أحدث الأخبار
مقالات اليوم

كوسوفا جرح ينزف : (الجزء الثانى) ... أعلام المقاومة بكوسوفا

موقع قصة الإسلام ـ ورود الحق
(روجوفا.. غاندي البلقان)
سادت (كوسوفا) حالة من الحزن عقب وفاة الرئيس (إبراهيم روجوفا)، قائد حركة تحرير ألبان (كوسوفا)، الذي يلقبه البعض بـ(غاندي البلقان)، في يوم السبت الموافق (21 يناير 2006م)، عن عمر يناهز الـ(62 سنة)، وكان قد أصيب بسرطان الرئة في (سبتمبر 2005م).
كان قدر (روجوفا) أن يولد سنة (1944م)، والحرب العالمية الثانية على وشك الانتهاء، لتتشكل بعد الحرب الإمبراطورية السوفيتية والبلدان التي تدور في فلكها، ومن بينها (الاتحاد اليوغوسلافي) السابق.
ولا يذكر (روجوفا) من تلك المرحلة إلا ما قرأه عنها بعد ذلك، لكنه عاش وترعرع في ظل نظام الرئيس اليوغوسلافي الأسبق (جوزيف بروز تيتو)، الذي تولى الحكم في (يوغوسلافيا) على رقعة جغرافية واسعة ضمت (صربيا)، و(الجبل الأسود)، و(البوسنة)، و(كرواتيا)، و(سلوفينيا)، و(مقدونيا)، بالإضافة إلى (كوسوفا).
وفي فترة الخمسينيات والستينيات كانت الأشواق القومية لا تزال متأججة، رغم سقوط النازية في (ألمانيا)، والفاشية في (إيطاليا)، واستسلام (اليابان) بعد (ناجازاكي) و(هيروشيما)، وأثار ذلك شغف (إبراهيم روجوفا)، ولامس شيئا في نفسه، تجاه وطنه الأم (ألبانيا)، وعلى الأقل (كوسوفا)، وكان ذلك بعد إنهائه التعليم الابتدائي والثانوي في مسقط رأسه، وتحوله للدراسة في (جامعة السوربون) بـ(فرنسا)، حيث درس اللسانيات وعلوم اللغة.
ورغم أنه قرأ لأنصار الحريات العامة من المنظرين الفرنسيين، أمثال (مونتسكيو) و(روسو) و(فولتير)، ورموز الثورة الفرنسية، إلا أن هواه كان شرقيًّا، متأثرًا بـ(المهاتما غاندي)، إلى جانب تأثره برموز حركة الحقوق المدنية في (الولايات المتحدة الأمريكية)، مثل (مارتن لوثر كنغ)، ثم (مالكوم إكس). وفي العالم العربي قرأ (روجوفا) لـ(جمال الدين الأفغاني)، و(محمد عبده)، و(الكواكبي)، كما كان يبدي اهتماما خاصا بفلسفة (محمد إقبال).
ورغم اهتمام (روجوفا) بالتجارب الفكرية والتحررية في العالم، وإعجابه ونقده لها، إلا أنه ركز جل اهتمامه على بلده (كوسوفا) الذي عانى منذ عدة قرون من (الصقالبة الجنوبيين)، وما يعرف في المنطقة باسم السلاف القادمين لمنطقة (البلقان)، من جبال (شمال آسيا) في القرن التاسع، الذين عكروا صفو حياة الأرناؤوطيين الألبان سكان المنطقة الأصليين.
وقد توسع السلاف في المنطقة واستوطنوا عدة مناطق، ولاسيما ما يعرف اليوم باسم (صربيا) و(الجبل الأسود)، و(البوسنة)، وجزء من (مقدونيا)، و(كرواتيا)، و(كوسوفا). ولم يندحر الصرب عسكريًّا إلا بعد وصول العثمانيين إلى المنطقة، ومثلت معركة (كوسوفا) الحاسمة في سنة (938 هـ= 1389م) منعرجًا تاريخيًّا مُهِمًّا في تاريخ (البلقان) و(كوسوفا)، حيث انهزم الصرب أمام العثمانيين، وقتل ملكهم (لازار).
لكن ضعف العثمانيين وانحسار ظلهم عن المنطقة، عقب حرب (البلقان) (1912، 1913م)- مكّن الصرب من احتلال (كوسوفا) مرة أخرى. وقد استمرت المقاومة الألبانية للاحتلال الصربي متقطعة على مر العصور، واشتعلت بعد الحرب العالمية الثانية. ففي عام (1945م) جرت مصادمات مسلحة بين الألبان والصرب، أعقبها موجة من القمع المنظم مارسها نظام (تيتو) ضد الألبان في (كوسوفا)، وأجبر آلاف الشبان على الهجرة إلى (تركيا).
واستمر التململ الشعبي لعدة سنوات، وأخذ أشكالاً مختلفة من التعبير، لاسيما مظاهرات الطلبة الألبان، واحتجاجات سنة (1968م) التي تعتبر من المحطات المهمة في تاريخ حركة التحرر الألباني، وهو ما دفع السلطات الشيوعية منح (كوسوفا) حكما ذاتيا. إلا أن تلك الإصلاحات لم تكن عميقة بدرجة تلبي مطالب الألبان؛ فعادت الاضطرابات مجددًا عام (1981م)، وجوبهت الاحتجاجات السلمية بإطلاق الرصاص؛ فسقط العشرات منهم مضرجين بالدماء بين قتيل وجريح في ساحات (بريشتينا)، و(بريزرن)، و(كوسفيسكا ميتروفيتسا)، وغيرها.
وبعد بضع سنين، تغيرت المعادلة؛ حيث عمد الألبان لأسلوب آخر، هو النيل من المستوطنين الصرب، الذين جيء بهم من (كرواتيا) و(البوسنة) و(صربيا) و(الجبل الأسود)، لتحقيق توازن ديمغرافي مع الألبان في (كوسوفا). ففي (1988م) تظاهر نحو (6 آلاف) من المستوطنين الصرب ضد ما وصفوه بالمضايقات الألبانية. ولم يتأخر رد ديكتاتور (صربيا) الجديد آنذاك (سلوبودان ميلوسيفيتش)، فأعلن في سنة (1989م) إلغاء الحكم الذاتي لـ(كوسوفا)، مُظهرًا وجهًا قوميًّا عنصريًّا سافرًا، مُعلنًا حمايته للصرب.
وقد كان خطاب (ميلوسيفيتش) نقطة تحول، ليس على مستوى الأوضاع في (كوسوفا) فحسب، بل (يوغوسلافيا) السابقة برمتها، وكان قرار إلغاء الحكم الذاتي في (كوسوفا) بمثابة إلغاء لـ(يوغوسلافيا) السابقة، وإعادة ترسيم الخارطة الجغرافية بـ(البلقان)، بعد انتهاء الحرب الباردة، وانهيار (الاتحاد السوفيتي)، وظهور ما سمي في ذلك الوقت بالنظام العالمي الجديد. وبعد ذلك تطورت الأوضاع وظهرت حركات تطالب بالاستقلال التام عن (يوغوسلافيا)، في كل من (كرواتيا) و(سلوفينيا) و(مقدونيا) و(البوسنة) و(كوسوفا)، فقد جرت مصادمات جديدة بين الصرب والألبان في سنة (1990م) وأعلنت (كرواتيا) و(سلوفينيا) الاستقلال عن يوغوسلافيا، وطالبت ألبانيا باستقلال كوسوفا.
 لم يكن (إبراهيم روجوفا) غائبا عن تلك الأحداث فعندما أعلن (ميلوسيفيتش) إلغاء الحكم الذاتي في (كوسوفا) كان (روجوفا) رئيسا لاتحاد الكتاب الألبان. وفي (1990م) طالب بإعادة الحكم الذاتي لـ(كوسوفا) وأعلن عن تشكيل حزب الرابطة الديمقراطية.
وفي (1992م) انتخب من قبل شعبه رئيسًا لجمهورية (كوسوفا) التي لم تعترف بها (بلغراد)، وتصاعد الغليان في (كوسوفا) باعتقال عشرات الألبان. ولاحقًا تم التوصل إلى (اتفاقية ذايتون) بين الفرقاء في قاعدة دايتون العسكرية بولاية (أوهايو) الأمريكية في (21 نوفمبر 1995م)، وتوقيعها بضمانات دولية في (14 ديسمبر ) من نفس العام في (باريس)، مصدر إلهام كبيراً للألبان في (كوسوفا)، وشجعت الألبان على المطالبة بالاستقلال.
كما غير (روجوفا) رأيه من المطالبة بحكم ذاتي إلى الدعوة إلى استقلال (كوسوفا)، وطرأ على الساحة الألبانية في منتصف تسعينيات القرن الماضي تغيير كبير على صعيد الأفكار، ولم تعد توجهات (روجوفا) السلمية، المستندة إلى مبادئ (المهاتما غاندي)، تقنع الكثير من الشباب الألباني في (كوسوفا)، لاسيما أن جمهوريات (سلوفينيا) و(كرواتيا) و(البوسنة) تمكنت من تحقيق الاستقلال، باستخدام النضال المسلح، بينما ظلت (كوسوفا) أسيرة الهيمنة الصربية، ولم تسعفها طريقة (غاندي) في الحصول على الاستقلال، وبدا (روجوفا) في نظر الكثير من الشباب مؤمنًا بنظرية تناسخ الحلول والتجارب التي أثبتت عقمها في كوسوفا على الأقل.
وقد أدى ذلك التقييم إلى ظهور قيادات جديدة تدعو للكفاح المسلح، وظهر جيش تحرير (كوسوفا)، ليس كتهديد للاحتلال الصربي فحسب، بل لزعامة (روجوفا) ذاته. إلا أن (روجوفا) عبر عن ارتياحه بعد صدور قرار مجلس الأمن في (24 أكتوبر 2005م)، القاضي ببدء محادثات الوضع النهائي في (كوسوفا)، وتعيين (مارتي أهتساري) مبعوثًا خاصًّا للأمين العام للأمم المتحدة لمباحثات الوضع النهائي، ورحب (روجوفا) بذلك واعتبره خطوة على الطريق الصحيح، وقال: "هذا القرار انتظرناه طويلا، وعندما تصبح (كوسوفا) دولة مستقلة ستكون (بلغراد) و(بريشتينا) شريكتين ضمن العائلة الأوربية والمجتمع الدولي".
 

ساعدنا فى نشر هذا الموضوع:

0 التعليقات على هذه المقالة شاركهم برأيك

اكتب تعليقك ورأيك

اشترك ليصلك كل جديدنا...
تابع خلاصة المدونة
بعد الإشتراك :ستصلك رسالة على بريدك الإلكتروني يرجي الضغط على رابط التفعيل فيها ليتم إدراجه في الخدمة الإخبارية , ان لم تصلك الرسالة على صندوق البريد الوارد حاول ايجادها في جنك ميل.!
Subscribe via RSS Feed
إعلانات مواقع أخرى
Template By SpicyTrickS.comSpicytricks.comspicytricks.com
للتبادل الإعلانىللتبادل الإعلانىللتبادل الإعلانى
الأكثر مشاهدة
أحدث موضوع
المدونة على الفيس بوك
أقسام مهمة
بحث
Categories
فيديو الأسبوع
أحدث التعليقات
أحدث المقالات