذي منًّ الله تعالى علينا فيه بسيد الأولين والآخرين.
فكان يجب أن يزاد فيه من العبادات والخير؛ شكرًا للمولى سبحانه وتعالى على ما أولانا من هذه النعم العظيمة، وإن كان النبي- صلى الله عليه وسلم- لم يزِدْ فيه على غيره من الشهور شيئًا من العبادات، وما ذاك إلا لرحمته- صلى الله عليه وسلم- بأمته ورفقِه بهم؛ لأنه- عليه الصلاة والسلام- كان يترك العمل خشيةَ أن يُفرض على أمته رحمةً منه بهم، كما وصفه المولى سبحانه وتعالى في كتابه حيث قال: ﴿بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128)﴾ (التوبة) لكن أشار عليه الصلاة والسلام إلى فضيلة هذا الشهر العظيم بقوله عليه الصلاة والسلام للسائل الذي سأله عن صوم يوم الإثنين، فقال له: "ذلك يوم وُلدت فيه" فتشريف هذا اليوم متضمنٌ لتشريف هذا الشهر الذي ولد فيه.
فينبغي أن نحترمه حقَّ الاحترام، ونفضله بما فضل الله به الأشهر الفاضلة، وهذا منها؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: " أنا سيد ولد آدم ولا فخر" ولقوله عليه الصلاة والسلام: " آدم ومن دونه تحت لوائي".
وفضيلة الأزمنة والأمكنة تكون بما خصَّها الله تعالى به من العبادات التي تُفعل فيها لما قد علم أن الأمكنة والأزمنة لا تتشرف لذاتها، وإنما يحصل لها الشرف بما خُصَّت به من المعاني.
فانظر- رحِمَنا الله وإياك- إلى ما خصَّ الله تعالى به هذا الشهرَ الشريفَ ويوم الإثنين.. ألا ترى أن صوم هذا اليوم فيه فضلٌ عظيم؛ لأنه- صلى الله عليه وسلم- وُلِد فيه، فعلى هذا ينبغي إذا دخل هذا الشهر الكريم أن يُكرَّم ويعظَّم ويُحترَم الاحترامَ اللائق به، وذلك بالإتباع له- صلى الله عليه وسلم- في كونه- عليه الصلاة والسلام- كان يخصُّ الأوقات الفاضلة بزيادة فعل البر فيها وكثرة الخيرات.
ألا ترى إلى ما رواه البخاري- رحمه الله تعالى-: "كان النبي- صلى الله عليه وسلم- أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في رمضان" فنتمثل تعظيم الأوقات الفاضلة بما امتثله عليه الصلاة والسلام على قدر استطاعتنا.
2- رأي ابن تيمية رحمه الله في الاحتفال
معروفةٌ شدة ابن تيمية، ومع ذلك كان كلامه ليِّنًا في قضية المولد، ومن كلامه في كتابه "اقتضاء الصراط المستقيم": (وكذلك ما يُحدثه بعض الناس إما مضاهاةً للنصارى في ميلاد عيسى عليه السلام، وإما محبةً للنبي وتعظيمًا له، والله قد يثيبهم على هذه المحبة والاجتهاد لا على البدع، وأكثر هؤلاء الناس الذين تجدونهم حرصاء على أمثال هذه البدع، مع ما لهم فيها من حسن المقصد والاجتهاد الذي يُرجى لهم به المثوبة، تجدونهم فاترين في أمر الرسول عما أمروا بالنشاط فيه.. واعلم أن من الأعمال ما يكون فيه خيرٌ لاشتماله على أنواع من المشروع، وفيه أيضًا شرٌّ من بدعة وغيرها، فيكون ذلك العمل شرًّا بالنسبة إلى الإعراض عن الدين بالكلية، كحال المنافقين والفاسقين.. فتعظيم المولد واتخاذه موسمًا قد يفعله بعض الناس، ويكون له فيه أجرٌ عظيم، لحسن قصده، وتعظيمه لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- إنه يحسن من بعض الناس ما يستقبح من المؤمن المسدد؛ ولهذا قيل للإمام أحمد عن أحد الأمراء إنه أنفق على مصحف ألفَ دينار ونحو ذلك، فقال: دعه فهذا أفضل ما أنفق فيه الذهب، أو كما قال).
3- رأي السيوطي رحمه الله في الاحتفال
وللسيوطي في كتابه (الحاوي للفتاوي) رسالةٌ مطولةٌ أسماها: "حسن المقصد في عمل المولد" وهذه بعض فقراتها: عندي أن أصل عمل المولد الذي هو اجتماع الناس وقراءة ما تيسر من القرآن ورواية الأخبار الواردة في مبدأ أمر النبي- صلى الله عليه وسلم- وما وقع في مولده من الآيات ثم يُمدُّ لهم سماطٌ يأكلونه، وينصرفون من غير زيادة على ذلك هو من البدع الحسنة التي يُثاب عليها صاحبها؛ لما فيها من تعظيم قدر النبي- صلى الله عليه وسلم- وإظهار الفرح والاستبشار بمولده الشريف.
وروى البيهقي بإسناده في مناقب الشافعي عن الشافعي قال:
المحدثات من الأمور ضربان: أحدهما: ما أُحدث مما يخالف كتابًا أو سنةً أو أثرًا أو إجماعًا فهذه البدعة الضلالة، والثاني: ما أُحدث من الخير لا خلافَ فيه لواحدٍ من هذا، وهذه محدثةٌ غير مذمومة، وقد قال عمر- رضي الله عنه- في قيام شهر رمضان: نعمت البدعةُ هذه، يعني أنها محدثةٌ لم تكن، وإذا كانت فليس فيها ردٌّ لما مضى هذا آخر كلام الشافعي.
وهو أي المولد وما يكون فيه من طعام من الإحسان الذي لم يُعهد في العصر الأول، فإنَّ إطعامَ الطعامِ الخالي من اقتراف الآثام إحسانٌ، فهو من البدع المندوبة كما في عبارة ابن عبد السلام.
وقد سئل شيخ الإسلام حافظ العصر أبو الفضل أحمد بن حجر عن عمل المولد فأجاب بما نصه: أصل عمل المولد بدعة لم تُنقَل عن أحد من السلف الصالح من القرون الثلاثة، ولكنها مع ذلك قد اشتملت على محاسن وضدها، فمن تحرَّى في عملها المحاسنَ وتجنَّب ضدَّها كان بدعةً حسنةً وإلا فلا.. قال: وقد ظهر لي تخريجُها على أصل ثابت وهو ما ثبت في الصحيحين من أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قدم المدينة فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فسألهم فقالوا: يوم أغرق الله فيه فرعون ونجَّى موسى فنحن نصومه شكرًا لله تعالى، فيُستفاد منه فعل الشكر لله على ما منَّ به في يوم معين من إسداءِ نعمٍ، أو دفعِ نقمٍ، ويُعاد ذلك في نظير ذلك اليوم من كل سنة، والشكر لله يحصل بأنواع العبادة، كالسجود والصيام والصدقة والتلاوة، وأي نعمة أعظم من النعمة ببروز هذا النبي نبي الرحمة في ذلك اليوم، وعلى هذا فينبغي أن يتحرى اليوم بعينه حتى يطابق قصة موسى في يوم عاشوراء، ومَن لم يلاحظ ذلك لا يبالي بعمل المولد في أي يوم من الشهر، بل توسَّع قوم فنقلوه إلى يوم من السنة وفيه ما فيه، فهذا ما يتعلق بأصل عمله.
وأما ما يعمل بما فيه: فينبغي أن يقتصر فيه على ما يُفهم الشكر لله تعالى، من نحو ما تقدم ذكره من التلاوة والإطعام والصدقة وإنشاد شيء من المدائح النبوية والزهد المحركة للقلوب إلى فعل الخير والعمل للآخر، وأما ما تبع ذلك من السماع واللهو وغير ذلك فينبغي أن يُقال ما كان من ذلك مباحًا؛ بحيث يقتضي السرور بذلك اليوم، ولا بأس بإلحاقه به، وكما كان حرامًا أو مكروهًا فيمنعه وكذا ما كان خلاف الأولى انتهى.
قال السيوطي تعليقًا على كلام ابن حجر: "وقد ظهر لي تخريجه على أصل آخر، وهو ما أخرجه البيهقي عن أنس أن النبي- صلى الله عليه وسلم- عقَّ عن نفسه بعد النبوة، مع أنه قد ورد أن جدَّه عبد المطلب عقَّ عنه في سابع يوم لولادته، والعقيقة لا تُعاد مرةً ثانيةً، فيُحمل ذلك على أن الذي فعله النبي- صلى الله عليه وسلم- إظهارٌ للشكر على إيجاد الله إياه رحمةً للعالمين، وتشريعٌ لأمته كما كان يصلي على نفسه لذلك، فيستحب لنا أيضًا إظهار الشكر بمولده، بالاجتماع وإطعام الطعام ونحو ذلك من وجوه القربات وإظهار المسرَّات.
ثم رأيت إمام القرَّاء الحافظ شمس الدين ابن الجزري قال في كتابه المسمى (عرف التعريف بالمولد الشريف) ما نصه: قد رؤي أبو لهب بعد موته فقيل له ما حالك؟! قال في النار إلا أنه يخفف عني كل ليلة اثنين وأمصُّ من بين أصبعي ماءً بقدر هذا وأشار لرأس أصبعه، وإن ذلك بإعتاقي لثويبة عندما بشرتني بولادة النبي- صلى الله عليه وسلم- وبإرضاعها له، فإذا كان أبو لهب الكافر الذي نزل القرآن بذمِّه جوزي في النار بفرحه ليلة مولد النبي- صلى الله عليه وسلم- به فما حال المسلم الموحِّد من أمة النبي- صلى الله عليه وسلم- يُسرُّ بمولده ويبذل ما تصل إليه قدرته في محبته- صلى الله عليه وسلم- لعمري إنما يكون جزاؤه من الله الكريم أن يدخله بفضله جنات النعيم.
4- رأي فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي
يقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي: هناك من المسلمين مَن يعتبرون أيَّ احتفاء أو أي اهتمام أو أي حديث بالذكريات الإسلامية أو بالهجرة النبوية أو بالإسراء والمعراج أو بمولد الرسول- صلى الله عليه وسلم- أو بغزوة بدر الكبرى، أو بفتح مكة، أو بأي حدث من أحداث سيرة محمد- صلى الله عليه وسلم- أو أي حديث عن هذه الموضوعات يَعتبرونه بدعةً في الدين، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، وهذا ليس بصحيح على إطلاقه، إنما الذي نُنكره في هذه الأشياء الاحتفالات التي تخالطها المنكرات، وتخالطها مخالفاتٌ شرعيةٌ وأشياء ما أنزل الله بها من سلطان، كما يحدث في بعض البلاد في المولد النبوي وفي الموالد التي يقيمونها للأولياء والصالحين، ولكن إذا انتهزنا هذه الفرصة للتذكير بسيرة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وبشخصية هذا النبي العظيم وبرسالته العامة الخالدة التي جعلها الله رحمةً للعالمين، فأي بدعة في هذا وأي ضلالة؟!
إننا حينما نتحدث عن هذه الأحداث نذكِّر الناس بنعمةٍ عظيمةٍ، والتذكير بالنعم مشروع ومحمود ومطلوب، والله تعالى أمرنا بذلك في كتابه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا(9) إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتْ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا(10)﴾ (الأحزاب).. يُذكِّر بغزوة الخندق أو غزوة الأحزاب حينما غزت قريش وغطفان وأحابيشهما النبي- عليه الصلاة والسلام- والمسلمين في عقر دارهم، وأحاطوا بالمدينة إحاطةَ السوار بالمعصم، وأرادوا إبادة خضراء المسلمين واستئصال شأفتهم، وأنقذهم الله من هذه الورطة، وأرسل عليهم ريحًا وجنودًا لم يرَها الناسُ من الملائكة، يُذكِّرهم الله بهذا، اذكروا لا تنسوا هذه الأشياء، معناها أنه يجب علينا أن نذكر هذه النعم ولا ننساها، وفي آية أخرى ﴿إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ(11)﴾ (المائدة) يذكِّرهم بما كان يهود بني قينقاع قد عزموا عليه أن يغتالوا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ومكَروا مكرَهم وكادوا كيدَهم وكان مكرُ الله أقوى منهم وأسرع ﴿وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ(30)﴾ (الأنفال)
5- رأي الأزهر
جاء في فتوى مطولة لفضيلة الشيخ جاد الحق علي جاد الحق شيخ الأزهر الأسبق- رحمه الله- نُشرت في كتاب (بيان للناس): "إننا لا نرى بأسًا في الاحتفال بأية مُناسَبَة دينية أو دنيوية، على شرط ألا يكون أسلوب الاحتفال خارجًا عن حدود الشرع، وأن يكون الهدف صحيحًا،
وهناك نقطتان يُثِيرهما مَن يمنعون هذه الاحتفالات التي لم يُنَصَّ عليها، وهما:
1- أنها بِدْعة لم تكن على أيام الرسول وصحابته، وأبسط ردٍّ على ذلك أنه ليس كل جديد بدعةً مذمومةً، وقد سبق توضيح ذلك؛ فقد قال عمر عندما رأى اجتماع الناس على إمام واحد في صلاة التراويح: "نعمت البدعةُ هذه" ولم ينكر عليه أحد.
2- إن هذه الاحتفالات يُطلَق عليها أعياد، وليس في الإسلام إلا عيدان: عيد الفطر وعيد الأضحى، وأبسط ردٍّ على ذلك أن اسم العيد لم يُنَصَّ على مَنْع إطلاقه على غيرهما بالأسلوب الذي تحدث فيه الرسول- عليه الصلاة والسلام- عنهما؛ فقد أطلقه هو على يوم الجمعة كما سبق ذِكْره، كما يُرَدُّ على ذلك بأن العبرة ليست بالأسماء، بل بالمضمون والمُسَمَّيَات، فهل لو سُمِّيَت الخمر باسم آخر يُحَلُّ شُرْبُها؟ إن التحايُل بالشكليات بابُه واسع، على أن إطلاق اسم العيد على الاحتفال بأية مناسبة قد يكون من باب التشبيه بالأعياد الدينية، في إشاعة الفرح والسرور بها، وللحقيقة والمجاز دَوْر كبير في البلاغة العربية؛ فقد نُسِبَت إلى الله في القرآن الكريم: "اليد والعين والوجه" ولم يُرَدْ بذلك حقيقتها على الوجه الذي نراه في عالَم الحوادث، فهو- سبحانه- ليس كمثله شيء.
وبعد.. فلعل في الاحتفال بهذه المُناسبات واستخلاص العِبَر منها ربطًا لقلوب المسلمين بالدين وتاريخه وأمجاده، حتى لا تُنْسَى في غمرة الاحتفالات الدنيوية الأخرى، التي تُحْشَد لها الاستعدادات وتُنْفَق فيها الأموال وتَعْلُو فيها الشعارات، وليس في الاحتفالات الدينية تشريعٌ جديدٌ من صلاة وصيام ونحوهما مما شُرِع في عيدَي الفطر والأضحى، وعلى هذا فليس هناك إحداث في الدين ما ليس منه حتى يُرَدَّ، والمهم أن يَتِمَّ كل ذلك في إطار الحدود المشروعة، وعدم التعصُّب للشكليات؛ فالعبرة بالجوهر، وعلى الله قصد السبيل، والأعمال بالنيات.
ذكر النعمة مطلوب إذن، نتذكَّر نعم الله في هذا، ونذكِّر المسلمين بهذه الأحداث وما فيها من عبر وما يُستخلص منها من دروس، أيعاب هذا؟! أيكون هذا بدعةً وضلالةً.
والخلاصة:أن هذه الاحتفالات كلها جائزةٌ ما دام القصد من ورائها هو التأسي وتذكير المسلمين بقضاياهم ولم يصاحبها محرم، والله أعلم.
الدكتور منير جمعة يكتب : مجمل أحكام عاشوراء
كتبت تحت قسم
مقالات الدكتور منير جمعة
|
الاثنين، 6 ديسمبر 2010|
درعمى
خاص ـ ورود الحق
هلاك الظالمين نعمة كبرى ومنة عظمى ، قال تعالى ،
( فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين )
" الأنعام 45" فقرن حمده تعالى بسبب ظاهر – وهو المستحق للحمد في كل حين – يتمثل في إهلاكه سبحانه للظالمين وقطعه لدابرهم ،وفي ذلك من الإنعام والرحمة بالمؤمنين ما لا يخفى .
من هنا استحق يوم عاشوراء أن يكون واحدا من أعظم أيام التاريخ فقد هلك فيه الرمز الأكبر للظلم والطغيان في الأرض على مر العصور ، وهو فرعون حاكم مصر في عهد موسى عليه السلام ، على غير توقع ، وبغير تكافؤ في موازين القوى – آنذاك – بين أهل الحق وأهل الباطل ، لكن الله – جلت قدرته – فعال لما يريد .
وقد سمى يوم العاشر من المحرم باسم عاشوراء ، تعظيما له ، وهو اسم إسلامي خالص لم تعرفه العرب في الجاهلية ،مع أنهم ربما
ورثوا تعظيمه من ديانة إبراهيم عليه السلام .
ورثوا تعظيمه من ديانة إبراهيم عليه السلام .
وقد أمر الله – عز وجل – نبيه موسى بأن يذكر بني إسرائيل بنعم الله عليهم ، وأعظمها إهلاك فرعون فقال تعالى : ( ولقد أرسلنا موسى بآياتنا أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور وذكرهم بأيام الله إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور ) " إبراهيم :5 قال القرطبي في تفسيره ( 9/341) : ( أي بما أنعم الله عليهم من النجاة من فرعون ومن التيه إلى سائر النعم ، وقد تُسمى النعم الأيام ، ومنه قول عمرو بن كلثوم : وأيام لنا غرٌ طوال ).
وقد شاءت إرادة الله أن يكون استشهاد الإمام الحسين بن على رضى الله عنهما فى موقعة كربلاء الشهيرةفى شهر الله المحرم ،بل فى اليوم العاشر منه أيضا،ليكون للشيعة ـ الذين يظنون أنفسهم حملة راية الحسين دون بقية المسلمين ـ شأن مع هذا اليوم ،ليس لغيره من بقية الأيام !
فضل عاشوراء:
في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سئل عن يوم عاشوراء فقال : ( ما رأيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – صام يوما يتحرى فضله على الأيام إلا هذا اليوم – يعني عاشوراء – وهذا الشهر – يعني رمضان - .
وكان النبي – صلى الله عليه وسلم – في صيامه لعاشوراء قد عَبَرَ مراحل :
المرحلة الأولى :
أن الله ألهمه ، كما ألهم قريشا – أن يصوم ، دون أن يذكر فضلا أو يشير إلى سبب ، ولعله – صلى الله عليه وسلم – لم يكن قد علم فضل هذا اليوم بعد ، لكن أراد الحفاظ على بعض ما تبقى من صحيح ملة إبراهيم - عليه السلام –فقد جاء في الصحيحين عن عائشة – رضي الله عنها – أنها قالت : ( كان عاشوراء يوما تصومه قريش في الجاهلية وكان النبي – صلى الله عليه وسلم – يصومه .....)
المرحلة الثانية :
لما قدم النبي – صلى الله عليه وسلم - المدينة ، ورأى صيام أهل الكتاب له ، صامه ، وأمر الناس بصيامه أيضا – ولم يكتف بصيامه وحده كما كان يفعل في مكة – لأنه علم العلة من تعظيم هذا اليوم ، ومن بقاء ذكره عبر الدهور والعصور ، ففي الصحيحين عن ابن عباس قال : قدم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – المدينة فوجد اليهود صياما يوم عاشوراء ، فقال لهم رسول الله –صلى الله عليه وسلم - : ما هذا اليوم الذي تصومونه ؟ قالوا : هذا يوم عظيم ، أنجى الله فيه موسى وقومه ، وأغرق فرعون وقومه ، فصامه موسى شكرا لله ، فنحن نصومه ، فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم – فنحن أحق وأولى بموسى منكم ، فصامه ، وأمر بصيامه ، وقد اختلف الفقهاء ، رضي الله عنهم : هل كان صوم عاشوراء ، قبل فرض شهر رمضان واجبا أم كان سنة مؤكدة ؟ فذهب أبو حنيفة وأحمد – كما هو ظاهر كلامه – إلى الوجوب ، ومال الشافعي إلى أنه كان سنة مؤكدة فقط ومما يؤيد القول بالوجوب - أنئذ- تشديد النبي – صلى الله عليه وسلم- في أمره ، واهتمام الصحابة به إلى حد أنهم كانوا يصوّمون أطفالهم ، فقد جاء في الصحيحين عن الربيع بنت معوّذ قالت " أرسل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار التي حول المدينة : "من كان أصبح صائما فليتم صومه ، ومن كان أصبح مفطرا فليتم بقية يومه " فكنا بعد ذلك نصومه ونصوّم صبياننا الصغار منهم ، ونذهب إلى المسجد فنجعل لهم اللعبة من العهن ، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه إياها ، حتى يكون عند الإفطار " وفي رواية " فإذا سألونا الطعام أعطيناهم اللعبة تلهيهم حتى يتموا صومهم "
وعلى أية حال فإن هذه المرحلة قد انتهت سريعا ، بعد أن فرض صيام رمضان في السنة الثانية للهجرة ، بما يعني أن وجوب صيام عاشوراء – عند من قال بالوجوب – لم يستمر سوى عامين فقط .
المرحلة الثالثة :
ترك النبي – صلى الله عليه وسلم الأمر بصيام عاشوراء بعد أن فرض عليه رمضان ، وترك التأكيد فيه ، ولم يترك استحبابه ، ففي الصحيحين عن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال ( صام النبي – صلى الله عليه وسلم - عاشوراء وأمر بصيامه ، فلما فرض رمضان ترك ذلك ...) ,أكثر العلماء على استحباب صيام يوم عاشوراء ، لما جاء في صحيح مسلم عن أبي قتادة أن رجلا سأل النبي – صلى الله عليه وسلم - عن صيام يوم عاشوراء ، فقال : ( أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله ) ولما خرجه الإمام احمد والنسائي من حديث حفصة – رضي الله عنها - : أن النبي – صلى الله عليه وسلم –( لم يدع صيام يوم عاشوراء ، والعشر ،وثلاثة أيام من كل شهر ) . والحديث في سنده أبو اسحق الاشجعي الكوفي وهو مقبول كما في التقريب ( 2/390) وسنده صحيح .
وقد مر بنا حديث ابن عباس : ( ما رأيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم - صام يوما يتحرى فضله على الأيام إلا هذا اليوم – يعني عاشوراء - ) والشاهد فيه أن ابن عباس إنما صحب النبي - صلى الله عليه وسلم – وعقل عنه في آخر أمره كما هو معلوم
المرحلة الرابعة :
عزم النبي – صلى الله عليه وسلم – على صيام يوم آخر مع عاشوراء مخالفة لأهل الكتاب ، ففي صحيح مسلم عن ابن عباس - رضي الله عنهما – أنه قال : "حين صام النبي – صلى الله عليه وسلم – يوم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا : يا رسول الله : إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى ! فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم : فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع ، قال : فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله – صلى الله عليه وسلم -.
ولذلك فإن الجمع في الصيام بين يومي التاسع والعاشر مستحب، وهو رأي كثير من السلف، وإن كان صيم عاشوراء فقط لا شىء فيه ،فإن بعض السلف يرى أن السنة ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ما كان ينوى فعله،ونحن نرى أن العلة هنا واضحة ولذا نرجح سنية الجمع بين اليومين فى الصوم. وأما تعظيم النصارى ليوم عاشوراء فغير معروف لنا الآن ، ولعله كان في زمن السلف رضي الله عنهم فإنهم يشتركون مع اليهود في الإيمان بالتوراة.
وأما صيام التاسع مع العاشر بنية مخالفة أهل الكتاب ، مع كون الصيام مشروعا في الشريعتين الإسلامية واليهودية ، فيدلنا على وجوب المخالفة بصفة عامة ، وفيما ليس مشروعا بصفة خاصة ، وإن كان صيام التاسع مع العاشر له حِكم أخرى ، ومنها ما خرجه الطبراني في الكبير (10/401) بسند صحيح عن ابن عباس أيضا : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: إن عشت إلى قابل صمت التاسع مخافة أن يفوتني عاشوراء
قال القرطبي في المفهم ( 2/192) كان هذا القول من النبي – صلى الله عليه وسلم – بعد أن تمادى على صومه عشر سنين أو نحوها .
وإذا كان ابن القيم يرى أن أكمل الصيام هو صيام عاشوراء ويوما قبله ويما بعده ، فلعل مرد ذلك لأحد أمرين : إما على سبيل الاحتياط للتيقن من إدراك يوم عاشوراء ، وعدم الخطأ في تقدير هلال الشهر ، أو لأن الصيام في المحرم مستحب بصفة عامة ، فقد جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة – رضي الله عنه - ، قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - :"أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم "، غير أن صيام الشهر كله لم يرد في سنة صحيحة ولا ضعيفة !
مسائل مهمة تتعلق بعاشوراء :
1 – صيام يوم عاشوراء يكفر ذنوب سنة ماضية ، بشرط اجتناب الكبائر ، فإن الصلاة وصيام رمضان أعظم من صيام عاشوراء ، ومع هذا قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر "(مسلم والترمذي) فإياك والاغترار ، فإن إنكار الذنوب ذنوب .
2 – لا يكره إفراد عاشوراء بصيام ، كذا قال ابن تيمية في المجلد الخامس من الفتاوى وابن حجر الهيثمي في تحفة المحتاج ،وإن كان الأكمل صيام التاسع معه.كما أسلفنا
3 – يجوز صيام عاشوراء للمسافر ، قال ابن رجب ( في لطائف المعارف ص 70) " وكان طائفة من السلف يصومون عاشوراء في السفر ، منهم ابن عباس وأبو إسحاق السبيعي والزهري ، وقال : رمضان له عدة من أيام أخر ، وعاشوراء يفوت ، ونص أحمد على أنه يصام عاشوراء في السفر ، وروى عبد الرزاق .. كان النبي – صلى الله عليه وسلم - بقُرَيد – وهو موضع قرب مكة – فآتاه رجل فقال له النبي – صلى الله عليه وسلم – أطعمت اليوم شيئا ليوم عاشوراء ، قال : لا : إلا أني شربت ماء ، قال فلا تطعم شيئا حتى تغرب الشمس ، وأمر من وراءك أن يصوموا هذا اليوم " والحديث أخرجه عبد الرزاق ( 4/286) والطبراني في الكبير ( 20/ 342) وقال الهيثمي رجاله ثقات .
4 – لا يجوز تخصيص وقت – ولو كان فاضلا - بعبادة لم ينص عليها الشرع ، فقد كان اليهود من أهل المدينة وخيبر في عهد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يتخذون يوم عاشوراء عيدا ، كما يصنع أهل الريف في مصر الآن إذ يعدونه موسما يذهب الأهل فيه لزيارة أبنائهم بالهدايا والعطايا ، ولم يرد شئ من هذا في شرعنا نحن المسلمين ففي الصحيحين عن أبي موسى قال : كان يوم عاشوراء يوما تعظمه اليهود وتتخذه عيدا ، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -:" صوموه أنتم " وفي رواية عن النسائي وابن حبان ( 3627 –إحسان ) : خالفوهم فصوموه " وهذا يدل على النهي عن اتخاذه عيدا أو موسما كما يقول أهل مصر .
بدع وضلالات حول عاشوراء
1- وكل ما روي في فضل الاكتحال في يوم عاشوراء ، والاختضاب والاغتسال فيه فموضوع لا يصح ، ولعله من وضع الفئة الباغية الذين قتلوا الإمام الحسين – رضي الله عنه - في مثل هذا اليوم ، ومن ذلك حديث " من اكتحل يوم عاشوراء لم يرمد من ذلك العام " وحديث " من اغتسل يوم عاشوراء لم يمرض ذلك العام " وحديث " من وسع على نفسه وأهله في يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر السنة " وغير ذلك ( انظر : لطائف المعارف لابن رجب ص 75 ،ومجموع الفتاوى لابن تيمية 25/2/ ، والموضوعات لابن الجوزي 2/199)
2– ومن أراد أن يحزن لذكرى مقتل الحسين – رضي الله عنه – وأصحابه الكرام في مثل هذا اليوم على يد الظلمة ، فله ذلك ، فإن ذلك مما يحزن كل مسلم ، ولكن ذلك لا ينبغي أن نتجاوز فيه السنة ، فلا يجوز شق الجيوب ،ولطم لخدود ، والتعزي بعزاء الجاهلية ، أما دمع العين وحزن القلب فلا حرج فيه ،والحسين واخوه الحسن سيدا شباب أهل الجنة ،وهذا مما يخفف حزننا عليه وعلى أمثاله من أئمة الإسلام الذين قتلوا ظلما وعدوانا ، فهم أحياء عند ربهم يرزقون ، وقد قتل عم النبي – صلى الله عليه وسلم – حمزة ومُثّل بجثته الشريفة ، ومع ذلك لم يفعل النبي – صلى الله عليه وسلم - مع حزنه – عليه ما يفعله بعض أهل الضلال الآن ولم يتخذ يوم مقتله مأتما!
3- وإيذاء البدن فى هذا اليوم إظهارا للحزن على استشهاد الحسين رضى الله عنه،وهو ما يسمى (التطبير)، من أشنع البدع التى شوهت صورة الإسلام فى عيون كثير من الغربيين،وقد رأيت ذلك بنفسى فى ألمانيا حيث تنشر كثير من المجلات والصحف السيارة صور الحمقى الذين ملأ الدم وجوههم وصدورهم ،وتنشر تحتها كلمة( الإرهاب الإسلامى ) ولا أدرى لم يتمسك بهاعموم الشيعة ،على الرغم من أن كثيرا من مراجعهم العظمى ـ حوالى مائةـ ينكرون التطبير أشد الإنكار وبعضهم يرى فيه الكفارة أو الدية لوحدث إيذاء لمسلم !
4- صيام يوم عاشوراء إلى نصف النهار فقط أو إلى العصرعند كثير من الشيعة مناقض لقوله تعالى (ثم أتموا الصيام إلى الليل ) و أما ترك صيامه بزعم أن أحاديثه ضعيفة كمايدعى بعضهم ،أو أن هذه الأحاديث قد وضعها الأمويون فهراء سخيف ، وزعم باطل مخالف للمنطق والعقل و للسنة الثابتة عن طريق أهل البيت أنفسهم وهاهى ذي أحاديث ثلاثة من أوثق كتبهم تثبت أن صيام عاشوراء عندهم سنة كصيامه عندنا تماما .
عن أبي الحسن عليه السلام أنه قال: "صام رسول الله صلى الله عليه وآله يوم عاشوراء"(1)
عن أبي عبد الله عليه السلام عن أبيه أن عليا عليهما السلام قال: "صوموا العاشوراء التاسع والعاشر فإنه يكفر ذنوب سنة"(2)
عن جعفر عن أبيه عليه السلام أنه قال: "صيام يوم عاشوراء كفارة سنة" (3)
. وهذه الأدلة توافق الأحاديث الكثيرة عند أهل السنة والجماعة حيث تجعل لصيام هذا اليوم فضلا خاصا وهو ما رجحه كثير من علمائهم المعتبرين فى كتبهم أيضا ، فلماذا يتركون ما أجمع عليه المسلمون وما دلت عليه أحاديث كبار أئمتهم ؟والغريب أن بعضهم يزعم أنهم يتركون صيامه حتى لا يتخذ هذا اليوم عيدا !مع أن المعروف أن العيد فى الإسلام لا يجوز صومه ، كما أنه ليس للمسلمين سوى عيدين الفطر والأضحى،فهى إذن حجة داحضة شرعا وعقلا!
.............................................................................
(1)تهذيب الأحكام 4/299 والاستبصار 2/134 والفيض الكاشاني في الوافي 7/13 والحر في وسائل الشيعة 7/337 وهو في جامع أحاديث الشيعة 9/475 وكذلك في الحدائق الناضرة 13/370
(2)أخرج الطوسي هذه الرواية في تهذيب الأحكام 4/299، وفي الاستبصار 2/134 وأخرجها الفيض الكاشاني في الوافي 7/13 والحر العاملي في وسائل الشيعة 7/337، والبروجردي في جامع أحاديث الشيعة 9/474-475
(3)تهذيب الأحكام 4/300 والاستبصار 2/134 وجامع أحاديث الشيعة 9/475 وهو في الحدائق الناضرة 13/371
الأكثر مشاهدة
المشاركات الشائعة
-
موقع الإخوان المسلميبن ـ ورود الحق بقلم: د. عماد عجوة القيروان.. مدينة تونسية تقع على بُعد 156 كم من العاصمة تونس، وعلى بُعد 57 كم من مدين...
-
أولا: مفهوم الثبات والمرونة : تنقسم أحكام الشريعة الإسلامية على قسمين : ا لأول : أحكام ثابتة : وهذه لا سبيل إلى البحث فيها ، ولا تقبل الت...
-
موقع قصة الإسلام ـ مدونة ورود الحق أما النصف الأوَّل من القرن الرابع الهجري والنصف الأوَّل من القرن العاشر الميلادي فيمثِّله أبو الحسن عل...
-
مدونة ورود الحق ـ الإسلام اليوم هانئ رسلان تعيشُ الخُرطوم هذه الأيام أجواءًا من الترقُّب المشوب بالقلق؛ بسبب...
-
مدونة ورود الحق ـ موقع إخوان أون لاين بقلم: د. كامل عبد الفتاح باحث في تاريخ مصر الحديث والمعاصر في التاسع والعشرين من أغسطس من كل عام تحل...
-
حذر الدكتور محمود حمدي زقزوق، وزير الأوقاف، أئمة الوزارة من التطرق إلى الموضوعات السياسية في الدروس الرمضانية التي سيلقونها بمساجد الجمهور...
-
موقع قصة الإسلام ـ ورود الحق فلسطين أرض الرسل والأنبياء الذين حملوا راية التوحيد، ودعوا أقوامهم إلى الالتزام بها. وقد شهدت فلسطين ف...
-
مدونة ورود الحق هؤلاء هم القادة الذين نريدهم هؤلاءالله سيرفع درجاتهم إن شاء الله ويسكنهم جنات النعيم ذلك بما يعملون الآن لأمتهم من تضحيات و...
-
د: منير جمعة عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين :- دول الغرب المسيحي تحتفي بكل الخارجين عن الإسلام وتلبسهم ألقابا رنانة . الرئيس بوش استقبل...
-
ورود الحق ـ قصة الإسلام : روجر بواس يلقي روجر بواس[1] في مقاله هذا نظرة على النموذج الإسباني للتطهير العرقي والديني. لكل شيء إذا ما تم نقصان...
يتم التشغيل بواسطة Blogger.
أرشيف المدونة الإلكترونية
-
▼
2010
(156)
-
▼
ديسمبر
(13)
- الماسونية والمسجد الأقصى
- دروس من الهجرة.. للشهيد سيد قطب
- جهود سيد قطب في إصلاح التعليم
- الشورى.. المبادئ أهم من النتائج
- لن يغفر الذنب إلا الله (بقلم ورود الحق )
- ما حكم الاحتفال بالمناسبات الإسلامية مثل الهجرة وا...
- الدكتور منير جمعة يكتب : مجمل أحكام عاشوراء
- الدكتور حسين حسين شحاتة يكتب : معالم التضحية والأخ...
- أبناؤنا وذكريات الهجرة
- الدكتور جمعة أمين يكتب : قبسات من التربية عند الإم...
- أ. فهمى هويدى يكتب :رجاء: كفانا نزاهة !!
- حالة نقاش : انسحاب الإخوان من انتخابات الإعادة فى ...
- فهمى هويدى يكتب : منتخبون أم معينون ؟؟
-
▼
ديسمبر
(13)
أحدث موضوع
المدونة على الفيس بوك
أقسام مهمة
التسميات
- أزمات الأمة (38)
- الخلافة الأموية (1)
- الدولة العثمانية الجزء الثانى (12)
- الدولة العثمانية الجزء الرابع (3)
- الدولة العثمانية الجزء الأول (8)
- الدولة العثمانية الجزء الثالث (10)
- السودان وأزمة الانفصال (10)
- الشيشان جرح ينزف (7)
- النصرانية ما بين التعريف والتحريف الجزء الأول (1)
- تاريخ الأندلس (1)
- تاريخ أمة (42)
- تاريخ حماس والدفاع عنه (1)
- تاريخ فلسطين (2)
- تحليلات هامة (11)
- تربية الأطفال (1)
- تركستان جرح ينزف (8)
- حدث فى مثل هذا (2)
- دروس فى الفقه (1)
- شخصيات إسلامية (2)
- شخصيات أسلموا (2)
- صحابة الرسول (1)
- عجائب التكنولوجيا (1)
- على الصلابى (1)
- عن الإخوان والبنا (4)
- غرائب من الحياة (1)
- غزة بين النار والحصار (7)
- فتاوى اقتصادية (1)
- فتاوى الدكتور منير جمعة (5)
- فتاوى عامة (6)
- فقه السنة (3)
- فلسطين (9)
- فيديو مؤثر (4)
- قالوا عن الإسلام (3)
- قصص من روائع حضارتنا (23)
- كتاب الكبائر للإمام شيخ الإسلام الذهبى (4)
- كشمير جرح ينزف (7)
- كوسوفا جرح ينزف (5)
- مساجد لها تاريخ (1)
- مقالات الأستاذ ثامر عبد الغني سباعنه (1)
- مقالات الدكتور منير جمعة (17)
- مقالات المشرف (13)
- مقالات رمضانية (1)
- مواعظ الإمام ابن الجوزى (16)
- نقاشات (1)
بحث
بحث هذه المدونة الإلكترونية
Categories
المتابعون
فيديو الأسبوع
أحدث التعليقات
أحدث المقالات