الصفحة الرئيسية » السودان وأزمة الانفصال »
قبل أيام من الاستفتاء السوداني.. لماذا الجميع مستسلم؟
حسب المتفق عليه فإنه لم تبق إلا عدة أيام ويدخل السودان والعرب في نفق الانفصال والتفكيك، ولم يعد يفصلنا كثير عن تلك الفاجعة التي ستلمُّ بالسودان والعرب والمسلمين.
القاطرة ماضية والسودانيون من نشأ منهم في ظل السودان الرحيب، مركز الإسلام الرئيسي ببلاد الشرق والوسط الإفريقي، وعنوان الدعوة الإسلامية في القارة السمراء سيحين عليه أجل الانفصال بعد أقل من أسبوع ليجد بلده الممتد قد انكمش، وانكمشت معه أوراقه الإقليمية، ودوره الإفريقي، وسيقابلون الحقيقة القاسية بدموع وأسى، ولربما من بين الجموع العربية والإسلامية الغافلة سيشاطرهم البعض تعاطفًا وحزنًا وألمًا، لكن ما قيمة الأسى حين تجيء ساعة الحقيقة؟! وما الذي عساها تصنع الدموع في عالم السياسة؟!
لقد مر على السودان ساعات عصيبة كان يجابه فيها التمرد بكل قوته -وحده كالعادة- وكانت حكومته تسيِّر الكتائب وقوات الدفاع الشعبي التي وصفت قتالها بالجهاد المقدس، واصفة كل فقيد لها في قتال المتمردين بالشهيد، وقاومت بكل شجاعة جموع المتمردين التي كانت قد اقتربت من الخرطوم أواخر حكم النظام السابق، ولم ترفع أبدًا راية الاستسلام أمام تمرد مدعوم من "إسرائيل" وبريطانيا والولايات المتحدة؛ فما الذي دعاها الآن لتسليم الجنوب لـ"إسرائيل" بكل هذه البساطة؟!
لقد صمد السودان وهو يعاني من مشكلات اقتصادية عويصة، والغرب في أوج قوته وطغيانه، أمام مخططات التقسيم؛ فما الذي جعله يستسلم للتقسيم والحال قد تغير؟ إذ إن معدلات النمو قد أصبحت في أعلى درجاتها بالسودان، والولايات المتحدة و"إسرائيل" وأوربا يمرون بظروف اقتصادية لم تحصل منذ الحرب الباردة، وتراجع استراتيجي واضح في عالم متعدد الأقطاب، تبرز فيه الصين، الحليف الأبرز للحكومة السودانية، كقوة اقتصادية دولية كاسحة وغيرها من الدول، ويخطب الجميع وُدَّها بمن فيهم الولايات المتحدة ذاتها.
والعرب الذين ترهبهم الولايات المتحدة، كان من المفترض أنهم قد أضحوا في حل من كثير من التزامات تقيدهم عن الوفاء للسودان بما يستحق من التأييد والمساندة والدفع باتجاه الوحدة عبر "تشجيع" الجنوب على التمسك بالوحدة، اندفعوا في اتجاه تشجيع الانفصال والتعهد بضمان تسديد فاتورة الانفصال بسخاء، ضاربين عرض الحائط بمخاطر عظمى تدق أبواب وحدة دولهم الهشَّة بعد انفراط حبات الانفصال من السودان، لا يزالون مستسلمين حتى لو انهارت الولايات المتحدة الأمريكية أمامهم من فرط تخاذلهم وارتهانهم لها.
والشقيقة الكبرى التي ستشب نيران التقسيم في ثيابها، وتكتوي بلهيب الانفصال السوداني على كافة الأصعدة ومن أهمها قضية مياه النيل المتفاقمة، ونخبتها المثقفة، "نَأَتْ بنفسها عن التدخل في الشأن السوداني" الذي كان أحد أكبر أولوياتها الاستراتيجية حتى إبان الاحتلال الانجليزي لها، وانشغلت بمشكلاتها الداخلية حتى غدت حادثة الكنيسة أهم من تفتُّت وادي النيل.
الجميع استسلم للانفصال، وتركوا الطريق ممهدًا لحدوثه، والأسباب تتضافر لحصوله؛ فالداخل التزم باتفاقية وقّعها -وجميعنا ملتزم بالقانون الدولي دون العالمين- وليس لديه أي نية للتراجع عنها برغم تلاشي كل "الحوافز" الغربية الوهمية على الانفصال، والخارج العربي يتوارى خلف مسئولية حكومة الخرطوم عن الانفصال، ويتدثر بـ"ديمقراطية" الاستفتاء، وجماهيرنا العربية لم تزل بعيدة عن دائرة التأثير، وربما الانفعال أيضًا.
مواضيع متشابهة:
إذا أعجبتك مدونتى قم بنشرها واشترك بها ليصلك كل جديدها.
الأكثر مشاهدة
المشاركات الشائعة
-
كاتب المقال مشرف مدونة ورود الحق بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجعين وبعد : فقد طالعتنا الصحف والمجلات و...
-
أولا: مفهوم الثبات والمرونة : تنقسم أحكام الشريعة الإسلامية على قسمين : ا لأول : أحكام ثابتة : وهذه لا سبيل إلى البحث فيها ، ولا تقبل الت...
-
موقع الإخوان المسلميبن ـ ورود الحق بقلم: د. عماد عجوة القيروان.. مدينة تونسية تقع على بُعد 156 كم من العاصمة تونس، وعلى بُعد 57 كم من مدين...
-
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين والصلاة والسلام على أشرف الخلق وبعد : مدونة ورود الحق حينما كنا طلابا في الصف الثالث الإعدادي بل وفى ال...
-
موقع إخوان أون لاين ـ مدونة ورود الحق إذا كنا نحتفل بيوم الهجرة فيجب أن نكون جديرين بالاحتفال بهذا اليوم، يجب ألا يكون احتفالنا بالهجرة ...
-
تأليف صاحب مدونة ورود الحق عندما تغرب الشمس ويقفر الطريق ونفقد الرفيق ويشتد فينا الحريق حيث لا ماء لا بريق عندما يضيع المرء فى بحر من الأوه...
-
خاص ـ ورود الحق هلاك الظالمين نعمة كبرى ومنة عظمى ، قال تعالى ، ( فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين ) " الأنعام 45...
-
كاتب المقال مشرف مدونة ورود الحق بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله ( رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأ...
-
مدونة ورود الحق ـ الإسلام اليوم هانئ رسلان تعيشُ الخُرطوم هذه الأيام أجواءًا من الترقُّب المشوب بالقلق؛ بسبب...
-
حينما يشتد الظلم وتشتد ظلام الأيام وتتفرق الأمانى والأحلام وتتشتت الأسرة بين دياجى الظلم والطغيان تنزف الدموع وتنسكب ويتحسر القلب وينفجر وتض...
يتم التشغيل بواسطة Blogger.
أحدث موضوع
المدونة على الفيس بوك
أقسام مهمة
التسميات
- أزمات الأمة (38)
- الخلافة الأموية (1)
- الدولة العثمانية الجزء الثانى (12)
- الدولة العثمانية الجزء الرابع (3)
- الدولة العثمانية الجزء الأول (8)
- الدولة العثمانية الجزء الثالث (10)
- السودان وأزمة الانفصال (10)
- الشيشان جرح ينزف (7)
- النصرانية ما بين التعريف والتحريف الجزء الأول (1)
- تاريخ الأندلس (1)
- تاريخ أمة (42)
- تاريخ حماس والدفاع عنه (1)
- تاريخ فلسطين (2)
- تحليلات هامة (11)
- تربية الأطفال (1)
- تركستان جرح ينزف (8)
- حدث فى مثل هذا (2)
- دروس فى الفقه (1)
- شخصيات إسلامية (2)
- شخصيات أسلموا (2)
- صحابة الرسول (1)
- عجائب التكنولوجيا (1)
- على الصلابى (1)
- عن الإخوان والبنا (4)
- غرائب من الحياة (1)
- غزة بين النار والحصار (7)
- فتاوى اقتصادية (1)
- فتاوى الدكتور منير جمعة (5)
- فتاوى عامة (6)
- فقه السنة (3)
- فلسطين (9)
- فيديو مؤثر (4)
- قالوا عن الإسلام (3)
- قصص من روائع حضارتنا (23)
- كتاب الكبائر للإمام شيخ الإسلام الذهبى (4)
- كشمير جرح ينزف (7)
- كوسوفا جرح ينزف (5)
- مساجد لها تاريخ (1)
- مقالات الأستاذ ثامر عبد الغني سباعنه (1)
- مقالات الدكتور منير جمعة (17)
- مقالات المشرف (13)
- مقالات رمضانية (1)
- مواعظ الإمام ابن الجوزى (16)
- نقاشات (1)
بحث
بحث هذه المدونة الإلكترونية
Categories
المتابعون
فيديو الأسبوع
أحدث التعليقات
أحدث المقالات
غير معرف
4 فبراير 2022 في 11:09 م
Youtube - Videoslend.cc - YouTube
Videoslend.cc Videoslend.cc was founded in 2006 and is one of the youtube to mp3 world's leading free online channels. Find YouTube.com videoslend.cc's channels.