الصفحة الرئيسية »Unlabelled »
أخلاقيات المسلم : خلق الحياء
وصَّى الإسلام أبناءه بالحياء، وجعل هذا الخُلُق السامي أبرز ما يتميَّز به الإسلام من فضائل، قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : "إِنَّ لِكُلِّ دِينٍ خُلُقًا، وَخُلُقُ الإِسْلامِ الْحَيَاءُ"[1]. فالحياء أمارة صادقة على طبيعة الإنسان، وهو يكشف عن قيمة إيمانه ومقدار أدبه، ويدلُّ على حياة الضمير ونقاء المعدن. وقد "كَانَ رَسُولُ اللهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ الْعَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا"[2].
والحياء يؤسِّس في النفس عاطفة حيَّة، تترفَّع بها عن الخطايا، وتستشعر الغضاضة من سفاسف الأمور، والمرء حينما يفقد حياءه يتدرَّج من سيِّئ إلى أسوء، ويهبط من رذيلة إلى أرذل.
ومِن ثَمَّ كان "الإِيمَانُ وَالْحَيَاءُ قُرَنَاءُ جَمِيعًا، فَإِذَا رُفِعَ أَحَدُهُمَا رُفِعَ الآخَرُ"، كما قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ [3]. وللحياء مواضع يستحبُّ فيها؛ فالحياء في الكلام يتطلَّب من المسلم أن يطهِّر فمه من الفُحش، وأن ينزِّه لسانه عن العيب، قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : "الْحَيَاءُ مِنَ الإِيمَانِ، وَالإِيمَانُ فِي الْجَنَّةِ، وَالْبَذَاءُ مِنَ الْجَفَاءِ، وَالْجَفَاءُ فِي النَّارِ"[4].
ومن الحياء أيضًا أن يخجل الإنسان من أن يُؤْثَر عنه سوء، وأن يحرص على بقاء سمعته نقيَّة من الشوائب، بعيدة عن الإشاعات السيِّئة.
إن الحياء مِلاكُ الخير، وهو عنصر النبل في كل عمل يشوبه، ولو تَجَسَّم الحياء لكان رمزَ الصلاح والإصلاح.
ومن حياء الإنسان مع الناس أن يعرف لأصحاب الحقوق منازلهم، وأن يؤتيَ كل ذي فضلٍ فضله ، وفي الحديث : "تَوَاضَعُوا لِمَنْ تَعْلَمُونَ مِنْهُ"[5]. والحياء ليس جبنًا؛ فإن الرجل الخجول قد يفضِّل أن يُريق دمه على أن يريق ماء وجهه، وتلك هي الشجاعة في أعلى صورها. على أن مَن يتهيَّب تقريع المبطلين ليس حييًّا؛ فالحياء لا موضع له في السلوك عندما يقف المرء موقفًا يناصر فيه الحقّ ، {وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ} [الأحزاب: 53].
والحياء في أسمى منازله وأكرمها يكون من الله ـ عز وجل ـ ، فنحن نَطْعم من خيره، ونتنفَّسُ في جوِّه، وندرج على أرضه، ونستظلُّ بسمائه، {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا} [إبراهيم: 34].
إن من حياء المسلم أن ينزَّه لسانه أن يخوض في باطلٍ ، وبصره أن يرمق عورة، أو ينظر شهوة، وأذنه أن تستَرِقَ سرًّا، أو تستكشف خبأً ، وأن يفطم بطنه عن الحرام؛ فإن فعل ذلك عن شعورٍ بأن الله يرقبه، ونفورٍ من اقتراف تفريط في جنب الله، فقد استحيا من الله حقَّ الحياء.
والحياء بهذا الشمول هو الدِّين كله، فإذا أُطلق على طائفة من الأعمال الجميلة فهو جزء من الإيمان وأثر له ؛ قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : "... وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ"[6].
-------------------------------------------
[1] ابن ماجه: كتاب الزهد، باب الحياء (4181) عن أنس بن مالك ـ رضى الله عنه ـ ، والموطأ - رواية محمد بن الحسن (949)، قال الألباني: صحيح. انظر: السلسلة الصحيحة (940).
[2] البخاري: كتاب المناقب، باب صفة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ (3369) عن أبي سعيد الخدري ، ومسلم: كتاب الفضائل، باب كثرة حيائه ـ صلى الله عليه وسلم ـ (2320).
[3] الحاكم (58) عن عبد الله بن عمر ـ رضى الله عنه ـ ، وقال: هذا حديث صحيح على شرطهما فقد احتجا برواته، ولم يخرجاه بهذا اللفظ. وتعليق الذهبي في التلخيص: على شرطهما. وابن أبي شيبة: المصنف 5/213 (25350).
[4] الترمذي: كتاب البر والصلة، باب ما جاء في الحياء (2009) عن أبي هريرة ـ رضى الله عنه ـ ، وقال أبو عيسى: وفي الباب عن ابن عمر وأبي بكرة وأبي أمامة وعمران بن حصين، هذا حديث حسن صحيح. وابن ماجه (4184)، وأحمد (10519) تعليق شعيب الأرناءوط: صحيح، وهذا إسناد حسن. وقال الألباني: صحيح. انظر: السلسلة الصحيحة (495).
[5] الطبراني: المعجم الكبير 19/450 عن أبي هريرة ـ رضى الله عنه ـ ، والبيهقي: شعب الإيمان (1741)، وقال الألباني: ضعيف. انظر: السلسلة الضعيفة (1610).
[6] البخاري: كتاب الإيمان، باب أمور الإيمان (9) عن أبي هريرة ، ومسلم: كتاب الإيمان، باب بيان عدد شعب الإيمان... (35).
كتبت تحت قسم
مواضيع متشابهة:
إذا أعجبتك مدونتى قم بنشرها واشترك بها ليصلك كل جديدها.
الأكثر مشاهدة
المشاركات الشائعة
-
أولا: مفهوم الثبات والمرونة : تنقسم أحكام الشريعة الإسلامية على قسمين : ا لأول : أحكام ثابتة : وهذه لا سبيل إلى البحث فيها ، ولا تقبل الت...
-
موقع إخوان أون لاين ـ مدونة ورود الحق إذا كنا نحتفل بيوم الهجرة فيجب أن نكون جديرين بالاحتفال بهذا اليوم، يجب ألا يكون احتفالنا بالهجرة ...
-
موقع الإخوان المسلميبن ـ ورود الحق بقلم: د. عماد عجوة القيروان.. مدينة تونسية تقع على بُعد 156 كم من العاصمة تونس، وعلى بُعد 57 كم من مدين...
-
مدونة ورود الحق ـ قصة الإسلام ثامر سباعنه السودان دولة عضو في جامعة الدول العربية وفي الاتحاد الإفريقي، وهي أكبر الدول من حيث المساحة في إ...
-
مدونة ورود الحق ـ ويكبيديا أصولهم ونشأتهم ينحدر العثمانيون من قبائل الغز (أوغوز) التركمانية، مع موجة الغارات المغولية تحولوا عن مواطنهم في...
-
مدونة ورود الحق ـ الإسلام اليوم هانئ رسلان تعيشُ الخُرطوم هذه الأيام أجواءًا من الترقُّب المشوب بالقلق؛ بسبب...
-
مدونة ورود الحق ـ ويكبيديا الدولة العثمانية فى عهد مراد الأول ------------------------- السلطان مراد الأول بن السلطان أورخان وأمه الأميرة ا...
-
مراد الرابع --------------- مراد الرابع هو أحد السلاطيين العثمانيين، عاش بين عامي 1612 و1640 حكم 17 عاما منذ عام 1623 وكان عمره آنذاك 11 عام...
-
د. راغب السرجاني العلم حتى النصف الأول من القرن الثاني الهجري بلغت مكانة العلوم الحياتية والتطبيقية في ظلِّ الإسلام مبلغًا عظيمًا، ح...
-
موقع قصة الإسلام ـ مدونة ورود الحق د. راغب السرجاني شأن كل العلوم التي تتقدَّم وتتطوَّر مع تعاقب الأمم والحضارات، قامت العلوم الطبيعيّ...
يتم التشغيل بواسطة Blogger.
أرشيف المدونة الإلكترونية
-
▼
2010
(156)
-
▼
سبتمبر
(44)
- تاريخ الخلافة العثمانية : الدولة العثمانية.. التأ...
- النشأة والاستقرار العثماني
- غزة.. إدارة الصراع وفقه المقاومة
- تاريخ علوم المسلمين : أبو الوفاء البوزجاني
- تاريخ علوم المسلمين : أبو الحسن علي بن الحسين المس...
- تاريخ علوم المسلمين : أبو بكر الرازي والطب الإكلينيكي
- تاريخ علوم المسلمين : الخوارزمي: مؤسس علم الجبر
- تاريخ علوم المسلمين : جابر بن حيان صاحب المنهج الت...
- الشيشان جرح ينزف : دور الحكومات والشعوب تجاه القض...
- الشيشان جرح ينزف : المقاومة الشيشانية
- الشيشان جرح ينزف : المجتمع الدولي وعلاقته بالمشكلة
- الشيشان جرح ينزف : الشخصية الشيشانية
- الشيشان جرح ينزف : تاريخ الصراع الشيشاني الروسي
- الشيشان جرح ينزف : الموارد الاقتصادية والاستراتيجية
- الشيشان جرح ينزف : الموقع الجغرافي للشيشان
- فضيلة الدكتور راغب السرجانى : مشكلة الغلاء في بلا...
- الخلافة الأموية : معاوية بن أبى سفيان
- تاريخ الأندلس : الطريق إلى الأندلس
- أخلاقيات المسلم : خلق الحياء
- الأخلاق في الحضارة الإسلامية
- خلافة هارون الرشيد
- قصة إسلام : المفكر الإنجليزي مارتن لينجز
- قصة إسلام :آن سوفي
- حماس حركة إسلامية جهادية سنية سلفية
- هؤلاء قالوا عن الإسلام وعن محمد ـ صلى الله عليه وس...
- تميّز المسلم
- كوسوفا جرح ينزف : (الجزء الخامس ) ... دور الحكوم...
- كشمير جرح ينزف (الجزء الرابع) ..... الوضع المرتقب ...
- كوسوفا جرح ينزف : (الجزء الثالث) ... دول الجوار و...
- كوسوفا جرح ينزف : (الجزء الثانى) ... أعلام المقاوم...
- كوسوفا جرح ينزف (الجزء الأول ) ..... مقدمة الجرح و...
- الحوار الإسلامى والحوار المتعصب ( الجزء الثانى )
- الحوار الإسلامى والحوار المتعصب (الجزء الأول )
- الدولة العثمانية عوامل النهوض وأسباب السقوط
- الدكتور منير جمعة : شهادة الزور
- حرقناه بأيدينا لا بأيديهم
- الجزائر بين الاحتلال والتحرير
- تاريخ علوم المسلمين : الهندسة في الحضارة الإسلامية
- إسهامات علماء المسلمين في علم البصريات
- إسهامات علماء المسلمين في الفيزياء
- تاريخ الدولة العثمانية المفترى عليه
- أكذوبة انتشار الإسلام بالسيف
- قصة الفقه
- الجانب العملي في الحضارة الإسلامية
-
▼
سبتمبر
(44)
أحدث موضوع
المدونة على الفيس بوك
أقسام مهمة
التسميات
- أزمات الأمة (38)
- الخلافة الأموية (1)
- الدولة العثمانية الجزء الثانى (12)
- الدولة العثمانية الجزء الرابع (3)
- الدولة العثمانية الجزء الأول (8)
- الدولة العثمانية الجزء الثالث (10)
- السودان وأزمة الانفصال (10)
- الشيشان جرح ينزف (7)
- النصرانية ما بين التعريف والتحريف الجزء الأول (1)
- تاريخ الأندلس (1)
- تاريخ أمة (42)
- تاريخ حماس والدفاع عنه (1)
- تاريخ فلسطين (2)
- تحليلات هامة (11)
- تربية الأطفال (1)
- تركستان جرح ينزف (8)
- حدث فى مثل هذا (2)
- دروس فى الفقه (1)
- شخصيات إسلامية (2)
- شخصيات أسلموا (2)
- صحابة الرسول (1)
- عجائب التكنولوجيا (1)
- على الصلابى (1)
- عن الإخوان والبنا (4)
- غرائب من الحياة (1)
- غزة بين النار والحصار (7)
- فتاوى اقتصادية (1)
- فتاوى الدكتور منير جمعة (5)
- فتاوى عامة (6)
- فقه السنة (3)
- فلسطين (9)
- فيديو مؤثر (4)
- قالوا عن الإسلام (3)
- قصص من روائع حضارتنا (23)
- كتاب الكبائر للإمام شيخ الإسلام الذهبى (4)
- كشمير جرح ينزف (7)
- كوسوفا جرح ينزف (5)
- مساجد لها تاريخ (1)
- مقالات الأستاذ ثامر عبد الغني سباعنه (1)
- مقالات الدكتور منير جمعة (17)
- مقالات المشرف (13)
- مقالات رمضانية (1)
- مواعظ الإمام ابن الجوزى (16)
- نقاشات (1)
بحث
بحث هذه المدونة الإلكترونية
Categories
المتابعون
فيديو الأسبوع
أحدث التعليقات
أحدث المقالات
0 التعليقات على هذه المقالة شاركهم برأيك
اكتب تعليقك ورأيك