الصفحة الرئيسية » Archives for سبتمبر 2010
تاريخ الخلافة العثمانية : الدولة العثمانية.. التأسيس والبدايات (راغب السرجانى )
كتبت تحت قسم
تاريخ أمة
|
الخميس، 30 سبتمبر 2010|
درعمى
موقع قصة الإسلام ـ مدونة ورود الحق
السلطان الغازي عثمان الأول (699- 726هـ) :
لما توفي أرطغرل سنة 687هـ تولى عثمان مكانه فبدأ يوسع أملاك القبيلة بموافقة علاء الدين أمير القرمان, وفي سنة 699هـ أغار المغول على إمارة القرمان، ففر من وجههم علاء الدين إلى بلاد بيزنطة ومات في هذا العام, وتولى من بعده ابنه غياث الدين ثم قتل المغول غياث الدين , فأفسح المجال لعثمان لكي يستقل بما تحت يديه من أراضى ويقيم الدولة العثمانية التي نسبت لاسمه, واتخذ لها عاصمة هي مدينة يني شهر أي المدينة الجديدة (إسكي شهر سابقًا), واتخذ راية له هي علم تركيا حتى الآن، ودعا عثمان أمراء الروم في آسيا الصغرى إلى الإسلام فإن أبوا فعليهم أن يدفعوا الجزية, فإن رفضوا فالحرب, فخشوا على أملاكهم منه واستعانوا بالمغول عليه.
غير أن عثمان قد جهز جيشًا بإمرة ابنه الثاني أورخان, وسيرّه لقتال المغول, فشتت شملهم ثم عاد وفتح مدينة بورصة عام 717هـ، وأمّن أهلها وأحسن إليهم فدفعوا له 30.000 من عملتهم الذهبية, وأسلم حاكمها أفرينوس, وأصبح من القادة البارزين ثم توفي عثمان في عام 726هـ، وقد عهد لابنه أورخان بالحكم بعده, ودفن بمدينة بورصة التي أصبحت مدفن العائلة العثمانية بعد ذلك.
مما هو جدير بالذكر أن لفظ الغازي بمعنى المجاهد, وقد اتخذ السلطان عثمان هذا اللقب واتخذ شعارًا يسير عليه هو "إما غازٍ وإما شهيد"، وقد تبعه في ذلك الكثيرون من سلاطين الدولة العثمانية.
السلطان الغازي أورخان الأول (726- 761هـ)
على الرغم من أنه الابن الثانى لعثمان, إلا أن أباه قد أوصى بالحكم إليه من بعده, لاتصافه بعلو الهمة والشجاعة, بينما لم يوص لابنه الأكبر علاء الدين لميله للعزلة والورع, ولم يخالف علاء الدين الوصية فقدّره أخوه أورخان وسلمه الأمور الداخلية, وتوجه أورخان لتوسيع رقعة الدولة والأعمال الخارجية، ونقل أورخان عاصمة البلاد إلى مدينة بورصة. الإصلاحات الداخلية ووضع نظام للجيش:
قام علاء الدين بضرب العملة من الفضة والذهب, ووضع نظامًا للجيش وجعلها دائمة؛ حيث كانت الجيوش قبل ذلك لا تجمع إلا وقت الحرب وتصرف بعده، وخشي من تحزب كل فريق من الجند للقبيلة التابع إليها فأشار عليه (قرة خليل)، والذي صار وزيرًا بعد ذلك باسم خير الدين باشا بأخذ الأطفال المشرّدين والأطفال الذين فقدوا آباءهم في الحرب من الروم وتربيتهم تربية إسلامية وتدريبهم على فنون القتال في ثكنات عسكرية؛ بحيث لا يعرفون حرفة إلا الجهاد في سبيل الله ولا يعرفون إلا السلطان سيدًا لهم, فمن جهة يحمونهم من التشرد والانحراف والضياع، ومن جهة أخرى يدخلون في الإسلام ويكونون ردءًا ضد أعدائه، وأطلق عليهم يني تشري أي الجيش الجديد، وحرفت بالعربية لتكون إنكشارية، وغدا هذا الجيش قوة كبيرة ساعدت في مد الفتوحات العثمانية في أوربا, وهذا ما أثار نصارى أوربا وبلغ حقدهم الصليبي أوجه؛ حينما تمثلت أمامهم حقيقة أن هذا الجيش يمثل أبناءهم الذين لم يكتفوا باعتناق الإسلام بل تحولوا لقتالهم وفتح بلادهم, وعكف المؤرخون النصارى على تشويه صورة الإنكشارية في التاريخ, واتهموا الدولة العثمانية بأخذ الأطفال من آبائهم قهرًا وإجبارهم على اعتناق الإسلام، وهذه إحدى الافتراءات على العثمانيين.
ومع توارد السلاطين في الدولة العثمانية ظهر منهم الضعفاء الذين سمحوا للإنكشارية بالتدخل في شئون الحكم, وأدى ذلك إلى زيادة نفوذهم في الحكم وتحولهم إلى طريق الفساد والهزيمة حتى قُضي عليهم سنة 1242هـ في عهد الخليفة محمود الثاني.
كما اهتم أورخان بإعمار البلاد, ففتح المدارس وسن الأنظمة اللازمة لاستتباب الأمن بالداخل, وأكثر من بناء المساجد والتكايا وأجزل العطايا للعلماء والشعراء.
فتوحات أورخان (الشئون الخارجية):
وواصل أورخان فتوحاته, ففتح أزمير وأزنيق وإمارة قرة سي التي مات حاكمها فاختلف ولداه, فضمها أورخان كي لا تقع فريسة بيد الروم (كلها مناطق في الأناضول)، وكان أورخان إذا فتح مدينة عامل أهلها باللين والرفق ولم يعارضهم في إقامة شعائر دينهم وأذن لمن يريد الهجرة بأخذ كافة منقولاته وبيع عقاراته.
الزواج من الأجنبيات:
وفي عام 756هـ طلب إمبراطور بيزنطة يوحنا الخامس من السلطان أورخان مساعدته ضد إمبراطور الصرب أصطفان دوشان, الذي تحالف مع البندقية والإمارات الصربية للهجوم على القسطنطينية, على أن يزوجه بابنة الوصي على العرش يوحنا كانتا كوزين، والتي أختها زوجة لإمبراطور بيزنطة أي يصبح عديلاً للسلطان، ووافق أورخان إلا أن أصطفان قد أدركه الموت والجنود العثمانية في الطريق فعادوا إلى بلادهم وتمت الزيجة.
ومما هو جدير بالذكر أن زواج السلاطين من الأجنبيات النصارى قد انتشر بصورة كبيرة في عهد الدولة العثمانية, فقد سبق لعثمان الأول الزواج من مسيحية من فليقيا وسبق لأورخان الزواج من فتاه يونانية مسيحية, وتبعهم الكثير من السلاطين العثمانيين في ذلك, وكان ذلك من سلبيات الدولة العثمانية؛ حيث تمسك كثير من الزوجات النصرانيات بدينهن, واستغللن منصبهن كزوجة للسلطان في التعصب لأبناء جلدتهن، ومن على دينهن من رعايا الدولة العثمانية.
العبور للبر الأوربي:
لاحظ أورخان ضعف الدولة البيزنطية, وانكماش رقعتها فقرر النزول إلى الشاطئ الأوربي وفتح الأراضي التي تقع غرب القسطنطينيةغاليبولي ذات القلاع المهمة، وبها تحكموا في مضيق الدردنيل. وفي عام 760هـ, توفي سليمان ولى العهد والقائد الفذ نتيجة سقوطه عن جواده، وفي العام الثاني توفي أورخان وتولى الحكم ابنه الثاني مراد الأول. تمهيدًا لفتحها, حيث إن المسلمين حاولوا فيما سبق فتحها من جهة الشرق, ولكنهم فشلوا فانطلق ابن أورخان الكبير سليمان مع أربعين من رجاله الأبطال, وعبروا للشاطئ الأوربي, واستولوا على الزوارق هناك, ثم عادوا إلى الشاطئ الشرقي حيث لم يكن لدى الدولة أسطول في ذلك الوقت, ثم انطلقوا مرة أخرى إلى الشاطئ الأوربي فاتحين, فسيطروا على قلعة تزنب وشبه جزيرة
النشأة والاستقرار العثماني
كتبت تحت قسم
الدولة العثمانية الجزء الرابع
,
تاريخ أمة
|
|
درعمى
موقع قصة الإسلام ـ مدونة ورود الحق
نتناول في هذا القسم الدولة العثمانية والتي ظهرت منذ عام 699هـ ولكنها لم تتسلم مقاليد الخلافة إلا في عام 923هـ، لتتحول من مجرد دولة إسلامية إلى مقر للخلافة الإسلامية, وحامي حمى الإسلام حتى انطوت صفحتها في عام 1337هـ.
ورغم أنها لم تشمل كل الأمصار الإسلامية إلا أنها ضمت أكثرها, وكانت محطًّا لأنظار المسلمين في الأمصار التي تخرج عن نطاقها, بصفتها مقرا للخلافة وبصفة أن حاكمها خليفة للمسلمين, وأيضًا لكونها دولة من القوى العظمى آنذاك في العالم، إن لم تكن أعظمها.
ولعل من أهم أهدافنا -بعد معرفة هذه الفترة الزمنية الهامة من تاريخ المسلمين- هو إزالة التشويه الكبير الذي لحق بالخلافة العثمانية, والذي عكف عليه أعداء الإسلام في أوربا
وقد يتبادر إلى الذهن سؤال مهم هو: لماذا بالذات هذا الكم الكبير من التشويه في حق الخلافة العثمانية مقارنه بأي خلافةٍ أخرى في تاريخ المسلمين؟
لقد كان العثمانيون يقاتلون أوربا, حتى قيل إنهم كانوا يحاربون في الجهات الأربع الأصلية في سبيل الإسلام في وقت واحد، فمن الغرب يقاتلون إمبراطورية النمسا, والإسبان في المغرب العربي، ومن الجنوب يقفون في وجه البرتغاليين في الجزيرة العربية, ويضغطون على الروس من الشمال ليخففوا من وطأتهم على التتر والشراكسة المسلمين، ومن الشرق يحاربون الشيعة الذين عقدوا حلفًا مع الصليبيين لمحاربة أهل السنة والجماعة بصفة عامة, والخلافة العثمانية بصفة خاصة.
فماذا تنتظر -أخي المسلم- من نصارى أوربا إلا التشويه للخلافة العثمانية، لقد سجلوا كل سلبية لها, وبالغوا فيها وجاءوا بكثير من الافتراءات, وتجاهلوا تمامًا إيجابياتها بل وعَدُّوا الحكم العثماني استعمارًا دخل بلاد المسلمين بالقوة والقهر؛ لكي يحدثوا الفتنة بين المسلمين, ويفرقوا شملهم وأثاروا العرب خاصة إلى مناهضة العثمانيين.
فالخلافة حسب دعواهم يجب أن تكون محصورة في العرب, ونسى بعض العرب قول رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : "لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى".
وأخذ الأوربيون يصورون كل حركة ضد العثمانيين نصرًا، سواء كانت للمسلمين أو النصارى, ويصفون القائم بها بالإخلاص والوطنية, حتى لو كان القائمون بها من قطاع الطرق.
وجاء الأوربيون بأفكار القومية ليشتتوا ويفرقوا المسلمين, حتى يتكون المناخ الملائم لأوربا, لكي تلتهم الأمصار الإسلامية الواحدة تلو الأخرى، وبسبب النجاح الكبير الذي حققته أوربا في تفريق المسلمين والوصول بهم لحالة من التأخر والتخلف, اتجهت أنظار الكثير من المسلمين إلى أوربا كنموذج للتقدم والازدهار, وأقبل عليها الكثيرون من طلبة العلم من بلاد المسلمين الذين يجهلون الكثير عن أمور دينهم, فنقلوا ما تعلموه من ضلال وتشويه حرفيًّا، وكتبوا المناهج الدراسية والتاريخ بما أملاه عليهم أعداء الإسلام.
فكانت النتيجة أن هيمنت فكرة على كثير من المسلمين, وهى أن الخلافة العثمانية هي المسئولة كلية عما وصل إليه المسلمون من تخلف وضياع, وأن الوسيلة الوحيدة للنهوض بالأمة الإسلامية هي التقليد الأعمى لأوربا, لكي تصل إلى ما وصلت إليه من تقدم وازدهار، ونسي المسلمون أنه ما كانت لتقوم لهم قائمة في الأرض إلا بتمسكهم بدينهم, وأن ما لحق بهم من ذل ودمار كان نتيجة طبيعية لتركهم دينهم وحب الدنيا والانغماس في الشهوات.
ولا نقول إن الخلافة العثمانية كانت تمثل الإسلام بشكل صحيح, أو كانت تخلو من الأخطاء, بل نقول إن لها سلبيات وإيجابيات، شأنها شأن الخلافة منذ عهد الأمويين, وحتى العهد العثماني. فهكذا كل عصر له إيجابياته وسلبياته التي يجب أن نبرزها لكي نستفيد بالإيجابيات, ونتعلم من الأخطاء فلا نكررها. ولنبدأ في تناول هذه الصفحة اللامعة من تاريخ المسلمين.
نبذة عن الترك:
ورغم أنها لم تشمل كل الأمصار الإسلامية إلا أنها ضمت أكثرها, وكانت محطًّا لأنظار المسلمين في الأمصار التي تخرج عن نطاقها, بصفتها مقرا للخلافة وبصفة أن حاكمها خليفة للمسلمين, وأيضًا لكونها دولة من القوى العظمى آنذاك في العالم، إن لم تكن أعظمها.
ولعل من أهم أهدافنا -بعد معرفة هذه الفترة الزمنية الهامة من تاريخ المسلمين- هو إزالة التشويه الكبير الذي لحق بالخلافة العثمانية, والذي عكف عليه أعداء الإسلام في أوربا
وقد يتبادر إلى الذهن سؤال مهم هو: لماذا بالذات هذا الكم الكبير من التشويه في حق الخلافة العثمانية مقارنه بأي خلافةٍ أخرى في تاريخ المسلمين؟
لقد كان العثمانيون يقاتلون أوربا, حتى قيل إنهم كانوا يحاربون في الجهات الأربع الأصلية في سبيل الإسلام في وقت واحد، فمن الغرب يقاتلون إمبراطورية النمسا, والإسبان في المغرب العربي، ومن الجنوب يقفون في وجه البرتغاليين في الجزيرة العربية, ويضغطون على الروس من الشمال ليخففوا من وطأتهم على التتر والشراكسة المسلمين، ومن الشرق يحاربون الشيعة الذين عقدوا حلفًا مع الصليبيين لمحاربة أهل السنة والجماعة بصفة عامة, والخلافة العثمانية بصفة خاصة.
فماذا تنتظر -أخي المسلم- من نصارى أوربا إلا التشويه للخلافة العثمانية، لقد سجلوا كل سلبية لها, وبالغوا فيها وجاءوا بكثير من الافتراءات, وتجاهلوا تمامًا إيجابياتها بل وعَدُّوا الحكم العثماني استعمارًا دخل بلاد المسلمين بالقوة والقهر؛ لكي يحدثوا الفتنة بين المسلمين, ويفرقوا شملهم وأثاروا العرب خاصة إلى مناهضة العثمانيين.
فالخلافة حسب دعواهم يجب أن تكون محصورة في العرب, ونسى بعض العرب قول رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : "لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى".
وأخذ الأوربيون يصورون كل حركة ضد العثمانيين نصرًا، سواء كانت للمسلمين أو النصارى, ويصفون القائم بها بالإخلاص والوطنية, حتى لو كان القائمون بها من قطاع الطرق.
وجاء الأوربيون بأفكار القومية ليشتتوا ويفرقوا المسلمين, حتى يتكون المناخ الملائم لأوربا, لكي تلتهم الأمصار الإسلامية الواحدة تلو الأخرى، وبسبب النجاح الكبير الذي حققته أوربا في تفريق المسلمين والوصول بهم لحالة من التأخر والتخلف, اتجهت أنظار الكثير من المسلمين إلى أوربا كنموذج للتقدم والازدهار, وأقبل عليها الكثيرون من طلبة العلم من بلاد المسلمين الذين يجهلون الكثير عن أمور دينهم, فنقلوا ما تعلموه من ضلال وتشويه حرفيًّا، وكتبوا المناهج الدراسية والتاريخ بما أملاه عليهم أعداء الإسلام.
فكانت النتيجة أن هيمنت فكرة على كثير من المسلمين, وهى أن الخلافة العثمانية هي المسئولة كلية عما وصل إليه المسلمون من تخلف وضياع, وأن الوسيلة الوحيدة للنهوض بالأمة الإسلامية هي التقليد الأعمى لأوربا, لكي تصل إلى ما وصلت إليه من تقدم وازدهار، ونسي المسلمون أنه ما كانت لتقوم لهم قائمة في الأرض إلا بتمسكهم بدينهم, وأن ما لحق بهم من ذل ودمار كان نتيجة طبيعية لتركهم دينهم وحب الدنيا والانغماس في الشهوات.
ولا نقول إن الخلافة العثمانية كانت تمثل الإسلام بشكل صحيح, أو كانت تخلو من الأخطاء, بل نقول إن لها سلبيات وإيجابيات، شأنها شأن الخلافة منذ عهد الأمويين, وحتى العهد العثماني. فهكذا كل عصر له إيجابياته وسلبياته التي يجب أن نبرزها لكي نستفيد بالإيجابيات, ونتعلم من الأخطاء فلا نكررها. ولنبدأ في تناول هذه الصفحة اللامعة من تاريخ المسلمين.
نبذة عن الترك:
صورة لوسط آسيا وبالذات منطقة تركستان الشرقية النصرانية, بدافع من حقدهم الصليبي الشديد على الإسلام، وللأسف الشديد تبعهم الكثير من مؤرخي المسلمين بسبب التقليد الأعمى لأوربا, باعتبارها رمزًا للحضارة العصرية, وتقدمها في مختلف علوم المعرفة "والله لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه وراءهم".
قد يتبادر إلى الذهن لأول وهلة أن جمهورية تركيا الحالية (آسيا الصغرى سابقًا) هي الموطن الأصلي للأتراك والتي ترجع إليها أصولهم، ولكن هذه المعلومة خاطئة تمامًا, فالأتراك موطنهم الأصلي هو بلاد تركستان الموجودة بأواسط آسيا, والتي تمثل أراضيها الآن جمهوريات قازاقستان وتركمانستان وطاجكستان وقيرغيزستان وأوزبكستان, والتي استقلت مؤخرًا عن الاتحاد السوفيتى السابق، بالإضافة إلى جزء تحتله الصين حتى الآن يعرف بتركستان الشرقية, والذي تطلق عليه الصين إقليم سينكيانغ, أي الولاية الجديدة، ويوجد جزء آخر من بلاد تركستان في كل من إيران وأفغانستان, والذي كان يعرف سابقا بخراسان, حيث تقتسمه كل من إيرانأفغانستان وجمهورية تركمانستان السابق ذكرها.
والسؤال الآن كيف انتقلت بعض قبائل الترك إلى آسيا الصغرى (الأناضول)؟
يرجع الترك إلى الجنس المغولي (ذوى البشرة الصفراء) (أو أبناء يافث بن نوح) الذي يضم معظم قارة آسيا، مثل الصينيين واليابانيين والمغول والتتر والملايو وغيرهم.
وكان الترك معروفين ببأسهم الشديد, وقدرتهم الحربية الفائقة نظرًا لقسوة البيئة التي يعيشونها, حيث المرتفعات والأودية الجافة والصحارى ويشاركهم في ذلك أبناء جلدتهم المغول والتتر, وكانوا قبل الفتح الإسلامي يعبدون الأوثان والكواكب.
وفى عصر الدولة الأموية فتح المسلمون هذه البلاد, ودخل أهلها في دين الله أفواجًا وتوارد على فتحها قادة مسلمون ذوو حماسة شديدة للإسلام, أشهرهم قتيبه بن مسلم الباهلي وآل المهلب الذين ولاّهم الحجاج بن يوسف الثقفي، وأعز الله الإسلام بالترك.
نعود إلى السؤال الذي طرحناه منذ قليل, وهو: كيف وصلت بعض قبائل الترك إلى آسيا الصغرى؟
الإجابة أنه في عهد الدولة العباسية زاد نفوذ الترك, فقد عمل العباسيون على توطين أقسام من جيش خراسان في الأجزاء الأناضولية التابعة لهم والمتاخمة للإمبراطورية البيزنطية, وكانت الحدود بينها وبين الخلافة العباسية يطلق عليها الثغور, والتي كانت مسرحًا للقتال بين الطرفين, وكان الخليفة المهدى يستقدم الأتراك من فرغانة (في جمهورية قيرغيزستان الآن) وبلخ (في خراسان), ويسكنهم الثغور مثل طرطوس وأضنة ومرعش وخرشنه وغيرها, وكلها في المناطق الجبلية الفاصلة بين المسلمين والروم, وزاد عدد الترك في هذه المناطق في عهد المأمون والمعتصم.
وفي عهد المتوكل أصبح الأتراك هم عماد الجيش في الدولة, وأصبحت الثغور الأناضولية تحت إمرتهم, وكانوا يخضعون للخليفة العباسي تارة, أو للحمدانيين في حلب تارة, أو للطولونيين في مصر تارة أخرى, ورغم هذا الانقسام فإن القتال لم ينقطع بين المسلمين والروم، وكانت الحروب سجالاً بين الطرفين.
وفى مراحل ضعف الدولة العباسية ظهرت دولة السلاجقة, وهم من الأتراك, وكانوا على صراع دائم مع الروم, ومن أبرزهم ألب أرسلان الذي انتصر على الروم انتصارًا حاسمًا في معركة ملاذكرد عام 463هـ.
وانساح السلاجقة بعد تلك المعركة في الأناضول, وأسسوا إمارات كثيرة واستطاع السلاجقة المنتشرون في الأناضول أن يقدموا للمسلمين آثارًا إيجابية كثيرة منها: استرداد بعض الأجزاء من الروم التي سبق أن أخذوها من المسلمين, وفتح كثير من أراضي الأناضول, وزاد التوسع والانتشار كثيرًا في أيام ملكشاه بن ألب أرسلان, وبقيت بعض الإمارات الصليبية في الأناضول تم فتحها بالكامل في عهد العثمانيين.
وعندما جاء الهجوم المغولي على بلاد المسلمين خاف بعض الحكام وتحالفوا -للأسف الشديد- مع المغول الكفرة ضد أبناء عقيدتهم المسلمين.
ووقعت بلاد السلاجقة بيد المغول, واستسلم أمراؤها لهم وصاروا معهم حربًا على المسلمين ثم هزم المغول في عين جالوت سنة 658هـ وخرجوا بعدها من بلاد الشام, فسار الظاهر بيبرس عام 675هـ إلى بلاد السلاجقة لينتقم منهم, والتقى بهم وبحلفائهم المغول والكرج في معركة البستان, وانتصر عليهم, ثم سار ففتح عاصمتهم قيصرية, ومع ضعف المغول زالت دولة سلاجقة الروم, وقامت عدة إمارات في الأناضول, منها أبناء أيدين, وأبناء تركة, وأبناء أرتنا, وأبناء كرميان, وأبناء حميد, وأبناء أشرف قره عيسى, وأبناء صاروخان, وأبناء منتشا, وأبناء جانبدار (أسفنديار), وأبناء بروانة, وأبناء صاحب أتا, وأبناء قزمان, وأبناء رمضان, وأبناء ذي القادر.
وكادت الأناضول أن تصاب بمثل ما أصيب به المسلمون في بلاد الأندلس وبلاد التتار, نتيجة لتفرق المسلمين ومحاربتهم لبعضهم البعض, والاستعانة بأعداء الإسلام على المسلمين, رغم ما حذرنا منه الله ـ عز وجل ـ من آثار التفرق في كتابه الكريم: {وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: 105].
ولكن الله ـ عز وجل ـ قيض للأناضول العثمانيين الذين استطاعوا توحيد إماراتها, ونجت -بإذن الله- من ويلات التفرق كما سنعلم في الصفحات التالية.
نشأة الدولة العثمانية:
صورة لمنطقة آسيا الصغرى (تركيا الحالية)
مع زيادة الضغط المغولي القادم من الشرق على الأمصار الإسلامية لجأت الكثير من القبائل إلى الهجرة إلى الغرب هربًا من بربرية المغول, وهجومهم الوحشي, ومن ضمن هذه القبائل قبيلة قاتي التركمانية برئاسة سليمان شاه بن قيا ألب, وكان موطنها بالقرب من مرو قاعدة بلاد التركمان فاتجهت القبيلة إلى الغرب, حتى وصلت إلى خلاط شمال بحيرة وان, وهدأ الزحف المغولي فرغب سليمان في الرجوع إلى موطنه الأصلي, وفي طريق عودته وأثناء عبوره لنهر الفرات غرق فيه, واختلف أبناؤه الأربعة في الوجهة التي يتجهون إليها, فحقق الأخوان سنغور تكن وكون طوغور رغبة والدهما في العودة إلى موطن أبيهم.
وأما الآخران أرطغرل ودندان فقد اتجها إلى الشمال, وتولى أرطغرل زعامة أفراد القبيلة الذين بقوا في الأناضول, وبعث أرطغرل ابنه ساوجي ليطلب من الأمير علاء الدين السلجوقي, أمير إمارة القرمان التي مركزها مدينة قونية أن يعطيه أرضًا تعيش فيها القبيلة, ولكنه توفي في الطريق، وفي هذه الأثناء لاحظ أرطغرل جيشين يقتتلان؛ أحدهما مسلم -وكانت عليه علامات الهزيمة والضعف- وجيش بيزنطي نصراني يكاد ينتصر, فأسرع بعاطفته الإسلامية ليساعد الجيش المسلم, واستطاع -بفضل الله- أن يحوِّل الهزيمة إلى نصر, وكان الجيش المسلم تحت إمرة الأمير علاء الدين والذي سعد بأرطغرل وأقطعه أرضًا على حدود بلاد الروم (الدولة البيزنطية)؛ ليصد غاراتهم ويغير عليهم, وكان في كل انتصار يحققه عليهم يقطعه الأراضي التي فتحها.
وكان لأرطغرل ابن اسمه عثمان كان يتردد على رجل صالح يتحدث معه, وفي إحدى الزيارات رأى عثمان ابنة الرجل الصالح فأسرّته, فطلب نكاحها من أبيها فرفض أبوها, فحزن عثمان لذلك حزنًا شديدًا، وفي يوم من الأيام إذ هو في سبات عميق إذا بحلم عجيب يراه في منامه ما إن استيقظ منه حتى ذهب إلى الرجل الصالح فقص عليه الحلم, فوافق الرجل على زواجه من ابنته, وكان الحلم أنه رأى القمر صعد من صدر هذا الرجل الصالح وصار بدرًا ثم نزل في صدر عثمان ثم خرجت من صلب عثمان شجرة نمت في الحال حتى غطت الأجواء بظلها عبر جبال القوقاز والبلقان وطوروس وأطلس, وخرج من جزعها أنهار دجله والفرات والنيل والطونه (في البلقان) ورأى ورق هذه الشجرة كالسيوف, تحولها الريح نحو مدينة القسطنطينية, فعند سماع الرجل الصالح هذا الحلم تفاءل وزوجه ابنته.
وبشره بأن أسرة عثمان ستحكم العالم.
والسؤال الآن كيف انتقلت بعض قبائل الترك إلى آسيا الصغرى (الأناضول)؟
يرجع الترك إلى الجنس المغولي (ذوى البشرة الصفراء) (أو أبناء يافث بن نوح) الذي يضم معظم قارة آسيا، مثل الصينيين واليابانيين والمغول والتتر والملايو وغيرهم.
وكان الترك معروفين ببأسهم الشديد, وقدرتهم الحربية الفائقة نظرًا لقسوة البيئة التي يعيشونها, حيث المرتفعات والأودية الجافة والصحارى ويشاركهم في ذلك أبناء جلدتهم المغول والتتر, وكانوا قبل الفتح الإسلامي يعبدون الأوثان والكواكب.
وفى عصر الدولة الأموية فتح المسلمون هذه البلاد, ودخل أهلها في دين الله أفواجًا وتوارد على فتحها قادة مسلمون ذوو حماسة شديدة للإسلام, أشهرهم قتيبه بن مسلم الباهلي وآل المهلب الذين ولاّهم الحجاج بن يوسف الثقفي، وأعز الله الإسلام بالترك.
نعود إلى السؤال الذي طرحناه منذ قليل, وهو: كيف وصلت بعض قبائل الترك إلى آسيا الصغرى؟
الإجابة أنه في عهد الدولة العباسية زاد نفوذ الترك, فقد عمل العباسيون على توطين أقسام من جيش خراسان في الأجزاء الأناضولية التابعة لهم والمتاخمة للإمبراطورية البيزنطية, وكانت الحدود بينها وبين الخلافة العباسية يطلق عليها الثغور, والتي كانت مسرحًا للقتال بين الطرفين, وكان الخليفة المهدى يستقدم الأتراك من فرغانة (في جمهورية قيرغيزستان الآن) وبلخ (في خراسان), ويسكنهم الثغور مثل طرطوس وأضنة ومرعش وخرشنه وغيرها, وكلها في المناطق الجبلية الفاصلة بين المسلمين والروم, وزاد عدد الترك في هذه المناطق في عهد المأمون والمعتصم.
وفي عهد المتوكل أصبح الأتراك هم عماد الجيش في الدولة, وأصبحت الثغور الأناضولية تحت إمرتهم, وكانوا يخضعون للخليفة العباسي تارة, أو للحمدانيين في حلب تارة, أو للطولونيين في مصر تارة أخرى, ورغم هذا الانقسام فإن القتال لم ينقطع بين المسلمين والروم، وكانت الحروب سجالاً بين الطرفين.
وفى مراحل ضعف الدولة العباسية ظهرت دولة السلاجقة, وهم من الأتراك, وكانوا على صراع دائم مع الروم, ومن أبرزهم ألب أرسلان الذي انتصر على الروم انتصارًا حاسمًا في معركة ملاذكرد عام 463هـ.
وانساح السلاجقة بعد تلك المعركة في الأناضول, وأسسوا إمارات كثيرة واستطاع السلاجقة المنتشرون في الأناضول أن يقدموا للمسلمين آثارًا إيجابية كثيرة منها: استرداد بعض الأجزاء من الروم التي سبق أن أخذوها من المسلمين, وفتح كثير من أراضي الأناضول, وزاد التوسع والانتشار كثيرًا في أيام ملكشاه بن ألب أرسلان, وبقيت بعض الإمارات الصليبية في الأناضول تم فتحها بالكامل في عهد العثمانيين.
وعندما جاء الهجوم المغولي على بلاد المسلمين خاف بعض الحكام وتحالفوا -للأسف الشديد- مع المغول الكفرة ضد أبناء عقيدتهم المسلمين.
ووقعت بلاد السلاجقة بيد المغول, واستسلم أمراؤها لهم وصاروا معهم حربًا على المسلمين ثم هزم المغول في عين جالوت سنة 658هـ وخرجوا بعدها من بلاد الشام, فسار الظاهر بيبرس عام 675هـ إلى بلاد السلاجقة لينتقم منهم, والتقى بهم وبحلفائهم المغول والكرج في معركة البستان, وانتصر عليهم, ثم سار ففتح عاصمتهم قيصرية, ومع ضعف المغول زالت دولة سلاجقة الروم, وقامت عدة إمارات في الأناضول, منها أبناء أيدين, وأبناء تركة, وأبناء أرتنا, وأبناء كرميان, وأبناء حميد, وأبناء أشرف قره عيسى, وأبناء صاروخان, وأبناء منتشا, وأبناء جانبدار (أسفنديار), وأبناء بروانة, وأبناء صاحب أتا, وأبناء قزمان, وأبناء رمضان, وأبناء ذي القادر.
وكادت الأناضول أن تصاب بمثل ما أصيب به المسلمون في بلاد الأندلس وبلاد التتار, نتيجة لتفرق المسلمين ومحاربتهم لبعضهم البعض, والاستعانة بأعداء الإسلام على المسلمين, رغم ما حذرنا منه الله ـ عز وجل ـ من آثار التفرق في كتابه الكريم: {وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: 105].
ولكن الله ـ عز وجل ـ قيض للأناضول العثمانيين الذين استطاعوا توحيد إماراتها, ونجت -بإذن الله- من ويلات التفرق كما سنعلم في الصفحات التالية.
نشأة الدولة العثمانية:
صورة لمنطقة آسيا الصغرى (تركيا الحالية)
مع زيادة الضغط المغولي القادم من الشرق على الأمصار الإسلامية لجأت الكثير من القبائل إلى الهجرة إلى الغرب هربًا من بربرية المغول, وهجومهم الوحشي, ومن ضمن هذه القبائل قبيلة قاتي التركمانية برئاسة سليمان شاه بن قيا ألب, وكان موطنها بالقرب من مرو قاعدة بلاد التركمان فاتجهت القبيلة إلى الغرب, حتى وصلت إلى خلاط شمال بحيرة وان, وهدأ الزحف المغولي فرغب سليمان في الرجوع إلى موطنه الأصلي, وفي طريق عودته وأثناء عبوره لنهر الفرات غرق فيه, واختلف أبناؤه الأربعة في الوجهة التي يتجهون إليها, فحقق الأخوان سنغور تكن وكون طوغور رغبة والدهما في العودة إلى موطن أبيهم.
وأما الآخران أرطغرل ودندان فقد اتجها إلى الشمال, وتولى أرطغرل زعامة أفراد القبيلة الذين بقوا في الأناضول, وبعث أرطغرل ابنه ساوجي ليطلب من الأمير علاء الدين السلجوقي, أمير إمارة القرمان التي مركزها مدينة قونية أن يعطيه أرضًا تعيش فيها القبيلة, ولكنه توفي في الطريق، وفي هذه الأثناء لاحظ أرطغرل جيشين يقتتلان؛ أحدهما مسلم -وكانت عليه علامات الهزيمة والضعف- وجيش بيزنطي نصراني يكاد ينتصر, فأسرع بعاطفته الإسلامية ليساعد الجيش المسلم, واستطاع -بفضل الله- أن يحوِّل الهزيمة إلى نصر, وكان الجيش المسلم تحت إمرة الأمير علاء الدين والذي سعد بأرطغرل وأقطعه أرضًا على حدود بلاد الروم (الدولة البيزنطية)؛ ليصد غاراتهم ويغير عليهم, وكان في كل انتصار يحققه عليهم يقطعه الأراضي التي فتحها.
وكان لأرطغرل ابن اسمه عثمان كان يتردد على رجل صالح يتحدث معه, وفي إحدى الزيارات رأى عثمان ابنة الرجل الصالح فأسرّته, فطلب نكاحها من أبيها فرفض أبوها, فحزن عثمان لذلك حزنًا شديدًا، وفي يوم من الأيام إذ هو في سبات عميق إذا بحلم عجيب يراه في منامه ما إن استيقظ منه حتى ذهب إلى الرجل الصالح فقص عليه الحلم, فوافق الرجل على زواجه من ابنته, وكان الحلم أنه رأى القمر صعد من صدر هذا الرجل الصالح وصار بدرًا ثم نزل في صدر عثمان ثم خرجت من صلب عثمان شجرة نمت في الحال حتى غطت الأجواء بظلها عبر جبال القوقاز والبلقان وطوروس وأطلس, وخرج من جزعها أنهار دجله والفرات والنيل والطونه (في البلقان) ورأى ورق هذه الشجرة كالسيوف, تحولها الريح نحو مدينة القسطنطينية, فعند سماع الرجل الصالح هذا الحلم تفاءل وزوجه ابنته.
وبشره بأن أسرة عثمان ستحكم العالم.
غزة.. إدارة الصراع وفقه المقاومة
كتبت تحت قسم
تحليلات هامة
,
غزة بين النار والحصار
|
|
درعمى
د. علي الصلابي
قال تبارك وتعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلاَ دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كثيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج: 39، 40].
إن ما يحدث اليوم من تدمير وسفك للدماء، وتعدي على أدنى حقوق الإنسان في غزة الحبيبة؛ وصمة عار على بني الإنسان والمتشدقين بقيم العالم الحر من أصحاب القرار وممن لم يحركوا ساكنًا، بل عملوا على أن تستمر الإبادة الجماعية على مرأى من العالم لتزيدنا همًّا وغمًّا وحزنًا وكمدًا على ما نحن فيه من هموم وغموم.
إن طبيعة الشدائد والمصائب تفجر الطاقات الكامنة في هذه الأمة المستضعفة والشعوب المغلوبة على أمرها، ويزداد وعيها بأنها ما زالت سليبة الإرادة قرارها بيد أعدائها، لا نريد اليوم بهذه الوقفة أن نسب ونشجب وندين ونلعن، فقد كفانا هذا الأمر غيرنا، ولكننا نحاول نلتمس سنن الله وقوانينه في تحقيق النصر على الأعداء، وأن ندل الناس على حقائق قد تغيب في زحمة الأحداث، وهيمنة الإعلام المهيج للعواطف والمدمر للنفوس الحرة الأبية.
أيها الأخوة الكرام، إن قضية فلسطين هي قضية المسلمين والأحرار في العالم أجمع، ممن جبلوا على مقارعة الظلم والغصب، والاستعمار وأعوانه وخدمه، وليس الأمر كما يظن الكثيرون على أنه نزاع وصراع بين دولة الصهاينة الغاصبة ومنظمة حماس المجاهدة؛ بل الصراع هنا بين المشاريع المتضادة في العقائد والأخلاق والقيم والنظرة للحياة والكون والوجود، وسيستمر تفوق الأعداء علينا، والتحكم في مقدراتنا وسلب إرادتنا وإمكاناتنا ما لم نضع أيدينا على فقه إدارة الصراع، وعناصر القوة، وأسباب النصر وعوامل التمكين وهزيمة المحتل.
إن عدالة قضيتنا ووضوح حقنا الذي ندافع عنه، أوضح من الشمس في رابعة النهار، وأمتنا مستعدة للموت والتضحية وبذل الغالي والرخيص من أجل تحرير مقدساتنا وفك سجنائنا، ولكننا نفتقد للمشروع التحرري الحقيقي، ووضعنا آمالنا في من ينتمي لهذه الأمة باسمه ووسمه، أما مشاعره وأهدافه ونظرته، تكاد أن تكون جزءًا لا يتجزأ من رؤية خصومنا ومكرهم.
الطريق الصحيح لتحرير فلسطين :
إن الطريق لتحرير فلسطين ورفع المعاناة عن شعبها، والخروج من المجازر الوحشية التي تقام للفلسطينيين بين كل حين وآخر، يحتاج منا للأخذ بالأسباب الآتية، والتمكن منها ولو طال الزمن:
1- البحث عن القيادة الحكيمة:
المستوعبة لثقافة عصرها، والمستمسكة بمعاقد دينها، والمتصفة وجوبًا بالصفات والأخلاق الحميدة التي لا بد منها، كالعلم والشجاعة والحزم وبعد النظر، والقدرة على التخطيط، والإدارة والتنظيم وتفجير الطاقات، وتوجيهها ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب، والمطلعة على حقيقة أعدائها وحقيقة قوتهم وعوامل ضعفهم، وأن تتميز بإيمانها بالله الذي لا يرقى إليه ريب ولا شك، وأن تكون لها تجربتها وحنكتها وخبرتها مستقيمةً على مقتضى الفطرة السليمة التي جبلوا عليها، بعيدة عن الخنا والفجور والرذيلة والزنا.
وأن تترفع عن أكل أموال الناس بالباطل، وأن تملك الرؤية الجلية الواضحة، وتتصف بنقاء الهوية، وكثرة التضرع إلى الله ، وأن تكون أشد حرصًا على الشهادة في سبيله، ويتفق الناس على أهليتهم للاقتداء بهم والتأسي بأخلاقهم ومواقفهم.. لا يوالون أعداء الأمة، مستوعبين لفقه المصالح والمفاسد، ومتمكنين من أصول وموازين السياسة الشرعية، يوسدون الأمر إلى أهله، ولا يعملون على تصفية الطاقات وأصحاب الإمكانات، بل يحرصون عليهم وينزلونهم منازلهم.
2- قوانين الجغرافية العسكرية:
هناك قوانين جغرافية خضعت لها هذه الأمة في تحرير بيت المقدس، ولا يمكن للشعب الفلسطيني وحده التصدى للمشروع الصهيوني المدعوم من أمريكا وأوربا، وإنما يكون ذلك من خلال توحيد العراق مع بلاد الشام، وألا تسقط الكنانة مصر من الحساب؛ فالوحدة السياسية والفكرية والعقائدية والعسكرية والثقافية بين محور مصر والشام والعراق والأمة من خلفهم قاعدة أساسية وهدف استراتيجي لتحرير فلسطين، ولتحقيق هذا المقصد نحتاج لجهد عظيم من العلماء والمفكرين والساسة، والأدباء والشعراء ورجال الأموال المخلصين لأمتهم.
إن القائد صلاح الدين الأيوبي لم يستطع تحرير بيت المقدس؛ إلا بعد أن فهم واستوعب واستفاد من القوانين العسكرية للأرض، وقد سبق بالعمل على هذا المنوال، والاستفادة منه وتسخيره عقودًا من الزمن، امتدت من عهد نظام الملك الوزير الكبير في دولة السلاجقة، وأتت تلك الجهود ثمارها بعد ما يقارب من مائة سنة.
3- إعداد الجيش القوي المجاهد:
وخصوصًا في مصر، والشام وتركيا والعراق، وأن يكون هذا الجيش قد امتلك ناصية أفضل الأسلحة المتطورة في عصرنا؛ الكيميائي منها والنووي، لنتمكن من إرساء قاعدة الردع، وأن نتحرك وفق قوانين المغالبة المكافئة لما عند خصومنا وتجعلنا نتبوأ المكانة المرموقة اللائقة بين الأمم.. وأن يحسب العدو ألف حساب وحساب قبل التفكير بمجرد الاعتداء علينا، ولا غرابة في كل ذلك؛ فالإسلام دين يدعو إلى العزة والرفعة، ولا يرضى لأتباعه هذا الذل وهذا الصغار والهوان.
لقد حثنا ديننا على التسلح بما نستطيعه لنتمكن من مواجهة الضغوطات، وأن نستوعب المتغيرات المحيطة بنا؛ حتى يستطيع المسلمون حماية وتحرير أوطانهم من مخاطر الغزو الخارجي واختراقات الصف الداخلي، الأمر الذي ينطبق على المشهد الدامي اليوم مع الغزاة الغاصبون من اليهود والمحتلين من الصليبيين والأمريكان، وقد جاء هذا الأمر صريحًا في قوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ} [الأنفال: 60].
لقد جاء الأمر هنا بالتسلح عامًّا، ولم تحدد الآية الكريمة نوعية السلاح، ومن المنطقي أن السلاح التقليدي في العصر الحديث لم يعد مصدر رهبة وخوف للأعداء مقارنة مع غيره من الأسلحة غير التقليدية، ولذلك فإن تملك وحيازة أسلحة الدمار الشامل وخصوصًا في ظل النظام العالمي المتسم بمنطق القوة والبطش والجبروت؛ أمر لا مناص منه إذا ما أريد لأمة التوحيد والإسلام أن يكون لها شأن بين الأمم، وهذا المطلب الشرعي ليرتقي إلى مستوى الفرض الكفائي، الذي إن قام به البعض بما يؤدي الغرض سقط وجوب التكليف به عن الباقين.
إن تملك المسلمين لأسلحة الدمار الشامل؛ يؤسس لوجود ما يمكن تسميته بتوازن الردع، وهو الوضع الأمثل الذي يمكن الخصوم والأنداد من التعامل بأكثر معقولية وأكثر جدية فيما بينهم.
إننا اليوم نرى الطيران الإسرائيلي يستبيح غزة، ويقذفها بالحمم والقنابل فتدمر البيوت والمساجد على أهلها، وتقتل الشيوخ والنساء والأطفال، والجرحى بالآلاف.. وأمة المليار لا تستطيع أن تصنع أو تمتلك صاروخًا لإيقاف هذه الغارات الظالمة الآثمة.. وقد سبق أن رأينا ماذا صنع الطيران الأمريكي ببغداد وكابل.
إن شعوبًا إسلامية تدمر وتعاني وتباد من هذا الإجرام الدولي، ولا ناصر ولا معين إلا الله سبحانه، ثم سعينا الدءوب للحصول على صواريخ تسقط هذه الطائرات الفاجرة الظالمة التي لا ترقب في مؤمن إلاًّ ولا ذمة.
فعلى العلماء والمفكرين والمثقفين تقع المسؤولية بأن يضيفوا لخطاب الممانعة والمقاومة، تقرير حقنا في الحصول عل الأسلحة الرادعة، وحث أصحاب القدرات والإمكانات من مهندسين ومخترعين لإيجاد هذه التقنية المهمة في صراعنا.
لقد بحت أصوات الشجب والتنديد والإستنكار، وستستمر الأحوال ما دامت هممنا وعقولنا وأفكارنا عاجزة عن إدارة الصراع المكافئ مع المشاريع الغازية الغاصبة.
إن امتلاكنا لأسلحة الردع بكافة أشكالها وأنواعها يحقق لنا وضعًا إستراتيجيًّا وعسكريًّا مميزًا، ومكانة سياسية يهابها الخصوم والأعداء المتربصون الطامعون.. وقد آن الأوان لأن يستمسك الناس بمعاقد عزهم ورشدهم.
فعلى الشعوب المسلمة أن تضغط على دولها في اتجاه الانسحاب من المعاهدات الدولية التي تحظر علينا حيازة تلك الأسلحة، امتثالاً لقوله تبارك وتعالى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلاَ تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} [النحل: 91].
إن التزام دول المسلمين بمعاهدة عدم إنتشار الأسلحة النووية، لا يلزم منه أن يكون قيدًا أبديًّا على حرية المسلمين في التحلل من التزامهم بهذا الشأن[1].. فما دام الحصول على الأسلحة الرادعة وتملكها واجب شرعي، فالواجب على الشعوب المسلمة إلزام قيادتها الصالحة بتحقيق هذا الوجوب.
4- إحياء روح الجهاد في الأمة:
على زعماء الأمة وشعوبها أن تهتم بالتعبئة المعنوية في دولنا وتجعل الإسلام عقيدة وهوية ومرجعية لدولنا وجيوشنا، وتهتم بفقه الجهاد والحث عليه والترغيب فيه وشحن النفوس بمقارعة ومقاومة العدو الصائل، وصون الديار وحرمتها.. والعقيدة القتالية هي زاد وعدة كل جيش مقاتل جاد، فلا ينتصر جيش بدون معنويات، ولهذا فعلى الزعماء والعلماء والمفكرين أن يسعوا إلى زيادة هذه القوة ورفعها، وأن يكون الخطاب الإيماني العقائدي مقدم على غيره في هذه المصادمات مع المشاريع الغازية؛ ففي معركة عين جالوت نادى سيف الدين قطز بأعلى صوته "واإسلاماه"، فاجتمع له شتات الجيش بفئاته المختلفة؛ ذلك أن هذا النداء العقائدي أجَّج في نفوس القادة والجنود كل إمكانيات المقاتل المؤمن، وجعله يقدم نفسه طائعًا ملبيًا مضحيًا فدائيًّا باسلاً..، وعلى هذا النداء قاتل الجيش المملوكي قتال رجل واحد، فانتصروا على أكبر قوة في تلك الحقبة[2].
5- الاستفادة من تجارب التاريخ:
وخصوصًا من دروس المعارك الفاصلة في تاريخ الأمة، كالانتصار الكبير الذي حققه المسلمون في عين جالوت وما أعقبه من طرد المغول نهائيًّا في بلاد الشام ومصر، بعد أن اجتاح المشروع المغولي ديار المسلمين من بلاد ما وراء النهر.. وقد تمّ كسر المشروع المغولي على يد القائد المظفر سيف الدين قطز في عين جالوت عام 656هـ.
إن انتصار المسلمين في عين جالوت مدرسة عظيمة لفقه سنن المغالبة، والوقوف على قوانين إدارة الصراع؛ فقد عرفت قيادة المسلمين كيفية التعامل مع سنة الأخذ بالأسباب وإعداد العدة المستطاعة عملاً بقول الله المجيد: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: 60]. لقد فهم قادة المعركة يومها أن أمر التمكين لهذا الدين والذود عن حياضه، يحتاج إلى حشد جميع أنواع القوى على اختلافها وتنوعها، وقد التزموا بتوجيهات هذه الآية العملية من خلال التدريب والتعليم والتخطيط والتنظيم.
لقد اهتم قادة المسلمين في مصر بتأهيل الفارس لكي يدخل الحرب وهو على أتم الإستعداد لها، وكان أغلب الملوك والسلاطين والأمراء من الفرسان المعدودين ومن الأبطال الشجعان، ولقد تمكنوا من استخدام جميع أنواع الأسلحة في عصرهم[3]، ولي كتاب في هذا الباب يعد للطباعة.
6- عبقرية التخطيط:
إن المعارك الفاصلة في تاريخ الأمم والشعوب؛ تحتاج إلى قادة من طراز خاص لهم القدرة على التخطيط والتنفيذ ومعرفة قوانين الحروب والمبادئ المهمة التي تلعب دورها في بلوغ النصر وتحقيقه.. فوضوح الرؤية والأهداف الاستراتيجية، وتجميع وحشد الجيوش على الاتجاهات الصحيحة لحسم المعركة، والضغط على الأعداء نفسيًّا ومعنويًّا وعسكريًّا واقتصاديًّا وسياسيًّا وإعلاميًّا، وتحقيق الضربات المفاجئة للخصوم، والسرعة الفائقة في الأعمال القتالية، والقدرة على جمع المعلومات من خلال مؤسسة إستخباراتية أمنية قوية تخترق صفوف الخصوم والأعداء، وتحمي السياج الداخلي للشعوب والدول؛ بحيث تشل وتعرقل حركة الطابور الخامس.
7- بعد النظر السياسي:
إن الحرص على وحدة الصف الداخلي، وفتح مجالس الشورى في المجالات المتعددة لأهل الاختصاص، وتقديم رؤية مشتركة في كيفية المقاومة، وجمع الكلمة على منازلة العدو والتصدي للغزاة وتحرير البلدان المحتلة، ومعالجة مشاكل الشعوب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والحرص على الانسجام بين القيادة وشعوبها، والعمل على تحقيق هذه الأهداف من خلال القيادة الرشيدة المؤمنة، والدعم الشعبي الغير محدود، واستيعاب الطاقات من خلال المؤسسات الأهلية والشعبية والحكومية، والعمل على تحييد واستيعاب بعض الخصوم، وإيجاد التحالفات الدولية والإقليمية، واجتناب فتح أكثر من جبهة قتال في آن واحد، واستيعاب فقه المصالح والموازنات، ودفع المفاسد والترجيحات، وفك الاشتباك بين السياسة الشرعية والمسائل العقائدية، وجعل جميع الخيارات مفتوحة كالخيار العسكري أو السياسي أو الاقتصادي.
8- تفعيل دور العلماء والصالحين:
إن تاريخ أمتنا يسلط الضوء على حقيقة مهمة أصيلة راكزة؛ تتمثل في التنبيه على أهمية دور العلماء في إحياء حركات المقاومة، وتنشيط الجهود لنهوض وبناء الشعوب والدول.
لقد كان لفقهاء النهوض في الأمة -وهم غير الفقهاء التقليديين- دورًا خاصًّا يتميز بخوضهم وتعرضهم لمسائل الشأن العام، وتحملهم لمسئوليات البيان والتوجيه، والتعبئة والتحريض، وتقديم نماذج البذل والتضحية والعطاء والفداء.
لقد كان الشيخ الإمام عز الدين بن عبد السلام، أنموذجًا رائعًا لهذا الصنف من فقهاء النهوض، وقد كان قريبًا محبًّا لسيف الدين قطز بطل عين جالوت وقائدها المظفر.. لقد تأثر قطز بتوجيهات الإمام العز والتزم أمره، واستفاد من عزيمته في الحق وقوته في الدين واستعلائه بالإيمان؛ فأخذ بفتواه الشهيرة المتعلقة بمصادر التمويل اللازم لإعداد ما يلزم للحرب والمواجهة، فعقد سيف الدين قطز مجلسًا للمشورة في قلعة الجبل وحضر قاضي القضاة بدر الدين حسن السنجاري والشيخ عز الدين بن عبد السلام، وكانت المسألة حول أخذ أموال العامة ونفقتها في العساكر، فقال الإمام العز: "إذا لم يبق في بيت المال شيء، وأنفقتم الحوائص الذهبية ونحوها من الزينة، وساويتم العامة في الملابس سوى آلات الحرب، ولم يبق للجندي إلا فرسه التي يركبها، ساغ أخذ شيء من أموال الناس في دفع الأعداء؛ إلا أنه إذا دهم العدو، وجب على الناس كافة دفعه بأموالهم وأنفسهم"[4].
ويفهم مما تقدم أن المسلمين لم يكونوا يوافقون على فعل شيء أو دفع ضريبة إلا إذا أقرها علماء الإسلام وأصدروا الفتاوى بجوازها، وهذا يعني الخضوع لمرجعية الشريعة، ومن جهة أخرى فإن السلطان ملتزم بما صدر عن إفتاء العلماء، بل راح الأمراء ورجال الدولة يقدمون ما يملكون وأحضروا ما في بيوتهم من حُلي نسائهم وأموالهم، وأقسموا أنهم لم يتركوا شيئًا وذلك طواعية دون إرغام أو تهديد، وإنما استجابة لحكم الشريعة. ولما كانت هذه الأموال لا تقوم بالمطالب، استعان السلطان قطز بالرعية بعد أن تساووا جميعًا، وفرض إجراءات من أجل توفير المال اللازم للحرب، ومن ثَمَّ كانت الأموال التي أنفقها المسلمون في حرب التتار في موقعة عين جالوت أموالاً طيبة ساهمت في تحقيق الانتصار[5]، فكان السلطان سيف الدين قطز يقدر العلماء ويستعين بهم ويطلب مشورتهم في النوازل، وكان العلماء يقومون بدورهم الكبير في توعية الشعب، بالأخطار المحيطة به ويحرضونهم على طلب الشهادة والاستجابة لنداء الجهاد.
وهكذا تتهيأ أسباب النصر عندما يحدث التكامل والانسجام بين الحكام والعلماء، فتقوى جبهة المقاومة، وتنهض حركة التحرير، وتتحقق آمال الأمة بدفع العدو الصائل..
فالعلماء يقومون بحقوق الإمامة من البيان والدعوة والتعليم والهداية والإرشاد والمصابرة، والحكام والأمراء امتثالاً وطاعةً وتنفيذًا وحكمًا بالعدل، فيتم التعامل بين الراعي والرعية على قاعدة الشراكة في الطاعة لله والتلاحم في نصرة الشريعة، والذود عن الحياض، مع الاستعداد النفسي والانقياد القلبي الذي يشعر الناس بقيمة العدل والتكريم في حياتهم، الأمر الذي يسهم في سريان أنفاس الصلاح، وتعمق روح البذل والإخاء، ونبذ الفرقة والتنازع والمخالفة..
9- تشتيت جهود العدو الصائل:
عند اشتداد الصراع والقتال بين المسلمين وأعدائهم، كان قادة الأمة يحرصون على فتح أكثر من جبهة مع العدو، وكل ذلك يتضح بالأمثال؛ فبعد انكسار المغول في معركة عين جالوت، أراد هولاكو الانتقام من المسلمين في مصر فحشد الجيوش، إلا أن التنسيق بين الظاهر بيبرس وبركة خان ابن عم هولاكو -وكان قد هداه الله للإسلام- ساهم في خلط الأوراق، وإشغال هولاكو بجبهة جديدة فتحها ابن عمه عليه، ودخل في صراع دموي انتصر فيه بركة خان القائد المسلم المغولي على ابن عمه هولاكو الوثني، ولما حاصر الصليبيون القائد صلاح الدين في دمياط، أرسل نور الدين محمود بعوثًا كثيرة من الشام يتبع بعضها بعضًا، واغتنم غيبة الفرنجة عن بلاد الشام، فعمد إليهم في جيوش كثيرة، فجاس خلال ديارهم وغنم من أموالهم، وقتل من رجالهم، وعندما بلغ الفرنجة بدمياط ما فعله نور الدين اضطروا لترك دمياط[6].
فهل يفعل ذلك أمين عام حزب الله "حسن نصر الله"، الذي خاض حربًا مع الصهاينة في صيف 2006م، ويفتح جبهة لتخفيف الضغط عن أخوانه في غزة ولو بإطلاق بضعة صواريخ على حيفا وعكا، أم أن أحداث غزة ستثبت وتبين لنا أن التصريحات النارية ضد الصهاينة، والحضور اللافت في المشهد السياسي والإعلامي العربي والإسلامي؛ له أهداف وأغراض أخرى، وما هو إلا جزء من المشروع الإيراني الفارسي الذي سار في درب تقاسم غنائم العراق مع الأمريكان والصليبيين، وأن حزب الله في لبنان يتحرك بأجندة خارجية، ويستخدم كورقة ضغط من الأوراق التي تستخدمها إيران على الأمريكان للحصول على بعض المكاسب السياسية والاقتصادية في منطقة الخليج والعالم الإسلامي المنتهب؟!
أيها الأخوة الكرام، إن ما يحدث في غزة اليوم، هو جزء من المشروع الصهيو صليبي الكبير، الموجه بالأساس إلى أمة الرسالة الإسلامية الخاتمة.. فإن سأل سائل عما صنعه المسلمون عندما واجهوا وتصدوا لأخطار ومشكلات مماثلة، ومشاريع وموجات استئصالية عاتية؛ فإن هذه الخطوط العريضة في فقه المقاومة وإدارة الصراع والتعامل مع سنن وقوانين الله في الوجود؛ هي الإجابة والفتوى والدليل عن هدي السالفين في رد الغادرين.
قال سبحانه وبحمده: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} [البقرة: 251].
فيا أمة الإسلام الخالدة، لا تهني ولا تحزني.. وانهضي واعملي.. فالله معنا، فالبطولة سجية فينا، وحب التضحية والفداء يجري في عروقنا، لا تنال منه صروف الدهر، ولا تمحوه من نفوسنا أحداث الزمان.
لنا مكة والحرم لنا.. لنا المدينة بجبالها لنا..
لنا الشام وغوطتها التي سقيت بالدم.. لنا فيها الجبل الأشم..
لنا العراق وسهول فراتها.. لنا فلسطين بمقدسها وحرمها..
لنا مصر الكنانة لنا.. لنا ليبيا ببحرها ورمالها وجبالها لنا..
لنا المغرب كله بجباله وريفه لنا.. دار البطولات والتضحيات لنا..
لنا القسطنطينية ذات المآذن والقباب، لنا فارس والأفغان والهند وجاوة لنا..
لنا كل أرض يتلى فيها القرآن وتصدح مناراتها بالأذان.. لنا المستقبل، المستقبل لنا إن عدنا إلى ديننا[7].
{وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ * إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاَغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ} [الأنبياء: 105، 106].
[1] مشروعية أسلحة الدمار الشامل ص87.
[2] معركة عين جالوت ص193.
[3] المصدر نفسه ص250.
[4] الجهاد الإسلامي ضد الصليبيين ص120.
[5] المصدر نفسه ص121.
[6] الصلابي: صلاح الدين الأيوبي ص185.
[7] بتصرف من قصص من التاريخ للطنطاوي ص26.
تاريخ علوم المسلمين : أبو الوفاء البوزجاني
كتبت تحت قسم
قصص من روائع حضارتنا
|
الأربعاء، 29 سبتمبر 2010|
درعمى
موقع قصة الإسلام ـ مدونة ورود الحق
يمثِّل النصف الثاني من القرن الرابع الهجري والنصف الثاني من القرن العاشر الميلادي أبو الوفاء البوزجاني (ت 388هـ / 998م)، والذي يُعَدُّ أحد الأئمة المعدودين في الرياضيات والفلك، وله فيهما مؤلَّفات قيِّمة، من أشهرها: منازل في الحساب، وتفسير الجبر والمقابلة للخوارزمي؛ والمدخل إلى الأرثماطيقي، وكتاب استخراج الأوتار، وكتاب العمل بالجدول الستيني، وكتاب معرفة الدائرة من الفلك، والكامل، والزيج الشامل، وكتاب المجسطي.
وقد اعترف له كل من جاء بعده من رياضيي الشرق والغرب بأنه من أشهر الذين برعوا في الهندسة، وعندما ألّف في الجبر أضاف إضافات ذات شأن على بحوث الخوارزمي؛ فاعْتُبِرَت أساسًا لعَلاقة الهندسة بالجبر، ويعود الفضل للبوزجاني في وضع النسبة المثلثية (الظلّ)، وهو أوَّل مَن استعملها في حلول المسائل الرياضية، كما أوجد طريقة جديدة لحساب جداول الجَيْب، وكانت جداوله دقيقة للغاية، ووضع بعض المعادلات التي تتعلق بجيب الزاويَتَيْنِ، وكشف بعض العَلاقات بين الجيب والمماس والقاطع ونظائرها.
وقد اكتشف البوزجاني إحدى المعادلات لتقويم مواقع القمر سُمِّيت معادلة السرعة، ومن أهمِّ إسهاماته في علم الفلك اكتشافه للخلل في حركة القمر، وهو الاكتشاف الذي أدَّى فيما بعد إلى اتِّساع نطاق علمي الفلك والميكانيكا، وقد ظلَّ المؤرِّخون مختلفين فيما إذا كان تيخو براهي (ت1010هـ / 1601م) الفلكي الدنماركي هو صاحب هذا الاكتشاف أم البوزجاني، إلى أن ثبَت حديثًا بعد التحريات الدقيقة أن الخلل الثالث هو من اكتشاف البوزجاني[1].
وشهد عصر البوزجاني عَلَم آخر من أعلام الحضارة الإسلامية هو أبو القاسم بن أحمد المجريطي (ت 397هـ / 1007م) الذي عاش في قرطبة؛ فقد استطاع تحضير أُكسيد الزئبق، تلك المادَّة التي أدَّت دورًا مهمًّا في أبحاث بريستلي ولافوازيه في القرن الثامن عشر[2].
عبد الرحمن المصري
وكان هناك أيضًا أبو سعيد عبد الرحمن بن يونس المصري (ت 399هـ / 1009م)، الذي اخترع الرَّقَّاص (البُنْدُول)، وعرف أشياء كثيرة من قوانين تذبذبه، وبعد 650 عامًا من اختراعه جاء جاليليو الإيطالي (ت 1052هـ / 1624م) ليتوسَّع في دَرْس الرقَّاص، وليَضَعَ أكثر القوانين التي نعرفها اليوم عن الرقَّاص، ثم حسبها حسابًا رياضيًّا[3].
[1] عن البوزجاني انظر: علي بن عبد الله الدفاع: العلوم البحتة في الحضارة العربية الإسلامية ص 376 – 382، وله أيضًا: روائع الحضارة العربية الإسلامية ص 190 - 193، وموقع الموسوعة العربية العالمية.
[2] انظر شوقي أبو خليل: الحضارة العربية الإسلامية ص 524.
[3] المصدر السابق ص 530.
تاريخ علوم المسلمين : أبو الحسن علي بن الحسين المسعودي
كتبت تحت قسم
قصص من روائع حضارتنا
|
|
درعمى
موقع قصة الإسلام ـ مدونة ورود الحق
أما النصف الأوَّل من القرن الرابع الهجري والنصف الأوَّل من القرن العاشر الميلادي فيمثِّله أبو الحسن علي بن الحسين المسعودي (ت 346هـ / 957م)، فقد كان ملمًّا بكثير من العلوم والثقافات، وقد اشتهر أكثر ما اشتهر في علم الجغرافيا، ويُعَدُّ كتابه "مروج الذهب ومعادن الجوهر" من أفضل المصنفات العربية الجغرافية التي تناول فيها الكثير من فروع علم الجيولوجيا
في ثنايا المعلومات الجغرافية؛ فقد تناول فيه استدارة الأرض وإحاطتها بغلاف جوي، وطبيعة العواصف التي تهُبُّ على الخليج العربي والمناطق المحيطة به، ووصف الأرض والبحار، ومبادئ الأنهار والجبال، ومساحة الأرض، ووصف الزلازل التي حدثت سنة (334هـ/ 945م)، وتحدَّث عن كُرويَّة البحار، وأورد الشواهد على ذلك، ودرس ظاهرة المدِّ والجزر وعَلاقة القمر بذلك، وتحدَّث عن دورة الماء في الطبيعة وتراكم الأملاح في البحر ووصف البراكين الكبريتية في قمم بعض الجبال، كما أورد العلامات التي يُستدَلُّ بها على وجود الماء في باطن الأرض.
في ثنايا المعلومات الجغرافية؛ فقد تناول فيه استدارة الأرض وإحاطتها بغلاف جوي، وطبيعة العواصف التي تهُبُّ على الخليج العربي والمناطق المحيطة به، ووصف الأرض والبحار، ومبادئ الأنهار والجبال، ومساحة الأرض، ووصف الزلازل التي حدثت سنة (334هـ/ 945م)، وتحدَّث عن كُرويَّة البحار، وأورد الشواهد على ذلك، ودرس ظاهرة المدِّ والجزر وعَلاقة القمر بذلك، وتحدَّث عن دورة الماء في الطبيعة وتراكم الأملاح في البحر ووصف البراكين الكبريتية في قمم بعض الجبال، كما أورد العلامات التي يُستدَلُّ بها على وجود الماء في باطن الأرض.
كما تناول في كتابه "التنبيه والإشراف" كثيرًا من الجوانب في الجغرافيا البشرية، وذكر أحوال العمران، وهو العلم الذي أسَّسه ورتب قواعده ابن خلدون (ت 808هـ / 1406م)[1].
وبصفة عامَّة فقد أبدع المسلمون في رسم الخرائط والمصوَّرات الجغرافية، وعرفوا كُرويَّة الأرض، وقاسوا أبعادها بدقَّة، خصوصًا أيام المأمون، وحدَّدوا خطوط الطول ودوائر العرض، مُتَّخذِين جزر البليار مبدأ خطوط الطول، وقد ظهرت أبحاث حديثة تقول: إنهم وصلوا عبر بحر الظلمات (الأطلسي) إلى أمريكا قبل كولومبوس بمدة 300 أو 400 سنة[2]!!
وقد نشرت صحف البرازيل في سنة 1952م تصريحًا للدكتور جغرز أستاذ العلوم الأثرية الاجتماعية في جامعة "ويتواترستراند" في جمهورية أفريقيا الجنوبية، جاء فيه:
إن كتب التاريخ تُخطئ عندما تنسب اكتشاف أمريكا إلى كريستوف كولومبس؛ ذلك لأن العرب في الواقع هم الذين اكتشفوها قبله بمئات السنين[3]!
وفي عصر المسعودي اشتهر أيضًا الهَمْداني (ت 334 هـ / 945م)، والذي كان له دور لا يخفى في اكتشاف قانون الجاذبية؛ فهو الذي ربط ظاهرة الجاذبية بالأرض التي تجذب الأجسام الصغيرة في كل جهاتها، وأخبر بأن هذا الجذب إنما هو قوَّة طبيعية مركَّزة في الأرض؛ وبهذا المفهوم العلمي يكون الهَمْداني - كما يقول الدكتور أحمد فؤاد باشا - قد أرسى أوَّل حقيقة جزئية في فيزياء ظاهرة الجاذبية، وإن كان لم يقُلْ في النصِّ صراحة أن الأجسام تجذب بعضها بعضًا، وهو المعنى الأساسي الشامل لقانون الجذب العام لنيوتن[4].
[1] راجع: عبد الرحمن حميدة: أعلام الجغرافيين العرب ص 309 وما بعدها، وجلال مظهر: حضارة الإسلام وأثرها في الترقي العالمي ص 401.
[2] انظر شوقي أبو خليل: الحضارة العربية الإسلامية ص 499.
[3] المرجع السابق، الصفحة نفسها، وعبد الرحمن حميدة: أعلام الجغرافيين العرب ص 235.
[4] التراث العلمي الإسلامي شيء من الماضي أم زاد للآتي ص 90، 91.
تاريخ علوم المسلمين : أبو بكر الرازي والطب الإكلينيكي
كتبت تحت قسم
قصص من روائع حضارتنا
|
|
درعمى
يمثِّل أبو بكر الرازي النصف الثاني من القرن الثالث الهجري والنصف الثاني من القرن التاسع الميلادي (ت 311هـ / 923م) ويُعَدُّ عَلَمًا من أعلام الطبِّ في الحضارة الإسلامية, ويُعتبر من أعظم معلِّمي الطبِّ الإكلينيكي، وقد تولَّى تدبير مارستان الرَّيِّ، ثم رياسة أطباء المارستان المقتدري في بغداد، وهو أوَّل مَن أدخل المركَّبات الكيماوية في العلاجات الطبية، وأوَّل مَن صنف مقالات خاصَّة في أمراض الأطفال، وأوَّل مَن استعمل
أمعاء الحيوان كخيوط في العمليات الجراحية[1].
أمعاء الحيوان كخيوط في العمليات الجراحية[1].
كما يعُتَبَر أبو بكر الرازي أوَّل مَن دوَّن ملاحظاته على مَرْضاه، ومراتبَ تطوُّر المرض، وأَثَر العلاج فيه، وأوَّل من وصف الجدري والحصبة، وقال بالعدوى الوراثية، واستخدم الحيوان في تجارِب الأدوية، ومن مؤلَّفاته غير الكتاب المذكور: الحاوي، ورسالة في الجدري والحصبة، والكتاب المنصوري، وكتاب الأسرار، والكتاب الجامع[2].
ولتَمَكُّنه ونتيجة كثرةِ تجارِبه فقد أطاح بنظريات جالينوس التي ادَّعى فيها أن في الحاجز الذي بين الجانب الأيمن والجانب الأيسر في القلب ثقوبًا غيرَ منظورة، يتسرَّب فيها الدم من الجانب الواحد إلى الجانب الآخر، وما وظيفة الرئتين إلا أن تُرفرفا فوق القلب فتبرد حرارته وحرارة الدم، ويتسرَّب شيء من الهواء فيها بواسطة المنافذ التي بينهما وبين القلب فيُغذِّي ذلك القلب والدم.
فانتقد الرازي هذه الآراء، حتى إنه ألَّف كتابًا خصِّيصًا للردِّ على جالينوس أعظم أطباء اليونان، وسمَّاه "الشكوك على جالينوس", وذكر فيه الأخطاء التي وقع فيها جالينوس، والتصويب الذي قام هو به لهذه الأخطاء، وكيف وصل إلى هذه النتائج[3].
ولطالما ورد ذكر البيمارستانات أو المستشفيات العامَّة المجانية، فقدت انتشرت في العصر العباسي بصورة ملحوظة، وكانت بمثابة مدارس عالية للطبِّ، وقد فاقت في تجهيزاتها وتخصُّصاتها كل وصف، حتى لقد أبدعت في وصفها زيغريد هونكه فقالت: "إن كل مستشفى مع ما فيه من ترتيبات ومختبرات، وكل صيدلية ومستودع أدوية في أيامنا هذه، إنما هي في حقيقة الأمر نُصُب تذكارية للعبقرية العربية، كما أن كل حبَّة من حبوب الدواء، مُذَهَّبة أو مسكَّرة، إنما هي -كذلك- تذكار صغير ظاهر، يُذكِّرنا باثنين من أعظم أطباء العرب[4]، ومُعلِّمي بلاد الغرب"[5].
بنو موسى بن شاكر
ويُضارع الرازيَّ في الشهرة في تلك الفترة بنو موسى بن شاكر، وهم الإخوة الثلاثة: محمد وأحمد والحسن (عاشوا في القرن الثالث الهجري التاسع الميلادي، وتُوُفِّيَ محمد، وهو أعلمهم، سنة 873م)، وقد لمعوا في علوم الرياضيات والفلك والعلوم التطبيقية والتقنية، واشتهروا بكتابهم القيِّم المعروف باسم "حيل بني موسى"، والذي يقول عنه ابن خلِّكان: "ولهم في الحيل كتاب عجيب نادر يشتمل على كل غريبة، ولقد وقفت عليه فوجدته من أحسن الكتب وأمتعها"[6]. ويحتوي هذا الكتاب على مائة تركيب ميكانيكي مع شروح تفصيلية ورسوم توضيحية لطرائق التركيب والتشغيل.
والعلم الذي برع فيه بنو موسى هو علم "الحيل النافعة"، أو الهندسة الميكانيكية -بِلُغَةِ العلم المعاصرة- وهو يمثِّل الجانب التقني المتقدِّم في علوم الحضارة الإسلامية؛ حيث كان المهندسون والتقنيون يقومون بتطبيق معارفهم النظرية للإفادة منها في كل ما يخدم الدين، ويُحَقِّق مظاهر المدنية والإعمار، وقد جعلوا الغاية من هذا العلم هي: "الحصول على الفعل الكبير من الجهد اليسير"، ويُقصد به استعمال الحيلة مكان القوَّة, والعقل مكان العضلات, والآلة بدل البدن، وذلك بعد أن كانت غاية السابقين من علم الحيل لا تتعدى استعماله في التأثير الديني والرُّوحي على أتباع مذاهبهم، مثل استعمال التماثيل المتحرِّكة أو الناطقة بواسطة الكُهَّان، واستعمال الأرغن الموسيقى وغيره من الآلات المصوّتة في المعابد[7]!!
ومن أمثلة تركيبات بني موسى الميكانيكية هذه عَمَلُ سراج إذا وُضِع في الريح العاصف لا ينطفئ، وعملُ سراج يُخرِج الفتيلة لنفسه، ويصبُّ الزيت لنفسه، وكل مَن يراه يظنُّ أن النار لا تأكل من الزيت ولا من الفتيلة شيئًا ألبتة، وعملُ نافورة يَفُور منها الماء مدَّة من الزمان كهيئة التُّرس، ومدَّة متماثلة كهيئة القناة، وكذلك لا تزال دهرها تتبدَّل.
وكان استخدام بني موسى للصمامات المخروطية ولأعمدة المرافق التي تعمل بصورة آليَّة، وغير ذلك من مبادئ وأفكار التحكُّم الآلي استخدامًا غير مسبوق، وسبقوا به أوَّل صَفٍّ لآليَّة عمود المَرَافِق الحديث في أوروبا بخمسمائة عام، ويُعَدُّ أيضًا مِن أهمِّ الإنجازات في تاريخ العلم والتقنية بشكل عامٍّ. وقد استحدثوا كذلك آلات لخدمة الزراعة والفلاحة، مثل المعالف الخاصة لحيوانات ذات أحجام مُعَيَّنة تتَمَكَّن أن تُصِيب مأكلها ومشربها، فلا تُنازِعها غيرها الطعام والشراب، وعمل خزانات للحمَّامات، وآلات لتعيين كثافة السوائل، وآلات تُثَبَّتُ في الحقول كيلا تضيع كَمِّيَّات الماء هدرًا، ويمكن بواسطتها السيطرة على عملية رَيِّ المزروعات، وكان لكل هذه الأفكار الإبداعية أثر كبير في دفع مسيرة تقنية "الحيل النافعة" أو الهندسة الميكانيكية قُدُمًا، حيث تميَّزت تصاميمها بالخيال الخصب والتوصيف الدقيق والمنهجية التجريبية الرائدة[8].
أبو حنيفة أحمد بن داود الدِّينَوَري
وكان يُعاصر الرازيَّ أيضًا أبو حنيفة أحمد بن داود الدِّينَوَري (ت 282هـ / 895م) الذي يُعَدُّ أوَّل المؤلِّفين المسلمين في علم النبات، وقد استطاع أن يستولد ثمارًا ذات صفات جديدة بطريقة التطعيم، وأن يُخرج أزهارًا جديدة بالمزاوجة بين الورد البرِّيِّ وشجرة اللوز[9].
عباس بن فرناس الأندلسي
وفي حاضرة الإسلام في الأندلس كان هناك في ذاك العصر أيضًا عباس بن فرناس الأندلسي (ت 274هـ / 888م)، فمن اختراعاته: النظارات والساعات الدقَّاقة المعقَّدة التركيب، والقبَّة الفلكية التي صنعها في بيته، وقد اشتهر بأنه أوَّل من قام بمحاولة للطيران في الجوِّ، وهي المحاولة التي أودت بحياته[10].
[1] انظر في إنجازات الرازي في مجال الطب: جلال مظهر: حضارة الإسلام وأثرها في الترقي العالمي ص 321، 322.
[2] المصدر السابق ص 323، 324، وتاريخ حكماء الإسلام ص 21، والوافي بالوفيات 3/76، ودائرة المعارف الإسلامية 9/451، والحضارة العربية الإسلامية لشوقي أبو خليل ص 510، 511.
[3] ابن أبي أصيبعة: طبقات الأطباء 1/68.
[4] تُريد: ابن سينا والرازي.
[5] شمس العرب تسطع على الغرب ص 334.
[6] الصفدي: وفيات الأعيان 5/162.
[7] انظر: أحمد فؤاد باشا: التراث العلمي الإسلامي شيء من الماضي أم زاد من الآتي؟ ص 29.
[8] انظر أحمد فؤاد باشا: التراث العلمي الإسلامي ص 30، 31، وعن إنجازات بني موسى انظر: دونالد ر. هيل: العلوم والهندسة في الحضارة الإسلامية، ترجمة أحمد فؤاد باشا، (سلسلة عالم المعرفة) ص 181 وما بعدها، وعلي بن عبد الله الدفاع: روائع الحضارة العربية الإسلامية ص 120 - 122، وجلال مظهر: حضارة الإسلام وأثرها في الترقي العالمي ص 358، 359.
[9] انظر إرشاد الأريب 1/123، وخزانة الأدب للبغدادي 1/25، والحضارة العربية الإسلامية ص 524.
[10] شوقي أبو خليل: الحضارة العربية الإسلامية ص 529.
تاريخ علوم المسلمين : الخوارزمي: مؤسس علم الجبر
كتبت تحت قسم
قصص من روائع حضارتنا
|
|
درعمى
أما النصف الأوَّل من القرن الثالث الهجري والنصف الأوَّل من القرن التاسع الميلادي فيمثِّله بلا مُنازع الخوارزمي (ت232هـ/846م) الذي إذا ذُكر اسمه تطاير إلى الآفاق علم الجبر والرياضيات.
فهو الرياضي والجغرافي والفلكي، والذي يُعَدُّ مؤسِّس ومبتدع علم الجبر كعلم مستقلٍّ عن الحساب ،
وقد أخذه الأوروبيون عنه، كما أنه أوَّل مَن استعمل كلمة "جبر" للعلم المعروف الآن بهذا الاسم، فحتَّى الآن ما زال الجبر يُعرف باسمه العربي في جميع اللغات الأوروبية، وتَرجِع كل الكلمات التي تنتهي في اللغات الأوروبية بـ "algorism/algorithme" إلى اسم الخوارزمي، كما يرجع إليه الفضل في تعريف الناس بالأرقام العربية؛ ولهذا كان الخوارزمي أهلاً لتسميته بأبي الجبر[1].
وقد أخذه الأوروبيون عنه، كما أنه أوَّل مَن استعمل كلمة "جبر" للعلم المعروف الآن بهذا الاسم، فحتَّى الآن ما زال الجبر يُعرف باسمه العربي في جميع اللغات الأوروبية، وتَرجِع كل الكلمات التي تنتهي في اللغات الأوروبية بـ "algorism/algorithme" إلى اسم الخوارزمي، كما يرجع إليه الفضل في تعريف الناس بالأرقام العربية؛ ولهذا كان الخوارزمي أهلاً لتسميته بأبي الجبر[1].
ويُعَدُّ كتابه (الجبر والمقابلة) الكتاب الرئيسي ذا الأثر الحاسم الذي درس فيه تحويل المعادلات وحلِّها، وفي مقدمته بيَّن الخوارزمي أن الخليفة المأمون هو الذي طلب منه تأليفه، وقد ترجمه إلى اللاتينية "جيررْدودي كريمونا" ونشر النصَّ العربي روزن مع ترجمة إنجليزية في لندن سنة 1851م.
وترجم له أيضًا "يوحنا الأسباني" الذي تَرْجَم من العربية إلى اللاتينية عِدَّة مؤلَّفات في الفلك والنجوم من بينها كتب للخوارزمي، بفضلها انتقل الحساب الهندي والنظام العشري في الحساب إلى أوروبا؛ حتى عُرِفَت العمليات الحسابية باسم Alguarismo، والغريب أنها تُرجمت إلى العربية باسم "اللوغاريتمات" وهي في الأصل منسوبة إلى الخوارزمي!! والصحيح أن تُترجَم "الخوارزميات" أو "الجداول الخوارزمية".
وقد أصبح الكتاب مصدرًا أساسيًّا في الرياضيات في الجامعات الأوروبية حتى القرن السادس عشر، وكان معظم ما ألَّفه مَن خلفه في علم الجبر مستنِدًا عليه، وقد نقله من اللغة العربية إلى اللاتينية روبرت أوف شستر ( Robert of chester) فاستنارت به أوروبا، وحديثًا حقَّق الدكتوران علي مصطفى مشرفة ومحمد مرسي هذا الكتاب، وذلك في سنة 1968م[2].
أبو يوسف الكندي
وقد عاصر الخوارزمي عالم آخر مشهور هو الفيلسوف أبو يوسف الكندي (185-256هـ/805-873م) الذي يُعَدُّ من أوائل العلماء المسلمين الذين طرقوا ميدان علم البصريات، فتناول الظواهر الضوئية وعالجها في كتابه الشهير "علم المناظر"، وكان ذلك أوَّل كتاب عربي يعني بعلم البصريات، وفيه أخذ الكندي بنظرية الانبعاث الإغريقية، إلا أنه أضاف كذلك وصفًا دقيقًا لمبدأ الإشعاع، وصاغ من خلال ذلك أساس نظام تصوُّريٍّ جديد يحُلُّ في نهاية الأمر محلَّ نظرية الانبعاث، وكان لهذا الكتاب صدًى في المحافل العلمية العربية، ثم الأوروبية خلال العصور الوسطى[3].
[1] راجع كرم حلمي فرحات أحمد: التراث العلمي للحضارة الإسلامية في الشام والعراق خلال القرن الرابع الهجري ص 642، 643، ومحمد علي عثمان: مسلمون علموا العالم، 74، 75، وأكرم عبد الوهاب: 100 عالم غيروا وجه العالم ص 20.
[2] انظر علي عبد الله الدفاع: مبتكر علم الجبر.. محمد بن موسى الخوارزمي، مجلة البحوث الإسلامية، ج5 ص 187 – وله أيضًا: روائع الحضارة العربية الإسلامية في العلوم ص 77 - ومحمد علي عثمان: مسلمون علموا العالم ص 77 – وعبد الحليم منتصر: تاريخ العلم ودور العلماء العرب في تقدمه ص 65.
[3] انظر محمد الصادق عفيفي: تطور الفكر العلمي عند المسلمين ص 138.
تاريخ علوم المسلمين : جابر بن حيان صاحب المنهج التجريبي
كتبت تحت قسم
قصص من روائع حضارتنا
|
|
درعمى
يمكن التأريخ للفترة الثانية من تاريخ قصة العلم، وهي النصف الثاني من القرن الثاني الهجري، والنصف الثاني من القرن الثامن الميلادي، بالعالم الكيميائي "جابر بن حيان" (ت200هـ/815م) ؛ فقد كان علامة بارزة وفارقة ظهرت في هذه الفترة، وعلى يديه كان بَدْء ظهور المنهج العلمي التجريبي، والذي يعتمد على التجرِبة والملاحظة، اللَّتان اعْتُبِرَتا
حجر الزاوية لدراسة العلوم الطبيعية، كما أنه يُعَدُّ شيخ علماء الكيمياء المسلمين، والذين كانت لهم إسهاماتهم البارزة في ذلك العلم.
حجر الزاوية لدراسة العلوم الطبيعية، كما أنه يُعَدُّ شيخ علماء الكيمياء المسلمين، والذين كانت لهم إسهاماتهم البارزة في ذلك العلم.
فترى جابر بن حيان يدعو إلى الاهتمام بالتجربة، ودقَّة الملاحظة، تلك التي يقوم عليها المنهج التجريبي، فيقول: "ومِلاكُ كمال هذه الصنعة العملُ والتجرِبة؛ فمَن لم يعمل ولم يُجَرِّب لم يظفر بشيء أبدًا"[1].
وقد كانت الكيمياء قبل جابر خرافية تستند على الأساطير البالية، حيث سيطرت فكرة تحويل المعادن الرخيصة إلى معادن نفيسة؛ وذلك لأن العلماء في الحضارات ما قبل الحضارة الإسلامية كانوا يعتقدون أن المعادن المنطرقة مثل: الذهب، والفضة، والنُّحاس، والحديد، والرصاص، والقصدير من نوعٍ واحد، وأن تباينها نابع من الحرارة والبرودة، والجفاف والرطوبة الكامنة فيها، وهي أعراض متغيِّرة، (نسبة إلى نظرية العناصر الأربعة: النار، والهواء، والماء، والتراب)، لذا يمكن تحويل هذه المعادن من بعضها البعض بواسطة مادة ثالثة وهي الإكسير، ومن هذا المنطلق تخيَّل بعض علماء الحضارات السابقة للحضارة الإسلامية أنه بالإمكان ابتكار إكسير الحياة أو حجر الحكمة الذي يُزيل عِلَل الحياة ويُطيل العمر[2].
وقد تأثَّر بعض العلماء العرب والمسلمين الأوائل، كجابر بن حيان وأبي بكر الرازي، بنظرية العناصر الأربعة التي ورثها علماء العرب والمسلمين من اليونان، لكنهما قاما بدراسة علمية دقيقة لها؛ أدَّت هذه الدراسة إلى وضعِ وتطبيق المنهج العلمي التجريبي في حقل العلوم التجريبية.
وعليه يكون جابر قد قطع خطوة أبعد مما قطع اليونان في وضع التجرِبة أساس العمل، ولذلك يُعَدُّ أوَّل من أدخل التجرِبة العلمية المخبرية في منهج البحث العلمي الذي أرسى قواعده؛ يقول هولميارد Holmyard، وهو الذي اهتم بأعمال جابر ومؤلَّفاته ومنهجه العلمي، حتى عكف على إبراز القيمة العلمية لعمله: "إن الصنعة الخاصَّة عند جابر هي أنه على الرغم من توجُّهِهِ نحو التصوُّف والوهم، فقد عَرَف وأكَّد على أهمية التجريب بشكل أوضح من كل مَن سبقه من الكيميائيين"[3].
صنعة جابر بن حيان
وقد سُمِّيَ علم الكيمياء باسم جابر بن حيان؛ فقيل: "صنعة جابر"، ومن أبرز إسهامات جابر فيه أنه يُعَدُّ أوَّل من استخرج حامض الكبريتيك، وسمَّاه زيت الزاج، وأول من اكتشف الصود الكاوي، وأوَّل مَن استحضر ماء الذهب، ودرس خصائص مركبات الزئبق واستحضرها، وقد بلغت تصانيفه 232 كتابًا[4].
يقول غوستاف لوبون: "تتألَّف من كتب جابر موسوعة علمية تحتوي على خلاصة ما وصل إليه علم الكيمياء عند العرب في عصره، وتشتمل هذه الكتب على وصف كثير من المركَّبات الكيميائية التي لم تُذْكَر قبله، كماء الفضة (الحامض النتري) الذي لا نتصور علم الكيمياء بغيره"[5].
ولقد تُرجمت كتب جابر إلى اللاتينية، وظلَّت المرجع الأوفى للكيمياء زُهاء ألف عام، وكانت مؤلَّفاته موضع دراسة مشاهير علماء الغرب، أمثال: كوب، وبرثولية، وكراوس، وهولميارد الذي أنصفه ووضعه في القمَّة، وبدَّد الشكوك التي أثارها حوله العلماء المغرضون. وسارتون الذي أرَّخ به هذه الحِقبة من الزمن في تاريخ الحضارة الإسلامية، فيقول عنه مندهشًا: "ما قدر جابر أن الكتب التي ألَّفها لا يمكن أن تكون من وضع رجل عاش في القرن الثاني للهجرة؛ لكثرتها ووفرة ما بها من معلومات"[6].
وفي عصر جابر زاد الاهتمام بحركة الترجمة بصورة ملحوظة، ويَرْجِع السبب الرئيسي في ذلك إلى تشجيع الخلفاء -وهم العباسيُّون- ورعايتِهم للعلماء والمترجِمِين، وإجزالِ العطاء لهم، بصرف النظر عن مِلَلِهم وعقائدهم، لتَخْرُج تلك الحركة من حيِّز المحاولات الفردية إلى أن تكون لها سياسة منهجية متَّبَعَة، تُشرف عليها الدولة نفسها، وهو ما أدَّى إلى أن يتَّسع نطاق العلوم المترجَمة، ليشمل الفلسفة[7]. والمنطق والكتب الأدبية، بجانب الطب وسائر العلوم التجريبية كلها
الاهتمام بالعلوم في عهد الخلافة العباسية
فهذا أبو جعفر المنصور ثاني الخلفاء العباسيين (135 - 158هـ) قد كان مولعًا بالطبِّ والفلك والهندسة، يُكاتِب ملوك الروم فيطلب منهم ما لديهم في هذا الشأن، فبعثوا إليه كليات إقليدس في الهندسة، وفي الطبيعيات[8]. وهذا هارون الرشيد (170-194ﻫ) حين افْتَتَح عَمُّورِية وأنقرة انتخب من أبنائها فريقًا من العلماء والتراجمة وجعلهم في حاشيته، وطلب إليهم أن يختاروا عيون الكتب التي وُجدت في مكتبات هاتين البلدتين، فاختاروا الكتب النادرة التي لا توجد عند غيرهم، في ميدان الطبِّ والفلك وغيرهما، ونقلوها إلى بغداد، وأمر الرشيد آنذاك أبا زكريا يوحنا بن ماسويه (ت 244هـ) - أكبر أطباء عصره - أن يرعى هذه النُّقُولات[9].
بيت الحكمة
وقد وصل الاهتمام بالعلم والترجمة الذُّروة في عصر الخليفة المأمون (198 - 218ﻫ)، الذي يُعَدُّ من أزهى العصور في تاريخ الحركات العلمية والثقافية؛ فقد عمَّر بيت الحكمة، ووسَّع من نشاطه، وأمدَّه بمكتبة ضمَّت آلاف المخطوطات في شتى العلوم والفنون؛ ليكون بمثابة أكاديمية علمية عالمية يجتمع في رحابها المعلِّمون والمتعلِّمون، وقد قام بإرسال البعوث إلى القسطنطينية لاستحضار ما يمكن الحصول عليه من مؤلَّفات يونانية في شتى ألوان المعرفة[10]، وقد ذكر ابن النديم أنه كان بين المأمون وإمبراطور القسطنطينية مراسلات بهذا الشأن[11].
بل إن المأمون لم يكتفِ بإرسال العلماء إلى بلاد الروم والأعاجم كي يبحثوا له عن أمهات الكتب الأجنبية وجلبها، وإنما كان إذا عقد معاهدة أو أبرم حلفًا مع ملوك الروم أو غيرهم، فإنه يجعل من بين شروط المعاهدة شرطًا؛ بأن يُتْحِفَه الطرف الآخر بما لديه من نفائس كتب الحكمة، وذخائر الفلسفة والعلوم في بلادهم، ومن ذلك أنه جعل أحد شروط معاهدة الصلح بينه وبين إمبراطور الروم ميخائيل الثالث أن يتنازل الثاني للأوَّل عن إحدى المكتبات الشهيرة في القسطنطينية، وكان من بين ذخائرها الثمينة كتاب بطليموس في الفلك، فأمر بنقله إلى العربية وسمَّاه: (المجسطي)[12].
قياس الكرة الأرضيَّة
وليس أعجب بعد ذلك من أن يُنسَب إلى المأمون أنه أوَّل مَن قام بمحاولة قياس أبعاد الكرة الأرضية، وذلك بمساعدة فريقين من علماء الفلك والجغرافيا، والذي قال عنه المستشرق نللينو في كتابه (علم الفلك وتاريخه عند العرب في القرون الوسطى): إن قياس العرب للكُرة الأرضيَّة هو أوَّل قياس حقيقي، أُجْرِيَ كله مباشرة مع كل ما تقتضيه تلك المسافة الطويلة وهذا الفريق الكبير من العلماء والمساحين العرب؛ فهو يُعَدُّ من أعمال العرب المأثورة وأمجادهم العلمية. وقال عنه الأستاذ كراتشوكوفسكي في كتابه (تاريخ الأدب الجغرافي العربي): إن الخطأ في مقاس العرب يقلُّ عن كيلو متر واحد[13]!
[1] جابر بن حيان: كتاب التجريد، ضمن مجموعة حقَّقها ونشرها هولميارد بعنوان: مصنفات في علم الكيمياء للحكيم جابر بن حيان، باريس، 1928.
[2] انظر علي عبد الله الدفاع: روائع الحضارة العربية الإسلامية ص 274.
[3] عمر فروح: تاريخ العلوم عند العرب ص251.
[4] انظر شوقي أبو خليل: الحضارة العربية الإسلامية ص 521.
[5] حضارة العرب ص 475.
[6] انظر عبد الحليم منتصر: تاريخ العلم ودور العلماء العرب في تقدمه ص 106.
[7] انظر محمد الصادق عفيفي: تطور الفكر العلمي عند المسلمين ص 36، 37، 43.
[8] انظر طبقات الأطباء 1/163، وتاريخ ابن خلدون 1/401، وكشف الظنون 2/679، والمرجع السابق ص 37.
[9] انظر كشف الظنون 2/681، وتاريخ الحكماء ص 380، وطبقات الأطباء ص 67، وتطور الفكر العلمي عند المسلمين ص 37، 38.
[10] انظر جلال مظهر: حضارة الإسلام وأثرها في الترقي العالمي ص 246.
[11] انظر ابن النديم: الفهرست ص 339، وأيضًا: كشف الظنون 2/68.
[12] انظر ابن النديم: الفهرست ص 243، وتطور الفكر العلمي عند المسلمين ص 39.
[13] انظر حضارة الإسلام وأثرها في الترقي العالمي ص 251.
الشيشان جرح ينزف : دور الحكومات والشعوب تجاه القضية الشيشانية
كتبت تحت قسم
أزمات الأمة
,
الشيشان جرح ينزف
|
الثلاثاء، 28 سبتمبر 2010|
درعمى
موقع قصة الإسلام ـ مدونة ورود الحق
دور الحكومات والشعوب الدور المنتظر من الحكومات
على حكومات العالم الإسلامي أن تفهم أنه لا مصلحة لأحد غيرها في دعم القضية الشيشانية؛ لا مصلحة لروسيا ولا أمريكا ولا إسرائيل ولا أوربا ولا الصين..، ومساعدة الشيشانيين على الاستقلال والتقدم بدولتهم نحو التقدم والقوة، ففي هذا نصرة للمسلمين المضطهدين، وزيادة لقوة المسلمين ووحدتهم؛ لذا لا بد من سعي حكومات العالم الإسلامي من خلال منظمة المؤتمر الإسلامي والجامعة العربية وكل سبيل ممكن لتحريك القضية ونصرة شعب الشيشان، وقد ذكر ممثل البحرين في الأمم المتحدة قضية الشيشان عام (2004م)، فأثر ذلك على الرأي العام تأثيرًا جيدًا، لكن لم
يقف أحد خلف القضية فماتت. وكان الرئيس الشيشاني (مسخادوف) قد وجه نداءً - بداية الحرب - إلى كافة الملوك والزعماء والدول العربية وإلى منظمة المؤتمر الإسلامي؛ لنجدة شعب الشيشان المسلم. والمشكلة الحقيقية أن الدول العربية والإسلامية لا تتعامل مع (الشيشان) على أنها دولة مستقلة ذات سيادة، وتعتبر صراعها مع (روسيا) صراعًا داخليًّا؛ خوفًا من الدب الروسي.
يقف أحد خلف القضية فماتت. وكان الرئيس الشيشاني (مسخادوف) قد وجه نداءً - بداية الحرب - إلى كافة الملوك والزعماء والدول العربية وإلى منظمة المؤتمر الإسلامي؛ لنجدة شعب الشيشان المسلم. والمشكلة الحقيقية أن الدول العربية والإسلامية لا تتعامل مع (الشيشان) على أنها دولة مستقلة ذات سيادة، وتعتبر صراعها مع (روسيا) صراعًا داخليًّا؛ خوفًا من الدب الروسي.
الدور المنتظر من الشعوب:
من أهم الأدوار الواجبة على الشعوب:
1- فهم قضايا العالم الإسلامي فهمًا جيدًا:
وعدم الاكتفاء بالفتات والقشور، وفي قضية الشيشان ينبغي على كل مسلم أن يعرف طبيعة الصراع الروسي الشيشاني، وحقيقة ما يجري هناك، و أن يعمل جاهدًا على نشر القضية بين الناس، فمن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم، وليعمل بقوله صلى الله عليه وسلم: "مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى" {صحيح مسلم: من حديث النعمان بن بشير}.
2- التحرك العملي السريع:
ففهم القضية سينتج عنه العديد من الواجبات العملية، التي ستتمثل في بذل المساعدات قدر المستطاع، سواء ثمثل ذلك في التبرع المادي، أو من خلال فضح الممارسات الوحشية ضد الشعب الشيشاني المسلم، وتوصيل ذلك للمهتمين بحقوق الإنسان في العالم، وكذلك المقاطعة الاقتصادية والتجارية لتلك الدولة المعتدية الآثمة!
3- بث الأمل: حيث يواجه بضع آلاف من المقاومين الشيشان، أكثر من نصف مليون جندي روسي، زودوا بـ(11 ألف) دبابة وسيارة مصفحة، وعدد كبير من المدافع الثقيلة والصواريخ والطائرات، ومع هذا قتل الشيشان عشرات الآلاف من الجيش الروسي حتى الآن، وصدق الله العظيم إذ يقول:[الذين قال لهم الناسُ إنَّ الناسَ قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل * فانقلبوا بنعمةٍ من الله وفضلٍ لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم * إنما ذلكم الشيطان يخوِّف أولياءه فلا تخافوهم و خافون إنْ كنتم مؤمنين]. {آل عمران: 173}
4- إصلاح النفس والمجتمع :
ولا يتوقف دور الشعوب على المساعدات والدعاء فحسب، بل على المسلمين أن يعملوا على إصلاح أنفسهم من الداخل حتى يصلح الله أمورهم [إن الله لا يغير ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم ] {الرعد : 11}.
الشيشان جرح ينزف : المقاومة الشيشانية
كتبت تحت قسم
أزمات الأمة
,
الشيشان جرح ينزف
|
|
درعمى
موقع قصة الإسلام ـ مدونة ورود الحق
المقاومة
اتخذت المقاومة الشيشانية بشكل أساسي استراتيجية حرب العصابات داخل (الشيشان)، كما لجأت إلى بعض التكتيكات خارج أراضي (الشيشان)، بما في ذلك التفجيرات والعمليات الاستشهادية. والعجيب أن النسبة العالية لحدوث عمليات فدائية كانت تقوم بها النساء؛ ويفسر البعض ذلك بأنه قد يكون لهن علاقة بعمليات الاغتصاب الواسعة التي قامت بها القوات الروسية. وإذا كان الروس يسمون عمليات المقاومة بنفس سماتها في (فلسطين) بعدما طالت (موزدوك) و(جوديرميس) و(زنامينسكوي)، فإنه من الجائز لنا أن نؤكد على تطابق الاستراتيجية الروسية مع نظيرتها الإسرائيلية التي أجبرت الشيشان على اللجوء لهذا النوع من المقاومة المستميتة.
ملاحظات حول استراتيجية المقاومة وتكتيكاتها:
أصابت المقاومة ضحايا من المدنيين، سواء في (روسيا) أو في (الشيشان)؛ وأهم أسباب ذلك صعوبة حركة المقاومة بين العسكريين الروس، فضلاً عن وجود متعاونين مع (موسكو) ومساهمين في الإرشاد عن أنصار المقاومة واجتياح بيوتهم، وأبرز أمثلة هؤلاء (أحمد قاديروف) رئيس الإدارة الشيشانية المؤقتة؛ لضلوعه في الاعتقال ومداهمة منازل الشيشانيين، رغم تاريخه السابق في حركة المقاومة إبان حكم (جوهر دوداييف)، أما استهداف المدنيين في (روسيا) فيبدو أن هدفه الرئيسي إبلاغ رسالة مفادها أن للمقاومة يدًا طولى تستطيع أن تتعدى بها الحدود الإقليمية لنفوذها، ويلاحظ في هذا الشأن حرص الحكومة الشيشانية المطاردة على شجب هذه العمليات والتبرء منها، وربما يكون هذا أحد متطلبات وقواعد اللعبة السياسية. وفيما يخص تكتيكات المقاومة؛ فقد احتل إسقاط المقاتلين لمروحيات روسية المرتبة الأولى عام (2002م)، بينما احتلت العمليات الاستشهادية المرتبة الأولى في النصف الأول من عام (2003م)، وهو أسلوب جديد لم يكن متبعًا من قبل، ودخل إلى ساحة المقاومة بقوة منذ عملية مسرح (موسكو) في (أكتوبر 2002م). ويبدو أن ثقافة المقاومة الاستشهادية الفلسطينية صارت المنهج الأكثر بروزًا على المسرح الشيشاني بعد ذلك. كما احتلت المرأة الشيشانية مكان الصدارة في مستوى عنف عمليات المقاومة، عبر مسلسل متوال من العمليات الفدائية؛ حيث قامت بعدة عمليات مؤثرة - حوالي 17% من إجمالي عمليات عام (2002م) و النصف الأول من عام (2003م) - وركزت في الأساس على عنصر المباغتة واختارت العاصمة (موسكو) - شاركت 20 امرأة في عملية مسرح (موسكو) في (أكتوبر 2000م) - أو وسط تجمعات لجنود روس في (الشيشان). ولعل ما تعرضت له الشيشانيات من قتل الزوج والابن والأب - قتل الروس 1800 رجل شيشاني خلال الأشهر الستة الأولى من عام (2003م) - ناهيك عن جرائم الاغتصاب والتشريد التي تعتبر من الدوافع الرئيسة وراء قيام عناصر نسائية بتلك الأعمال شديدة الدقة والجرأة؛ فالتقاليد القوقازية الصارمة المدفوعة بمبادئ الشهادة الإسلامية وجهاد من قتلوا الأب والزوج تقف بقوة وراء تطوع الشيشانيات للعمل الاستشهادي اعتمادًا على اليسر النسبي في حركتهن داخل التجمعات الروسية، في وقت يتعرض فيه القوقازيون لتوقيف مستمر في المدن الروسية، وملاحقة متتابعة لسهولة التعرف على ملامحهم وسط العرق الروسي السائد. ومن الناحية الجغرافية كانت العاصمة (جروزني) المكان الأول على مدى عام (2002م)، ثم شهدت نهاية عام 2002 والنصف الأول من (2003م) خروج عمليات المقاومة إلى خارج (الشيشان)، خاصة إلى العاصمة (موسكو). لوعي المقاومة بهامشية الدور الذي يلعبه المواطن الروسي مع الحق الشيشاني في الاستقلال، فضلاً عن عدم فاعلية المشاركة السياسية للمواطن الروسي، خاصة إذا مس الأمر قضايا الأمن القومي وشؤون المؤسسة العسكرية. إذ لم تفلح مظاهرة واحدة في الشارع الروسي في تغيير شيء من واقع الأمور في الشؤون الداخلية، فضلاً عن إنهاك المواطن الروسي اقتصاديًا الأمر الذي يقلل فرص المشاركة في ترف التظاهر. ولعل المكسب من نقل عمليات المقاومة إلى العاصمة (موسكو) هو جذب الانتباه إلى القضية ومحاولة تغيير التشويه المعلوماتي الذي تمارسه روسيا. كما حرصت المقاومة على الظهور على مائدة الأحداث العالمية؛ ساعية إلى تحقيق نصر معنوي يرفع من عزيمة المقاتلين ومؤيديهم، ولسان حالهم يقول نعلم أنه عمل إجرامي ويخالف مبادئ المحارب القوقازي المسلم، ولكننا نعتدي عليهم بمثل ما اعتدوا علينا؛ فالله عز وجل يقول: [الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم] {البقرة:194}. وربما يأتي هذا النوع من العمليات بهدف استعادة جزء من العقل الجمعي الإسلامي الذي انصرف عن القضية الشيشانية منذ مطلع عام (2004م)، مع أجواء الغزو الأنجلو أمريكي للعراق وسقوط (بغداد). تعرضت صورة المقاومة للتشويه، إلى الحد الذي أعلن معه (بوتين) في تعليقه على حادثة تفجير الحفل الموسيقي في (موسكو) (5 يوليو 2003م) أن المقاتلين الشيشان أخطر عناصر شبكة الإرهاب العالمية، فضلاً عما سببته عمليات المقاومة في (موسكو) من ضرر بليغ للشيشانيين في المدن الروسية الكبرى؛ حيث يتعرضون للتوقيف والاعتقال، وتلفيق تُهم تعاطي المخدرات وتجارتها، وملاحقة أولادهم في المدارس وفصلهم، وطردهم من وظائفهم. ويجب الاعتراف أن المقاومة - رغم بشاعة الممارسات الروسية - قد أجبرت (روسيا) عامي (1996- 1997م) على الجلوس معها للاتفاق على تأجيل قرار الاستقلال إلى عام (2001م)؛ حيث أعلنت منظمات غير حكومية روسية - قرب انتهاء السنة الرابعة للحرب - أن خسائر القوات الروسية كانت أكثر من (20 ألف) قتيل، ويزيد هذا العدد عما فقدته (روسيا) في حربها على (أفغانستان) التي استمرت (10 سنوات).
المراوغة السياسية الروسية :
منذ بدأت (روسيـا) حربها الثانية - التي استمرت خلال الفترة (1999- 2001م) - على (الشيشان) وهي تسير على محورين متوازيين: السحق العسكري للمقاومة، والخداع السياسي؛ حيث سعت (روسيا) للترويج لثلاثة مشروعات سياسية هي: دستور جديد للشيشان، العفو عن المقاتلين الشيشان، والتجهيز لانتخابات رئاسية. وبدأت أول مشروعاتهافي (مارس 2003م)؛ حيث أجرت استفتاءً على الدستور الجديد - الذي يخضع (الشيشان) للفيدرالية الروسية ويمنح رئيس الوزراء الروسي حق إسقاط قرارات الرئيس الشيشاني - للشيشان، في وقت انشغل فيه العالم الإسلامي بالغزو الأمريكي للعراق وسقوط (بغداد)، وبدلا من أن يكون الخيار المطروح أمام المصوت الشيشاني: هل تفضل بقاء الشيشان ضمن روسيا أم استقلالها؟ جاء السؤال: هل توافق على إقرار السلام في الشيشان؟! ثم في (6 يونيو 2003م) وافق مجلس الدوما على قرار حكومي بالعفو عن المقاتلين الشيشانيين الذين يسلمون أسلحتهم، بشرط ألا يكونوا قد ارتكبوا جرائم قتل من قبل. وحقيقة هذا المشروع هو العفو عن مئات الجنود الروس المدانين في ارتكاب جرائم اغتصاب وقتل وحرق المدنيين في (الشيشان). وبصورة دعائية قامت (روسيا) بعرض صور متلفزة لعشرات الشيشانيين يسلمون أسلحتهم، ويبدون أسفهم وندمهم، وبحلول (أول أغسطس 2003م) انتهت المهلة التي منحتها (موسكو) للمقاتلين لإلقاء أسلحتهم دون أن يخرج المقاتلون من الغابات والجبال لتسليم أنفسهم. وفي (نهاية عام 2003م) أجريت الانتخابات الرئاسية، وبالفعل كما كان متوقعًا فاز بها أحد العملاء الموالين لروسيا وهو (أحمد قاديروف)، وهكذا اكتملت الحلقات الثلاث التي كان مخططًا لها.
الوضع المرتقب في ظل الظروف الحالية :
رصد (بوتن) في (ديسمبر 2004م) مكافأة مالية لرقبة كل من (باساييف) و(مسخادوف)؛ فنية العدوان والغدر مبيتة، فضلاً عن السعي إلى شراء كل من يبيع نفسه ويشتري الولاء الروسي، وبناء على المراوغات الروسية والغدر المبيت؛ ينتظر المزيد من المقاومة، والمزيد من الدم الشيشاني الحر الذي يسعى نحو استقلال بلده، كما ينتظر المزيد من الدعم الروسي للحكومة الموالية في (الشيشان)، ومطاردة عناصر المقاومة في كل مكان، مع الاستعداد لتلقي عمليات المقاومة في قلب (موسكو) كل فترة، والاطمئنان على بقاء الصمت الشعبي الروسي، والسعي نحو روسنة (الشيشان) بكل الوسائل المتاحة ثقافيًّا وإعلاميًّا.. وفي النهاية ينتظر استمرار الصمت الدولي تجاه المأساة، ورفض المقاومة الشيشانية ووسمها بالإرهاب، ورفض عودة (الشيشان) العرب، والتلويح بنفس مصير الأفغان العرب، كما لا ينكر أحد سعادة (الولايات المتحدة) و(أوربا) بانشغال (روسيا) في أزماتها الداخلية، لتتفرغا لإعادة تشكيل الخريطة الجديدة للعالم بهدوء.
ستعاني (الشيشان) عند استقلالها عزلة ستلجئها إلى دول الجوار وفى مقدمتها (روسيا) و(جورجيا)، وستلتهب قضايا الحدود غير الواضحة بينها وبين جيرانها، خاصة (أنجوشيا). كما ستعاني (الشيشان) من ضعف التمويل لإعادة إعمارها في ظل ضعف الموارد وقلة الإمكانيات الاقتصادية، وقدرة (روسيا) على منع أنابيب البترول من المرور فيها.
الأكثر مشاهدة
المشاركات الشائعة
-
موقع الإخوان المسلميبن ـ ورود الحق بقلم: د. عماد عجوة القيروان.. مدينة تونسية تقع على بُعد 156 كم من العاصمة تونس، وعلى بُعد 57 كم من مدين...
-
أولا: مفهوم الثبات والمرونة : تنقسم أحكام الشريعة الإسلامية على قسمين : ا لأول : أحكام ثابتة : وهذه لا سبيل إلى البحث فيها ، ولا تقبل الت...
-
موقع قصة الإسلام ـ مدونة ورود الحق أما النصف الأوَّل من القرن الرابع الهجري والنصف الأوَّل من القرن العاشر الميلادي فيمثِّله أبو الحسن عل...
-
مدونة ورود الحق ـ الإسلام اليوم هانئ رسلان تعيشُ الخُرطوم هذه الأيام أجواءًا من الترقُّب المشوب بالقلق؛ بسبب...
-
مدونة ورود الحق ـ موقع إخوان أون لاين بقلم: د. كامل عبد الفتاح باحث في تاريخ مصر الحديث والمعاصر في التاسع والعشرين من أغسطس من كل عام تحل...
-
حذر الدكتور محمود حمدي زقزوق، وزير الأوقاف، أئمة الوزارة من التطرق إلى الموضوعات السياسية في الدروس الرمضانية التي سيلقونها بمساجد الجمهور...
-
موقع قصة الإسلام ـ ورود الحق فلسطين أرض الرسل والأنبياء الذين حملوا راية التوحيد، ودعوا أقوامهم إلى الالتزام بها. وقد شهدت فلسطين ف...
-
مدونة ورود الحق هؤلاء هم القادة الذين نريدهم هؤلاءالله سيرفع درجاتهم إن شاء الله ويسكنهم جنات النعيم ذلك بما يعملون الآن لأمتهم من تضحيات و...
-
د: منير جمعة عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين :- دول الغرب المسيحي تحتفي بكل الخارجين عن الإسلام وتلبسهم ألقابا رنانة . الرئيس بوش استقبل...
-
ورود الحق ـ قصة الإسلام : روجر بواس يلقي روجر بواس[1] في مقاله هذا نظرة على النموذج الإسباني للتطهير العرقي والديني. لكل شيء إذا ما تم نقصان...
يتم التشغيل بواسطة Blogger.
أرشيف المدونة الإلكترونية
-
▼
2010
(156)
-
▼
سبتمبر
(44)
- تاريخ الخلافة العثمانية : الدولة العثمانية.. التأ...
- النشأة والاستقرار العثماني
- غزة.. إدارة الصراع وفقه المقاومة
- تاريخ علوم المسلمين : أبو الوفاء البوزجاني
- تاريخ علوم المسلمين : أبو الحسن علي بن الحسين المس...
- تاريخ علوم المسلمين : أبو بكر الرازي والطب الإكلينيكي
- تاريخ علوم المسلمين : الخوارزمي: مؤسس علم الجبر
- تاريخ علوم المسلمين : جابر بن حيان صاحب المنهج الت...
- الشيشان جرح ينزف : دور الحكومات والشعوب تجاه القض...
- الشيشان جرح ينزف : المقاومة الشيشانية
- الشيشان جرح ينزف : المجتمع الدولي وعلاقته بالمشكلة
- الشيشان جرح ينزف : الشخصية الشيشانية
- الشيشان جرح ينزف : تاريخ الصراع الشيشاني الروسي
- الشيشان جرح ينزف : الموارد الاقتصادية والاستراتيجية
- الشيشان جرح ينزف : الموقع الجغرافي للشيشان
- فضيلة الدكتور راغب السرجانى : مشكلة الغلاء في بلا...
- الخلافة الأموية : معاوية بن أبى سفيان
- تاريخ الأندلس : الطريق إلى الأندلس
- أخلاقيات المسلم : خلق الحياء
- الأخلاق في الحضارة الإسلامية
- خلافة هارون الرشيد
- قصة إسلام : المفكر الإنجليزي مارتن لينجز
- قصة إسلام :آن سوفي
- حماس حركة إسلامية جهادية سنية سلفية
- هؤلاء قالوا عن الإسلام وعن محمد ـ صلى الله عليه وس...
- تميّز المسلم
- كوسوفا جرح ينزف : (الجزء الخامس ) ... دور الحكوم...
- كشمير جرح ينزف (الجزء الرابع) ..... الوضع المرتقب ...
- كوسوفا جرح ينزف : (الجزء الثالث) ... دول الجوار و...
- كوسوفا جرح ينزف : (الجزء الثانى) ... أعلام المقاوم...
- كوسوفا جرح ينزف (الجزء الأول ) ..... مقدمة الجرح و...
- الحوار الإسلامى والحوار المتعصب ( الجزء الثانى )
- الحوار الإسلامى والحوار المتعصب (الجزء الأول )
- الدولة العثمانية عوامل النهوض وأسباب السقوط
- الدكتور منير جمعة : شهادة الزور
- حرقناه بأيدينا لا بأيديهم
- الجزائر بين الاحتلال والتحرير
- تاريخ علوم المسلمين : الهندسة في الحضارة الإسلامية
- إسهامات علماء المسلمين في علم البصريات
- إسهامات علماء المسلمين في الفيزياء
- تاريخ الدولة العثمانية المفترى عليه
- أكذوبة انتشار الإسلام بالسيف
- قصة الفقه
- الجانب العملي في الحضارة الإسلامية
-
▼
سبتمبر
(44)
أحدث موضوع
المدونة على الفيس بوك
أقسام مهمة
التسميات
- أزمات الأمة (38)
- الخلافة الأموية (1)
- الدولة العثمانية الجزء الثانى (12)
- الدولة العثمانية الجزء الرابع (3)
- الدولة العثمانية الجزء الأول (8)
- الدولة العثمانية الجزء الثالث (10)
- السودان وأزمة الانفصال (10)
- الشيشان جرح ينزف (7)
- النصرانية ما بين التعريف والتحريف الجزء الأول (1)
- تاريخ الأندلس (1)
- تاريخ أمة (42)
- تاريخ حماس والدفاع عنه (1)
- تاريخ فلسطين (2)
- تحليلات هامة (11)
- تربية الأطفال (1)
- تركستان جرح ينزف (8)
- حدث فى مثل هذا (2)
- دروس فى الفقه (1)
- شخصيات إسلامية (2)
- شخصيات أسلموا (2)
- صحابة الرسول (1)
- عجائب التكنولوجيا (1)
- على الصلابى (1)
- عن الإخوان والبنا (4)
- غرائب من الحياة (1)
- غزة بين النار والحصار (7)
- فتاوى اقتصادية (1)
- فتاوى الدكتور منير جمعة (5)
- فتاوى عامة (6)
- فقه السنة (3)
- فلسطين (9)
- فيديو مؤثر (4)
- قالوا عن الإسلام (3)
- قصص من روائع حضارتنا (23)
- كتاب الكبائر للإمام شيخ الإسلام الذهبى (4)
- كشمير جرح ينزف (7)
- كوسوفا جرح ينزف (5)
- مساجد لها تاريخ (1)
- مقالات الأستاذ ثامر عبد الغني سباعنه (1)
- مقالات الدكتور منير جمعة (17)
- مقالات المشرف (13)
- مقالات رمضانية (1)
- مواعظ الإمام ابن الجوزى (16)
- نقاشات (1)
بحث
بحث هذه المدونة الإلكترونية
Categories
المتابعون
فيديو الأسبوع
أحدث التعليقات
أحدث المقالات