أحدث الأخبار
مقالات اليوم

السودان وأزمة الانفصال : مآلات انفصال جنوب السودان

مآلات انفصال جنوب السودانالإسلام اليوم ـ مدونة ورود الحق 
هانئ رسلان
كَانَ يقدم عرضًا موجزًا لورقته المعنونة مآلات انفصال جنوب السودان على المناطق الثلاثة..‏ لم تكن هناك فسحةٌ من الوقت للحوار أو التبادل أو التعارف عن قرب‏,‏ بسبب كثرة الأوراق وتتالي المتحدثين في ندوة‏ "تقرير المصير.. الحق والواجب" بالخرطوم‏,‏ كان البعض ينادونه بلقب "مولانا" الذي يعني في التقليد السوداني أنه من رجال القانون‏..‏ ورقته كانت من بين أوراق أخرى هامة أثارت الاهتمام والنقاش، وقد قام بعد ذلك بنشرِها على عدة حلقات في مقالِه الأسبوعي بجريدة "الصحافة" بعد أن قام بتطويرها كما ذكر‏,‏ طبقًا لما دارَ من مناقشاتٍ في قاعة الصداقة‏.‏وهي تهدف في جوهرِها إلى التحذير من نُذر الحرب والصراع في مناطق جبال النوبا وجنوب النيل الأزرق وإبيي في حالة انفصال الجنوب‏,‏ وذلك بعد أن قدَّم عرضًا للتكوين الإثني، ونوعية العلاقات القائمة في هذه المناطق، وكيفية تحوُّلِها إلى الصراع أثناء الجولة الثالثة من الحرب الأهلية‏,‏ وانحياز نسبة غالبة من السكان إلى الحركة الشعبية، وقد تناولت الورقة أيضًا التعقيدات التي سوف تحيط مسألة "المشورة الشعبية" التي تعني لدى البعض الحصول على حق تقرير المصير‏,‏ بمعنى الانضمام إلى الجنوب أو الاستقلال أو النظر في خيارات أخرى‏,‏ ويسوق استدلالاتٍ وقراءاتٍ عدة في هذا الشأن‏,‏ الأمر الذي يُترجِم في النهاية الكثير من المخاوف الحقيقية لدى الكاتب، وهو أحد أبناء المنطقة الذين يحملون همومَها‏,‏ ويشفقون من المستقبل وينادون بأنه من الممكن تجنُّب كل هذه الكوارث عبر العمل الجاد والحادب والمخلِص‏,‏ وعبر إعمال ما يسميه فقه الضرورة من أجل الحفاظ على الأهداف الأسمى، وهي حياة الإنسان وأمنه وحقه في السلام والتنمية‏.‏ اطّلاعي على ورقة حسن برشوم قادني إلى متابعة العديد من أعماله وكتاباته السابقة‏,‏ وقد فهمتُ منها أنه انتقل من العمل في سلْك القضاء إلى حقل العمل الإنساني والإغاثي‏,‏ وراكَمَ خبرات عمليَّة ومباشرة في كثير من أصْقاع السودان التي نكبتها الحروب والصراعات واجتمعت إليها قسوة الطبيعة في بعض الأحيان‏,‏ فأصبح أكثر درايةً وقُربًا من هموم ومعاناة أهل حزام التماس الرابط بين شمال السودان وجنوبِه‏..‏ وليس فقط هموم وأوجاع منطقته ومرتع صِباه في جبال النوبا‏.‏ يقول برشوم: إن شعب التماس هو الذي يملكُ قرار الوحدة وليست صناديق الاستفتاء وحدها‏..‏ التماس هذا الشريط الذي يحزم به السودان وسطه، هو الذي تقرر فيه ثلاث وثمانون قبيلة ترقد على خاصرتِه المتمدِّدَة من غرب السودان إلى شرقه‏,‏ تمكث ثمانية أشهر بقُطعانِها بالجنوب والبقية بالشمال‏,‏ إضافة إلى الحركة الشعبية في جبال النوبة والنيل الأزرق‏..‏ الأطفال الذين لا يتصوّرون انفصال أمهم عنهم‏,‏ فقد ينفصل الأب عن الأم، ولكن من غير المتصور أن تنفصل الأم عن أولادِها‏..‏ وكلاهما كان وقودًا للحرب هنالك بين الشمال والجنوب، حيث الحرب بالوكالة‏..‏ جاء وقت دفْع المستحقات‏-‏ ولا أقول التنمية‏-‏ ولكن الاعتراف بالقضية هو في حد ذاته قضية. يقول في موضع آخر‏:‏ إن غير الوحدة يعني صحوة كل الحروب النائمة والخلافات المؤجَّلة‏..‏ والوحدة من وجهة نظره لا يقرِّرُها السياسيون أو ذوو الأغراض والأهداف السياسية وحدهم‏,‏ وإنما يقرِّرُها المواطن العادي الذي يحسب حساباته العادية مثل‏:‏ ماذا يعني الانفصال لي؟ هل هو بمثابة فرصة للحصول على وظيفة؟ هل هو للحصول على الحرية؟ ألست حُرًّا الآن؟!‏ ماذا يحقق الانفصال؟!‏ مزيد من القتال القبَلي وانفراط الأمن‏..‏ وأن نسج ثوب للوحدة يقوم كحائط صد ضد العودة إلى الصراعات الإثنية الحادة‏,‏ وما يستتبع ذلك من تداعيات وتطورات‏,‏ وإنه من اللازم والضروري تشجيع الحركة الاجتماعية الثقافية الحرَّة التلقائيَّة البعيدة عن المظلَّة الرسمية التي كانت تحفزُ مؤسسات المجتمع حتى تعبِّر عن نفسها بشكل واضح، يقول أيضًا أن السودان بلد مركب ثقافيًّا واجتماعيًّا‏,‏ ثريّ بتنوعِه‏,‏ شامخ بقِيَمِه وموروثاتِه التي بدأت تزحف نحو متاحف التاريخ بفعل مواقف القوى السياسية‏.‏ يلجأُ حسين برشوم كثيرًا إلى رواية حوادث وحكايات من الواقع تعبِّر عن الحكمة الفطرية‏,‏ وتشيد بالتفاعل السَّلِس والإيجابي بين الناس الذين إذا تُركوا لطبيعتهم فإنهم يبحثون عن طرق التلاقي والامتزاج ويعبدونها من أجل العَيْش المشترك، ويعبِّرون عن ذلك في أمثالهم وأهازيجهم وذكرياتهم التي يستخلصون منها العبر، في هذا السياق يُورد تفاصيل واحدة من تطبيقات سياسة المناطق المقفولة‏، والتي أتى بها المستعمِر البريطاني لقطع التواصُل وإقامة الحواجز‏,‏ فيروي قصة مؤتمر "الكتن" في ‏1947‏م الذي نظَّمَه المدير البريطاني "دينج جبرا" الذي اشتهر بأنه كان قاسيًا في إدارته‏..‏ هذه القصة أكثر تأثيرًا وإيضاحًا من عشرات الكتب التي تحدَّثَت عن هذه السياسة التي وضعت بذور الصراع والحرب الأهلية‏..‏ دعي إلى المؤتمر ناظر الحوازمة آنذاك "حماد أسوسة",‏ وأمين الدردمة،‏ ولفيف من العرب والنوبة، سأل المفتش الأمير حماد أسوسة: أين تسكن الأرنب؟ رد بأنها تسكن القوز‏,‏ فعاد وقال‏:‏ العرب ده الأرنب‏,‏ ولازم يسكن القوز‏..‏ ممنوع عربي يسكن الجبال.. فاهم؟ ثم التفتَ المفتش إلى الأمين الدردمة وسأله‏:‏ أين يسكن الكيكو ‏(حيوان أشبه بالفأر لكنه أكبر قليلًا‏)؟ قال: الكيكو يسكن الجبل، قال‏:‏ خلاص النوبة ده الكيكو لازم يسكن الجبل.. فاهم؟‏ وانفضَّ المؤتمر‏.‏ وكان أقصر مؤتمر على وجه الأرض‏!!‏ ثم شرع دينق جبرا في حرْق منازل العرب المقامة في أسفل الجبل‏,‏ ولم تسلمْ منازل النوبة المقامَة في القوز، فقد لقيت ذات المصير‏.‏ يقول الكاتب بوجدان مكلوم :  إنه إذا فشلت الوحدة‏,‏ فلا يهمّ بعد ذلك أن يكون السودان ثلاث دول أو أربع أو تسع أو لا يكون البتة‏,‏ أو تقسَّم أطرافه بين الدول التي تُحيط به‏,‏ لأن الأرض التي روَتْها دماء السودانيين من عشية الاستقلال حتى الآن من الطرفين‏,‏ كانت من أجل السودان الموحَّد‏,‏ ولم تكنْ من أجل إطالة أمد حُكم هذا الزعيم أو ذاك أو إقامة دولة الأماتونج‏.

ساعدنا فى نشر هذا الموضوع:

0 التعليقات على هذه المقالة شاركهم برأيك

اكتب تعليقك ورأيك

اشترك ليصلك كل جديدنا...
تابع خلاصة المدونة
بعد الإشتراك :ستصلك رسالة على بريدك الإلكتروني يرجي الضغط على رابط التفعيل فيها ليتم إدراجه في الخدمة الإخبارية , ان لم تصلك الرسالة على صندوق البريد الوارد حاول ايجادها في جنك ميل.!
Subscribe via RSS Feed
إعلانات مواقع أخرى
Template By SpicyTrickS.comSpicytricks.comspicytricks.com
للتبادل الإعلانىللتبادل الإعلانىللتبادل الإعلانى
الأكثر مشاهدة
أحدث موضوع
المدونة على الفيس بوك
أقسام مهمة
بحث
Categories
فيديو الأسبوع
أحدث التعليقات
أحدث المقالات