الصفحة الرئيسية » تركستان جرح ينزف »
نبذة تاريخية عن تركستان
عاش أبناء تركستان الشرقية منذ فجر التاريخ يزرعون الأرض، ويرعون الماشية، فكانت حضارتهم من أقدم الحضارات التي لم يقم أحد من دارسي الحضارات القديمة بالتفرغ لدراستها.
دخول الإسلام تركستان
ما إن فرغ الفاتح العظيم قتيبة بن مسلم الباهلي من توطيد أركان الإسلام في تركستان الغربية، حتى بادر إلى تركستان الشرقية ففتح بعضها، ومرت السنون حتى آتت الدعوة والاتصال الحضاري بين الإسلام والحضارات الأخرى أُكلها، فتحول التركستانيون إلى الإسلام تحت قيادة زعيمهم "ستوق بغراخان خاقان" رئيس الإمبراطورية القراخانية عام (323هـ/ 943م)، فأسلم معه أكثر من مائتي ألف خيمة (عائلة)، أي ما يقارب مليون نسمة تقريبًا. وقد ضربت النقود باسم "هارون بوغراخان" حفيد "ستوق بغراخان"، ووسع رقعة مملكته فشملت أجزاء من تركستان الغربية، كما ارتقت البلاد في عهده في النواحي الحضارية المختلفة، وكتبت اللغة التركستانية واللهجة الإيجورية -لأول مرة- بالحرف العربي، وكانت أوقاف المدارس تشكل خُمس الأرض الزراعية. ولقِّب هارون بوغراخان بلقب "شهاب الدولة" و"ظهير الدعوة"، ونُقش هذا اللقب على النقود التي سكّت في عهده سنة (332هـ/ 992م).
القراخانيون ونشر الإسلام
وقد لعب القراخانيون المسلمون دورًا مهمًّا في نشر الإسلام بين القبائل؛ ففي سنة (435هـ/ 1043م) استطاعوا إقناع أكثر من عشرة آلاف خيمة من خيام القرغيز بالدخول في الإسلام، ودخلوا في طاعة الخليفة العباسي "القادر بالله"، وضربوا العملة باسمه، ودعوا له على المنابر. وعُرفت "قبائل القرلوق" التركمانية بأنها من أوائل قبائل تركستان الشرقية دخولاً في الإسلام، ثم قبائل التغز والغز السلاجقة والعثمانيين، الذين عُرفوا بجهادهم لنصرة الإسلام، فكانت فتوحاتهم الواسعة في الأراضي التي تتبع الدولة الرومانية، ومع ذلك فقد كانت أجزاء أخرى من البلاد لا تزال في الوثنية تحارب الدعوة الإسلامية، وتناصبها العداء بدعمٍ من الصينيين، ومن أشهر تلك القبائل الكورخانيون (الدولة الكورخانية)، ويسمون أيضًا "الخطل" أو "القراخطائيون"، وكان من أبرز زعماء المسلمين الذين تصدوا لهذه القبائل التركية غير المسلمة السلطان علاء الدين محمد الخوارزمي، الذي انتصر عليهم في بعض المعارك، ومن أشهر المعارك الفاصلة بين الأتراك المسلمين وغير المسلمين موقعة "طراز"، وهي المدينة التي انتصر على أبوابها القائد المسلم "زياد بن صالح" سنة (134هـ/ 751م)، وساندت الإمبراطورية الصينية الأتراك غير المسلمين بجحافل من القوات الصينية، غير أن هزيمتهم وقتْل أكثر من خمسين ألف صيني وأسْر أكثر من عشرين ألفًا منهم - أنهى التدخل الصيني نهائيًّا بين الاتراك.
السامانيون وتركستان الشرقية
كما كان للسامانيين الذين حكموا منطقة آسيا الوسطى وإيران وشمال أفغانستان، دورٌ كبير في تثبيت دعائم الإسلام في تركستان الشرقية. لقد كسب "السامانيون" الأتراكَ الشرقيين للحضارة الإسلامية عن طريق الدعوة السلمية؛ حيث نشطت مدارس وجامعات بخارى وسمرقند وفرغانة في دعم العمل الدعوي بالعلماء المتفرغين للدعوة إلى الإسلام في أوج نشاطها في القرن الرابع الهجري، الذي كان بحق عصر الدعوة الإسلامية الذهبي بين الأتراك الشرقيين، وكان لحرص خلفاء الدولة العباسية على إشراك أهل البلاد المفتوحة في إدارة شئون بلادهم وتأكيد وجوب معاملتهم معاملة عادلة، ما شرح صدورهم للدخول في دين الله أفواجًا، وانخرط أبناؤهم في شتى مجالات الحياة الفاعلة، فكان منهم الجنود وكبار القادة والحكام العظام، وكان نصيب الأتراك الغربيين خاصةً والأتراك الشرقيين أيضًا، نصيبًا كبيرًا من ذلك الفضل العظيم، فظهر منهم مشاهير العلماء في كافة العلوم، خاصة العلم النبوي الشريف، أمثال: البخاري، ومسلم، والترمذي، والبيهقي، والفارابي، وابن سينا، ومحمد بن موسى الخوارزمي، وأبو الريحان البيروني، والزمخشري، وأبو الليث السمرقندي، وأبو منصور الماتريدي، ومحمد بن الحسين الفارقي المشهور بابن نباتة، والإمام الداعية أحمد اليسوي، والإمام الزاهد المحدث عبد الله بن مبارك، ومواطنه الفضيل بن عياض، والإمام المحدث سفيان الثوري، وآخرين لا حصر لهم خدموا الحضارة الإسلامية، وأصبحوا من أعلامها الكبار.
الخلافة العباسية والعنصر التركي
بدأ ظهور العنصر التركي عند تولي الخليفة المعتصم، فكانوا يُجلبون للبيع في أسواق بغداد والقاهرة ودمشق، ولم يكونوا من أهل تركستان الغربية المسلمين، بل كانوا من أهل تركستان الشرقية الذين لم يسلموا بعدُ، وتوسع المعتصم في جعل حرسه وجيشه من الأتراك الشرقيين، الذين يجلبهم له التجار من تركستان الشرقية.
وظهرت مجموعة الدول الإسلامية المستقلة في العصر العباسي الثاني؛ إذ لم تكن تدين لعاصمة الخلافة بغير الولاء الاسميّ، والدعاء للخليفة على المنابر، وإرسال بعض الجبايات والأموال، وكان للأتراك الشرقيين في هذه الدول دورٌ وأيُّ دور، فكان جُلّ الدول التالية من العنصر التركي القادم من تركستان الشرقية:
1- الدولة الغزنوية. 2- الدولة الطولونية. 3- الدولة الإخشيدية. 4- الدولة السلجوقية الكبرى، والسلاجقة العظام ثم السلاجقة في الأمصار المختلفة والأتابكيات. 5- الدولة الخوارزمية.
بروز العنصر التركي
وقد تبع هذا العهد دول كثيرة لعب فيها العنصر التركي القادم من تركستان الشرقية وبلاد القبجاق دورًا بارزًا، وذلك في العهد المملوكي؛ حيث كان كثير من حكام المماليك من تلك المناطق، ثم ظهرت "دولة تيمورلنك" من قبائل البرلاس التركية، وأقام إمبراطورية عظيمة امتدت من الصين إلى روسيا، وخضعت له معظم بلاد العالم آنذاك، ثم تولى أبناؤه من بعده، وأقاموا دولاً باذخة في أفغانستان والهند، وعُرفت الدولة التيمورية في الهند باسم "الدولة المغولية"، وبقيت هذه الدولة حتى القرن التاسع عشر الميلادي. وفي نفس الفترة ظهرت الدولة العثمانية، وكانت أطول عمرًا وأعظم تأثيرًا من كل الدول السابقة، ويرجع آل عثمان إلى الأتراك الشرقيين، الذين استطاعوا توسيع رقعة الإسلام في أوربا، وحماية أقطار الإسلام لفترة طويلة من الغزو الصليبي والاستعمار الأوربي، وخلال القرون العشرة التي تلت ظهور العنصر التركي في التاريخ الإسلامي، كان الأتراك الشرقيون القادمون من أرض توران -وعلى رأسهم القادمون من تركستان الشرقية- هم العنصر المسيطر الذي أنقذ الأمة الإسلامية من الانهيار، وأوقف الزحف الصليبي، وكان بذلك من أعظم الشعوب الإسلامية دفاعًا عن الحضارة الإسلامية، وتمسكًا بصفاء العقيدة الإسلامية، ومحافظةً على التراث الإسلامي.
وهؤلاء الآن في محنة عظيمة استهدفت وجودهم ودينهم واقتصادهم وكيانهم، ألا وهي محنة الاستعمار الصيني الخبيث ، ومحاولة توطين الصينيين، والتهجير الإجباري للفلاحين؛ لتغيير التركيبة السكانية على الأرض، وجعلهم أقلية في بلادهم، ليس لهم حقوق، ولا يملكون من أمرهم شيئًا.
كتبت تحت قسم
أزمات الأمة
,
تركستان جرح ينزف
مواضيع متشابهة:
إذا أعجبتك مدونتى قم بنشرها واشترك بها ليصلك كل جديدها.
الأكثر مشاهدة
المشاركات الشائعة
-
أولا: مفهوم الثبات والمرونة : تنقسم أحكام الشريعة الإسلامية على قسمين : ا لأول : أحكام ثابتة : وهذه لا سبيل إلى البحث فيها ، ولا تقبل الت...
-
موقع إخوان أون لاين ـ مدونة ورود الحق إذا كنا نحتفل بيوم الهجرة فيجب أن نكون جديرين بالاحتفال بهذا اليوم، يجب ألا يكون احتفالنا بالهجرة ...
-
موقع الإخوان المسلميبن ـ ورود الحق بقلم: د. عماد عجوة القيروان.. مدينة تونسية تقع على بُعد 156 كم من العاصمة تونس، وعلى بُعد 57 كم من مدين...
-
مدونة ورود الحق ـ قصة الإسلام ثامر سباعنه السودان دولة عضو في جامعة الدول العربية وفي الاتحاد الإفريقي، وهي أكبر الدول من حيث المساحة في إ...
-
مدونة ورود الحق ـ ويكبيديا أصولهم ونشأتهم ينحدر العثمانيون من قبائل الغز (أوغوز) التركمانية، مع موجة الغارات المغولية تحولوا عن مواطنهم في...
-
مدونة ورود الحق ـ الإسلام اليوم هانئ رسلان تعيشُ الخُرطوم هذه الأيام أجواءًا من الترقُّب المشوب بالقلق؛ بسبب...
-
مدونة ورود الحق ـ ويكبيديا الدولة العثمانية فى عهد مراد الأول ------------------------- السلطان مراد الأول بن السلطان أورخان وأمه الأميرة ا...
-
مراد الرابع --------------- مراد الرابع هو أحد السلاطيين العثمانيين، عاش بين عامي 1612 و1640 حكم 17 عاما منذ عام 1623 وكان عمره آنذاك 11 عام...
-
د. راغب السرجاني العلم حتى النصف الأول من القرن الثاني الهجري بلغت مكانة العلوم الحياتية والتطبيقية في ظلِّ الإسلام مبلغًا عظيمًا، ح...
-
موقع قصة الإسلام ـ مدونة ورود الحق د. راغب السرجاني شأن كل العلوم التي تتقدَّم وتتطوَّر مع تعاقب الأمم والحضارات، قامت العلوم الطبيعيّ...
يتم التشغيل بواسطة Blogger.
أرشيف المدونة الإلكترونية
-
▼
2010
(156)
-
▼
أغسطس
(36)
- قالوا عن الإسلام : المستشرق الإنجليزي البارز السي...
- المسور بن مخرمة
- أهمية العلم وقيمته في الإسلام
- إلى ابن الدعوة...
- ابتكار المسلمين علم الكيمياء
- العالم الإسلامي وعلاقته بمشكلة كشمير
- أعلام المقاومة الكشميرية
- القضية الكشميرية ومراحل تطورها
- جامع القيروان.. أقدم مساجد المغرب العربي
- ابتكار المسلمين علم الجيولوجيا
- إسهامات علماء المسلمين في الطب
- الاقتصاد في الحضارة الإسلامية
- إسهامات علماء المسلمين في تطوير علم التاريخ
- قصة العلوم في الإسلام
- ابتكار المسلمين علم الصيدلة
- القرضاوي: الجهاد في الإسلام فريضة أخلاقية
- نبذة تاريخية عن كشمير
- فتح مكة.. لحظة فارقة في التاريخ
- 14 رمضان : ذكرى وفاة مظفر الدين كوكبوري
- مشكلة كشمير بالتفصيل
- أهم المعالم والمناطق
- مقدمة الجرح الكشميري
- الفلسطينيون ومؤامرة الوطن البديل
- جغرافية فلسطين
- فلسطين إطلالة تاريخية
- المسلمون في تركستان الشرقية.. حتى لا ننسى
- العالم الإسلامي وعلاقته بمشكلة تركستان
- الصين وتركستان الشرقية
- الحركات الإسلامية والوضع الحالي في تركستان
- الموارد الاقتصادية والاستراتيجية في تركستان
- التركيبة العرقية في تركستان
- نبذة تاريخية عن تركستان
- الموقع الجغرافي لتركستان
- بالصور السيد رئيس وزراء الحكومة المقالة بغزة يزور ...
- مجندة إسرائيلية تنشر صورا لها مع أسرى مسلمين مكتفي...
- حذر الأئمة من التحدث بالسياسة خلال دروس رمضان.. زق...
-
▼
أغسطس
(36)
أحدث موضوع
المدونة على الفيس بوك
أقسام مهمة
التسميات
- أزمات الأمة (38)
- الخلافة الأموية (1)
- الدولة العثمانية الجزء الثانى (12)
- الدولة العثمانية الجزء الرابع (3)
- الدولة العثمانية الجزء الأول (8)
- الدولة العثمانية الجزء الثالث (10)
- السودان وأزمة الانفصال (10)
- الشيشان جرح ينزف (7)
- النصرانية ما بين التعريف والتحريف الجزء الأول (1)
- تاريخ الأندلس (1)
- تاريخ أمة (42)
- تاريخ حماس والدفاع عنه (1)
- تاريخ فلسطين (2)
- تحليلات هامة (11)
- تربية الأطفال (1)
- تركستان جرح ينزف (8)
- حدث فى مثل هذا (2)
- دروس فى الفقه (1)
- شخصيات إسلامية (2)
- شخصيات أسلموا (2)
- صحابة الرسول (1)
- عجائب التكنولوجيا (1)
- على الصلابى (1)
- عن الإخوان والبنا (4)
- غرائب من الحياة (1)
- غزة بين النار والحصار (7)
- فتاوى اقتصادية (1)
- فتاوى الدكتور منير جمعة (5)
- فتاوى عامة (6)
- فقه السنة (3)
- فلسطين (9)
- فيديو مؤثر (4)
- قالوا عن الإسلام (3)
- قصص من روائع حضارتنا (23)
- كتاب الكبائر للإمام شيخ الإسلام الذهبى (4)
- كشمير جرح ينزف (7)
- كوسوفا جرح ينزف (5)
- مساجد لها تاريخ (1)
- مقالات الأستاذ ثامر عبد الغني سباعنه (1)
- مقالات الدكتور منير جمعة (17)
- مقالات المشرف (13)
- مقالات رمضانية (1)
- مواعظ الإمام ابن الجوزى (16)
- نقاشات (1)
بحث
بحث هذه المدونة الإلكترونية
Categories
المتابعون
فيديو الأسبوع
أحدث التعليقات
أحدث المقالات
0 التعليقات على هذه المقالة شاركهم برأيك
اكتب تعليقك ورأيك