قم الليل إلا قليلا
الاثنين، 7 ديسمبر 2009|
درعمىبقلم / الدكتور منير جمعة
الصالحون لهم شوق خاص ، وترقب مشبوب لليل ، كيف لا وقد وصفهم الله بقوله " تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقنهم ينفقون.. فلا تعلم نفس ما أخفي لم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون " وقال عن عباد الرحمن :" والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما"
إن الصلاة في جوف الليل لها روح خاصة ، وأجر وفضل يبينه النبي – صلى الله عليه وسلم – بقوله " أفضل الصلاة بعد الصلاة المكتوبة الصلاة في جوف الليل" ( رواه مسلم )
أيقظ أهلك:
ما أجمل أن يلتحق أهل البيت جميعا بمدرسة الليل ، وأن يكون للزوجة والولد نصيب من هذه المناجاة، فأنت راع ومسئول عن رعيتك ، ونبينا – صلى الله عليه وسلم- يوصي الزوجين فيقول " رحم الله رجلا قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته فصلت فإن أبت نضح في وجهها الماء ، ورحم الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها فصلى فإن أبى نضحت في وجهه الماء " ( رواه أحمد والثلاثة وصححه الحاكم)
وذلك لأن البيت الذي يتخرج في مدرسة الليل يؤثر في الاجيال التي بعده إلى ما شاء الله، والمتخلف عنها يابس قاس، ولذا كان صلاح الدين الأيوبي يتفقد رجاله بالليل ، فإن رأى خيمة مظلمة قد نام أهلها قال : ( من هنا يبطئ علينا النصر)!
وصدق أحد المخلصين حين قال: ( دقائق الليل غالية، فلا ترخصوها بالغفلة).
الليل في رمضان :
إذا كانت دقائق الليل غالية ، فهي في ليل رمضان أغلى ، لأن اللحظات فيه كثيرة النفحات ، ولذلك جاء في الحديث المتفق عليه : " من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه".
وقد كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يصلي قيام اليل مع بعض أصحابه أياما دون أيام مخافة أن تفرض عليهم .
فعن أبي ذر قال : " صمنا مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – رمضان فلم يقم بنا النبي – صلى الله عليه وسلم – حتى بقى سبع من الشهر فقام بنا حتى ذهب نحو من ثلث الليل ثم كانت سادسة فلم يقم بنا فلما كانت الخامسة قام بنا حتى ذهب نحو من شطر الليل قلنا يا رسول الله لو نفلتنا قيام هذه قال إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف حسب له قيام ليلة قال ثم كانت الرابعة فلم يقم بنا فلما بقي ثلث من الشهر أرسل إلى بناته ونسائه وحشد الناس فقام بنا حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح ثم لم يقم بنا شيئا من الشهر قال داود قلت ما الفلاح قال السحور " ( رواه الأربعة )
وانظر معي إلى ما جاء في الحديث:" إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف حسب له قيام ليلة " فلا ينبغي أن ندع شواغل الدنيا تنتصر علينا في أيام الخير والمجاهدة ، فلا أقل من أن نصلي مع الإمام في المسجد ليكتب لنا قيام الليلة كلها .
- أيها المقصر ..لا تتفلت :
- كلنا ذنوب ، والتقصير يلفنا من بين أيدينا ومن تحت أرجلنا ، فهل نستمر في هذه الحالة البائسة ؟
إن الذنب لا يغسل إلا بدمع ، وهكذا كان رجال الإسلام كما قال ابن القيم في وصفه لهم :
يجيون ليلهم بطـــاعة ربهــــــم بتلاوة ، وتضرع ، وسؤال
وعيونهم تجري بفيض دموعهم مثل انهمال الوابل الهطــال
في الليل رهبان ، وعند جهادهم لعدوهم من أشجع الأبطـال
بوجوههم أثر السجود لربهـــــم وبها أشعة نــوره المتلائـي
وما أعظم دموع المنيب في السحر ، حين يقوم في وقت الغفلة ، ونزول الرحمة ومناجاة الرب: هل من سائل فأعطيه؟هل من مستغفر فأغفر له ؟
قلت لليل ، كم بصدرك ســــــر أنبئني ما أروع الأســــــرار؟
قال : ما ضاء في ظلامي ســر كدموع المنيب في الأسحـــار
- احذر الغفلة !
آه كم أرخصنا الدقائق الغالية بالغفلة ، فترى الواحد منا يتفلت منها رويدا رويدا، حتى إذا جاء نصف رمضان ، وجدت أكثر الناس قد انفضوا عن القيام فثقل المغرم ، ولم يجعل الله لنا من أمرنا يسرا! إن تعلم الإخلاص ، والشعور بلذة القرب والمناجاة ، وفضح الأمل الدنيوي الكاذب أجلى أعطيات مدرسة الليل :
يا ليل قيامـــك مدرســـــة فيهــــا القرآن يدّرســــــــنـي
معنــــى الإخلاص فالزمه نهجــا بالجنــــة يجلســــــنــي
ويبصرني كيف الدنيــــا بالأمل الكاذب تغمســـــــنــي
مثل الحربــاء تلونهــــــا بالإثم تحـــــــاول تطمســــني
فأبعدهـــــا وأعانـــــدها وأراقبهــــــا تتهجســـــــــــني
فأشد القلــــب بخالقــــه والذكر الدائــــم يحرســــــــني
عن الغافلين عن الليل ومدرسته كثيرون ، فاحذر أن تنجرف ، فإن البعير الأجرب يعدي غيره ، واطلب لنفسك السلامة – قبل أن تضيع الفرصة وتقع الندامة ، وهذا منهاجنا الذي لا يميل : ( نعم الرجل عبد الله لو كان يقوم من الليل)
كتبت تحت قسم
مقالات الدكتور منير جمعة
0 التعليقات على هذه المقالة شاركهم برأيك
اكتب تعليقك ورأيك